وكلام المختلف في فرض سبق الطهارة أوجه ؛ لأنّ نفي احتمال التجديد يقتضي توسّط الحدث بين الطهارتين ، إلا أنّ هذا القسم راجع إلى التعاقب ، فلا يحتاج إلى استدراكه هنا.
وإن لم يتّفق له تحقيق هذه القيود ، بل إنّما تحقّق الطهارة والحدث وشكّ في المتأخّر منهما من غير تحقيقٍ لحاله كما ذكرناه ، وجب عليه الطهارة ، سواء علم حاله قبلهما أم لا ؛ لقيام الاحتمال واشتباه الحال.
واعلم أنّ هذه المسألة تتشعّب إلى اثني عشر قسماً ؛ لأنّ الطهارة والحدث إمّا أن يتيقّنهما متّحدين ، أي : متساويين عدداً ، متعاقبين ، أي : لا يتكرّر منهما مِثلان ، بل إنّما يعقب الطهارة الحدث أو بالعكس ، أو لا ولا ، أو أحدهما خاصّةً ، فالصّور أربع ، ثمّ إمّا أن يعلم حاله قبل زمانهما متطهّراً أو مُحدثاً ، أو لا يعلم شيئاً ، ومضروب الثلاثة في الأربعة اثنا عشر يعلم حكمها بالتأمّل بعد مراجعة ما تلوناه.
وأمّا الثالثة وهي الشكّ في شيء من أفعال الوضوء وهو على حاله فوجه الإعادة فيه ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت إلى حالة أُخرى في الصلاة أو غيرها وشككت في شيء ممّا سمّى الله عليك وضوءه فلا شيء عليك. (١)
وهذه الرواية (٢) كما يحتمل أن يريد بـ «حاله» حال الوضوء كما قلناه أوّلاً يحتمل أن يريد به حال المتوضّئ ، فيعود الضمير على الفاعل المضمر في قوله : «ولو شكّ» فعلى هذا يرجع ما دام على حاله التي توضّأ عليها وإن فرغ من أفعال الوضوء.
لكن يرجّح الأوّل ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عنه عليهالسلام إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه (٣) ـ والمراد : إنّما الشكّ الذي يلتفت إليه ـ وغيره من الأخبار.
واحتمال عود الضمير في «حاله» إلى الشيء المشكوك فيه المذكور قبله صريحاً لا دليل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ١٠٠ / ٢٦١.
(٢) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة. والظاهر زيادة جملة «هذه الرواية» بقرينة ما بعدها ، ويحتمل سقط عبارة هنا ، فلاحظ.
(٣) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢.