من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٣

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(١)

حكمة الطواف حول الكعبة ـ الظلمات والنور

البحار والأنهار ـ الماء الملح والماء العذب

تقديم الأستاذ أحمد فراج :

سيداتى سادتى : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحديث عن الإعجاز العلمى فى القرآن لا شك أنه حديث محبب لكل الناس ، لا يمكنني الحديث عن الانطباعات الكثيرة التى حدثت ، لكننا نود أن نؤكد على أن الحقيقة العلمية التى لم تعرف إلا منذ بضع سنين أو حقب قليلة من السنين ، وذكرها القرآن ، إنما تأتى تأكيدا على أن خالق هذه الحقيقة العلمية هو منزل القرآن وهو باعث هذا النبى الأمى رحمة للعالمين ، وهو بلا شك موصول بالوحى. وبهذه الحقائق العلمية نشعر بأن القرآن فى كثير من آياته دعانا إلى النظر وإلى السير فى الكون ، والتفكر ، والتدبر فى آياته ؛ لنصل بإمعان الفكر إلى الحقيقة الكبرى. يعنى الإعجاز العلمى ليس هدفا بذاته ، وإنما هو وسيلة لكى تتأكد ألوهية الله ووحدانية الله ، ورسالة الإسلام ، رسالة السلام ، ونبوة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

أستاذنا الكبير ، نحن نعرف موضوع الحجة أو موضع الحجة فى القرآن الكريم ، هو إعجازه لجميع خلق الله بهذا الكتاب ، منهم العرب وغير العرب ، فلا بد أن تكون الإنسانية المخاطبة بهذا الكتاب ، مدعوة للإيمان بالله ، ومطالبة بالتسليم

٥

له ، وبأنه خالق السموات والأرض ، خالق كل شىء ، ليس لآدمى فيما أنزل علينا من كتاب حرف واحد ، بل إن كله كلام الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذن يجب أن يتضح الإعجاز لكل الناس ، العرب وغير العرب ، يتضح سواء بالبيان أو بشرح الآيات ، أو بما يفصح عنه هذا الكتاب فى آياته ، من آيات دالة على إعجاز هذا القرآن الكريم ، من هنا كان كلامنا عن الإعجاز يمتد ليشمل كل إنسان عربى أو غير عربى ، ربما مسلم وغير مسلم ؛ لأنه خطاب للإنسانية فى كل زمان ومكان ، ونحن عرفنا من لقاءنا السابق أن القرآن يفصح عن أسراره فى كل عصر بمقدار ما أوتى الناس فيه من علم ، ولذلك نجد أن المسلمين يصلوا إلى شىء فى فهم القرآن ، ثم يقدم لهم العلم أشياء جديدة ، فيتسع فهمهم للآيات فى ضوء التقدم العلمى والإنجاز.

نحن ندعو حضراتكم اليوم لهذا الموضوع ، فى بعض المسائل التى سبق القرآن بها ما قرره العلم بيقين فى كثير من المجالات.

الدكتور زغلول النجار :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبدأ بالاعتذار عن صوتى الأجش الذى استهلك فى الأسبوعين الماضيين فى سلسلة طويلة من الرحلات واللقاءات والمحاضرات الطويلة التى امتدت من القاهرة إلى الإسكندرية ثم دمنهور ثم إلى القاهرة ، مما أجهدنى كثيرا ، وأشعرنى بحب هذه الأمة المباركة لكتاب الله ولسنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وأنا مدين لما لقيته من إخوانى وأخواتى من حب وتقدير على هذه الكلمات البسيطة التى أتيحت لى من منبر (نور على نور) وأشكر الأخ الكريم الأستاذ أحمد فراج أن أتاح لى هذه الفرصة.

وأعده إن شاء الله ـ تعالى ـ أن أبذل قصارى جهدى لمزيد من تبيان جواهر القرآن الكريم فى شرح آيات الكون وإثبات سبق القرآن الكريم للمعارف الإنسانية.

٦

الأستاذ أحمد فراج :

شكرا سيدى ، والحقيقة نحن الذين ندين لك بالفضل على هذا اللقاء ونسعد بأن التليفزيون شرف بهذا اللقاء.

