قال : فإنّ الكناية مستعملة فيما وضعت له لينتقل منه إلى غير ما وضعت له.
والحقيقة مستعملة فيما وضعت له ليفهم منه الموضوع له ، والمجاز مستعمل في غير ما وضع له ليفهم منه ذلك ، والكناية في الاستعمال كالحقيقة وفي إرادة المعنى كالمجاز ، إلاّ أنّه يفترق بأنّ في الكناية استعمل اللفظ فيما وضع له ليحصل منه الانتقال إلى غيره بخلاف المجاز. انتهى (١).
وظاهره كونها خارجة عن الحقيقة والمجاز معا ، وهذا كما ترى غير جيّد بل خلاف التحقيق ، لمنع كونها في الاستعمال كالحقيقة ، بل هي في الاستعمال والإرادة معا كالمجاز ، فتكون مجازا لا غير ، فإنّ الحقيقة استعمال اللفظ فيما وضع له ، أي طلب فهمه التصديقي على وجه يتعلّق به الحكم وينوط به الصدق والكذب ، والمجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له على الوجه المذكور ، وقولهم : « لينتقل إلى اللازم » في تعريف الكناية ، يراد به أيضا طلب فهمه التصديقي على الوجه المذكور.
فالاستعمال بالمعنى المأخوذ في حدّ الحقيقة والمجاز حاصل فيها بالنسبة إلى المعنى الكنائي.
وأمّا الاستعمال المعتبر فيها بالنسبة إلى الملزوم أو ما وضع له ، فهو كما ذكروه عبارة عن مجرّد طلب فهمه التصوّري ، ليكون وسيلة إلى الانتقال إلى اللازم على معنى فهمه التصديقي على الوجه المذكور ، وهذا ليس من الاستعمال بالمعنى المأخوذ في حدّ الحقيقة لتكون في الاستعمال كالحقيقة.
وهذا هو معنى قولنا : « إنّها مجاز لا غير » ولأجل هذا ربّما أمكن إرجاع التفسير الثاني إلى الأوّل ، بجعل الاختلاف بينهما في مجرّد اللفظ والعبارة ، بملاحظة أنّ الفهم التصديقي للازم المعنى مسبوق دائما في مثل « طويل النجاد » بالفهم التصوّري الملزوم.
__________________
(١) إشارات الاصول : ٢٦.