ردئ يرتفع إليه من بعض الأعضاء ، أو كيفية لاذعة. فينقبض الدماغ لدفع المؤذى ، فيتبعه تشنج في جميع الأعضاء ، ولا يمكن أن يبقى الانسان معه منتصبا ، بل يسقط ويظهر في فيه الزبد غالبا.
وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادثة (١) : باعتبار وقت وجوده المؤلم خاصة. وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة : باعتبار طول مكثها ، وعسر برئها ، لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة. وهذه العلة في دماغه وخاصة في جوهره. فإن صرع هؤلاء يكون لازما. قال أبقراط : « إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا ».
إذا عرف هذا : فهذه المرأة التي جاء الحديث : أنها كانت تصرع وتنكشف ـ يجوز : أن يكون صرعها من هذا النوع ، فوعدها النبي صلىاللهعليهوسلم الجنة : بصبرها على هذا المرض ، ودعا لها : أن لا تنكشف ، وخيرها بين الصبر والجنة ، وبين الدعاء لها بالشفاء : من غير ضمان ، فاختارت الصبر والجنة.
وفى ذلك : دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي ، وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله ، يفعل ما لا يناله علاج الأطباء ، وأن تأثيره وفعله ، وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها ـ أعظم من تأثير الأدوية البدنية ، وانفعال الطبيعة عنها. وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا.
وعقلاء الأطباء معترفون : بأن في فعل القوى النفسية وانفعالاتها ، في شفاء الأمراض ، عجائب. وما على الصناعة الطبية أضر من زنادقة القوم وسفلتهم وجهالهم.
والظاهر : أن صرع ( هذه ) (٢) المرأة كان من هذا النوع. ويجوز : أن يكون من جهة الأرواح ، ويكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد خيرها بين الصبر على ذلك مع الجنة ، وبين الدعاء لها بالشفاء ، فاختارت الصبر والستر. والله أعلم.
__________________
(١) كذا بالأصل. وفى الزاد : « الحادة » ، ولعله تحريف.
(٢) زيادة حسنة : عن الزاد (ص ٨٦).