الحقيقة أستاذنا الكريم أن هذا التوالى المتدرج فى الكشف عن الإعجاز فى آيات القرآن كأنما هى تجديد للرسالة الإسلامية ، وكأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قائم بين الناس فى كل زمان ، يدعوهم لهذا الدين العظيم ، وما دمنا طرحنا هذا المعنى ، فإننى أعتقد أن المسلمين فى جميع أنحاء العالم يتوجهون إلى مكة ، إلى بيت الله الحرام فى كل صلواتهم ، وكل يوم خمس مرات من الشمال والجنوب ، والشرق والغرب ، فإذا منّ الله على أحد منهم بالذهاب للحج أو العمرة فشاهد عملية الطواف ، وأظن أن الدين الإسلامى يتفرد فيما يتعلق بعباداته والطواف حول هذا البيت.

هل فى العلم ما يعين على إدراك حكمة الطواف؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم.

الأستاذ أحمد فراج :

حركة الطواف فى الكون كلها ، حتى يقولوا من الذرة إلى المجرة.

فهل لديكم فى هذا الموضوع ما يؤنس إيمان الناس؟

الدكتور زغلول النجار :

أقول إن الله ـ تعالى ـ فرض الحج والعمرة بمكة المكرمة ، لكرامة خاصة جعلها الله ـ تعالى ـ فيها ، ومن كرامات هذا المكان أن الله قد اختصه بأن يكون أول مكان يعبد فيه الله على الأرض ، وفى كلا الشعيرتين ـ الحج والعمرة ـ يطالب المسلم بالطواف حول البيت الحرام سبعة أشواط بدءا من الحجر الأسود وانتهاء بالحجر الأسود ، وهذا الطواف يتم فى عكس اتجاه عقارب الساعة ، وهو نفس اتجاه الدوران

٧

الذى تتم به حركة الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته ، فالإلكترون يدور حول نفسه ، ثم يدور فى مدار حول نواة الذرة فى نفس اتجاه الطواف عكس عقارب الساعة ، والذرات فى داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجية ، حتى فى داخل كل خلية حية تتحرك حركة دائرية. الپروتوبلازم يتحرك حركة دائرية فى نفس الاتجاه ، الأرض تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض ، والمجموعة الشمسية تدور حول مركز للمجرة ، والمجرة تدور حول مركز تجمع مجرى ، والتجمع المجرى يدور حول مركز للكون لا يعلمه إلا الله ، وكل هذه الحركات لها نفس اتجاه الطواف حول الكعبة.

ومن الغريب ، أيضا فى كافة أجساد الكائنات الحية ، وهى تتكون من الپروتينات ، وهى جزئيات معقدة للغاية لبناتها الأحماض الأمينية ، وهى مكونة من خمسة عناصر هى (الكربون ، الهيدروجين ، النتروچين ، الأكسجين ، الكبريت) هذه العناصر تترتب حول ذرة الكربون ، إما ترتيبا يمانيا أو يساريا ، ووجد العلماء أن هذا الترتيب فى كافة أجساد الكائنات الحية ، يترتب ترتيبا يساريا ، أى فى نفس اتجاه الطواف حول الكعبة.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى هو عكس اتجاه عقرب الساعة.

الدكتور زغلول النجار :

نعم ، ومن الغريب أنه إذا مات الكائن الحى ، فإن ذرات الأحماض الأمينية تعاود ترتيب نفسها ترتيبا يمانيا بنسب ثابتة محددة ، تمكن العلماء من تحديد لحظة وفاة هذا الكائن الحى ، فالكون كله من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته يدور معاكسا لاتجاه عقرب الساعة ، وهو نفس اتجاه الطواف حول الكعبة ؛ ولذلك فإننا نعتبر أن الطواف حول الكعبة هو سنة فطرية فطر الله الكون عليها ، وأراد الله من عباده المؤمنين أن يخضعوا لهذا الناموس الكونى ، فيتفقوا مع أجزاء الكون فى هذه الحركة التى يجب أن يقوم بها المسلم ولو مرة واحدة فى حياته ، إن كان قادرا على ذلك.

٨

الأستاذ أحمد فراج :

سيادة الدكتور ، الحقيقة يلفتنا المعنى الذى تقول فيه إن الكون أو الفطرة التى فطر الله الناس والكون عليها. يعنى نحن دائما نقول فطر الله الإنسان عليها ، ولكن هذه فطرة الكون كله.

