ولا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غائلة كل سعي أخلص عنده من سعيه وكل نفس أصلح عنده من نفسه
______________________________________________________
« ولا يطيش به مرح » أي لا يصير شدة فرحه سببا لنزقه وخفته ، وذهاب عقله أو عدوله عن الحق ، وميلة إلى الباطل ، في القاموس : الطيش : جواز السهم الهدف وأطاشه : أماله عن الهدف ، وقال : مرح كفرح : أشر وبطر واختال ونشط وتبختر ، وقال الجوهري : المرح شدة الفرح والنشاط « مذكر للعالم » الآخرة أو مسائل الدين « لا يتوقع له بائقة » أي لا يخاف أن يصدر عنه داهية وشر ، في القاموس : توقع الأمر : انتظر كونه ، وقال : البائقة : الداهية وباق : جاء بالشر والخصومات ، وقال الجوهري : فلان قليل الغائلة والمغالة أي الشر ، الكسائي ، الغوائل : الدواهي.
« كل سعي أخلص عنده من سعيه » أي لحسن ظنه بالناس ، واتهامه لنفسه سعى كل أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه ، وقريب منه الفقرة التالية ، وقوله : عالم بعيبه ، كالدليل عليها « شاغل بغمه » أي غمه لآخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب الناس أو إلى الدنيا ولذاتها « قريب » في أكثر النسخ بالقاف أي قريب من الله أو قريب من الناس لا يتكبر عليهم ، أو من فهم المسائل والاطلاع على الأسرار ، قال في النهاية فيه اتقوا قراب المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وروي قرابة المؤمن ، يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم والتحقق ، لصدق حدسه وإصابته ، انتهى.
وأقول : كونه مأخوذا منه ليس بقريب والأظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي لا يجد مثله ، فهو بين الناس غريب ، ولذا يعيش وحيدا فردا لا يأنس بأحد قال في النهاية : فيه أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ، أي أنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ وسيعود غريبا كما كان ، أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما