______________________________________________________
سواء كان بلا مشاركة تأثير غيره فيه كما في أفعاله سبحانه كخلق زيد مثلا ، أو بمشاركة تأثير غيره فيه كخلقه فعل زيد مثلا ، فجميع الكائنات حتى أفعال العباد بمشيته تعالى وإرادته وقدره ، أي تعلق إرادته وقضاؤه ، أي إيجاده وتأثيره في وجوده ، ولما كانت مشية العبد وإرادته وتأثيره في فعله بل تأثير كل واحد من الأمور المذكورة آنفا في أفعاله جزءا أخيرا للعلة التامة لأفعاله ، وإنما يكون تحقق الفعل والترك مع وجود ذلك التأثير وعدمه فينتفي صدور القبيح عن الله تعالى ، بل إنما يتحقق بالمشية والإرادة الحادثة ، وبالتأثير من العبد الذي هو متمم للعلة التامة ، ومع عدم تأثير العبد والكف عنه بإرادته واختياره لا يتحقق فعله بمجرد مشية الله تعالى وإرادته وقدره ، بل لا يتحقق مشية وإرادة وتعلق إرادة منه تعالى بذلك الفعل ، ولا يتعلق جعله وتأثيره في وجود ذلك الفعل مجردا عن تأثير العبد فحينئذ الفعل لا سيما القبيح مستند إلى العبد ، ولما كان مراده تعالى من إقدار العبد في فعله وتمكينه له فيه صدور الأفعال عنه باختياره وإرادته ، إذا لم يكن مانع أي فعل أراد واختار من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية ، ولم يرد منه خصوص شيء من الطاعة والمعصية ، ولم يرد جبره في أفعاله ليصح تكليفه لأجل المصلحة المقتضية له ، ولا يعلم تلك المصلحة إلا الله تعالى وكلفه بعد ذلك الأقدار بإعلامه بمصالح أفعاله ومفاسده في صورة الأمر والنهي ، لأنهما من الله تعالى من قبيل أمر الطبيب للمريض بشرب الدواء النافع ، ونهيه عن أكل غذاء الضار ، وذلك ليس بأمر ونهي حقيقة ، بل إعلام بما هو نافع وضار له ، فمن صدور الكفر والعصيان عن العبد بإرادته المؤثرة واستحقاقه بذلك العقاب ، لا يلزم أن يكون العبد غالبا عليه تعالى ، ولا يلزم عجزه تعالى ، كما لا يلزم غلبة المريض على الطبيب ، ولا عجز الطبيب إذا خالفه المريض وهلك ، ولا يلزم أن يكون في ملكه أمر لا يكون بمشيته تعالى وإرادته ، ولا يلزم الظلم في عقابه ، لأنه فعل القبيح بإرادته المؤثرة ، وطبيعة ذلك الفعل توجب أن يستحق فاعله العقاب ،