تلفتنا أيضا حركة الطواف نفسها ، إن فى كل ذرة نواة واحدة يطوف حولها الكترونات ، والكعبة واحدة يطوف حولها البشر ، والمطوف به دائما واحد. فما رأيك فى هذه الملاحظة؟

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك هذه ملاحظة جميلة ، لكن المعروف لنا أن كل دقيق فى الكون يدور حول ما هو أكبر منه ، فالإلكترون يدور حول النواة ، والنواة أكبر من الإلكترون ، والأرض تدور حول الشمس والشمس أكبر من الأرض ، والمجموعة الشمسية تدور حول مركز المجرة ، والمجرة أكبر بملايين المرات من المجموعة الشمسية ، والمجرة تدور حول مركز التجمع المجرى ، وهو أكبر بملايين المرات من المجرة ، ولكن هذا المطاف حوله واحد ويتعدد ما يطوف حوله ، هو رمز لوحدانية الله ورمز عبودية كافة الخلق لهذا الخالق ، بل إن من الأمور المبهرة حقيقة أن نلاحظ فى الكون كل شىء من زوجية ، المادة وأقطاب المادة ، الموجب والسالب ، ما يسمى بالمادة الظاهرة والمادة الخفية ، الذكر والأنثى ، يبقى معنى واحد للتوحيد فى الكون ، وهو وحدانية الله ، حتى يبقى وحده متفردا بهذه الصفة التى وصف ذاته بها أنه لا إله إلا الله.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى الحقيقة تعدد الجهات والأفراد والذرات والإلكترونات حول مطوف واحد شىء واحد. ملايين المجرات تطوف حول شىء لا يعلمه إلا الله.

سيدى العزيز ، من الأشياء التى يمن الله بها علينا فى آيات كثيرة من القرآن

٩

(سورة الأنعام) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) منّ الله علينا بهما.

هناك من يسأل : لما ذا منّ علينا بالظلمة؟ هل تجد فى ذلك شيئا من إعجاز القرآن؟

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك.

أولا : أقول إن القرآن يمايز بين الضياء والنور ، حتى نفهم ما هو النور. القرآن يعتبر أن كل إضاءة صادرة عن مصدر مشتعل ملتهب مضيء بذاته ضوءا ، فإذا سقط هذا الضوء على جسم معتم وانعكس منه أصبح نورا.

ولذلك يتحدث القرآن باستمرار عن الضياء والنور ، جعل الشمس ضياء والقمر نورا ؛ لأن الشمس جسم مشتعل فى ذاته ، والقمر جسم معتم فى ذاته يعكس هذا الضياء.

أقول : إن العلم التجريبى وهو فى قمة من قممه الآن ، لا يفرق بين الضياء والنور ، والقرآن الكريم الذى أنزل من أكثر من ١٤٠٠ سنة يفرق تفريقا واضحا بين الضياء والنور ، القرآن يتحدث عن الظلمة والنور ، أو الظلمات والنور كأن هناك أكثر من ظلمة واحدة. ويأتى العلم التجريبى ليؤكد على أن طبقة النور حول الأرض هى طبقة رقيقة للغاية لا يتعدى سمكها ٢٠٠ كم ، وهى فى النصف المواجه للشمس ، نصف الأرض المواجه للشمس ، باقى الكون ظلام دامس ، والنصف الآخر للأرض تتصل فيه ظلمة الأرض بظلمة السماء ، وضوء الشمس نفسه ليس بهذه الصناعة وليس بهذا البياض الذى يسمى نورا ، ولكنه حينما يدخل فى نطاق الغلاف الغازى للأرض ، ويبدأ يتشتت على جسيمات الذرات الصلبة فى الهواء وجزئيات بخار الماء ، يتحول هذا الضياء إلى نور ، ويضاء النهار إضاءة مبهرة تعين

١٠

الإنسان على السعى فى هذه الحياة ، ولو لا هذه الخاصية ما تمكن الإنسان من العيش على هذا الكوكب على الإطلاق.

