واعلم أنّ مذهبنا بطلان الإحباط والتكفير لقيام الدّليل على ذلك كما هو مقرر في علم الكلام وحينئذ يجب حمل ما ورد من تكفير السيّئات بالحسنات كما ذكر هنا وكقوله صلىاللهعليهوآله « الصلوات الخمس كفّارة لما بينهنّ من الذّنوب (١) » وقول عليّ عليهالسلام « الحجّ والعمرة يد حضان الذّنب (٢) » إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث على أنّ الله تعالى يتفضّل على فاعل الحسنات بإسقاط عقاب سيّئاته لعظم محلّ تلك الحسنة ، وكذا نقول في قوله ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) (٣) أنّ الله يتفضّل على مجتنب الكبيرة بالعفو عن صغائره لعظم محلّه باجتناب الكبائر.
الثامنة ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) (٤).
فيها دلالة على أنّه من أوقع به ظلم في نفس أو طرف أو شجاج أو مال فانتصر بعد ظلمه أي استوفي حقّه فليس عليه سبيل من المعاقبة واللّوم ، « ومن » زائدة لكونها بعد النفي وفيها أيضا دلالة على أنّه يجوز الاقتصاص من غير حكم حاكم في طرف أو جرح أو مال ممّن يماطل ، بعد أن يراعى في ذلك عدم التجاوز إلى غير حقّه.
التاسعة ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ ) (٥).
هذه تدلّ على أمور ثلاثة :
١ ـ ما دلّت عليه السابقة وسمّي الجزاء مع كونه حسنا « سيّئة » إمّا على
__________________
(١) السراج المنير ج ٢ ص ٤٠٥.
(٢) لم نعثر عليه بلفظه ، وبمضمونه أحاديث كثيرة ، راجع الكافي باب فضل الحج والعمرة ج ٤ ص ٢٥٢ ـ ٢٦٤.
(٣) النساء : ٣١.
(٤) الشورى : ٤١.
(٥) الشورى : ٤٠.