كأهل صِفّين ، وأمّا مَن لم يكن لهم فئة يرجعون إليها فقد قاتلهم مقبلين وتركهم مُدبرين ، ولم يجهز علىٰ جريحهم ، كأهل الجمل.
قال الشيخ عبد الله الهرري الشافعي ، مفتي الصومال ، في كتابه المقالات السنية : وقد اتّفق العلماء علىٰ أنّ عليّاً عليهالسلام هو أوّل مَن قاتل البغاة فشغل بهم عن قتال الكفّار المعلنين ، كاليهود والنصارىٰ وغيرهم ، حتّىٰ قال الإمام الشافعي رضياللهعنه : أخذنا أحكام البغاة من سير عليّ (١).
وقد جاء عن الإمام موسىٰ بن جعفر عليهالسلام في جواب مسائل يحيىٰ بن أكثم :
« وأمّا قولك : إنّ عليّاً عليهالسلام قتل أهل صِفّين مقبلين ومدبرين ، وأجهز علىٰ جريحهم ، وأنّه يوم الجمل لم يتبع موليّاً ، ولم يجهز علىٰ جريح ، ومَن ألقىٰ سلاحه أمنه ، ومَن دخل داره أمنه ; فإنّ أهل الجمل قُتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وإنّما رجع القوم إلىٰ منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين ، ورضوا بالكفّ عنهم ، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم ، والكفّ عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعواناً.
وأهل صِفّين كانوا يرجعون إلىٰ فئة مستعدّة ، وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ، ويسني لهم العطاء ، ويهيّئ لهم الانزال ، ويعود مريضهم ، ويجبر كسيرهم ، ويداوي جريحهم ، ويحمل راجلهم ، ويكسو حاسرهم ، ويردّهم فيرجعون إلىٰ محاربتهم وقتالهم.
فلم يساوِ بين الفريقين في الحكم ، لِما عرف من الحكم من قاتل أهل التوحيد ، لكنّه شرح ذلك لهم ، فمَن رغب عرض علىٰ السيف أو
__________________
(١) المقالات السنية : ٢٠٤.