المفاهيم.
إنّ رجالات قريش قاوموا دعوة الرسول وجَدُّوا في محاربته ، ومطاردة أتباعه وتعذيبهم وتهجيرهم وإيذائهم وسخريتهم (١) ، لكنّ الله حفظه رغم مكر وإيذاء قريش له ـ رجالاً ونساءً ـ فكم من مرّة نشرت أم جميل ـ زوجة أب لهب ـ الشوك في طريقه صلىاللهعليهوآله ، أو القت الرماد والتراب والکرش عل رأسه الشريف وثيابه الطاهرة.
وقد روي عن أبي لهب لعنه الله أنّه كان يستهزئ برسول الله صلىاللهعليهوآله ويقول : يعدني محمّد أشياء لا أراها ، يزعم أنّها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يدى بعد ذلك ثمّ ينفخ في يديه ويقول : تبّاً لكما لا أرى فيكما شيئاً ممّـا يقول محمّد. فأنزل الله تعالى : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (٢).
بهذا المنطق وهذا الاستهجان والتسخيف ، والشدّة والغلظة تعاملوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لكنّ الله طمأنه وقال له : (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٣).
فرسول الله صلىاللهعليهوآله سلّم نفسه لكل البلايا من القتل والغدر والإيذاء ونسبة السفه والجنون إليه.
كما أنه رأى نزو القردة على منبره الشريف (٤) ، وأخبره جبرئيل ـ وفي آخر : ملك المطر ـ بأن أمّتة ستقتل فلذة كبده الإمام الحسين بن علي عليهاالسلام ثمّ إنّه
________________
١ ـ بحار الأنوار ١٨ : ٢٤١ / ٨٩ ، وسيرة ابن إسحاق : ٤ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ٢٣٠ ، وسيرة ابن هشام ٢ : ١٩٩.
٢ ـ سيرة ابن هشام ٢ : ١٩٦ ، البداية والنهاية ٣ : ٨٧ ، سيرة ابن كثير ٢ : ٤٩.
٣ ـ الحجر : ٩٥.
٤ ـ انظر تفسير روح المعاني ١٥ : ١٠٧ ـ ١٠٨ وتفسير الكبير للرازي ٢٠ : ٢٣٦ في تفسير قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).