ودعوى الفرق بين إخفاء التكليف الفعلي وإبقاء المكلّف على ما كان عليه من الفعل والترك عملا بمقتضى البراءة الأصليّة ، وبين إنشاء الرخصة له في فعل الحرام الواقعي أو ترك الواجب الواقعي تحكّم ، وإن حصل الفرق بينهما بكون الأوّل من باب عدم البيان والثاني من باب بيان العدم ، وهذا ممّا لا قبح فيه بعد مساعدة المصلحة عليه ، بل المستفاد من تتبّع الأخبار ـ كما هو الظاهر من خلوّ العمومات والمطلقات عن القرائن المخرجة عنها ـ إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله نصب وصيّه عليهالسلام مبيّنا لجميع ما أطلقه أو أهمله ، أو أطلق أو أهمل في الكتاب العزيز وأودعه علمه ، وكذا الوصيّ بالقياس إلى من بعده من الأوصياء عليهمالسلام ، فبيّنوا ما رأوا المصلحة في بيانه ، وأخفوا ما رأوا المصلحة في إخفائه ، بل ربّما يستظهر تقرير النبيّ صلىاللهعليهوآله أو وصيّه للسابقين على العمل بعموم العمومات وإطلاق المطلقات مع كون الواقع في بعض الأفراد خلافه ممّا ورد في خطبة له صلىاللهعليهوآله يوم الغدير ، من قوله صلىاللهعليهوآله : « معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلاّ وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلاّ وقد نهيتكم عنه » (١) مع ملاحظة أنّ كثيرا ممّا بيّنه صلىاللهعليهوآله كان مودّعا عند الأوصياء مخفيّا على السابقين.
هذا كلّه فيما لو تأخّر ورود الخاصّ عن حضور وقت العمل بالعامّ ، من دون تبيّن حال العامّ من حيث العمل به وعدمه.
وأمّا لو تأخّر عن العمل بالعامّ أيضا ، مع تأخّره عن حضور وقت العمل به فسقط عنه احتمال الكشف ، وبقي مردّدا بين النسخ والتخصيص المبيّن للحكم الواقعي الوارد على خلاف الحكم الظاهري ، الّذي تعبّد به السابقون بمقتضى العامّ ، لكنّ النسخ أيضا ينتفي بما تقدّم ويتعيّن التخصيص.
وثامنتها مع تاسعتها وعاشرتها : تعارض التقييد والإضمار أو النسخ ، وتعارض الإضمار والنسخ ، ففي الاولى والثانية يرجّح التقييد ، وفي الثالثة يرجّح
__________________
(١) المحاسن : ٢٧٨.