من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٥

وارتفاع القوس البركانى المتكون بإضافة كم جديد من الطفوح البركانية إليه وبمزيد من المتداخلات النارية فيه ، ويتم ارتفاع القوس البركانى بصورة مطردة كذلك بعملية اتزان القشرة الأرضية ، والتى تحدث بسبب قلة كثافة الصخور النارية المتداخلة بالنسبة للصخور المحيطة ؛ ويؤدى تداخل مثل هذه الأجسام الصهارية الكبيرة تحت درجة حرارة مرتفعة إلى تشوه وتحول الرسوبيات المحيطة بها بعدد من عمليات الطي والتصدع والتحول.

وفى الأخدود المتكون بين قوس الجزر البركانية وحدود القارة (forearc basin) يتم تراكم تدريجى لسمك كبير من الصخور الشديدة التشوه على هيئة إسفين تجمعي (accretionary wedge) فى موازاة الحزام الصهارى (magmatic belt) وباتجاه البحر ، ويتكون هذا الخليط المعقد (complex melange) من كلّ من الرسوبيات الفتاتية (clastic sediments) ورسوبيات المياه العميقة ، وتكشط هذه الرسوبيات الأخيرة عن اللوح المكون لقاع المحيط والذى يهبط تحت اللوح القارى ، وتتراكم على جانب الأخدود باتجاه اليابسة أى على جانب القارة الراكبة فوق لوح قاع المحيط ؛ ويختلط عادة بمتداخلات وطفوح نارية قاعدية إلى فوق قاعدية تعرف باسم الكتلة الاختراقية أو «الأفيوليتية» (an ophiolite suite).

عادة ما يتم تحول مزيج الصخور المختلطة (melange rocks) إلى سحنة النضيد الأزرق (the blue schist facies) وهى نوع من الصخور المتحولة تحت ضغوط مرتفعة ، ودرجة حرارة منخفضة ، حيث إن هذه الأخاديد المحيطية قد يزيد عمقها فى بعض الأحوال على ١٠ كم ، وأن النمو المستمر بالإضافة إلى هذه الأخلاط المعقدة للقوس البركانى يمكن أن يؤدى إلى تراكمات تبلغ من السمك ما يسمح لها بالبروز فوق سطح البحر مكونة عددا من الجزر ، فإذا لم تبرز فوق سطح الماء كونت عددا من سلاسل الجبال المندفعة من قاع البحر لتفصل بين الأحواض الأمامية لأقواس الجزر البركانية (forearc basins) وبين قوس الجزر البركانية وحافة اللوح المصدوم (كما هو الحال فى الجزر الأندونيسية على سبيل المثال) ، ويمكن للتشوهات

٨١

التى تتعرض لها هذه الصخور فيما بعد أن تؤدى إلى تكون سلسلة جبلية شبيهة بجبال الجزر اليابانية (cf.miyashiro ١٦٩١ ، ٧٦٩١).

وتقترن أقواس الجزر البركانية عادة بالهزات الأرضية ذات البؤر العميقة ، والحيود السلبية فى قيم الجاذبية الأرضية (شكل ١٨). ومثل هذه الأقواس يمكن أن يتكون بإحدى الطريقتين التاليتين أو بهما معا :

١ ـ يتم فى الطريقة الأولى تكون منطقة التصادم بين لوحين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض المكونين لقاع المحيط ، ونزول أحد هذين اللوحين تحت الآخر كما حدث فى تكوين الجزر الأليوتية (aleutian islands) مخلفة «حوضا خلف قوس الجزر البركانية» (back ـ arc basin) بين مجموعة الجزر والقارة (شكل ٧ ، ١٢ ، ١٥ ، ١٨).

٢ ـ وفى الحالة الثانية يتم اصطدام قاع المحيط بالقارة (شكل ١٩ ، ٢٠) حيث يتكون قوس الجزر البركانية وبعدها يمكن أن يحدث خسف أرضى يؤدى إلى انفصالها عن القارة كجزيرة هونشو (honshu) فى بحر اليابان.

ومن المتفق عليه بصورة عامة أن أقواس الجزر البركانية الحديثة تمثل المرحلة الأولى فى تكون أحزمة الجبال القارية ، وإذا توقفت عملية اتساع قاع البحر (المحيط) عند هذه المرحلة (لسبب أو آخر) فإن دورة بناء الجبال يمكن أن تتوقف عند مرحلة النضج فى تكون جبال أقواس الجزر البركانية ، ولكنها إذا استمرت فإنه يمكن الوصول إلى المراحل التالية تباعا.

٢ ـ مرحلة الجبال الأنديزية (andean ـ stage) :

: تتكون الجزر البركانية عادة عند تصادم لوحين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض يكون كل منهما جزاء من قاع المحيط (oceanic oceanic plate collision) أو عند ما يكون أحدهما جزءا من قاع المحيط ويكون الآخر لوحا قاريا (oceanic / continental plate collision).

٨٢

وفى الحالة الأولى وهي حالة حدوث الصدام بين لوحين من ألواح الغلاف الصخرى المكونين لقاع المحيط (شكل ١٨) يمكن أن تستمر العملية إلى أن يتم إلصاق سلسلة من الجبال بأقرب قارة عائمة حول اللوح المحيطى العلوى ، وفى حالة عدم وجود قارة قريبة فإن دورة تكون الجبال تتوقف عند مرحلة مجموعة الجزر البركانية.

