فلمّا أتاه أبى متابعته ، وكره مفارقة رسول الله صلىاللهعليهوآله فعظم ذلك على أبيه فتبرأ منه ، فخبّر به رسول الله صلىاللهعليهوآله فوهبه وأعتقه وجعله ولدا له ، فكان يدعى زيد بن محمّد ، وسيأتي تمام الآية والبحث عنها ، والغرض هنا بيان مشروعيّة العتق ، وسمّاه الله أنعاما إذ العتق سبب لإيجاد العتيق لنفسه ففيه شبه إيجاد بعد العدم وذلك نعمة لا توازى.
واعلم أنّ العتق يحصل بأمور :
١ ـ مباشرة منجّزة بغير عوض ، وهو العتق بقول مطلق ، وله عبارتان التحرير بلا خلاف ، كقوله « أنت حرّ لوجه الله » والإعتاق على خلاف كقوله « أنت عتيق أو معتق لوجه الله » ولا بدّ فيه من اللّفظ والنيّة وقصد القربة ، لكونه عبادة عظيمة قال النبيّ صلىاللهعليهوآله « من أعتق نسمة مؤمنة عتق الله العزيز الجبّار بكلّ عضو منها عضوا منه من النار (١) ».
٢ ـ مباشرة معلّقة على الموت بغير عوض ، وهو المسمّى في اصطلاح الفقهاء تدبيرا ، وليس في الكتاب ما فيه دلالة عليه بل هو مستفاد من السنّة الشريفة.
٣ ـ مباشرة بعوض منجّم وهذا هو المسمّى كتابة وسيأتي بحثها.
__________________
علينا وأحسن إلينا في فدائه ، فقال : من هو؟ قالوا : زيد بن حارثة ، فقال رسول الله : فهلا غير ذلك ، قالوا : ما هو؟. قال : ادعوه وخيروه فان اختاركم فهو لكم ، وان اختارني فو الله ما أنا بالذي اختار على من اختارني أحدا ، قالا : قد زدتنا في النصف وأحسنت فدعاه رسول الله فقال : هل تعرف هؤلاء؟. قال : نعم هذا ابى وهذا عمى قال فأنا من قد عرفت ورأيت صحبتي لك فاخترنى أو اخترهما.
فلما اختار رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وحزن لذلك أبوه وعمه ، أخرجه رسول الله الى الحجر فقال : يا من حضر ، اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وإرثه ، فطابت نفس أبيه وعمه فانصرفا ، فدعى زيد بن محمد ، حتى جاء الله بالإسلام.
(١) الكافي ج ٦ ص ١٨٠ باب ثواب العتق الرقم ٢ و ٣ وأخرجه في مشكاة المصابيح ص ٢٩٢ وقال : متفق عليه.