أسقامهما. ولا مزيد على ذلك لمن قد أحضر رشده. وبالله التوفيق.
فصل
وأما الجماع والباه ، فكان هديه فيه أكمل هدى : تحفظ (١) به الصحة ، ويتم به اللذة وسرور النفس ، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها. فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية ، ( أحدها ) : حفظ النسل ، ودوام النوع الإنساني إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم.
( الثاني ) : إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن.
( الثالث ) : قضاء الوطر ، ونيل اللذة ، والتمتع بالنعمة. وهذه ـ وحدها ـ هي الفائدة التي في الجنة : إذ لا تناسل هناك ، ولا احتقان يستفرغه الانزال.
وفضلاء الأطباء يرون : أن الجماع من أحمد أسباب حفظ الصحة. قال جالينوس : « الغالب على جوهر المني : النار والهواء. ومزاجه حار رطب ، لان كونه : من الدم الصافي الذي تغتذى به الأعضاء الأصلية ».
وإذا ثبت فضل المني ، فاعلم : أنه لا ينبغي إخراجه إلا في طلب النسل ، أو إخراج المحتقن منه. فإنه إذا دام احتقانه : أحدث أمراضا رديئة ، منها : الوسواس والجنون والصرع ، وغير ذلك وقد يبرئ استعماله من هذه الأمراض كثيرا. فإنه إذا طال احتباسه : فسد واستحال إلى كيفية سمية ، توجب أمرضا رديئة كما ذكرنا. ولذلك تدفعه الطبيعة ـ إذا كثر عندها ـ من غير جماع.
وقال بعض السلف : « ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثا : ينبغي أن لا يدع المشي ، فإن احتاج إليه يوما ، قدر عليه. وينبغي أن لا يدع الاكل : فإن أمعاءه تضيق. وينبغي أن لا يدع الجماع : فإن البئر إذا لم تنزح (٢) ذهب ماؤها ».
__________________
(١) بالزاد ١٤٦ : يحفظ. وكلاهما صحيح.
(٢) بالزاد ينزح. وكل صحيح.