وفى الحالة الثانية يهبط قاع المحيط تحت القارة مكونا نطاقا للهبوط بين اللوحين يعرف باسم نطاق الاندساس أو الانضواء (subduction zone) ، فيبدأ اللوح الهابط فى الانصهار الجزئى مما يؤدى إلى نشاط بركانى ينشأ عنه تشكيل قوس الجزر البركانية على بعد عدة مئات من الكيلومترات فى البحر (نظرا لأن الفاصل الحقيقى بين اللوحين القارى والبحرى يقع فى اتجاه البحر بعد نهاية حدود الرصيف القاري) ، مع وجود حوض خلفه يفصل بينه وبين الكتلة القارية ، وتتسبب زيادة تقارب اللوحين فى انغلاق الحوض الخلفى وتشوه وتحول رسوبياته ، وتشوه وتحول كلّ من القوس البركانى نفسه ، والخليط المعقد من الرسوبيات المتراكمة فى الأخدود المحيطي ، وباستمرار نمو هذا الكم الهائل من الصخور والرسوبيات المعقدة يمكن أن تتكون سلسلة جبلية كجبال الأنديز ، ويتم ذلك بدفع كلّ من الرسوبيات التى تجمعت فى الحوض الخلفى لأقواس الجزر البركانية بعد تحولها وطيها وتكسرها ، وحزام الصهارات الصخرية (magmatic belt) ، ومعقدات أخلاط الرسوبيات (the melange complcx) إلى حافة القارة التى تتعرض كذلك للعديد من عمليات التغضن والطى والتكسر.

ومن شأن عمليات الرفع وعوامل التحات التالية أن تكشف عن قلب تلك السلسلة الجبلية المكون من الصخور المتبلورة من نارية ومتحولة ناتجة عن تحول رسوبيات الحوض الخلفى لأقواس الجزر البركانية فى الجانب القارى ونطاق الأخلاط من الصخور (rock melange) فى اتجاه المحيط.

٨٣

٣ ـ مرحلة الجبال التصادمية (collisional mountain stage).

وهذه هى المرحلة الأخيرة فى دورة تكون الجبال ، وهنا يحدث التصادم بين لوحين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض المكونين لكتلتين قاريتين بعد انغلاق المحيط بينهما ، جارفا وساحقا كل ما هو موجود بينهما من الكتل القارية الصغيرة من أمثال مجموعات الجزر التى تقع بينهما ، والسلاسل الجبلية على حوافهما ، والحافة التى يقع فيها الأخدود قد تقترن بوجود سلسلة جبال من نوع جبال الأنديز قائمة بالفعل أو آخذة فى التكون ، أو قد تقترن بحافة ناجمة عن تصادم قوس من أقواس الجزر البركانية بالقارة.

والبنيات الأرضية المتكونة نتيجة لدفع حافة من النوع الأطلنطى فوق الأخدود البحرى من المحتمل أن تكون فى البداية شبيهة بتلك التى سبق وصفها فى حالة التصادم بين قوس من أقواس الجزر البركانية وإحدى القارات المجاورة ، وهذا ينطوى على تكسير صخور القاعدة المعقدة إلى شرائح ودفعها بواسطة صدوع المجاورة عبر مسافات طويلة ، لتضعها فوق صخور أخرى مختلفة عنها اختلافا كليّا أو فى قلبها ؛ ولذلك تعرف باسم الصخور المغتربة (nappes).

وكذلك فإن كلّا من قشرة الأرض المكونة لقاع المحيط ، وما تجمع فوقها من الصخور الأوفيوليتية (الاختراقية) ، والصوانية ، والصلصالية (lutite) ورواسب البحار العميقة العكرة المعروفة باسم الفليش (flysch) تتعرض للتضاغط ، والتكسير ، والدفع بواسطة صدوع المجاوزة ؛ لتتراكب فوق غيرها من الصخور المغايرة لها طبيعة وعمرا ، وفى نهاية المطاف فإن قابلية الصخور القارية الأقل كثافة تحول دون حدوث مزيد من التدمير ، وقد يتكسر لوح الغلاف الصخرى الهابط إلى كتل تهبط بالتدريج فى نطاق الضعف الأرضى ؛ لتنصهر ويتم هضمها فيه. وعندئذ فإن منطقة الأخدود البحرى السابقة التى كان يستهلك فيها اللوح الهابط تتحول إلى منطقة تكسر وتفتت الغلاف الصخرى للأرض. وبمرور الزمن يمكن أن يتكون فى النهاية أخدود جديد بالقرب من حافة الإدبار (trailing edge) من النوع الأطلنطى للقارة التى تعرضت للاصطدام.

٨٤

ومثل هذه التغيرات فى حدود لوح الغلاف الصخرى للأرض يضع حدا لنمو الحزام الجبلي ، غير أن خط التحام الكتل المتصادمة (درز الاصطدام) يظل متسما بوجود طوف جبلى شاهق الارتفاع ، مكون من صخور شديدة الطى والتكسر بصدوع المجاوزة ، متطابقة مع ، أو مجاورة لحزام الطهارة ، ومتسما أيضا بقشرة قارية للأرض ذات سمك عال.

ومع تكون مثل هذه الجبال المرتفعة جدا فإن عمليات التحات والتعرية تبدأ فى الأخذ من ارتفاعها وتحمل الفتات الصخرى الناجم عن عملية التحات إلى منخفضات سطح الأرض من مثل المحيطات والبحار ، وكذلك إلى الوديان التى تتخلل الجبال حتى تتكرر دورة الصخور مرارا وتكرارا ، ولما كانت عمليات التحات والتجوية والتعرية تزيل كميات كبيرة من الكتل الصخرية فإن عملية التعديل التضاغطى لإحداث توازن القشرة الأرضية (isostatic adjustment) تعمل تدريجيّا على رفع الجبال كرد فعل على ذلك.

