استعراض كل هذه الأوصاف مباشرة ، وقرنتها بممانعته الشديدة المبنية عن موقف واع لمهامه الإيمانية ومهامه الاجتماعية حين قرن ما بين استعاذته بالله وبين تبرير عدم اعتدائه على زوجة من أكرم مثواه ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون) ، ثم عادت الآيات تترى في مدح موافقه فوصفته بالمحسن مرتين ، وتحدثت عن رحمة الله به ... إلى آخر ما في متن القصة ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب ، بل إن الآية التي اعتبرها فضل الله مستنداً لحديثه عن الهمّ اليوسفي وصفته بصفة المخلصين ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) وهو وصف لم يختصه الله إلّا لبعض أنبيائه.
هذه هي المعطيات القرآنية في تقديمها لشخصية يوسف عليهالسلام ، فهل تريد الآيات الكريمة في تقديمها لصورة أحسن القصص ، وفي عرضها لصورة من أوتي العلم والحكم وكان من المحسنين المخلصين لتقول : بأن هذا النبي سيسقط في أول امتحان له مع الإغراء الجنسي؟! علماً بأن الإحسان صفة لمن قام بأكثر من واجباته.
فأي قصة يريد القرآن سردها من أجل التكامل الروحي وإذا به يصور لنا نبي السماء بهذه الصورة الهزيلة والمشينة؟!
وأي عبرة يريد لنا القرآن أن نستلهمها وهو يحدثنا عن نزوات نبي السماء؟ لمجرد تعرضه لضغوط هذه النزوة!!
وأي إخلاص لهذا النبي الذي يتحدث عنه الله سبحانه وتعالى في نفس آية الهمّ؟ وهو قد كبا في واحد من أبسط الامتحانات الروحية أمام أولياء الله وأنبيائه ، فهذا الامتحان لربما يكون علينا صعباً ـ وهو ليس بالصعب على الكثيرين منّا ـ ولكن فرض صعوبته مع أمثالنا ، أما مع الأنبياء عليهمالسلام فإمكان تصوره يغدو خرقاً من التفكير ، فلو صح ـ وهو صحيح ـ أن حسنات الأبرار