الأستاذ أحمد فراج :

لو فرضنا نحن الآن فى النهار والشمس طالعة ، توجد ٢٠٠ كم فوق الأرض فيها هذا النور ، وما ذا بعد ٢٠٠ كم؟

الدكتور زغلول النجار :

والباقى ظلام دامس ، والشمس قرص أزرق فى صفحة سوداء شديدة السواد.

الأستاذ أحمد فراج :

هل رواد الفضاء تجاوزوا هذه ال ٢٠٠ كم؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم ، أول رجل تجاوز المائتى كيلومتر ، أصابه شىء من الذهول ، وقال كلمة أو جملة مبهرة.

قال : كأنى فقدت بصرى ، أو اعترانى شىء من السحر.

الأستاذ أحمد فراج :

فقد بصره من الظلام.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فى القرآن الكريم آية مبهرة تقول : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٤ ، ١٥].

والجملة التى قالها الرجل تنطبق تماما على وصف الآية القرآنية (لَقالُوا إِنَّما

١١

سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) وكذلك تأتى الآية فى مقام التشبيه ، تشبيه موقف الكافر من الهداية الربانية.

وقال قدامى المفسرين : كأن الله يقول لنا فى هذه الآية ، لو صعدنا بهؤلاء الناس إلى عنان السماء وأطلعناهم على بديع صنع الله فى السماء والكواكب والكويكبات والشهب والنيازك والمذنبات ، لأنكروا رؤية ذلك ولتحاشوا الاعتراف بها كما أنكروا الهداية الربانية التى جاءتهم على سطح الكوكب.

ولكن هذه الآية الكريمة فيها من الأبهار العلمى ما يثير العقل ، القرآن يقول : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) والباب لا يفتح فى فراغ أبدا. والقرآن يؤكد على أن السماء بناء (بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧] ويتحدث عن البناء ، والبناء لا يمكن إلا أن يكون تجميعا للبنات يربطها رابط فيما بينها ، ويأتى العلم الحديث ليؤكد على أن المادة والطاقة تنتشران فى فسحة الجزء المدرك لنا من الكون انتشارا كاملا ، ولا يوجد شىء اسمه الفراغ.

كان العلماء فى القديم يقولون نظرا لتخلل الهواء مع الارتفاع حتى يكاد لا يدرك بعد ١٠٠٠ كم ، ويقولون بعد ذلك فراغ ، فيأتى العلم ليؤكد أنه لا يوجد فى الكون فراغ على الإطلاق ، والكون بناء محكم دقيق. ويقول علماء الفلك : إنه فى لحظة الانفجار العظيم ، امتلأ الكون بالمادة والطاقة ، فخلقت المادة والطاقة كما خلق المكان والزمان ، أى لا يوجد زمان بغير مكان ولا مكان بغير زمان ولا يوجد زمان ومكان بغير مادة وطاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون. فالآية تقول (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) هذا الظرف «ظلوا» يؤكد على ضخامة الكون وهذا الاستمرار ... (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ).

الأستاذ أحمد فراج :

نقطة جميلة.

١٢

الدكتور زغلول النجار :

والجزء المدرك من الكون الآن ، يبلغ قطره ٣٦ ألف مليون سنة ضوئية ، السنة الضوئية ٥ / ٩ مليون مليون كم ، تخيل ضخامة وروعة التعبير (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ).

الأستاذ أحمد فراج :

لا يمكن أن تكون الحركة فى الكون فى خط مستقيم أبدا ، وإنما فى خط متعرج.

مع الفارق ، فنحن نتكلم على ٢٠٠ كم. الصاروخ الذى يصعد تكون حركته فى منحنى.

الدكتور زغلول النجار :

حتى أنيشتين يصف الكون الذى نحن فيه بأنه كون منحنى.

ولذلك القرآن بصفة مستمرة يصف الحركة فى السماء بالعروج ، وهى حركة الأعرج الذى لا يتمكن من السير فى خط مستقيم ، حتى رحلة المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فى رحلة المعراج وصفت بالعروج والآية تقول ، (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) ، ينتهى النور عند ٢٠٠ كم ، وتبدأ الظلمة الكاملة للكون ، وهى حقيقة لم يدركها العلماء إلا بعد البدء فى اكتشاف الفضاء.

