والباء في قوله « بِما فَضَّلَ اللهُ » وفي قوله « وَبِما أَنْفَقُوا » للسببيّة ، وما مصدريّة أي بسبب تفضيل الله وبسبب إنفاقهم ، وإنّما لم يقل بما فضّلهم عليهنّ؟ قال بعض الفضلاء لأنّه لم يفضّل كلّ واحد من الرّجال على كلّ واحدة من النساء لأنّه كم من امرأة أفضل من كثير من الرجال وإنّما جاء بضمير المذكّر تغليبا فيدخل الرّجل المفضّل والمرأة المفضّلة قال : ولا يلزم من تفضيل الصّنف على الصنف تفضيل الشخص على الشخص.
قلت : فحينئذ لا يكون في الآية دليل على تفضيل الصّنف الّذي هو عين المدّعى ، لأنّه إذا كان بعض اشخاص الرجال أفضل من بعض أشخاص النساء وبالعكس فأيّ دليل على تفضيل الصنف على الصنف الآخر الّذي هو المراد فالسؤال باق على حاله.
٢ ـ أنّه لمّا فضّل الرّجال ، أراد جبر قلوب النساء فقال « فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ » أي مطيعات قائمات بما عليهنّ لأزواجهنّ « حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ » أي حافظات لما يكون بينهنّ وبين أزواجهنّ في الخلوات من الأسرار ، وقيل : حافظات لفروجهنّ ولأموال أزواجهنّ ولأولادهنّ كما جاء في الحديث.
وفيه نظر وإلّا لقال حافظات في الغيب لا للغيب على تقدير حذف المفعول به.
قوله « بِما حَفِظَ اللهُ » أي بما حفظهنّ الله حين أوصى بهنّ الأزواج ، وأوجب لهنّ عليهم المهر والنفقة ، فالباء حينئذ للمقابلة والجزاء والمراد بسبب حفظ الله لهنّ وتوفقه لهنّ أو بحفظه لهنّ بتعويضه للثواب على فعلهنّ.
٣ ـ بيان حكم النشوز ، وأصله الارتفاع كما قلنا ثمّ نقل شرعا إلى العصيان للزّوج ، وأتى بالفاء في الخبر ، لتضمّن المبتدأ معنى الشرط والجزاء ، لكونه موصولا والوعظ التخويف بالله وبالعواقب ، والهجر في المضاجع ، قيل هو أن لا يجامعها ، وقيل أن يولّيها ظهره في الفراش ، وقيل أن لا يبيت معها في الفراش بل في فراش آخر « وَاضْرِبُوهُنَّ » أي ضربا غير جارح لحما ولا كاسر عظما ، وهل تترتّب الثلاثة لترتّبهما في الذكر؟ الوجه نعم ، لا من حيث اللّفظ فانّ الواو