وباستمرار عمليات التحات والتعرية المقترنة بعمليات التعديل فى توازن القشرة الأرضية لفترات زمنية طويلة فإنها تنتهى بإنقاص سمك سلسلة الجبال إلى متوسط سمك القارة التى توجد عليها ، وحينئذ فإن جذور السلسلة الجبلية التى كانت طافية فى نطاق الضعف الأرضي ترتفع إلى أخفض مستويات سطح الأرض فتنكشف ، وعلى هذا النحو فقد لعبت الجبال دورا مهمّا فى تطور الغلاف الصخري للأرض ؛ إذ أن من المعتقد أن القارات ازدادت حجما بصورة تدريجية بإضافة أراض جبلية طولية إلى جوانبها (كسلسلة جبال الأپالاشى فى شرقى الولايات المتحدة ؛ وجبال الأنديز فى غربى أمريكا الجنوبية) ويعنى ذلك أن المناطق القارية كلها كانت فى يوم من الأيام جبالا شاهقة ، ثم تآكلت فيما بعد إلى مستواها الحالى بفعل عمليات التحات والتعرية ، وأن الكتل الصخرية القديمة (الرواسخ أو المجن) المستقرة نسبيّا والموجودة فى أواسط القارات ما هى إلا جذور تلك الجبال القديمة.

* * *

٨٥

الفصل الثامن

كيف تثبت الأرض بالجبال؟

يقسم الغلاف الصخرى للأرض (والذى يتراوح سمكه بين ٦٥ ، ٧٠ كم في ألواح قيعان المحيطات ، وبين ١٠٠ ، ١٥٠ كم في كتل القارات) إلى حوالى اثنى عشر لوحا أرضيّا كبيرا بفعل نظم الصدوع الخسفية التى تحيط بالأرض إحاطة كاملة ، وتتركز أساسا فى قيعان المحيطات ، على هيئة أخاديد أواسط المحيطات ، وإن وجدت فى قيعان البحار ، وعلى اليابسة بنسب أقل. (شكل ١٠) وتطفو ألواح الغلاف الصخرى تلك فوق نطاق الضعف الأرضى وهو نطاق لدن ، مرن شبه منصهر ، عالى الكثافة واللزوجة ، ولذلك فإن هذه الألواح تنزلق فوق نطاق الضعف الأرضي مع دوران الأرض حول محورها ؛ وتتحرك بحرية مبتعدة عن بعضها البعض أو مقتربة إحداها من الأخرى ، أو منزلقة عبر ما يجاورها من ألواح الغلاف الصخرى للأرض ، وذلك باندفاع الصهارة الصخرية من نطاق الضعف الأرضي بملايين الأطنان عبر الأغوار الفاصلة بين تلك الألواح ، وعند ما تتباعد هذه الألواح عن بعضها البعض (ويتم ذلك غالبا فى قيعان المحيطات وقيعان بعض البحار). تندفع الصهارة الصخرية من نطاق الضعف الأرضى ؛ لتملأ المسافة الناتجة عن هذا التباعد (فى ظاهرة تعرف باسم ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات) مكونة صخورا جديدة تضاف إلى الصخور المكونة لقاع المحيط ، وتكون أحدث عمرا منها ، (أى من الصخور الموجودة على جانبيها والتى سبق خروجها بنفس

٨٦

الطريقة فى أزمنة أرضية سابقة) ، ولذلك فإن قاع المحيط يتكون من أحزمة من الصخور النارية المتوازية مع بعضها البعض ومع الصدوع الخسفية التى انبثقت منها وسط قاع المحيط ، وتتقادم هذه الأحزمة الصخرية فى العمر من وسط المحيط إلى جانبيه باستمرار حتى تتواجد أقدم صخور قاع المحيط عند التقائه بحدود القارتين المحيطتين به. ومع اتساع قاع المحيط ينزلق نصفاه كلّ فى اتجاه مضاد ؛ ليتحرك تحت اللوح القارى المقابل ، فيدخل فى نطاق الضعف الأرضى ؛ لينصهر بنفس معدل اتساع قاع المحيط فى وسطه ، أى بنصف هذا المعدل على كل جانب من جانبى المحيط (شكل ١١).

والشكل المثالى لألواح الغلاف الصخرى للأرض هو الشكل رباعى الأضلاع. يتباعد فى أحد هذه الأضلاع عن اللوح المجاور (ويتم ذلك غالبا فى قيعان كل محيطات الأرض ، وفى قيعان عدد من بحارها النشطة) ، ويتصادم مع اللوح المجاور عند الضلع المقابل ، فينمو بإضافة صخور جديدة عند حد التباعد ، ويستهلك بدخوله فى نطاق الضعف الأرضى عند حد الاصطدام بنفس معدل النمو عند حد التباعد ، وينزلق عبر الحدين الآخرين بجوار أطراف الألواح المجاورة على امتداد تصدعات التحول (trandform faults). وبهذه الطريقة فإن ألواح الغلاف الصخرى للأرض تنتقل بصورة مستمرة حول الأرض على الرغم من صلابتها ، ولما كان بعض تلك الألواح يحمل القارات معه فإن هذه القارات تزحف باستمرار مبتعدة عن بعضها البعض أو مقتربة إحداها من الأخرى ، وعند ما يدفع أحد هذه الألواح تحت لوح آخر وينصهر يتم تداخل صهارات أكثر لزوجة ، فى حين تخرج الصهارات الأقل كثافة والأكثر ميوعة إلى قاع المحيط ؛ لتشكل أقواس الجزر البركانية التى تنمو بالتدريج ؛ لتصبح فى النهاية قارات أو تلتصق بحواف إحدى القارات المجاورة ، أو تنضغط بين قارتين مصطدمتين ، وقد تم التعرف على آثار ما يمكن أن يكون جزرا بركانية سابقة على امتداد حواف كثيرة من حواف القارات الموجودة اليوم وفى داخلها.

