تراثنا ـ العدد [ 139 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 139 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

حاكمها ، وتعرّضت المدينة للنهب ، فذهبت ممتلكات الشيخ وكتبه أدراج الرياح ، فهاجر إلى منطقة اصطهبانات ، ومن ثمّ إلى كربلاء.

قال في اللؤلؤة : « ... واستوطنت قصبة فسا بعد أن أرسلت العيال إلى البحرين ، وجددت عيالا من تلك البلاد ، فبقيت فيها مشتغلاً بالمطالعة ، وصنّفت هناك كتاب الحدائق الناضرة إلى باب الأغسال ، وأنا مع ذلك مشتغل بالزراعة لأجل المعاش والكفّ عن الحاجة إلى الناس»(١).

الإقامة في كربلاء :

انتقل الشيخ البحراني إلى مدينة كربلاء المشرّفة ، وحينها كانت البلدة تعدّ من أكبر معاهد العلم للشيعة ، وكانت تضاهي النجف بمعاهدها الدينية وعلمائها الأفذاذ ، وعلى رأسهم العلاّمة محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني مجدّد المذهب في القرن الهجري الثالث عشر.

وذكر المحقّق المتتبّع السيّد عبد العزيز الطباطبائي رحمه‌الله في مقدّمته على الحدائق أنّه لم يقف على تاريخ استيطانه كربلاء ، إلاّ أنّ الذي ظهر له من تاريخ بعض تأليفات الشيخ أنّه حلّ بها قبل عام (١١٦٩هـ) ، مضيفاً على ذلك قوله :

«ولمّا هبط كربلاء رحّب بقدومه أعلامها وسُرّ به فطاحلها ، فتوسّط أندية العلم وحلقات التدريس ، وانضوى إليه عِير(٢) يسير من أولئك الأفذاذ يرتشفون

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٤٥.

(٢) العِير : القافلة ، وهو في الأصل الإبل التي عليها الأحمال لأنّها تعير ـ أي: تتردّد ـ فقيل لأصحابها ، كقولهم : ياخيل الله اركبي ، مجمع البحرين ٢ / ١٢٩٦.

٢٤١

من بحر علمه المتدفّق ، كأربعة من المهديّين الخمسة ـ وهم من أشهر مشاهير تلامذة الأستاذ الأكبر ـ والعلمين الحجّتين صاحبَي الرياض والقوانين ، وغيرهم من كبار المجتهدين ممّن تخرّجوا عليه»(١).

ويظهر أنّه كان عازماً على البقاء في كربلاء إلى بقايا عمره وسنىّ حياته ، وأنّه وُفّق تمام التوفيق فيها مع ما أنعم الله عليه من راحة البال وسعة الرزق ، فأبدع وألّف وصنّف ودرَّس وأفاض وأفاد في تلك الفترة من حياته بالأخصّ ، وفيها شرع في إتمام تأليف كتابه الفخم الحدائق بعد ما كان ابتدأ تأليفه سابقاً ، مضافاً لمصنّفات أخرى له.

قال قدّس سرّه بعد ما ذكر فراره من قصبة فسا :

« ... فقدمت العراق وجلست في كربلاء المعلّى على مشرّفها وآبائه وأبنائه صلوات ذي العلى ، عازماً على الجلوس بها إلى الممات ... ووفّق الله سبحانه بمزيد كرمه وفضله العميم وحسن عوائده القديمة على عبده الخاطئ الأثيم بانفتاح أبواب الرزق مع جميع الآفاق ، وصرت بحمد الله فارغ البال مرفّه الحال ، فاشتغلت بالمطالعة والتدريس والتصنيف ، وشرعت في إتمام الحدائق الناضرة المتقدّم ذكره»(٢).

الأخباري المعتدل :

يُعدّ المحدّث الشيخ يوسف البحراني من أحد أبرز العلماء المدافعين عن

__________________

(١) مقدّمة الحدائق : ١ / (ط).

(٢) لؤلؤة البحرين : ٤٤٥.

