إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا ـ ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرهاولم يملك مفوضا ولم يخلق السماوات « وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما
______________________________________________________
أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرقي أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : هي من القدر ، وقال عليهالسلام : إن القدرية مجوس هذه الأمة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآية : « يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ » (١) ويعضده أيضا أن قدماء المحدثين إنما يطلقون القدرية على المفوضة كالمصنف ، حيث قابل في عنوان الباب بين الجبر والقدر ، وقد عد أصحاب الرجال من كتب هشام بن الحكم كتاب الجبر والقدر ، وكتاب الرد على المعتزلة « إن الله كلف تخييرا » أي أمره جاعلا له مخيرا بين الفعل والترك بإعطاء القدرة له على الإتيان بما شاء منهما ، من غير إكراه وإجبار « ونهى تحذيرا » أي طلبا للاحتراز عن فعل المنهي عنه ، لا بالإكراه على الترك « وأعطي على القليل كثيرا » ترغيبا إلى الطاعة وترك المعصية « ولم يعص مغلوبا » على بناء المفعول : أي لم يقع العصيان عن طاعته بمغلوبيته عن العبد بل بما فيه الحكمة من عدم إكراهه وإجباره ، أو لا يقع العصيان بمغلوبية العاصي ، فإنه لا عصيان مع عدم الاختيار ، « ولم يطع مكرها » على صيغة اسم الفاعل ، أي لم تقع طاعته بإكراهه المطيع على الطاعة وربما يقرأ على صيغة المفعول ، فيكون ردا على المفوضة أيضا ، لأنه إذا استقل العبد ولم يكن لتوفيقه تعالى مدخل في ذلك فكأنه سبحانه مكره فيه.
ويمكن أن يقرأ الفعلان على بناء الفاعل ويكون الفاعل المطيع والعاصي ، وهما بعيدان « ولم يملك » على بناء التفعيل والمفعول القدرة والإرادة والاختيار ، أو على بناء الأفعال بمعنى إعطاء السلطنة « مفوضا » بحيث لم يحصرهم بالأمر والنهي أو لم يكن له مدخل في أفعالهم بالتوفيق والخذلان ولم يخلق السماوات ، إلخ إشارة إلى قوله سبحانه : « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ
__________________
(١) سورة القمر : ٤٨.