كما في المثال ، ومع هذه القيود لا تبقى المسألة بعد التروّي من باب الشكّ في شيء ؛ لأنّ علم الترتيب المذكور يحصّل اليقين بأحدهما ، فهو كالشاكّ في مبدأ السعي وهو يعلم الزوجيّة أو الفرديّة ، فبأدنى توجيه الذهن يعلم المبدأ ، لكن لمّا كان الشكّ حاصلاً في أوّل الأمر قبل التروّي جاز عدّ المسألة من مسائل الشكّ ، كمن شكّ في صلاته ثمّ تيقّن أحد الطرفين أو ظنّه ، فإنّها تذكر في مسائل الشكّ باعتبار أوّل أمرها.
ولمّا استشعر المصنّف في القواعد عدم تماميّة استصحاب الحالة السابقة مطلقاً قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين ، ثمّ حكم باستصحاب حاله. (١) وأراد به لازم الاستصحاب مجازاً ؛ فإنّه إذا حكم بكونه متطهّراً مع تخلّل الحدث المزيل لحكم استصحاب الطهارة الأُولى ثبت لازمه ، وكذا الحدث.
والمحقّق في المعتبر مال إلى عكس ما ذكره المصنّف ؛ فإنّه قال فيه بعد ما ذكر توجيه كلام الشيخين : ويمكن أن يقال : يُنظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين ، فإن كان حدثاً ، بنى على الطهارة ؛ لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة ولم يعلم تجدّد الانتقاض فصار متيقّناً للطهارة شاكاً في الحدث فيبني على الطهارة ، وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّراً ، بنى على الحدث ؛ لعين ما ذكرناه من التنزيل. (٢) انتهى.
والذي يحصل لنا في المسألة بعد تحرير كلام الجماعة أنّه إن علم التعاقب ، فلا ريب في الاستصحاب ، وإلا فإن كان لا يعتاد التجديد بل إنّما يتطهّر حيث يتطهّر طهارة رافعة للحدث ، فكلام المحقّق رحمهالله مع فرض سبق الحدث أوجه ؛ لضعف الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه المعتبر ، وعدم العلم بتعقّب الحدث لها ، المقتضي للإبطال إذا علم أنّه كان قبلهما مُحدثاً.
ولا يرد حينئذٍ أنّ يقين الحدث مكافئ ليقين الطهارة ؛ لأنّ الطهارة قد علم تأثيرها في رفع الحدث ، أمّا الحدث فغير معلوم نقضه للطهارة ؛ لاحتمال أن يقع بعد الحدث الأوّل قبل الطهارة ؛ إذ الفرض عدم اشتراط التعاقب ، فلا يزول المعلوم بالاحتمال ، بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشكّ في الحدث.
__________________
(١) قواعد الأحكام ١ : ١٢.
(٢) المعتبر ١ : ١٧١.