[ موضع حجية البينة ]
والحاصل ان البينة حجة إذا لم تستلزم ثبوت حق على الغير وان استلزمت ثبوت حق على العامل بها ، كما لو شهد عند الوارث بينة على اشتغال ذمة أبيه بدين مثلا فيجب على الوارث وفاؤه لعدم الخصومة هنا ، وأما معها ـ كما لو شهدت على عين في يد زيد مثلا ـ لم يثبت كونها للمدعي وان لم يكن زيد منكرا ، لان حجيتها في إثبات شيء على الغير موقوفة على ضم حكم الحاكم ، فحالها حال اليمين في كونها ميزانا للحاكم لا لغيره ، ويتفارقان من جهة حجية الأول في غير مقام الخصومة دون الثاني.
فإن قلت : لا دليل على اختصاص مطلق فصل الخصومة حتى العملي منها بالحاكم ، لأن أدلة القضاء وردت في الفصل القولي لا في مطلق الفصل.
قلت : يستفاد من مجموعها ـ ولو بملاحظة كونه من شعب الرئاسة المطلقة ـ أن المداخلة في أمر المتخاصمين من الجهة التي وقعت فيها الخصومة ـ أعني الحق وقطع النزاع ظاهرا وباطنا وبأي وجه كان ـ مختص بالحاكم.
ومما ذكرنا ظهر أنه كما لا يجوز الالتزام بآثار البينة سرا كذلك لا يجوز جهرا ، بأن يتعرض للمنكر ويلزمه بدفع الحق كما هو شأن الحاكم. بيانه : ان حجية البينة في إثبات الحق من غير انضمام الحكم اليه لها مراتب ثلاث : إحداها جواز ترتيب آثاره الراجعة إلى تكليف المرتب مدعيا وغيره دون الراجعة إلى نفس الحق نفيا وإثباتا ، وثانيتيها ترتيب جميع الاثار حتى ما يرجع الى ثبوت الحق لكن سرا من غير مزاحمة للمنكر في تكليفه كما هو شأن الحاكم خاصة ، وثالثتها الترتب مطلقا سرا وجهارا. والثابت من وجوه حجيتها هو الأول دون الأخيرين.