٨٧

إن حركة تباعد وتقارب ألواح الغلاف الصخرى للأرض لا تقتصر على أحواض المحيطات ، ولكنها تحدث أيضا بالقرب من حواف القارات وفى داخلها ، ومن المعروف أن كلّا من البحر الأحمر وخليج كاليفورنيا (وهما امتدادان للأخاديد الصدعية) يزدادان اتساعا فى هذه الأيام باستمرار ، وحيث يتسع البحر الأحمر بمعدل ٣ سم فى السنة ، ويتسع خليج كاليفورنيا بمعدل ٦ سم فى السنة ، وعلى الجانب الآخر فإن تصادم لوح الغلاف الصخرى الحامل للهند مع اللوح الحامل للقارتين الآسيوية والأوروپية نتجت عنه سلسلة جبال الهيمالايا التى تضم أعلى القمم على سطح الأرض اليوم.

وتكرر حدوث الهزات الأرضية عند حدود ألواح الغلاف الصخرى للأرض يعتبر شيئا مألوفا (شكل ١٢ ، ٢٠) وهى على عمق ضحل قريب من السطح على امتداد الحدود المتباعدة لألواح الغلاف الصخرى للأرض ، أما على امتداد مناطق الاصطدام حيث ينزل قاع المحيط تحت اللوح الحامل للقارة فإن بؤر الهزات الأرضية تكون عميقة (حتى عمق ٧٠٠ كم) ، وتحدث الهزات الأرضية كذلك على الحدود التى تنزلق فيها ألواح الغلاف الصخرى للأرض عبر صدوع التحول (transform faults) التى تفصل بينها.

والحركات عبر مستويات التصدع لا تحدث بصورة مستمرة ، ولكنها تحدث برجفات مفاجأة تطلق التوتر المتراكم في داخلها.

إن ألواح الغلاف الصخرى للأرض لا تنتقل كلها بنفس السرعة ، فحيث تتباعد هذه الألواح بسرعة تنتشر الصهارة الصخرية المندفعة من نطاق الضعف الأرضى إلى قاع المحيط ؛ لتملأ المنطقة التى نشأت عن هذا التباعد بالطفوح البركانية والمتداخلات النارية التى تبنى مع الزمن سلاسل من الحواف المرتفعة فى أواسط المحيطات تكون جوانبها منحدرة بصورة تدريجية (كمرتفعات شرق المحيط الهادي) ، وعلى العكس من ذلك فإن التباعد البطىء لألواح الغلاف الصخرى المكونة لقيعان البحار والمحيطات يتيح الوقت الكافى لتراكم الصهارة المندفعة من

٨٨

نطاق الضعف الأرضى مما يؤدى إلى تكون قمم شديدة الانحدار (كسلسلة جبال منتصف المحيط الأطلنطي).

ويمكن تحديد سرعة تحرك ألواح الغلاف الصخرى المكونة لقاع المحيط بعيدا عن مراكز التصدع والتوسع باستخدام الاختلاف فى اتجاه المغناطيسية فى الأحزمة المتجاورة من الصخور المكونة لقاع المحيط أو ما يعرف باسم «أحزمة الحيود المغناطيسى» (the magnetic anomaly strips). وهذه الأحزمة يمكن التعرف عليها وتحديد كلّ من الاتجاه المغناطيسى الذى تجمدت عليه وأعمارها وبقياس المسافة بين كل حزام من هذه الأحزمة المتباينة فى مغناطيسيتها وبين مركز التصدع والتوسع فى وسط المحيط (شكل ١١). ومعدلات توسع كل جانب من جانبى المحيط الذى يتسع قاعه من عند الأغوار الصدعية التى اندفعت منها حواف وسط ذلك المحيط إلى خط التصادم مع اللوح الصخرى المقابل تمثل نصف معدل التوسع الكلى لقاع المحيط الذى انقسم إلى نصفين ، يتحرك كل منهما فى اتجاه معاكس للآخر. وحركات ألواح الغلاف الصخرى للأرض كلها حركات نسبية ، وتتفاوت معدلات توسع قيعان البحار والمحيطات بين ١ سم / سنة فى المحيط القطبى الشمالى و ٦ ـ ١٨ سم / سنة فى المحيط الهادئ.

ويمكن حساب معدلات التقارب بين ألواح الغلاف الصخرى للأرض عند الأخاديد ومناطق نشوء الجبال بجمع الكميات المتجهة للحركات المعروفة لدوران تلك الألواح ، وبحساب ذلك تبين أن معدلات التقارب تبلغ ٩ سم / سنة عند الأخاديد ، وتنخفض حتى أقل من ٦ سم / سنة عند النطاقات الجبلية. ويمكن أيضا وبسهولة حساب معدلات الانزلاق بمحاذاة تصدعات التحول عند معرفة معدلات الدوران (le pichon ، ٨٦٩١).

وتوحى أنماط كل من أحزمة الحيود المغناطيسى وسمك الرسوبيات المتجمعة أن نماذج توسع ألواح الغلاف الصخرى للأرض وسرعاتها كانت مختلفة فى الماضي ، وأن النشاط على امتداد سلاسل جبال منتصف المحيطات يتفاوت فى الزمان والمكان

٨٩

وعليه فإن سلاسل الحواف المحيطية هذه تظهر وتنتقل من مكان إلى آخر حتى تختفي.