٢٤٢

الطريقة الأخبارية في مجاليها الفقهي والحديثي ، وكذلك عُدَّ آخر شخصية جديرة بالذكر من أصحاب هذه الطريقة العلمية ، وقد ناظر بعض الاجتهاديّين المعاصرين له كما ذكر ذلك في المقدّمة الثانية عشرة من الحدائق(١).

وكما مرَّ في أوّل الترجمة فإنّه في الواقع كان من الأخباريّين المعتدلين في عصره ـ أي القرن الهجري الثاني عشر ـ ومن هنا قال في حقّه تلميذه الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني المعروف بـ : (أبو علي الحائري) : «كان أخباريّاً صرفاً ثمّ رجع إلى الطريقة الوسطى ، وكان يقول : إنّها طريقة العلاّمة المجلسي غوّاص بحار الأنوار»(٢).

وعلّق السيّد الأمين على ما ذكره الحائري بقوله : «وكأنّ مراده بالطريقة الوسطى ترك بعض ما يقوله الأخباريّون من أنّهم لايعملون إلاّ بالقطع وأنّ الأخبار قطعية وغير ذلك من الأمور ، وإلاّ فالرجل أخباريّ صرف لايدخل في شيء من طرق المجتهدين كما تشهد بذلك مصنّفاته ، نعم ربّما يكون قد ترك شيئاً من مقالاتهم فقيل فيه : إنّه كان على الطريقة الوسطى»(٣).

ويُعدّ قول السيّد الأمين هذا شهادة منه أيضاً على اعتدالية الرجل في مذهبه الأخباري.

مقامه العلمي :

اهتمّ المحدّث البحراني بالتأليف والتصنيف وإعداد الطلبة وتدوين أجوبة

__________________

(١) الحدائق الناظرة ١ / ١٦٧.

(٢) منتهى المقال ٧ / ٧٥ ، ترجمة (٣٢٨٦).

(٣) أعيان الشيعة ١٠ / ٣١٧.

٢٤٣

الاستفسارات الدينية وغير ذلك من النشاطات العلمية الدينية رغم كلّ الظروف التي أحاطت به وساقته إلى رحلات متعدّدة ، وقد نال إجازة الحديث من أساتذته ومن أربعة من مشايخ الحديث ، منهم : المولى رفيعا الجيلاني (ت١١٦٠هـ) الذي كان لديه إجازة من المجلسي ويوصل البحراني إلى المجلسي بعلوّ الإسناد(١).

لقد أثنى معظم كتّاب التراجم المتأخّرون على مكانته المرموقة في الفقه والحديث ، وأشاروا إلى كثرة تتبّعه وذاكرته القوية وزهده على الرغم من انتقاد البعض منهم لمنهجه العلمي ، كما وصفوا آثاره العلمية بأنّها مثمرة ومفيدة ، ومن هؤلاء الكتّاب :

تلميذه أبو علي المازندراني الحائري في منتهى المقال(٢) ، والميرزا محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات(٣) ، والعلاّمة المامقاني في تنقيح المقال(٤) ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة(٥) ، والمحدّث عبّاس القمّي في الفوائد الرضوية(٦) ، والشيخ آقا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة(٧) ، وغير هؤلاء من أعلام العلماء.

__________________

(١) الطباطبائي ، عبد العزيز ، مقدّمة الحدائق : ١ / (ل).

(٢) منتهى المقال ٧ / ٧٥ ، ترجمة (٣٢٨٦).

(٣) روضات الجنّات ٨ / ٢٠٣ ، ترجمة (٧٥٠).

(٤) تنقيح المقال ٣ / ٣٣٤.

(٥) أعيان الشيعة ١٠ / ٣١٧.

(٦) الفوائد الرضوية ٢ / ١٠٨٨.

(٧) الكواكب المنتشرة : ٨٢٨.

