فالملاحظُ أنَّه يجعلُ الفعلَ الذي يكونُ له أصلٌ في الشرع من أفراد المعنى اللغوي للبِدعة ، وهذا ما لم يتفوه به أحدٌ من السابقين أو اللاحقين.
وعلى ضوء رأي ( الفوزان ) سوفَ تكونُ جميعُ السُّنن الثابتةِ في الشريعة الغرّاء بِدَعاً محدثةً في المعنى اللغوي على حدِّ زعم ( الفوزان ) ، فبناءً على هذا الرأي تكونُ ( الصلاةُ ) بِدعةً لغةً ، و ( الصومُ ) بِدعةً لغةً ، و ( الحجُّ ) بِدعةً لغةً لا اصطلاحاً .. وهكذ ، والنتيجةُ أنَّ هذا المبنى لا يقلُّ شناعةً عن القول بتقسيم ( البِدعة ) الذي فرَّ منه ( الفوزان ) ، فهو كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ.
وهذا الاستنتاجُ منه خلافٌ فاضحٌ لما ذكره قبلَ صفحتين من موضوع كلامه هذا ، عندما تعرَّضَ لذكر المعنى اللغوي للبِدعة حيثُ يقولُ :
|
( البِدعةُ في اللغةِ مأخوذةٌ من البدع وهوَ الاختراعُ على غيرِ مثالٍ سابقٍ ، ومنه قولُه تعالى : بَدِيعُ السَمواتِ والأَرض (١) ، أي مخترعُها على غيرِ مثالٍ سابق ، وقولُه تعالى : قُلْ ما كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسلِ (٢) ، أي ما كنتَ أولَ مَن جاءَ بالرسالة من اللّهِ تعالى إلى العباد ، بل تقدمني كثيرُ من الرسل ، ويُقالُ : ابتدعَ فلانٌ بِدعةً ، يعني ابتدأَ طريقةً لم يُسبق إليها ) (٣). |
فمن الواضح أنَّ المعنى اللغوي للـ ( البِدعة ) يأبى التفسيرَ الذي ذكره ( الفوزان ) لها على نحو التحميل ، وذلك حسبَ إقراره هو ، وتصريحه بذلك ، إذ ( البِدعةُ ) لغةً هي : ( ما لم يكن له مثالٌ سابق ) ، حسبَ قولِ أئمةِ اللغة وعلمائها بالاتفاق ، فكيفَ يمكنُ أنْ تُطبَّقَ على ما كانَ له أصلٌ سابقٌ في الشريعة ، وهل أنَّ بامكانِ أحدٍ أنْ يوسِّعَ أو يضيِّقَ المداليلَ اللغويةَ للألفاظ متى شاءَ ، وأنّى أراد؟
__________________
(١) البقرة : ١١٧.
(٢) الأحقاف : ٩.
(٣) الفوزان ، صالح ، البِدعة ـ تعريفها ـ أنواعها ـ أحكامها ، ص : ٥.