وحتى نعرف جهة الحق في هذا
المجال علينا أن نعرف وجه الفرق بين الاثنين ، فالارادة التشريعية هي مراد المشرِّع من المشرَّع له ، كما يريد الأب من ابنه أن يؤدي فروضه المنزلية ، والطبيب من مريضه أن يأخذ الدواء ، وكقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ويلحظ على هذا النمط من الارادة أن المراد منه يمكن أن يتخلف ، فلا يؤدي الابن فريضته المنزلية ، ولا يأخذ المريض دواء الطبيب ، ولا تقام الصلاة ولا تؤتى الزكاة ، وسبب التخلف يعود إلى أن المريد ترك تنفيذ الارادة إلى المراد منه ، دون أن يؤثر
على هذه الإرادة بنحو مباشر.
أما الإرادة التكوينية فيه تختلف عن
التشريعية بكون الفاعل فيها هو المريد ، ولا دخل لارادة المراد فيها ، وهي لهذا لا تتخلف إن استطاع المريد أن يحقق مواصفات القدرة والقابل لما يريد ، وهي من سنخ قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ
يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
وقوله تعالى
: (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)
حيث لا يمكن
تصور تخلّف ما يريده الله سبحانه وتعالى ، وهي أيضاً من سنخ قوله عزَّ وجلَّ : (يُرِيدُونَ أَنْ
يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا)
فهي من سنخ
الارادة التكوينية ، ولكن بلحاظ عدم توفر عنصر القدرة والمكنة في المريد تخلّف تحقيق المراد ولم يتمكن من تحقيق إرادته ، ومثل قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ
____________________