٢٤٤

أساتذته ومشايخه في الرواية :

تتلمذ الشيخ قدس‌سره عند جماعة من العلماء قد ذُكرت أساميهم من قبل مترجميه ، لكن الذين عدّهم هو من مشايخه وأساتذته في كتابه اللؤلؤة أربعة ، وهم :

١ ـ والده الفقيه الشيخ أحمد البحراني ، وهو أوّل أساتذته بعد معلّم القرآن ، وقد ترجم له ابنه الشيخ يوسف في كتابه اللؤلؤة ـ كما تقدّم ـ ووصفه بقوله : «إنّه كان مجتهداً فاضلاً جليلاً وفقيهاً نبيلاً» مضيفاً له هذه السمة : «وكانت له مَلَكة في التدريس لم يسبق لها غيره ممّن رأيت وحضرت درسه من علماء عصرنا»(١).

وقد تقدّمت الإشارة إلى أنّه كان مجتهداً صرفاً كثير التشنيع على الأخباريّين. وإليك نصّ ما قاله الشيخ يوسف في حقّ والده بهذا الشأن :

«وكان الوالد نوّر الله تربته شديد التعصّب للمجتهدين ، جرى قلمه بالتعريض بالأخباريّين ، وقد عرّفت في المقدّمة الثانية عشرة من مقدّمات الكتاب ما هو الأليق بالعلماء الأنجاب من سدّ هذا الباب حذراً من طغيان الأقلام بمثل هذا الخطاب وانجراره للقدح في العلماء الأطياب»(٢).

٢ ـ الشيخ أحمد بن عبد الله بن الحسن البلادي البحراني. والظاهر أنّه كان من أوائل أساتذته كما يشير لذلك قوله في ترجمته للشيخ سليمان بن عبد الله البحراني : «وقد رأيت الشيخ المذكور [أي: الشيخ سليمان] وأنا يومئذ ابن عشر

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٩٤ ، ترجمة (٣٧).

(٢) الحدائق الناضرة ٣ / ٦٨.

٢٤٥

سنين أو أقلّ ، وكنت في تلك الأيّام أقرأ في كتاب قطر الندى عند الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله»(١).

٣ ـ الشيخ عبد الله بن علي البلادي البحراني ، قال عنه الشيخ يوسف : «كان فاضلاً سيّما في الحكمة والمعقولات ، إلاّ أنّه كان قليل الرغبة في التدريس والمطالعة في وقتنا الذي رأيناه»(٢).

٤ ـ الشيخ حسين ابن الشيخ محمّد الماحوزي ، وهو عمدة مشايخه في علوم الفقه والحديث والكلام ، قال عنه في التذكرة : «شيخنا وأستاذنا الكامل جامع المعقول والمنقول ومستنبط الفروع من الأصول ، الجامع بين درجتي العلم والعمل ... ومن العجب أنّه قدّس سرّه مع غاية فضله لم يكن له ملكة التصنيف ولم يبرز له شيء في قالب التأليف»(٣).

مشايخ الرواية :

ومضافاً لأساتذته ومشايخه ممّن تلمَّذ عليهم ودرس عندهم وحضر درسهم فإنّ له أيضاً شيوخاً في الإجازة والرواية يروي عنهم بطرقهم الكثيرة

تلاميذه :

زاول الشيخ البحراني التدريس مدّة مديدة من حياته في شيراز وكربلاء ،

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ١٠ ، ترجمة (٢).

(٢) لؤلؤة البحرين : ٧٢ ، ترجمة (٢٥).

(٣) لؤلؤة البحرين : ٦ ، ترجمة (١).