وأنا عندى تسجيل لهذا الرائد ، ما قاله هذا الرائد يكاد يكون نص الآية القرآنية يقول :

I have almost lost my eye sight or somethihg magic has come over me.

بمعنى : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ).

لذلك سيدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وهو يتحرك من الطائف إلى مكة المكرمة بعد أن رفض أهل الطائف الإيمان برسالته ، وقف يدعو بدعاء يهز القلب يقول : «أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل

١٣

بى سخطك أو أن يحل على غضبك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».

كما لو كان الأصل فى الكون هو الظلمة.

الأستاذ أحمد فراج :

النقطة هذه ، نور وجهك الذى أشرقت به الظلمات.

الدكتور زغلول النجار :

لأن نحن لدينا ظلمة الكون وظلمة الأرض ، نصف الكرة الأرضية الذى لا يواجه الشمس تعتريه الظلمة وهى ظلمة الأرض ، وتتصل بظلمة الكون ، فيكون الظلام دامسا ، أما النصف المنور فى الأرض ، فلا يغطيه إلا طبقة رقيقة جدا من النور ، لا يتعدى سمكها ٢٠٠ كم.

يقول ربنا ممتنا على عباده : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ، [يس : ٣٧] وقف المفسرون القدامى متحيرين ما معنى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) فشبه رقة طبقة النور بجلد الذبيحة الذى إذا سلخ عن الذبيحة ترك الباقى متجانسا ، وحّد ظلمة الأرض بظلمة الليل فأصبح كيانا متجانسا (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ، فإذا وجدنا طبقة النور ٢٠٠ كم فقط ، والمسافة بيننا وبين الشمس ١٥٠ مليون كم ، ولا أقول بقية الكون ، فلك أن تتخيل دقة التعبير القرآنى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) بسلخ جلد الذبيحة عن الذبيحة ذاتها.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى طبقة النور ٢٠٠ كم وبعد ذلك كله ظلام؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم كله ظلام.

١٤

الأستاذ أحمد فراج :

هل هذا الظلام فى السماء ، إن صحت كلمة السماء ، هى ظلمة السماء فى آية : (أَغْطَشَ لَيْلَها).

قلت : إن بعد ٢٠٠ كم ظلاما دامسا ، وهو ظلام كاف أن نعرف أن الليل ظلمة ، لما ذا أغطش ليلها؟ لما ذا دامس؟

الدكتور زغلول النجار :

لأن الليل حين يعترى الأرض.

الأستاذ أحمد فراج :

يكون سوادا أو ظلمة.

الدكتور زغلول النجار :

لكن يظل ضوء النجوم الذى يصلنا أيضا ، يتحلل فى طبقة الغلاف الغازى للأرض ، فيصل هذا الضوء ، وهو ضوء النجوم.

أما إذا تخلينا عن الطبقة الغبارية المحيطة بالأرض والتى لا يتعدى سمكها ٢٠٠ كم ، حتى هذه النجوم لا يرى لها هذا الضوء المبهر.

ولذلك السماء ظلمتها شديدة الحلوكة ، شديدة الإظلام وتفوق ظلمة الأرض بمراحل كثيرة ؛ لأن الله جعل فى هذا الإطار الغازى حول الأرض ما يعينه على تحليل ضوء الشمس والنجوم إلى شىء من النور ، الذى يعين الإنسان على معرفة طريقه على هذه الأرض.

الأستاذ أحمد فراج :

إذن النجوم تضيء بعض الشيء ما تحت ٢٠٠ كم ، ولكن ما بعدها فى ناحية النجوم؟

١٥

الدكتور زغلول النجار :

لا يرى شىء.

الأستاذ أحمد فراج :

وبذلك استخدم كلمة (أَغْطَشَ لَيْلَها) والضمير يعود على السماء ، جعله شديد السواد والظلمة.

الدكتور زغلول النجار :

نعم.

الأستاذ أحمد فراج :

الحقيقة يعنى آيات مبهرة ، لا شك فى هذا سيدى الكريم.

نحن نتحدث عن هذه الظلمة بعد ٢٠٠ كم سواء كان فى النصف المظلم أو المضيء ، فى هذا الإظلام التى تحدثت عنه ، لكن الظلمة أيضا تمتد إلى مناطق أخرى فى كرتنا الأرضية ، فى البحر. القرآن يستخدم (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠].

