( يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرّضت ، أم إليّ تشوقت؟! هيهات قد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي منك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ).
قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته ، فلم يملك ردّها ، وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء.
ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن ، فقد كان ـ والله ـ كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترق عبرتها ، ولا يسكن حزنها ) (١).
وذكر أصحاب السير والتواريخ ، منهم : الخوارزمي الحنفي في مناقبه : ( أنّ معاوية كتب إلى عمرو بن العاص كتاباً حتّى أراد إغواءه ، والانضمام إليه لحرب الإمام عليّ عليه السلام ، فأجابه عمرو بكتاب طويل ، يذكر فيه فضائل علي ومناقبه ، ومما جاء فيه ، قال : ( فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي ، والتهوّر في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي ( رضي الله عنه ) وهو أخو رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيّه ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده.
ثمّ صار يعدد كلمات رسول الله صلىاللهعليهوآله في حقّ علي ، كأقواله صلىاللهعليهوآله في غدير خمّ ، وحديث الطير ، وحديث الثقلين ، وغيرها.
__________________
١ ـ رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة ١ : ٥٩٨ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : ١ / ٨٤ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة : ١ / ١٢١ ، والشافعي في مطالب السؤول : ١٨٠ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : ١٨ : ٢٢٥.