٢٤٦

فما كان يحلّ في مكان إلاّ وتراه مثابراً معطاءً تلتفّ حوله جموع الفضلاء من روّاد العلم للاستفادة من فيض علمه ، وقد تتلمذ على يديه كثير ممّن أصبحوا بعد ذلك من كبار العلماء ، غير أنّ التاريخ كما يقول مترجمه السيّد عبد العزيز الطباطبائي أهمل ذكر جميع من تلمّذوا له وتخرّجوا على يديه في أثناء إقامته في إيران ولاسيّما معهدها الديني شيراز ، كما أنّه قصّر في ضبط الكثير من أولئك الجموع الغفيرة الذين تخرّجوا على يديه في مقرّه الأخير كربلاء ، حيث لبث بها أستاذاً ومرجعاً دينيّاً ما يقرب من عشرين سنة ، ولعلّ من أبرز هؤلاء التلاميذ ممّن وصل إلى الزعامة الدينية وصدرت عنه المؤلّفات المشهورة :

١ ـ السيّد محمّد مهدي ابن السيّد مرتضى المعروف ببحر العلوم ، صاحب المؤلّفات العديدة ، أشهرها المصابيح في الفقه ، وكتاب الرجال المعروف بـ : رجال بحرالعلوم.

٢ ـ الملاّ أحمد النراقي صاحب كتاب مستند الشيعة ، وهو ابن المحقّق محمّد مهدي النراقي صاحب كتاب جامع السعادات.

٣ ـ الشيخ أبو علي الحائري المازندراني الرجالي الشهير ، صاحب كتاب منتهى المقال في أحوال الرجال.

٤ ـ الشيخ حسين بن محمّد ابن أخ الشيخ البحراني ومتمّم كتاب الحدائق الموسوم بـ : عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق الناضرة.

٥ ـ الشيخ خلف بن عبد علي ابن أخ الشيخ البحراني ، وله ولابن أخيه الآخر الشيخ حسين كتب البحراني إجازته المعروفة بـ : لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين.

٢٤٧

٦ ـ السيّد علي ابن السيّد محمّد علي الحائري الطباطبائي صاحب كتاب رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ومؤلّفات أخرى ، وهو ابن أخت الوحيد البهبهاني.

٧ ـ المحقّق القمّي الميرزا أبو القاسم الجيلاني صاحب كتاب القوانين المحكمة في الأصول والمعروف اختصاراً باسم القوانين(١).

شيخوخة الإجازة :

وكان المترجَم له ـ فضلاً عن مقامه العلمي ـ من مشايخ الحديث والرواية ، وقد اتّصل العديد من كبار مشايخهم في الأدوار اللاحقة من طريقه بسلسلة الإجازات ، وقد ذكر المحقّق عبد العزيز الطباطبائي أسماء من وقف عليهم ممّن أجاز لهم الشيخ البحراني بطرقه إليهم وأنهاهم إلى أربعة وعشرين راوياً(٢).

آثاره ومصنّفاته :

ترك المحدّث الشيخ يوسف البحراني تراثاً ضخماً أثرى به المكتبة الشيعية الإسلامية وأغنى الفكر الشيعي بسوانح يراعه ، وأنهى السيّد الطباطبائي مؤلّفات الشيخ البحراني وآثاره إلى خمسة وأربعين عنواناً بين مؤلّف مستقلّ وجواب مكتوب عن الأسئلة وما كتبه حاشية وتعليقة على كتب غيره ، ومعظم هذه الآثار

__________________

(١) مقدّمة الحدائق : ١ / (ل).

(٢) مقدّمة الحدائق : ١ / (ن).

٢٤٨

كتبها في الحديث والكلام والفقه ، وكما ذكر هو نفسه في اللؤلؤة فإنّ بعض كتاباته كان قد فُقد في حادثة نهب بيته في فسا(١).

أهمّ كتبه ومصنّفاته :

ومن أهمّ ما كان قد ألّفه هو :

١ ـ كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله.

٢ ـ الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية : ألّفه أثناء إقامته في النجف الأشرف ، قال عنه في اللؤلؤة : «هو كتاب لم يعمل مثله في فنّه ، مشتمل على تحقيقات رائقة وأبحاث فائقة»(٢).

٣ ـ لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين : وهي إجازة كبيرة مبسوطة كتبها لابني أخويه الشيخ خلف ابن الشيخ عبد علي والشيخ حسين ابن الشيخ محمّد ، وهي مشتملة على ذكر أكثر علمائنا وأحوالهم ومؤلّفاتهم ومدّة أعمارهم ووفياتهم من عصره إلى عصر الكليني والصدوقين.

