فالصلاةُ ، والزكاةُ ، والحجُّ ، والخمس
.. وغيرُ ذلك من المصطلحات الشرعية الأخرى ، قد خضعت لعملية النقل هذه ، وأخذت
بُعدَها الواضحَ في أذهان المسلمين ، من خلال معانيها الشرعية الجديدة.
ومفهومُ ( البِدعة ) واحدٌ من تلك
المفاهيم التي سلكت عينَ الطريق ، وسارت في ذاتِ المسار الذي ضمَّ الأعدادَ
الغفيرةَ من المنقولات.
ولم يكن ليشكَّ أحدٌ بعد عملية النقل
هذهِ في دلالة لفظ ( البِدعة ) على الحادث المذموم ، والممارسةِ المقيتة والمرفوضة
في نظر الشريعةِ الإسلامية ، ولم يكن ليترددَ شخصٌ في طبيعة الموردِ الذي يُستعملُ
فيه هذا المفهوم ، بعد هذا التداول المتكرر ، والتأكيد الحثيث.
ولكنْ بعدَ أن وردَ لفظُ ( البِدعة ) في
حديثِ صلاة ( التراويح ) بالذات ، انقلبت تلكَ الموازينُ والأسسُ والمرتكزات ، وتوقفَ
إعمالُ القواعدِ العلمية التي يتمُّ بموجبها التعاملُ مع المواقف والأحداث ، وقامت
الدنيا ولم تقعد ، من أجل تبرير إطلاق لفظ ( البِدعة ) على هذه الصلاة ، وتوجيهِ
معناها الجديد.
وتحيَّرَ القومُ في هذا الأمر .. فهم
بين حشدٍ كبيرٍ من النصوص الصريحة التي تناولت هذا المفهومَ بالذم الواضح ، والتقريع
الصريح ، والتي ما فتئت حيةً وساخنةً في وجدان المسلمين وقت إطلاق ذلك القول ، وبينَ
مقولة ( نعمتِ البدعةُ هذهِ ) التي عاكست ذلك الاتجاه ، وسارت في طريقٍ مضادٍ له
تماماً.
وكانَ أنْ تمخَّـضَ الحـلُّ في رأي هؤلاء
المبررين والمـدافعين بتشطيرِ مفـهوم ( البِدعة ) ، وتقسيمه إلى قسمين : بِدعة
مذمومة ، وهي التي تناولتها أحاديثُ الرسول الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم
بالذم والانتقاد ، وبِدعة ممدوحة ، وهي التي يمكنُ أنْ تندرجَ تحتها صلاةُ
التراويح ، فيتوجه بذلك القولُ السابقُ المذكورُ في الحديث.
ولنحاول في البداية أن نتناولَ الأقوالَ
التي نصَّت على تقسيم البِدعة ، ثمَّ ننظر بعد ذلك في حقيقة هذا التقسيم.