والصواب أن يقال في وجه الثاني : ان الأمر بالتصديق المأمور به في النبوي المتقدم « من حلف لكم بالله فصدقوه » (١) يجعل يمينه في حكم الإقرار ، فإن المنكر مأمور بتصديقه بعد رد اليمين ، والتصديق والإقرار بمعنى ، والحاكم أيضا مأمور بترتيب آثار التصديق المأمور به ، فيكون حال اليمين المردودة حال الإقرار في الاثار الشرعية وحال المدعي حال المقر له.
وجوابه : ان تصديق الحالف إذا أخذنا بظاهره أفاد وجوب ترتيب آثار المصدق به لا آثار نفس التصديق ، نظير مفاد أدلة تصديق العادل ، فهو على خلاف الظاهر ، يعني كون اليمين بمنزلة البينة أولى.
[ عدم تمامية أدلة سقوط الدعوى مع النكول ]
والتحقيق أن إتمام ما ذكروه من الحصر بحسب القواعد اللفظية مشكل ، لان العمومات القاضية بالحصر قابلة للتخصيص ، وأدلة اليمين غير ناظرة إلى مدلول تلك العمومات حتى تكون مفسرة للبينة بل منافية لها ومعارضة لعمومها.
ولو سلم فغاية الأمر الشك في كونها مخصصة أو جاعلة لليمين بمنزلة البينة ، ومقتضى الشك الرجوع فيما يخالف القاعدة من أحكام البينة إلى الأصول والقواعد ، وكذا اقامة الدليل اللفظي على كونها بمنزلة البينة أو الإقرار أشكل.
والذي يقتضيه التأمل أن يقال في وجه الحصر : ان أمر اليمين في الواقع مردد بين كونها بمنزلة البينة في الأحكام الثابتة لها من حيث كونها حجة شرعية مثبتة للحق وبين كونها بمنزلة الإقرار كذلك ، لاشتمالها على التزام المنكر بقول المدعي بعد اليمين.
توضيح ذلك : ان اليمين المردودة قد اجتمعت فيها جهتان : جهة حكاية
__________________
(١) الوسائل ج ١٨ ب ٩ من أبواب كيفية الحكم ح ٢.