٤ ـ الكشكول : واسمه جليس الحاضر وأنيس المسافر كما جاء في اللؤلؤة(٣) ، وهو كتاب يشتمل على مختاراته من الأشعار والأخبار والمواعظ والطرائف.

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٤٥ ، منتهى المقال ٧ / ٧٧.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٤٤٧.

(٣) لؤلؤة البحرين : ٤٤٧.

٢٤٩

٥ ـ الصوارم القاصمة لظهور الجامِعِين بين ولد فاطمة : أثبت فيها تحريم الجمع في الزواج بين فاطميّتين.

أمّا سائر مؤلّفاته الأخرى من كتب أو رسائل أو كتيّبات فقد ذكر معظمها نفس المؤلّف في كتابه لؤلؤة البحرين ، ونقلها عنه الحائري في منتهى المقال(٤٦).

وفاته ومدفنه :

وبعد عمر ناهز الثمانين عاماً كرّسه في خدمة العلم والدين والمذهب لبَّى المترجَم له الفقيه المحدّث الشيخ يوسف البحراني الدرازي نداء ربّه راضياً مرضيّاً ـ بعد زعامة دينية ألقيت عليه مقاليدها وقام بتحمّل أعبائها زهاء عشرين عاماً من حياته ـ وذلك في الرابع من ربيع الأوّل سنة (١١٨٦هـ) ، وكلّل تقواه وإيمانه بوصيّة تعبّر عن مدى الروح الإيمانية العالية لديه ، فقد أوصى أن يصلّي على جنازته زعيم المدرسة الأصولية ورائد فكرها الوحيد البهبهاني.

وخرجت كربلاء من كلّ حدب وصوب لتشييع جنازته على الرغم من أنّها كانت تعاني آنذاك من مشكلة الطاعون الذي ضرب العراق في تلك السنة.

قال الحائري في المنتهى : «واجتمع خلف جنازته جمع كثير وجمّ غفير مع خلوّ البلاد من أهاليها وتشتّت شمل ساكنيها ، لحادثة نزلت بهم في ذلك العام من حوادث الأيّام التي لا تُنيم ولا تنام»(٤٧).

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٤٦ ـ ٤٤٨ ، منتهى المقال ٧ / ٧٦.

(٢) منتهى المقال ٧ / ٧٦.

٢٥٠

وفي الفوائد الرضوية : «ومقصوده من الحادثة هو الطاعون العظيم الذي كان في تلك السنة في العراق»(١).

وتولّى تغسيله اثنان من تلامذته ، هما : المقدّس التقي الشيخ محمّد علي (الشهير بـ : ابن السلطان) والحاج معصوم ، وصلّى عليه الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني ومن بعده السيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض.

ودفن في البقعة المطهّرة بجوار مرقد سيّد الشهداء بالرواق الحسيني عند رجلي الشهداء(٢).

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة :

وهو الكتاب الذي تقدّم أنّه بدأ بتأليفه في قرية (فسا) قرب مدينة شيراز ، وقد بلغ فيه إلى باب الأغسال من كتاب الطهارة في أثناء إقامته في إيران ، ثمّ واصل تأليفه في كربلاء بعد هجرته إليها ، فبلغ إلى كتاب الظهار ، ثمّ وافته المنية فحالت دون إكماله.

يقول قدّس سرّه عن بعض ما يتعلّق بتصنيف الكتاب حين إقامته في كربلاء : «وشرعت في إتمام كتاب الحدائق الناضرة المتقدّم ذكره ، فخرج منه من المجلّدات كتاب الطهارة يشتمل على مجلّدين ، وكتاب الصلاة يشتمل على مجلّدين ، وكتاب الزكاة وكتاب الصوم في مجلّد ، وكتاب الحجّ في مجلّد» ثمّ قال

__________________

(١) الفوائد الرضوية ٢ / ١٠٩٢.