ويبدو أن تصدع قاع المحيط الأطلنطى وعملية اتساع ذلك القاع قد بدأ فى الفترة الزمنية الممتدة بين مائتى مليون ومائة وخمسين مليون سنة مضت ، وأن قاع المحيط الهندى قد بدأ فى ممارسة عمليات التصدع والاتساع تلك فى الفترة ما بين المائة مليون والثمانين مليون سنة الماضية ، وأن أستراليا لم تنفصل عن القارة القطبية الجنوبية إلا منذ ٦٥ مليون سنة مضت (dottbatten ، ٨٨٩١ ، p ، ٧٦١).

وتكثر البراكين أيضا عند الحدود المتباعدة لألواح الغلاف الصخرى للأرض سواء كانت تلك الألواح بحرية أم قارية ، ومعظم هذه البراكين يستمر فى نشاطة لفترة ٢٠ ـ ٣٠ مليون سنة على الرغم من أن بعضها قد تصل فترة نشاطة إلى ١٠٠ مليون سنة أو يزيد (كجزر الكنارى على سبيل المثال) ، وخلال مثل هذه الفترات الطويلة من النشاط البركانى تحمل البراكين لمسافة عدة مئات من الكيلومترات بعيدا عن أغوار التصدع التى تتحدد عندها حافتا اللوح المتباعدتان عن بعضهما البعض باستمرار بواسطة الصهارة المتدفقة من نطاق الضعف الأرضى عبر أغوار التصدع والتى تشكل مصدر تغذية تلك الفوهات البركانية. وعند ابتعاد تلك الفوهات عن مصادر تغذيتها بالصهارة الصخرية تخمد بالتدريج حتى تموت ، ويحمل قاع المحيط الهادئ عددا كبيرا من البراكين القديمة الخامدة الغاطسة (Guyots) التى كانت فى يوم من الأيام بارزة فوق مستوى سطح الماء فى المحيط ، ولكنها غطست تحت سطح الماء إلى ما هو دون هذا المستوى بكثير لبعدها عن نطاق التصدع الذى يمثل مصدر تغذيتها بالصهارة الصخرية ، ولذلك خمدت وهبطت تحت مستوى سطح الماء فى المحيط.

أما أحزمة الجبال القارية فتنتج عن تصادم ألواح الغلاف الصخرى مع بعضها البعض ، سواء كان هذا التصادم بين لوحين أحدهما بحرى والآخر قارى ، أو كان كلاهما قاريا ، وعلى ذلك فإن حركة نشوء الجبال تبلغ ذروتها عند تصادم قارتين ،

٩٠

وينجم عن ذلك تغضن شديد لحواف القارتين ، وتوقف كل أنواع النشاط لهذين اللوحين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض على طول خط الالتقاء بينهما ، حيث يلتحمان مع تقلص واضح فى مساحتيهما بسبب تكون عدد كبير من صدوع المجاوزة العملاقة والطيات الشديدة التى تأتى بأعداد كبيرة من الصخور المغتربة وتضعها فى أوساط صخرية مغايرة كل المغايرة لها وتراكبها فوق بعضها البعض (intrastructural nappes) كما تؤدى إلى زيادة كبيرة فى سمك القشرة الأرضية على شكل جذور عميقة تمتد إلى الأسفل بمسافة تبلغ أضعاف ارتفاع السلسلة الجبلية وبالنتيجة فإن هذه السلاسل الضخمة وجذورها العميقة تعمل على تثبيت الغلاف الصخرى للأرض ، حيث إن حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض تتوقف تماما تقريبا عند هذا المكان.

إن فكرة وجود نطاق الضعف الأرضى اللدن ، وشبه المنصهر ، والكثيف ، يجعل من الممكن فهم السبب فى ارتفاع القارات فوق أحواض المحيطات ، وفي زيادة سمك القشرة الأرضية تحت القارات عنها تحت المحيطات ، وهذا يعنى أنه بمقدار ما للجبال من جذور عميقة فإن كل المناطق المرتفعة كالهضاب والقارات لا بدّ وأن تكون ذات جذور تمتد إلى أعماق بعيدة ، وبعبارة أخرى فإن نطاق الغلاف الصخرى للأرض برمته يطفو فوق هذا النطاق اللدن أو شبه اللدن المعروف باسم نطاق الضعف الأرضى ، وبنيات الجبال المرتفعة تبقى قائمة بفضل جذورها الغائصة فى ذلك النطاق (شكل ١).

وتتحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض كرد فعل للطريقة التى تصل فيها الحرارة إلى قاعدة ذلك الغلاف (شكل ٢٨) ، وربما كرد فعل أيضا لسرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ، خاصة وأن هذه السرعة كانت أعلى من معدلاتها الحالية بأضعاف عديدة فى الأزمنة الأرضية الماضية ، وأنها فى تناقص مستمر منذ أن خلق الله (تعالى) السماوات والأرض ، ويعتقد بأن هذا التباطؤ فى سرعة دوران الأرض حول محورها سوف يستمر حتى تطلع الشمس من مغربها

٩١

وهى علامة من العلامات الكبرى للساعة ، ومن نبوءات المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وانطلاقا من ذلك فقد استنتج العلماء أن حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض كانت أكثر سرعة فى الماضى ، وأنها آخذة فى التباطؤ نظرا لاستمرار تكون السلاسل الجبلية ، ونمو القارات بإضافة كميات جديدة من الصخور إليها ، وقد يساعد فى ذلك أيضا التباطؤ فى سرعة دوران الأرض حول محورها الذى يعزى لحركات المد والجزر التى تعمل كالكابح ، كما يعزى لقوة جذب كلّ من الشمس والقمر للأرض ويعزى كذلك إلى قلة كمية الحرارة التى تصل من جوف الأرض إلى سطحها نتيجة لاستمرار انحلال المواد الإشعاعية الموجودة فى داخل الأرض.

