الدم : خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته. فإن كان استفراغا تاما : لم يضره السم ، بل : إما أن يذهب ، وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو تضعفه.
ولما احتجم النبي صلىاللهعليهوسلم : احتجم في الكاهل ـ وهو أقرب المواضع التي تمكن (١) فيها الحجامة ، إلى القلب ـ فخرجت المادة السمية مع الدم : لا خروجا كليا ، بل بقى أثرها مع ضعفه. لما يريد الله سبحانه : من تكميل مراتب الفضل كلها له.
فلما أراد الله إكرامه بالشهادة : ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا ، وظهر سر قوله تعالى لأعدائه من اليهود : (أفكلما (٢) جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم : ففريقا كذبتم ، وفريقا تقتلون؟) ، فجاء بلفظ « كذبتم » بالماضي الذي قد وقع منه وتحقق ، وجاء بلفظ « تقتلون » بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه. والله أعلم.
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهودية
قد أنكر هذا طائفة من الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنوه نقصا وعيبا. وليس الامر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلىاللهعليهوسلم : من الأسقام والأوجاع وهو من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم : لافرق بينهما.
وقد ثبت في الصحيحين ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : « سحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ، ولم يأتهن » (٣). وذلك أشد ما يكون من السحر.
قال القاضي عياض : « والسحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل ، يجوز
__________________
(١) بالزاد : « يمكن ». وكلاهما صحيح.
(٢) بالأصل والزاد : « أو كلما ». وهو تصحيف. والآية من سورة البقرة : (٨٧). وانظر سورة المائدة : (٧٠).
(٣) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد. اه ق