من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٥

الجبال أجسام غير ثابتة ، حيث إنها تتبع حركة الأرض في دورانها حول محورها فيقول : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٨٨) (النمل : ٨٨).

* * *

٤١

الفصل الرابع

اكتشاف جذور الجبال

(أى امتدادات الجبال فى داخل الغلاف الصخرى للأرض)

تعتبر الجاذبية قوة عامة تربط بين كل الأجسام المادية ، ويعبر عن ذلك بالقانون التالى :

قوة الجاذبية بين كتلتين م ١ ، م ٢ ثابت الجاذبية م ١ م ٢ مربع المسافة بينهما وهذا يعنى أنه كلما زادت كتلة أى من الجسمين ازدادت قوة الجذب بينهما ، وكلما زادت المسافة بينهما قلت الجاذبية.

وعليه فإن أى كتلة من الأرض ترتفع عن المنطقة المحيطة بها لا بدّ وأن تمارس قوة جذب جانبية يمكن قياسها أو حسابها ، ويتم قياس قوة الجذب هذه بطريقة بسيطة باستخدام ثقل معلق على خيط ، وينجذب الثقل المتدلى مثله مثل أى جسم مادى آخر إلى الأسفل بفعل الجاذبية الأرضية (حيث إن لكل جسم مادى على الكرة الأرضية وزنا ، أى قوة جذب إلى الأسفل ، يتناسب مع كتلته ، ويقع عليه بفعل كتلة الأرض). وينجذب الثقل المعلق بشكل حر إلى الأسفل مباشرة على سطح كرة كاملة الاستدارة ذات كثافة واحدة ، ويشير خيط الثقل مباشرة إلى مركز تلك الكرة ، ولكن لما كانت الكرة الأرضية غير كاملة الاستدارة ، ولما كانت

٤٢

الصخور المكونة لغلافها الصخرى ذات كثافات متباينة ، فإن خيط الثقل المعلق بشكل حر لا يمكن أن يشير إلى الأسفل مباشرة ، خاصة فى وجود كتلة أرضية مرتفعة عن سطح الأرض ، فإن خط الثقل المتدلى ينجذب إليها ، ولكن لوحظ أن الكمية الفعلية لشدة ذلك الجذب الجانبى على خيط الثقل هى أقل بكثير من قيمتها المحسوبة. ففي سلسلة جبال الإنديز ، لاحظ پيير بوجير (pierre bouguer) فى عام ١٧٤٩ م أن البندول المعلق بحربة ينجذب إلى كتلة تلك الجبال ، ولكن بمقادير تقل كثيرا عن المقادير المحسوبة لمثل كتلتها الكبيرة. وبعد قرن من الزمن لاحظ ف. بتى (f.petit) (عام ١٨٤٩) أن ثقل البندول ينحرف بعيدا عن جبال البيرانيس (البرانس) بدلا من الانجذاب إليها ، نظرا لوجود تفاوت بين القيم المحسوبة والمقاسة لقوة الجذب الجانبية للجبال.

وفى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، لاحظ عدد من المساحين البريطانيين العاملين فى الهند ، برئاسة چورچ إفرست ، أن جبال الهيمالايا لا تمارس قوة الجذب الجانبى المتوقعة بما لها من كتلة هائلة. حيث وجد أن قوة الجذب الفعلية لها تعادل فقط ثلث القيمة المقدرة ، على افتراض أن للجبال نفس متوسط كثافة الأرض المحيطة بها ، وأنها بمثابة وزن ساكن على القشرة الأرضية ، فحين نعرف حجم مجموعة الجبال ومتوسط كثافة صخورها ، يمكن تقدير كتلتها بسهولة ، وباستخدام قانون الجاذبية يسهل حساب الكمية المتوقعة من جذب المجموعة الجبلية لثقل البندول ، وقد عرف النقص الكبير فى قوة جذب جبال الهيمالايا لثقل البندول حر الحركة المتدلى من الخيط الرأسى (الشاقول) باسم اللغز الهندى.

قدم پرات (j.h.pratt) (عام ١٨٥٥) بحثا إلى الجمعية الملكية اللندنية بين فيه المشكلة دون أن يحاول تفسيرها. وبعد شهرين فقط من العام نفسه قدم إيرى (.b.g airy) (عام ١٨٥٥) إلى نفس الجمعية حل هذا اللغز ، فقد اعتبر أن كتلة أنصاف الأقطار الممتدة من مركز الأرض إلى أى نقطة على سطحها متساوية فى كل موقع مهما تباينت تضاريس ذلك الموقع ، وأن التفاوت فى الارتفاع ناجم عن التفاوت فى

٤٣

سمك الطبقة الخارجية ، وأن الجبال لا تقوم على قشرة صلبة متينة تحتها ، وإنما تطفو فى بحر من الصخور الأعلى كثافة.

