______________________________________________________
للعبد قدرة على ضدها ، والامتناع منها ، وخلق فيه المعصية كذلك ، فهم المجبرة حقا والجبر مذهبهم على التحقيق ، والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال ، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات والواسطة بين القولين أن الله أقدر الخلق على أفعالهم ومكنهم من أعمالهم وحد لهم الحدود في ذلك ورسم لهم الرسوم ، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف ، والوعد والوعيد ، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها ، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها ، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها ، فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض « انتهى » وأقول هذا معنى حق لكن تنزيل الأخبار عليه لا يخلو من بعد.
الثاني : ما ذكره بعض السالكين مسلك الفلاسفة حيث قال : فعل العبد واقع بمجموع القدرتين والإرادتين ، والتأثيرين من العبد ومن الرب سبحانه ، والعبد لا يستقل في إيجاد فعله بحيث لا مدخل لقدرة الله فيه أصلا ، بمعنى أنه أقدر العبد على فعله بحيث يخرج عن يده أزمة الفعل المقدور للعبد مطلقا ، كما ذهب إليه المفوضة أو لا تأثير لقدرته فيه وإن كان قادرا على طاعة العاصي جبرا ، لعدم تعلق إرادته بجبره في أفعاله الاختيارية كما ذهب إليه المعتزلة ، وهذا أيضا نحو من التفويض ، وقول بالقدر وبطلانه ظاهر ، كيف ولقدرة خالق العبد وموجده تأثير في فعل العبد بلا شبهة كما يحكم به الحدس الصائب ، وليس قدرة العبد بحيث لا تأثير له في فعله أصلا سواء كانت كاسبة كما ذهب إليه الأشعري ، ويؤول مذهبه إلى الجبر كما يظهر بأدنى تأمل أم لا تكون كاسبة أيضا بمعنى أن لا تكون له قدرة واختيار أصلا بحيث لا فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب إليه الجبرية وهم الجهمية ، وقال : هذا معنى الأمر بين الأمرين ، ومعنى قول الحكماء الإلهيين : لا مؤثر في الوجود إلا الله ، فمعناه أنه لا يوجد شيء إلا بإيجاده تعالى وتأثيره في وجوده ، بأن يكون فاعلا قريبا له ،