* * *

٩٢

الخلاصة

وصفت الجبال دائما بأنها أشكال أرضية بارزة فوق سطح الأرض ، تتسم بنتوءاتها التى ترتفع على المناطق المحيطة بها ، وبقممها العالية ، وسفوحها الشديدة الانحدار ، وبوجودها فى مجموعات على هيئة أطواف ، أو منظومات ، أو سلاسل ، أو أحزمة ، أو مجموعات من تلك الأحزمة الجبلية التى تكون عادة متوازية أو قريبة من التوازى مع بعضها البعض ، ولكنها قد تكون موجودة أيضا على هيئة مرتفعات فردية كما هو الحال فى بعض الجبال البركانية.

وعلى الرغم من ذلك فإن القرآن الكريم الذى أنزل قبل أربعة عشر قرنا يصف الجبال بأنها رواسى للأرض ، وذلك كى لا تميد أو تهتز بنا ، ويصفها كذلك بأنها أوتاد تثبت سطح الأرض باتجاه الأسفل ، وكما أن الوتد أغلبه مدفون في الأرض وأقله ظاهر فوق السطح ، ووظيفته التثبيت ، فقد وصف القرآن الكريم بكلمة واحدة كلّا من النتوءات الخارجية البارزة من الجبال وامتداداتها الداخلية (فى الغلاف الصخرى للأرض) ودورها الحقيقى لحفظ توازن الأرض فى دورانها حول محورها وكوسيلة لتثبيت غلافها الخارجى فيما دونه من نطق الأرض.

وهذه الحقائق لم يبتدئ الإنسان فى إدراك طرف منها إلا فى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى (أى بعد حوالى ثلاثة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم) عند ما أدرك چورچ إيرى (١٨٦٥ م) أن زيادة كتلة الجبال فوق سطح البحر يتم تعويضها بنقص فى الكتلة على شكل جذور سفلية توفر الدعم العائم للجبال ، وذلك فى

٩٣

محاولة لتعليل الانخفاض فى معدل انحراف الشاقول بالقرب من الكتل الجبلية بما يقل عن القيم المحسوبة للتجاذب التثاقلي ، واقترح (إيرى) أن الجبال ذات الكتل الهائلة لا تدعمها قشرة أرضية قوية صلبة تحتها ، ولكنها «تطفو» فى «بحر» من الصخور الكثيفة ، وفى مثل هذا «البحر» اللدن من الصخور شبه المنصهرة والكثيفة ، تطفو الجبال فى الأعماق بما يشبه الطريقة التى تطفو بها جبال الجليد فى مياه المحيطات ، وذلك بالفرق بين كثافة كلّ من الجليد والماء المالح ، ذلك الفرق الذى يعمل على طفو جبل الجليد ببروز جزء منه فوق مستوى سطح الماء فى البحر ، وغطس أغلبه فى ماء البحر ، ويتم ذلك بإزاحة قدر من الماء بفعل الكتلة الكبيرة للجليد تحت سطح الماء ، وتعتبر كتلة الجبل متوازنة من حيث توزيع الضغوط بينه وبين الأوساط الصخرية المحيطة به من نطق الأرض المختلفة.

فالجزء البارز من الجبال فوق سطح الأرض هو فى الحقيقة ليس إلا القمم البارزة لكتل ضخمة من الصخور التى تطفو فى طبقة تحتية أعلى كثافة كما تطفو جبال الجليد فى الماء ، فجبل يبلغ متوسط الكثافة النوعية لصخوره ٧ ، ٢ جم / سم ٣ (وهى متوسط كثافة الجرانيت) يمكن له أن يطفو فى طبقة من الصخور القاعدية (ذات الكثافة التى تبلغ حوالى ٣ جم / سم ٣ بامتداد داخلي (جذر) يبلغ حوالى تسعة أعشار طوله وجزء بارز يبلغ عشر هذا الطول ، وتبلغ نسبة جذر الجبل فى بعض الحالات إلى ارتفاعه ١٥ : ١ وتعتمد هذه النسبة على متوسط كثافة كلّ من صخور الجبل والوسط الذى ينغرس فيه.

هذه الملاحظات أدت إلى ظهور مفهوم التوازن التضاغطى فى الأرض (isostacy) كما لخصه «داتون» (dutton ، ٩٨٨١) وأدخلت مبادئ استخدام الجاذبية الأرضية فى الدراسات الميدانية للأرض.

وكلّ من الأدلة الزلزالية وأدلة دراسات الجاذبية الأرضية قد أشارت إلى أن القشرة الأرضية تبلغ أقصى سمك لها تحت الجبال ، وأقل سمك لها تحت أحواض المحيطات ، ولم تفهم هذه الحقائق بوضوح إلا فى أوائل الستينيات من القرن

٩٤

العشرين عند ما بدأ علماء الأرض فى قبول مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض.

وفى هذا المفهوم المعروف باسم التحركات الكبرى لألواح الغلاف الصخرى للأرض (Global tectonics) يقسم الغلاف الصخرى للأرض بواسطة شبكة الأغوار الصدعية العميقة إلى عدد من الألواح الصخرية (يبلغ سمكها حوالى ٦٥ ـ ٧٠ كم فى قيعان البحار والمحيطات وحوالى ١٠٠ ـ ١٥٠ كم على اليابسة) وتطفو هذه الألواح الصخرية على طبقة لدنة أكثر كثافة (نطاق الضعف الأرضي) ومن ثم تنزلق فوقها ، وتنتقل عبر سطح الأرض يعينها فى ذلك دوران الأرض حول محورها.

