ومن أهم ملامح هذا النظرِ المتجدّدِ
للفكرِ ، والنفسِ ، والسلوكِ ، أن يكونَ هذا النظرُ حرّاً طليقاً ، يعتمدُ المنهجَ
العلمي ، والمنطقَ السليم ، والحوارَ البنّاء ، بعيداً عن عشوائيةِ التقليد ، وقيودِ
العادات.
وبما أنَّ الجانبَ العبادي يحتلُّ
الموقعَ المتقدم في تحديدِ طبيعةِ الالتزامِ الديني لدى الفردِ المسلم ، ويكشفُ عن
شفافيةِ الروح ، ورقَّةِ القلب ، وصدقِ المشاعر فلا بدَّ أن يكونَ نقياً من
الزيادات ، وخالصاً من الاجتهادات ، وموافقاً للواقعِ المفروض.
ومن أجلى مصاديقِ العبادات موضوعُ
الصلاة ، لأنَّها تمثِّلُ الصلةَ الدائمةَ المتجددةَ بين العبدِ والمعبود ، والرابطةَ
الوثيقةَ بين الخالقِ والمخلوق.
وللصلاةِ المفروضةِ على المكلَّفِ
المسلمِِ كيفيَّةٌ توقيفيةٌ مخصوصة ، وردت محددةً في القرآنِ الكريم ، والسنَّةِ
الشريفة ، فليس من حقِّ أيِّ بشرٍ أن يغيِّر فيها شكلاً أو مضموناً ، وليس بوسع
أيِّ أحدٍ أن يجتهدَ في مقابل النصوصِ الواردةِ بشأنها ، لأنَّها لغةٌ إلهيةٌ
خاصةٌ ، لقَّنَها اللهُ لعبادِه ، بكيفيَّةٍ معينةٍ ، وبعددٍ محدد.
وما على المخلوقِ إلاّ الانقياد
والتسليم لإرادةِ الخالقِ المهيمن ، الذي جرت أمورُه وفقاً للحكمةِ البالغة ، ودلَّ
بديعُ نظامه على كمالِه المطلق ، فهو المحيطُ بالكونِ كلِّه ، والعارفُ بمصالح
الإنسانِ ومفاسده ، فشرعَ لهُ من الدين ما يكفلُ سعادتَه الأبديةَ ، وخلودَه
الدائم.
وقد بالغت الشريعةُ الإسلامية في بيانِ
مقدّماتِ الصلاة ، وحدودِها ، وشرائطِها ، وأجزائِها ، وموانعِها ، ومن ثمَّ بالغَ
صاحبُ الرسالةِ محمدٌ صلىاللهعليهوآلهوسلم
في معاهدتِها ، وتعليمِ الصحابةِ بتفاصيلها ، وجعلَ لهم ميزاناً عملياً ثابتاً
يرجعون إليه في ذلك ، حيثُ قالَ في الحديثِ المتفَقِ عليه : ( صَلُّوا كَما
رَأيتُمُوني أُصَلِّي ) ، فأصبحَ
المسلمونَ ملزمينَ باتباعِ النبي الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم
في حذافيرِ صلاتِه وتفاصيلها.