وقد مثّل القرآن الكريم هذه الظلمات بظلمة قعر البحر الشديد الظلمة الذي يزداد ظلمة بحركة موجه فيعلوه موج فوق موج وقد حجب السحاب كلّ نور فوقه ، فهي ظلمات بعضها فوق بعض إلىٰ درجة انه لا يستطيع أن يرىٰ يده إذا أخرجها ، فما قيمة هذه الحياة التي لا ترىٰ النور ؟ والله سبحانه هو جاعل النور ولا جاعل له سواه.
قساوة القلوب
( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١).
للنعمة اُسلوب وقوانين تحكم حركة الإنسان بازائها ، فليس من السنة الإلهية أن تقابل النعم بالجحود والإهمال ، وإلّا فانها تنقلب إلىٰ استدراج وإمهال من قبله سبحانه فتتحوّل هذه النعم نذير عقاب ، وهذه الصورة لها حضور بين بني الإنسان أنفسهم ، فهناك قواعد للفضل والعطاء ، وضعت بازائها ضوابط للشكر ، فإذا ما أخلّ أحد بفضل آخر قطع الثاني نعمته عنه ، ولربّما راح يفتّش عن عقوبة لذلك الجحود ، وقد ورد أن النعم تدوم وتزيد بالشكر ( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) (٢) وبدون هذا الشكر فانها تزول ويعاقب أهلها ، ولا سيما
_______________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٧٤.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٧.