وحدود ألواح الغلاف الصخرى للأرض تحددها الصدوع الأرضية ومواقع الزلازل والنشاط البركانى الكثيف.

وتنمو ألواح الغلاف الصخرى للأرض بإضافة صخور جديدة عند حدودها المتباعدة (سلاسل جبال منتصف المحيط) بواسطة الصهارة المرتفعة من نطاق الضعف الأرضى ؛ لتكون شريطا من الصخور الحديثة يضاف إلى قاع المحيط ، وتستهلك بنفس المعدل ، وذلك بعودتها إلى داخل الأرض ، وبالانصهار فى نطاق الضعف الأرضى عند حدودها المتصادمة في نطاق الاندساس (الانضواء) ، وعند نقاط التماس الأخرى تنزلق الألواح مبتعدة إحداها عن الأخرى على امتداد تصدعات التحول ، وتقوم ألواح الغلاف الصخرى للأرض على هذا النحو بالانتقال حول الأرض بالرغم من صلابتها حاملة معها القارات مما يتسبب فى حدوث ظاهرة زحزحة القارات (continental drift).

وعند ما تتحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض على نحو أفقى عبر سطح الأرض فإنها تتصادم من حين لآخر ، فتؤدي إلى تكوين سلاسل الجبال العالية ، ويحدد تكوين ألواح الغلاف الصخرى للأرض عند نقطة التصادم نوع الجبال التى

٩٥

تنشأ عن هذا التصادم ، ولكن فى كل الحالات يتكون كلّ من الجبال المحيطية والقارية (أقواس الجزر البركانية والجبال البركانية وسلاسل الأحزمة المعقدة من الجبال الكورديليرية والجبال الاصطدامية) وإن كانت الجبال البركانية سواء محيطية أو قارية لا تعتبر جبالا حقيقية.

وعند ما يدفع أحد ألواح الغلاف الصخرى للأرض إلى النزول تحت لوح آخر والانصهار ترتفع الصهارة الأخف وزنا ، لتكون عددا من أقواس الجزر البركانية التى تنمو ؛ لتكون قارة من القارات فى النهاية. ومن المعتقد أن كل القارات نشأت فى عمليات من هذا النوع. وأن ازدياد التصادم بين قارة ومجموعات الجزر البركانية أو بين قارة وأخرى يمكن أن يؤدى إلى زيادة نمو القارات وإلى استقرار القشرة الأرضية وثباتها.

ويتضح من الأدلة الزلزالية أن سمك القشرة القارية يبلغ ٦ إلى ٨ أضعاف سمك القشرة المحيطية (٣٠ ـ ٤٠ كم مقابل ٥ كم) ويقل عنها كثافة بقدر يسير (٧ ، ٢ مقابل ٩ ، ٢ جرام / سم).

إن ألواح الغلاف الصخرى للأرض لا تتحرك كلها بنفس السرعة ، بل يعتقد أن سرعتها تخف فى الغالب بمرور الوقت ، وتفاصيل حدوث هذه الحركة لا يزال يحيط بها الغموض ، وهناك نظريتان فى هذا الخصوص ، نظرية تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض بواسطة تيارات الحمل ، ونظرية تحركها بواسطة الجاذبية الأرضية ، ويبدو أن النظرية الأولى تحظى بتأييد متزايد. ويرجح أن ألواح الغلاف الصخرى للأرض تتحرك كرد فعل للطريقة التى تصل بها الحرارة إلى قاعدة كلّ واحد من تلك الألواح ، ومن الواضح أن ذلك كان يتم بطريقة أسرع بكثير عند بدء خلق الأرض ؛ لأن كمية المواد المشعة فى الأرض كانت أكبر ، وبالتالى فإن الحرارة الناتجة عن تحللها كانت أعلى بكثير من الحرارة الناتجة اليوم ، وهى فى تناقص مستمر ، وكذلك فإن الحرارة الهائلة الناتجة عن تصلب ونمو اللب الداخلى للأرض كانت أعلى في تاريخ الأرض القديم منها اليوم ، وأن المعدلات الفائقة السرعة

٩٦

لدوران الأرض حول محورها فى القديم آخذة فى التناقص مع الزمن ، ويمكن رؤية الدور الذى تلعبه الجبال فى توازن الأرض بوضوح فى امتداداتها العميقة داخل الغلاف الصخري للأرض ، ويمكن تبريره بحقيقة أن حركات ألواح الغلاف الصخرى للأرض تهدأ عند ما تصطدم قارة بأخرى مما ينتج عنه تكون جبال من النوع التصادمى ، يعتقد أنه المرحلة الأخيرة فى دورة تكون الجبال ، ولو لا وجود الجبال لكانت حركة تلك الألواح أكثر سرعة ، ولكان التصادم بينها أكثر قوة وعنفا وتدميرا ؛ وعلى ذلك فإنه على الرغم من أن وجود الجبال يؤخر من حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض ، فلا يمكن أن تفهم تلك الجبال على أنها قوة منفصلة أو عامل منفصل ؛ لأنها فى المقام الأول هى النتاج الحقيقى لحركة تلك الألواح.

