المودّة في القربى ، أو المودّة للقربى؟
ويتأكّد هذا المعنى أكثر لو عرفنا سرّ قوله سبحانه : (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ولم يقل (إلاّ المودّة للقربى) ، مع أنّ المتداول في لغة العرب هو مجيئها باللام فتقول : مودّتي لفلان ، ولم تقل : مودّتي في فلان ، أو تقول : مودّتي لأخيك واضحة ، ولا تقول : مودّتي في أخيك واضحة ، أو : مودّتي لعشيرتي ولبلدي ، ولا تقول : مودّتي في عشيرتي وفي بلدي.
فلماذا نرى النصّ القُرآني يُغاير هذا السِّياق الأدبيّ في آية المودّة ، وما السرّ في هذا الاختلاف؟ وهل فيه من علّة؟
السّرّ في الآية هو الإشارة إلى لزوم الأخذ عن أهل البيت ، وأنّ المودّة ـ الّتي هي أجر الرسالة ـ يجب أن تكون في هؤلاء فقط لا في غيرهم ، أي أنّ هذه الآية تكون معنىً آخر لآية التطهير ، وآية المباهلة ، وحديث الثقلين ، وآية البلاغ ، لأنّ آية القربى معناها واضحٌ وأنها جاءت مفسرة لآيتي التطهير والمباهلة.
ومن المعلوم أيضاً بأنّ الله حينما أوجب مودّة قربى النبيّ لم يكن لتعظيم الجانب القبليّ عند العرب ؛ إذ تراه ذمّ عمّ النبيّ وزوجته بقوله : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ... إلى آخر السورة ، وهذا يعني بأنّ الجانب القبليّ غير مقصودٍ في أمر الله.
كما أنّه تعالى أخرج ابن نوح من أهله (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (١) وهذا يؤكّد بأنّ المقصود من (المودّة في القربى) لم يكن محبّة
________________
١ ـ هود : ٤٥.