تبره قبل تبنه ، وهو
... ) .
ولمّا قال له : ( جئتك من عند أعيا
الناس!! قال له معاوية : ويحك! كيف يكون أعيا للناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش
غيره ) .
وروى ابن الصباغ المالكي في ( الفصول
المهمة ) ، وابن الجوزي ، وغيرهما من مؤرّخي أهل السنة والجماعة : ( أنّ ضرار بن
ضمرة دخل على معاوية ، فقال له : صف لي علياً. فقال : أوتعفني؟ قال : لا أعفيك.
فقال ضرار : أما إذا كان لا بد ، فكان ـ
والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من
جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس الليل وظلمته.
كان ـ والله ـ غزير الدمعة ، كثيرة
الفكرة ، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.
كان ـ والله ـ كأحدنا ، يجيبنا إذا
سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع قربه منّا ودنوّه إلينا لا
نكلّمه هيبة له ، ولا نبتديه لعظمته ، فإنّ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا
يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض
مواقفه ليلة ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على
لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول :
__________________