ومن خلال دورة تكون الجبال يتم تجديد شباب الغلاف الصخرى للأرض بإثرائه بالمعادن المندفعة من نطاق الضعف الأرضى بصورة دورية ، ويتم نمو القارات بصورة تدريجية بإضافة كتل صخرية جديدة إليها ، وتمد ارتفاعات الجبال عوامل التحات والتعرية المختلفة بمصادر صخرية تقوم بنحتها وتعريتها باستمرار ، فتجدد شباب تربة الأرض وتثريها بالمعادن ، وكلما بريت قمم الجبال ارتفعت كتلتها من نطاق الضعف الأرضى ؛ لترفع الجبال إلى أعلى ، وتظل هذه العملية ارتفعت مستمرة حتى تخرج الجبال من نطاق الضعف الأرضى بالكامل فتتوقف حركتها إلى أعلى ، وتبدأ عوامل التعرية في بريها بالتدريج حتى تسويها بسطح الأرض أو قريبا من ذلك المنسوب ، وحينئذ تظهر أوتاد (جذور) الجبال على سطح الأرض ، وبها من الثروات المعدنية ما لا يمكن أن يتكون إلا تحت مثل ظروف جذور الجبال من الضغوط الشديدة والحرارة العالية ، وعند ما تكون الغلبة فى النهاية لعمليات التعرية فإن الجزء المتبقى من مجموعة الجبال يعجز عن رفعها بفعل عملية الاتزان الأرضى المعروفة باسم التوازن التضاغطى للأرض (isostacy) وتظل عوامل التجوية والتحات والتعرية فى برى ما بقى من تلك المجموعة الجبلية القديمة حتى يصل سمكها إلى نفس سمك الجزء

٩٧

الداخلى القارى الذى هو عبارة عن سمك التوازن إلى حد ما ، وتصبح منظومة الجبل القديمة فى هذه المرحلة جزءا من الكتل الصخرية القديمة الثابتة المعروفة باسم الرواسخ أو المجن (cratons) ، وتضاف إلى مساحة القارة التي تأخذ فى التحرك من جديد ، وتبدأ سلسلة أو سلاسل جبلية جديدة فى التكون عند حدها أو حدودها المتقابلة مع ألواح أخرى متحركة من ألواح الغلاف الصخري للأرض.

هذه المعلومات المكتسبة عن الجبال ، بدأ الإنسان فى جمع أطرافها ببطء شديد منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، ولم يتبلور مفهوم صحيح لها إلا فى منتصف الستينيات من القرن العشرين عند ما كان مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض فى مرحلة التبلور النهائى له.

وفى المقابل نجد أن القرآن العظيم الذى أوحاه الله (تعالى) إلى خاتم أنبيائه ورسله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كآخر وأكمل وأتم صورة من صور الهداية الربانية ، والذي حفظه بصفائه الرباني ، وبلغة وحيه حرفا حرفا وكلمة كلمة على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نجد هذا الكتاب يحوى من حقائق الكون ، ومنها حديثه عن الجبال ما لم يكن متوفرا لأحد في زمان نزوله ، ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك النزول.

والقرآن ـ كغيره من كتب السماء التي سبقت نزوله ـ جاء إجابة لتساؤلات الإنسان فى القضايا التى لا يمكن له أن يضع لنفسه بنفسه فيها ضوابط صحيحة من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات ، وهى قواعد الإسلام العظيم ، وقواعد كل رسالة سماوية سابقة.

هذا الكتاب أشار إلى الجبال فى ٤٩ آية صريحة ، وصف فى آية منها الجبال بأنها أوتاد ، وفى عشر آيات وصفها بأنها (رواسي) ترسى الأرض كما ترسى غلافها الصخرى ، وهكذا أثبتت العلوم الحديثة.

وفي آية واحدة يلفت القرآن الكريم نظر الكافرين (إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) ،

٩٨

وفي آية أخرى يتحدث عن تكون بعض الجبال من جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرائب سود ، وبذلك يجمع كل أنواع الصخور النارية من الحامضية وفوق الحامضية إلى القاعدية وما فوق القاعدية.

وفي آية ثالثة يصف القرآن الكريم الجبال «بأنها تمر مر السحاب» وهي إشارة ضمنية رقيقة إلى دوران الأرض حول محورها.

ووصف القرآن الكريم الجبال بأنها أوتاد يشير إلى أن أغلبها مدفون فى الأرض ، وأقلها ظاهر فوق سطح الأرض ووظيفتها التثبيت ؛ لأن هكذا الوتد. وقد أثبتت العلوم الحديثة أن هكذا الجبال ، كذلك أثبتت العلوم الحديثة أن الغلاف الصخرى للأرض ممزق بشبكة هائلة من الصدوع المزدوجة العميقة (الأغوار) إلى عدد من الألواح الصخرية التى تطفو فوق نطاق لدن شبه منصهر عالى الكثافة ، عالى اللزوجة ، وأن ألواح الغلاف الصخري للأرض تنزلق فوق هذا النطاق متباعدة عن بعضها البعض ، أو مصطدمة مع بعضها البعض ، وأن هذه الحركة السريعة لا يبطئ من عنفها إلا تكون الجبال.

هذا السبق العلمى فى كتاب الله مما يشهد بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ويشهد لهذا النبى الخاتم بالنبوة وبالرسالة.

وهذا مثل واحد من آلاف الأمثلة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق ، وعلى أن هذا النبى الخاتم (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان موصولا بالوحى ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض ؛ لأنه لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لهذا العلم من قبل أربعة عشر قرنا غير الله الخالق (سبحانه وتعالى) خاصة وأن الكسب العلمى البشرى لم يدرك تلك الحقائق عن الجبال إلا فى منتصف الستينيات من القرن العشرين.

* * *

٩٩
١٠٠