كما ذكرنا ذلك في
كتابنا الكبير في شرحها؟!. وحقيق بسورة هذا بعض شأنها : أن يستشفى بها من الأدواء
، ويرقى بها اللديغ.
وبالجملة : فما تضمنته الفاتحة ـ : من
إخلاص العبودية ، والثناء على الله ، وتفويض الامر كله إليه ، والاستعانة به
والتوكل عليه ، وسؤاله مجامع النعم كلها ، وهى : الهداية التي تجلب النعم ، وتدفع
النقم. ـ من أعظم الأدوية الشافية الكافية.
وقد قيل : إن موضع الرقية منها : ( إياك نعبد وإياك نستعين
). ولا ريب أن
هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء ، فإن فيهما ـ : من عموم التفويض والتوكل
، والالتجاء والاستعانة ، والافتقار والطلب ، والجمع بين أعلى الغايات ، وهى : عبادة
الرب وحده ، وأشرف الوسائل ، وهى : الاستعانة به على عبادته. ـ ما ليس في غيرها.
ولقد مر بي وقت بمكة : سقمت فيه ، وفقدت
الطبيب والدواء ، فكنت أتعالج بها : آخذ شربة من ماء زمزم ، وأقرؤها عليها مرارا ،
ثم أشربه .
فوجدت بذلك البرء التام. ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع ، فأنتفع بها غاية
الانتفاع.
( فصل ) وفى تأثير الرقي بالفاتحة
وغيرها ، في علاج ذوات السموم ، سر بديع. فإن ذوات السموم أثرت بكيفيات نفوسها
الخبيثة كما تقدم ، وسلاحها : حمتها
التي تلدغ بها ، وهى لا تلدغ حتى تغضب ، فإذا غضبت : ثار فيها السموم ، فتقذفه
بآلتها .
وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء ، ولكل شئ ضدا. ونفس الراقي تفعل في نفس المرقى ، فيقع بين
نفسيهما
فعل وانفعال ـ كما يقع بين الداء والدواء ـ : فتقوى نفس المرقى وقوته بالرقية على
ذلك الداء ، فيدفعه بإذن الله. ومدار تأثير الأدوية والأدواء ، على الفعل
والانفعال. وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين ، يقع بين الداء والدواء
__________________