المغايرة ، وفيه نظر لأنّا نمنع كون العطف يقتضي المغايرة مطلقا بل إذا لم يدع إلى العطف فائدة أمّا معها فلا كقوله « جِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) (١) » و « نَخْلٌ وَرُمّانٌ ) (٢) » مع أنا نقول : إنّ العطف هنا للعامّ على الخاصّ ، وهو موافق للقاعدة ، وهو وجوب مغايرة المعطوف للمعطوف عليه ، والحال هنا كذلك فانّ المشرك أعم من الكتابيّ.
وقيل بالثّاني لقوله « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٣) » ولا شكّ في كراهة أهل الكتاب لنبوّته عليهالسلام ولقوله تعالى في حقّهم « وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ » إلى قوله « سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ » (٤) ولقول النصارى بالتثليث.
فعلى الأوّل الآية عامّة باقية الحكم ، غير منسوخة اتّفاقا ، فيحرم نكاح المشركة وإنكاح المشرك ، وعلى الثاني قيل : هي أيضا عامّة ولا يحل نكاح الكتابيات أيضا ويؤيّده قوله « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » (٥) فتكون ناسخة للاية
__________________
النكاح الابتدائي للكتابية.
ولو سلم دلالة الآيتين أعنى : آية البقرة وآية الممتحنة على تحريم نكاح الكتابية ابتداء لم تكونا بحسب السياق ناسختين لاية المائدة ، وذلك لان آية المائدة واردة مورد الامتنان والتخفيف ، على ما يعطيه التدبر في سياقها ، فهي آبية عن المنسوخية بل التخفيف المفهوم منها هو الحاكم على التشديد المفهوم من آية البقرة ، فلو بنى على النسخ كانت آية المائدة هي الناسخة.
على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة ، وسورة الممتحنة نزلت بالمدينة قبل فتح مكة ، وسورة المائدة آخر سورة نزلت على رسول الله ناسخة غير منسوخة ولا معنى لنسخ السابق اللاحق. انتهى
(١) البقرة : ٩٨ ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ).
(٢) الرحمن : ٦٨ ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ).
(٣) براءة : ٣٣ ـ الصف : ٩.
(٤) براءة : ٣٠.
(٥) الممتحنة : ١٠.