الدكتور زغلول النجار :

قبل أن نذهب إلى هذه الآية الأخرى ، لا بد أن نلمّح عن آية مبهرة فى كتاب الله تتحدث عن الشمس (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) [الشمس : ١ ـ ٣].

كان الناس يتخيلون عبر التاريخ أن الشمس هى التى تجلى النهار ، والقرآن يقول إن النهار هو الذى يجلى الشمس ، وهو يؤكد على هذه الحقيقة التى أشرنا إليها ، إن ضوء الشمس لا يرى بهذا الإبهار بهذا النور إلا فى الطبقة الرقيقة المواجهة للشمس من غلاف الأرض. حقيقة الذى يظهر لنا الشمس هى طبقة النهار وليس العكس

١٦

وكان الناس دائما يتخيلون أن الشمس هى التى تضيء النهار ، والآية تقول (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها).

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى النهار جلا الشمس.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فضوء الشمس بعد ٢٠٠ كم لا يكاد يرى ، وتصبح قرصا أزرق فى صفحة سوداء ، والذى يجلى الشمس هى طبقة النهار ، وهى نصف الكرة المحيطة المواجهة للشمس ، الذى يساعد ما بها من غبار وذرات بخار الماء ، على تحليل أطياف ضوء الشمس إلى هذا الضوء الأبيض الجميل الذى ننعم به فى وضح النهار. ونأتى بالآية الكريمة التى ذكرتها (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).

الأستاذ أحمد فراج :

هذه الآية الكريمة في سورة النور.

الدكتور زغلول النجار :

هى آية تشبيهية فيها موقف المجافين للهداية الربانية ، المعاندين لدعوة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

ويكون موقف الإنسان الذى يرى القرآن ويرى سنة هذا النبى العظيم ويجحدهما وينكرهما ، كموقف الجالس أو الواقف فى قاع المحيط ، أو فى البحر العميق حيث لا يرى النور أبدا ، لا يرى شىء من النور إطلاقا.

والتعبير القرآنى شديد الإبهار يقول (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) يعنى شديد العمق ، الآية (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ).

العلماء يقولون الآن : إن متوسط عمق البحر حوالى ٤ كم ، وإن قاع المحيط

١٧

مظلم إظلاما كاملا ، لا يصله شىء من النور أبدا ، وإن نور الشمس حين يصل إلى الطبقة الدنيا من الغلاف الغازى (المائتى كم) ٤٩ خ من الضوء يتشتت ويرد إلى خارج هذه الطبقة ، وأن حوالى ٥١ خ هو الذى يصل الأرض ، وجزء منه ينعكس على سطح البحر ، ويعين على عكسه الأمواج السطحية ، ولم يكن العلماء يدركون من أمواج البحر إلا الأمواج السطحية إلى سنة ١٩٥٥ م.

ما كان أحد يدرك أن هناك أمواجا عميقة على الإطلاق.

الأستاذ أحمد فراج :

هم يرون الموج السطحى فقط.

الدكتور زغلول النجار :

نعم قسموا الأمواج إلى قسمين ، أمواج تحركها الرياح ، وأمواج تحركها ظاهرة المد والجزر. القرآن يقول : (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ).

٥١ خ فقط هو الذى يصل سطح الأرض ، ثم جزء من ال ٥١ خ ترده الأمواج السطحية ، ثم يتحرك جزء صغير داخل مياه البحر أو المحيط.

عند ما يتحرك هذا الضوء داخل مياه البحر ، يتحلل إلى أطيافه السبعة (أحمر ، برتقالى ، أصفر ، أخضر ، أزرق ، نيلى ، بنفسجي) وتبدأ هذه الأمواج تمتص مياه البحر. أول ما يمتص اللون الأحمر ، فإذا أصيب غواص وسال دمه على عمق ١٠ م لا يرى هذا الدم ؛ لأن الطيف الأحمر قد امتص بالكامل.

وتظل هذه الأطياف تمتص بالتدريج ، حتى يبقى الطيف الأزرق وهو أكثرها استمرارية ، ولذلك يبدو البحر باللون الأزرق كما تبدو السماء باللون الأزرق ، هذا التحلل لا يتعدى ٢٠٠ م من ٤ كم ، ويسميها العلماء طبقة الضوء ، وهذه الطبقة هى التى تثرى ثراء هائلا بالحياة ، ثم تأتى طبقة من ٢٠٠ م إلى ١٠٠٠ م نسميها طبقة شبه الضوء.

