إن قلت : التغليب جائز. قلت : هو خلاف الأصل.
إذا عرفت هذا فعفو الزّوج أنواع :
الأوّل أن يكون قد سلّم المهر إليها جملة ، وهو موجود بيدها فيهبها الزائد عن النصف لو طلّقها ، ويشترط قبولها.
الثاني أن يكون قد سلّمه وتصرّفت فيه ولم يبق عينه ، فعفوه إبراء ولا يشترط القبول.
الثالث : أن يكون موجودا بيده فيدفعه إليها جملة بعد الطلاق ، فيكون واهبا للزائد عن النصف فيشترط قبولها.
الرابع أن يكون في ذمّته دينا فعفوه إحضاره وتعيينه ، وتمليكها الزائد فيشترط أيضا قبولها.
ففي النوع الثاني يصح بأيّ لفظ شاء من الأربعة المتقدّمة وفي البواقي لا يقع إلّا بألفاظ الهبة ، وأمّا لفظ العفو فقد تقدّم الخلاف فيه ، نعم لفظ العفو لو حصل لم يفد ملكا بل إباحة وروي عن جبير بن مطعم أنّه تزوّج امرأة وطلّقها قبل الدّخول فأكمل لها الصداق فقال : أنا أحقّ بالعفو (١).
وقوله « أَقْرَبُ لِلتَّقْوى » أي اتّقاء الظلم ، فانّ الباذل لغيره حقّه فقد استبرأ لذمته واحتاط ، أو لاتّقاء الكلام في عرضه ، بأن يقال إنّه طلّقها وأدخل عليها ذلّ الخذلان وبخس المهر.
٥ ـ نقل عن سعيد بن المسيب أنّ هذه الآية ناسخة لحكم المتعة في الآية السابقة وليس بشيء لأنّ النسخ إنّما يتصوّر مع المنافاة بين الحكمين ، ولا منافاة هنا لأنّ محلّ المتعة الطلاق قبل الدخول مع عدم الفرض ، وهنا ثبوت النصف مع الفرض ، فلا منافاة نعم أقول : لو قلنا بثبوت المتعة لكلّ مطلّقة على الاحتمال الثاني في « أو » كما تقدّم يكون هذه الآية مخصّصة لذلك العموم ، والتخصيص
__________________
(١) أخرجه الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه كما في الدر المنثور ج ١ ص ٢٩٣.