واجب في الأصل ونفس الأمر ، وأمّا العفو وأخذ الدّية ففرعان على الاستحقاق ولذلك لا يجب على الجاني قبول أداء الدّية عندنا وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال الشافعيّ للوليّ الخيار بين الدية والقصاص ، وإن لم يرض الجاني إذ المراد بالوجوب عدم جواز التعدي إلى غير المكافي كما حكيناه من حكاية الحيين.
٢ ـ قوله تعالى « الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى » قيل هذا منسوخ بقوله « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » وليس بشيء أمّا أوّلا فلأنّه حكاية ما في التورية فلا ينسخ القرآن وأمّا ثانيا فلأصالة عدم النسخ إذ لا منافاة بينهما وأمّا ثالثا فلأنّ قوله « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » عام وهذا خاص ، وقد تقرّر في الأصول بناء العامّ على الخاصّ مع التنافي.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يجوز قتل العبد بالحرّ والأنثى بالذكر إجماعا ، ولعدم دلالة الآية على منعه ، ولأنّه إذا جاز قتل القاتل بمثله فبالأشرف أولى ، وهل يجوز قتل الحرّ بالعبد والذّكر بالأنثى أم لا؟ جوّزه أبو حنيفة عملا بعموم « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » ومنعه مالك والشافعي لا لمفهوم « الْحُرُّ بِالْحُرِّ » إلى آخره لأنّ المفهوم إنّما يكون حجّة حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم ، وقد بيّنا الغرض وهو دفع حكم الحيّين بل منعناه لما رواه عليّ عليهالسلام أنّ رجلا قتل عبده فجلده رسول الله صلىاللهعليهوآله ونفاه سنة ولم يقد منه (١) ولما روي أنّه صلىاللهعليهوآله قال « لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حرّ بعبد (٢) » ولفعل الصحابة من غير نكير وهو مذهب أصحابنا لعدم العمل بالمفهوم مطلقا ولدلالة الأحاديث من أئمتهم عليهمالسلام.
بقي هنا كلام وهو أنّه إنّما يقتل الحر بالحرّ مع التكافي وهو التساوي في الإسلام والعقل وأن لا يكون القاتل أبا للمقتول خلافا لمالك في الأخير ، وهل حكم الامّ حكم الأب؟ عندنا ليس كذلك ، بل تقتل بالولد وعند الفقهاء حكمها حكم الأب ، أمّا قتل الولد بأبيه فجائز إجماعا وكذا الإجماع على قتل الجماعة بالواحد
__________________
(١) سنن ابى داود ج ٢ ص ٤٨٨ ، المستدرك ج ٣ ص ٢٥٧.
(٢) أخرجه العلامة النوري عن غوالي اللئالى في مستدركة راجع ج ٣ ص ٢٥٨.