على وضعها الطبيعي. لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض ، ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات النفس.
وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس ، فيكون المعنى : أنى إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطية والوسائد ، كفعل الجبابرة ومن يزيد؟ الاكثار من الطعام ، لكني آكل بلغة كما يأكل العبد.
( فصل ) وكان يأكل بأصابعه الثلاث. وهذا أنفع ما يكون من الاكلات : فإن الاكل بإصبع أو إصبعين لا يستلذ به الآكل ولا يمريه ، ولا يشبعه إلا بعد طول ، ولا تفرح آلات الطعام والمعدة بما ينالها في كل أكلة ، فتأخذها على إغماض ، كما يأخذ الرجل حقه (١) حبة أو حبتين أو نحو ذلك ، فلا يلتذ بأخذه ، ولا يسر به. والاكل (٢) بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام على آلاته وعلى المعدة ـ وربما استدت الآلات فمات ـ وتغصب (٣) الآلات على دفعه ، والمعدة على احتماله ، ولا يجد له لذة ولا استمراء. فأنفع الاكل : أكله صلىاللهعليهوسلم. وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث.
( فصل ) ومن تدبر (٤) أغذيته صلىاللهعليهوسلم ، وما كان يأكله ـ : وجده (٤) لم يجمع قط بين لبن وسمك ، ولا بين لبن وحامض ، ولا بين غذائين حارين ، ولا باردين ، ولا لزجين ، ولا قابضين ولا مسهلين ، ولا غليظين ، ولا مرخيين ، ولا مستحيلين إلى خلط واحد ، ولا بين مختلفين : كقابض ومسهل ، وسريع الهضم وبطيئه ، ولا بين شوى وطبيخ ، ولا بين طري وقديد ، ولا بين لبن وبيض ، ولا بين لحم ولبن. ولم يكن يأكل طعاما في وقت شدة حرارته ، ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد ، ولا شيئا من الأطعمة العفنة والمالحة : كالكوامخ والمخللات والملوحات. وكل هذه الأنواع ضار مولد لأنواع من الخروج عن الصحة والاعتدال.
وكان يصلح ضرر بعض الأغذية ببعض : إذا وجد إليه سبيلا ، فيكسر حرارة هذا
__________________
(١) كذا بالزاد ١٣٧. وفى الأصل : حبة. وهو تصحيف.
(٢) كذا بالزاد. وهو الظاهر. وفى الأصل : والآكل. ولعله تصحيف ، فتأمل.
(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : وانصبت. وهو تصحيف.
(٤) بالزاد : « تدبر ... وحده » ، وبالأصل : « تدبير ... وحده ». وفى كل تصحيف. فتأمل.