(٢) أنوار البدرين ١ / ٤٣٨.

٢٥١

بعد ذلك : «وأنا الآن في الاشتغال بكتاب المتاجر»(١).

وذكر السيّد محمّد صادق بحر العلوم: أنّ المؤلّف كتب من الحدائق كتاب النكاح والطلاق وجعله المجلّد التاسع وفرغ من تأليفه في اليوم الثاني من شهر جمادى الثانية سنة (١١٨٥هـ) كما صرّح في آخره (أي: قبل وفاته بسنة) ، ثمّ ألّف كتاب الظهار ولم يتمّه ، فوصل فيه إلى قوله : «بخلاف ما مال إليه قضاتهم وحكّامهم أميل» وأدركه المرض ووافاه الأجل المحتوم ، فتوفّي سنة (١١٨٦هـ)(٢).

ما قيل في الكتاب :

وقد قيلت في الحدائق كثير من كلمات الثناء والإطراء التي تكشف عن مكانته العلمية عند العلماء ، وأنا أنقل اختصاراً ومن باب المثال لا الحصر ما قاله المحدّث البحراني نفسه عن كتابه هذا ، قال رحمه‌الله :

«لم يُعمل مثله في كتب الأصحاب ولم يَسبق إليه سابق في هذا الباب ، لاشتماله على جميع النصوص المتعلّقة بكلّ مسألة وجميع الأقوال وجميع الفروع التي ترتبط بكلّ مسألة ، إلاّ ما زاغ عنه البصر وحسر عنه النظر»(٣).

وذكر أيضاً الغاية من تأليفه لهذا الكتاب بقوله :

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٤٦.

(٢) تعليقة لؤلؤة البحرين ، هامش صفحة : ٤٤٧.

(٣) لؤلؤة البحرين : ٤٤٦.

٢٥٢

«وبالجملة : فإنّ قصدنا فيه إلى أنّ الناظر فيه لايحتاج إلى مراجعة غيره من الأخبار ولا كتب الاستدلال ، ولهذا صار كتاباً كبيراً واسعاً كالبحر الزاخر باللؤلؤ الفاخر»(١).

وقال تلميذه الرجالي الكبير أبو علي الحائري في منتهى المقال : «وهو كتاب جليل لم يعمل مثله جدّاً ، جمع فيه الأقوال والأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار ، إنّه طاب ثراه لميله إلى الأخبارية كان قليل التعلّق بالاستدلال بالأدلّة الأصولية التي هي أمّهات الأحكام الفقهية وعُمد الأدلّة الشرعية ، خرج منه جميع العبادات ـ إلاّ كتاب الجهاد ـ وأكثر المعاملات إلى أواخر الطلاق ، وأعرض عن ذكر كتاب الجهاد لقلّة النفع المتعلّق به الآن وإيثاراً لصرف الوقت فيما هو أهمّ تبعاً لبعض علمائنا الأعيان»(٢).

وقال عنه المحدّث الشيخ عبّاس القمّي في الفوائد الرضوية : «صاحب التصانيف النافعة الجامعة التي أحسنها الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وهو كتاب جليل في الغاية كثير النفع»(٣).

وقال العلاّمة الأمين في أعيان الشيعة : «له مؤلّفات نافعة ، منها وهو أحسنها الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وكتابه الحدائق الدائر السائر بين الفقهاء ينمّ عن غزارة علم مؤلّفه وتضلّعه في العلوم وتبحّره في الفقه

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٤٤٦.

(٢) منتهى المقال ٧ / ٧٦.

(٣) الفوائد الرضوية ٢ / ١٠٨٨.

٢٥٣

والحديث»(١).

إلى غير ذلك من كلمات الثناء الكثيرة التي قيلت في إطراء هذا الكتاب ومدحه.