١٨

سنة ١٩٥٥ اكتشف العلماء أن هناك أمواجا عميقة على عمق ١٠٠٠ م ، وهذه الأمواج تفوق كل الأمواج السطحية بمئات المرات فى طول الموجة وارتفاعها.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى ترتفع داخل المياه.

الدكتور زغلول النجار :

هذه الأمواج لم تكتشف إلا فى منتصف الخمسينات ، والسؤال الذى يطرح نفسه. من الذى علم محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ذلك؟ ومن الذى كان يضطره أن يخوض فى تشبيه أو قضية غيبية كتلك ، لو لا أن الله يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيكتشف فى يوم من الأيام هذه الأمواج العميقة ، فتكون هذه الإشارة القرآنية المبهرة التى جاءت فى مقام التمثيل أو التشبيه ، تشهد للقرآن بأنه كلام الخالق ، وتشهد لهذا النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) الخاتم أنه كان موصولا بالوحى معلما من قبل خالق السموات والأرض ، هذه الأمواج العميقة تحدث ظلمة كاملة فى أعماق المحيطات (لأنها تعكس أى ضوء قد يصلها وتمنع نفاذه لأعمق من ذلك) ، يعنى بعد كيلو واحد من ٤ كيلو. وهناك محيطات أعمق من ذلك ، يعنى فى بعض الأحيان يصل عمق المحيط إلى ١١ كم. تزداد الظلمة باستمرار ، حتى أنه بعدكم واحد لا يرى الإنسان يده ، تماما مثل الآية.

الأستاذ أحمد فراج :

هل توجد إمكانية للوصول إلى ذلك العمق؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم. بغواصات خاصة وبزى خاص.

الأستاذ أحمد فراج :

إلى أى عمق.

١٩

الدكتور زغلول النجار :

ممكن أن يصلوا إلى قاع المحيط ، ومن بديع صنع الله أن العلماء كانوا يقولون إن هذه المنطقة من المحيط لا يوجد فيها حياة على الإطلاق ؛ لأن مع ازدياد الضغط واختفاء الضوء وبرودة الماء ، كيف توجد حياة؟!

ولكن بعد أن غاص العلماء بغواصات خاصة ، أدركوا أن الحياة فى هذه المنطقة تفوق الطبقات العليا بمئات المرات ، ولقد وجدوا ديدانا يزيد طولها على ٢٠٠ م ، وفى هذه الظلمة ، يزودها ربنا بإضاءة ذاتية ، أى ما يحيا فى هذه الظلمة أعطاه الله إضاءة ذاتية ، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) ، ولعلنا أشرنا فى حلقة من الحلقات السابقة على تفجير قيعان البحار والمحيطات بالنيران ، وأن هذا الدفء الذى تحويه هذه الحرارة الشديدة المندفعة من الصهارة الصخرية ، هى التى تجعل الحياة تلقى شيئا من الدفء فى هذه المناطق التى تشتد فيها البرودة شدة عظيمة.

الأستاذ أحمد فراج :

سيدى الكريم. وما دمنا نتكلم عن البحار ، البحار تشغل حيزا ضخما فى القرآن الكريم وهو الذى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) [الرحمن : ١٩ ـ ٢٠](وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) [فاطر : ١٢]. نعود إلى البحار (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) جعل بين البحرين حاجزا.

إذا جئنا بالمعجم المفهرس للشيخ محمد فؤاد عبد الباقى ، رحمة الله عليه ، نجد تحت كلمة البحر عشرات الآيات.

الدكتور زغلول النجار :

القرآن الكريم يشير إلى بعض نماذج بديع صنع الله فى الكون ، حتى يشهد ذلك لله ـ سبحانه وتعالى ـ بطلاقة القدرة وبإتقان الخلق وبديع الصنعة ، فكل الآيات الكونية القرآنية تأتى فى مقام الاستدلال على قدرة الله ـ تعالى ـ وأنه هو بادع الكون وقادر على إفنائه وقادر على إعادة خلقه من جديد.

٢٠