الوحدة مبدأ حضاري
قال تعالىٰ : ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (١).
الأُمّة الواحدة ذات العقيدة الواحدة والدستور الواحد والربّ الواحد ، كيف يدخلها الاختلاف ، وتأكل وحدتها الأهواء ، ويمزّق شملها التفرّق ؟
لا شكّ أنّها الآفة القاتلة التي يخشاها أيّ تجمّع أو كيان ، وتتمثّل في أبرز اتجاهاتها بابتعاد هذه الأُمة عن منطلقاتها ، وتلوّن أفكارها وعقيدتها بمبتنيات الآخرين ، إضافة إلىٰ دائة الأهواء ودوافع الأمزجة المتباينة في التجمّع الواحد ، إن هذا التصدّع ينسحب أيضاً علىٰ مشاعر وأحاسيس الفرد والجماعة في ذلك الكيان.
والسؤال هنا : هل لهذه الاتجاهات الحقّ في هذا التباين والاختلاف ؟ فالاجتهادات والتنوّع في الأساليب وقوّة الابتكار كلّها صحيحة ما دامت في دائرة التوحّد والدفع في الطريق والمنهج المرسوم المستند إلىٰ الاُصول الواحدة في هذه الأمة. ولكن لا يستطيع أحد أن يجد مبرّراً وتوجيهاً مقبولاً لظواهر الفرقة واصطناع الحواجز وبناء السدود بين أبناء التيار الواحد والدين الواحد والمعتقد الواحد. فالحقّ واحد أبلج ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) (٢) ، والقرآن الكريم ينعىٰ علىٰ المتنازعين والمتفرّقين ، ولا يرضىٰ لهم مبرراً ، فالنداءات هذه كثيرة
_______________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٢.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٣٢.