نعم الغالب عليها كون قرينتها اللازمة مقاميّة كمقام المدح في قولنا : « فلان مفتوح الباب » كناية عن جوده أو الذمّ في قولنا : « فلان مغلوق الباب » كناية عن بخله ، أو الدعاء في قولنا : « أغلق الله باب فلان » أي أماته ، وممّا قام عليه قرينة المقام قوله : ( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ )(١) فإنّه ورد في مقام استبعاد زكريّا لحصول ولد له ، وهذا قرينة على أنّ المراد من بلوغ الكبر بلوغ الهرم والشيخوخة لا ما يقابل الصغر ، ومنه قوله تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )(٢) فإنّ بياض العين كناية عن العمى وذهاب البصر ، وقرينته ورود الخطاب في مقام بيان كثرة حزن يعقوب وبكائه ، ففي نحو « طويل النجاد » لا يكفي في كوته كناية مجرّد احتمال إرادة طول القامة ، بل لا بدّ من مساعدة قرينة مقام عليه ، والغالب في قرائن المقام كونها امورا غير منضبطة.
وهل يعتبر في القرينة اللازمة للمجاز بقول مطلق كونها معاندة للحقيقة مانعة عن إرادته؟ الحقّ فيه التفصيل بين ما كان من قبيل الكناية فيعتبر في قرينته عدم المعاندة والمنع.
وبعبارة اخرى : يكفي فيها إثبات اللازم ولا يعتبر معه نفي الملزوم ، بل يعتبر عدم التعرّض لنفيه ، كما ينبّه عليه ما اخذ في حدّها من قيد « جواز إرادة المعنى وامكانه » فيعتبر فيها عدم القرينة المانعة لا عدم مطلق القرينة ، وما كان من قبيل المجاز البياني فيعتبر في قرينته المعاندة والمنع ، وضابطه عدم نهوضها دالّة على إرادة خلاف ما وضع له إلاّ حيث تعذّرت الحقيقة في موضع قيامها ، أو ما دامت قائمة فقوله تعالى : ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(٣) مجاز في القدرة أو القوّة وقرينته العقل القاضي بتعذّر الجارحة في حقّه تعالى ، وقولنا : « أيادي فلان عندي كثيرة » مجاز في النعمة وقرينته جمعيّة الأيادي واعتبار المتكلّم كونها عنده ، فتقضى بتعذّر الحقيقة لأنّ الجارحة لا تكون جماعة ولا عند غير ذيها ، وقولنا : « سال
__________________
(١) آل عمران : ٤٠.
(٢) يوسف : ٨٤.
(٣) الفتح : ١٠.