الثانية ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ).
وكذا قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ).
وقوله ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) (١).
دلّت هذه الآيات ونظائرها على تأخير الميراث عن الوصيّة والدين وبقي هنا سؤال تقريره لم قدّم الوصيّة على الدين مع أنّ الفقهاء مجمعون على تقديم مؤنة التجهيز من أصل التركة ، ثمّ الدين من الأصل أيضا ثمّ الوصيّة من الثلث وأيضا الدين يجب أداؤه سواء أوصى به الميّت أو لا ، والوصيّة لا يجب إلّا إذا أوصى بها والجواب أنّ « أو » هنا بمعنى « إلّا » تقديره من بعد وصيّة إلّا أن يكون هناك دين.
فان قلت : إنّ « أو » لا يكون بمعنى « إلّا » أو « إلى » إلّا إذا دخلت على فعل مضارع ، وهنا ليس كذلك. قلنا : الفعل هنا مقدّر ، وهو يحصل أو يكون أو يوجد وإنّما قدّرنا ذلك لئلّا يلزم حمل القرآن على الركاكة.
فإن قلت : إذا كانت بهذا المعنى يجب أن يكون جوابا لأحد الأمور الثمانية وليس ها هنا شيء منها ، قلت : هي هنا جواب الأمر إذ تقدير « يُوصِيكُمُ اللهُ » أعطوا أولادكم ، وهذا أحسن من قول من قال إنّ أو هنا للإباحة ، ليدلّ على أنّ لوصيّة والدين واجبان يستحقّان التقديم على قسمة التركة مجتمعين ومنفردين ، وإنّه إنّما قدّم الوصيّة لأنّها مشتبهة بالميراث ، شاقّة على الورثة ، مندوب إليها ، لأنّ ما قلناه مطابق للقاعدة الشرعيّة منصور بالدليل اللّغويّ وهنا فوائد :
١ ـ دلّت هذه الآية على مشروعيّة الوصيّة مطلقا ، لوارث وغيره وأنّها مقدّمة على الميراث.
٢ ـ ظاهر الآية يقتضي وجوب العمل بالوصيّة مطلقا ، والإجماع والأحاديث خصّا ذلك بالثلث ، فما دون ، وأنّ الزائد موقوف على إجازة الوارث.
٣ ـ استدلّ الشافعيّة وبعض الفقهاء بالآية على أنّ الموصى له يملك الوصيّة
__________________
(١) الايات الثلاث في صورة النساء : ١٠ و ١١.