تتميم الحدائق :

من المأسوف عليه أنّ القضاء لم يمهل المصنّف حتّى يبلغ أقصى آماله ويتمّم غاية مراده ، وحالت المنيّة دون هذه الأمنية ، فاخترمه الأجل ولمّا يكمل الكتاب بأجمعه حيث بلغ في تأليفه إلى كتاب الظهار ، غير أنّ ابن أخيه وتلميذه المحدّث الشيخ حسين بن محمّد بن عصفور أكمله بعده ، متّبعاً خطى عمّه في طريقة تأليفه ، واسِماً له بـ : عيون الحقائق الناظرة في تتمّة الحدائق الناضرة.

وهذا الكتاب وكما نصّ السيّد عبد العزيز الطباطبائي يحتوي على تسعة من كتب الفقه ، وهي : الظهار والإيلاء واللعان والعتق والإقرار والجعالة والأيمان والنذر والكفّارات. قال رحمه‌الله : «وبعضهم سمّى الكتاب : الحقائق الفاخرة»(٢).

وللبحث صلة ...

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠ / ٣١٧.

(٢) مقدّمة الحدائق : ١ / (ا ب).

٢٥٤

من ذخائر التّراث

٢٥٥
٢٥٦

ذكرى ذوي النهى في حرمة حلق اللّحى

(المتوفّى سنة ١٣٥٤ هجرية)

تأليف

آية الله السيّد حسن الصدر

(المتوفّى سنة ١٣٥٤ هجرية)

تحقيق

الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي

٢٥٧
٢٥٨

مقـدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد :

بين حين وآخر يكثر الكلام في مسألة شرعية بين النفي والإثبات لأجل شبهة تطرح من هنا وهناك ، وهذا يكون دافعاً ومحفّزاً لبعض علماء الدين لأن يكتب في تلك المسألة رسالة استدلالية مستقلّة رغم وجود مباحث المسألة في بطون الكتب ، فتراه يتابع الأدلّة الشرعية كتاباً وسنّة وإجماعاً وعقلاً وسيرة ، بل ويتابع أقوال الفقهاء وكيفيّة معاملتهم مع الأدلّة ثمّ ينتخب القول المختار عنده.

ومن جملة المسائل الشرعية التي كثر فيها الكلام قبل حوالي مائة سنة وإلى الآن مسألة حرمة حلق اللحية ، فقد تناولها العلماء الأعلام وأحسنوا وأجادوا كما هو دأبهم في مباحثهم الاستدلالية.

٢٥٩

الرسائل المؤلّفة في المسألة :

والآن أعرض للقارئ الكريم فهرس الرسائل المكتوبة في هذه المسألة.

إبقاء الحلية في وجوب إعفاء اللحية : للسيّد محمّد بن السيّد سلطان علي المرعشي النجفي المولود سنة (١٣٠٨ هـ) ، فرغ منها سنة (١٣٥٧ هـ) تقرب من سبعمائة بيت(١).

أصفى المشارب في حكم حلق اللحية وتطويل الشارب : للسيّد محمّد علي بن الحسين بن محسن الحسيني الشهير بالسيّد هبة الدين الشهرستاني ، مختصر في خمسمائة بيت أوّله (الحمد لله كثيراً)(٢). وقد حقّقت الرسالة ونشرت أخيراً ضمن موسوعة العلاّمة الأوردبادي التي صدرت من العتبة العبّاسية المقدّسة(٣).

تفتيش أز مضرّت تراشيدن ريش : فارسي في بيان مضرّات حلق اللحية وتطويل الشوارب ، للسيّد الشهير هبة الدين الشهرستاني فرغ منه سنة (١٣٣٢هـ) مطبوع(٤).

توضيح المآرب في أحكام اللحى والشارب : للسيّد عبد الله بن أبي القاسم الموسوي البلادي(٥).

__________________

(١) الذريعة ١١ / ٦.

(٢) الذريعة ٢ / ١٢٤/ ٤٩٧.

(٣) موسوعة العلاّمة الأوردبادي ٤ / ٣٢١.

(٤) الذريعة ٤ / ٢٢٩ / ١١٥٧.

(٥) الذريعة ٤ / ٤٩٤.

٢٦٠