وبعبارة أخرى فإن بروز الجبل فوق مستوى سطح البحر يعوض النقص فى كثافة مادته عن كثافة الصخور المحيطة به ، وينجم ذلك عن امتداد الصخور الخفيفة التى تشكل الجبال إلى الأسفل على شكل جذور تطفو فى وسط نطاق من المواد الأعلى كثافة ، ويؤمن هذا الجذر للجبل دعما عائما بالطفو ، كما تطفو كل الأجسام فى الأوساط الأعلى كثافة ، وعبر إيرى عن ذلك بقوله :

«.. ويمكن مقارنة حالة القشرة الأرضية القائمة على الحمم مقارنة صحيحة دقيقة ، بحالة عدد من الألواح الخشبية الطافية على سطح الماء ، فإذا لاحظنا أن أحد هذه الألواح يطفو مرتفعا بسطحه على السطح العلوى للألواح الأخرى ، تأكدنا أن سطحه السفلى يغطس فى الماء بشكل أعمق من الأسطح السفلى للألواح الأخرى».

ويتضح من العبارة السابقة أن إيرى (١٨٥٥ م) قام بتشبيه قشرة الأرض بغطاء صخرى قليل الكثافة ، يطفو على طبقة سفلية سائلة ذات كثافة أعلى ، ويتحقق التوازن بطفو المادة ذات الكثافة الأقل فى الطبقة التحتية الأعلى كثافة ، مع اختلاف عمق التعويض باختلاف تضاريس سطح الأرض ، ويمكن بذلك أن نفهم بسهولة حالة التوازن القائمة بين التضاريس المرتفعة (كالجبال والهضاب والقارات) والتضاريس المنخفضة (كأخاديد المحيطات والأغوار والأحواض البحرية).

ويعتقد أن لكل البنيات البارزة على سطح الأرض (أو ما يعرف باسم التضاريس الأرضية الموجبة) جذورا تضرب فى أعماق غلافها الصخرى كما تغوص جذور جبال الجليد فى مياه المحيطات ، وأنها تطفو فى أوساط مادية أكثر كثافة ، كما أن مياه المحيطات أعلى كثافة من الجليد الطافي فوقها ، وتؤيد البيانات المستقاة من دراسة الهزات الأرضية (الزلازل) ومن قياسات الجاذبية الأرضية ، هذا الاستنتاج ، وتؤيده كذلك عمليات رسم الخرائط الجيولوجية وقد أطلق عليه اسم «فرضية جذور

٤٤

الجبال» وهى فى التسلسل العلمى تستحق أن تولى وضعا أفضل من وضع الفرضية ؛ لثبوت صحتها العلمية بعد ذلك مما يرقى بها إلى مرتبة الحقيقة.

من جهة أخرى أمضى «پرات» (pratt) أربع سنوات فى وضع فرضية بديلة ، اقترح فيها أن لكل أجزاء القشرة الأرضية المرتفعة فوق مستوى معين ـ أسماه «مستوى التعويض» ـ نفس الكتلة الإجمالية (پرات ١٨٥٩ م) ، وعليه فإن معالم التضاريس التى ترتفع على ما يحيط بهذا المستوى التعويضي (كالجبال) يتوقع أن تقل كثافتها بشكل يتناسب مع ارتفاعها.

وفي سنة ١٨٨٩ م قدم داتون (c.e.dutton) مصطلح توازن القشرة الأرضية (isostasy) ومفاده أن الأجزاء المختلفة من قشرة الأرض تتوازن ، اعتمادا على الاختلاف فى كتلها ، وعبر داتون عن ذلك بقوله : «لو كانت الأرض تتكون من مادة متجانسة لكان الشكل الطبيعى لتوازنها فى الدوران حول محورها ، شكلا تام الاستدارة (a true sph eroid of revolution) ولكنها لو كانت غير متجانسة ، أي كانت أجزاؤها المختلفة متباينة الكثافة ، لما كان شكلها الطبيعى تام الاستدارة ، فحيث تتراكم المواد الخفيفة يظهر ميل إلى البروز والنتوء ، وحيث توجد المواد الأكثر كثافة ، يظهر ميل إلى انبساط السطح أو انخفاضه ، ولمثل هذه الحالة ـ من توازن الشكل الذي تلعب به الجاذبية ـ دور مهم في تشكيل سطح الأرض ، اقترح المصطلح (isostasy) ، وهو مشتق من الكلمة اليونانية (isosasios) التى تعنى «فى توازن مع» والمستمدة من المقطعين (تساوى isos) و (ثابت statikos) وأضاف أنه كان يفضل استخدام الكلمة (isobary) ولكنها كانت قيد الاستعمال فعلا لمدلول آخر. ويمكننا كذلك أن نستخدم الصفة «الثابتة الاتزان» (isostatic) لوصف هذه الحالة.

إن الأرض المتزنة المكونة من مادة متجانسة ولا تدور على نفسها تكون تامة التكور .. وإن تفسير القصور (النقص) فى شدة جذب الجبال للثقل المتدلى من حبل رأسي كالبندول ، قد أدى إلى استنتاج مفهومى توازن القشرة الأرضية (isostasy) ،

٤٥

ووجود جذور للجبال ، كما أدى إلى استخدام الجاذبية كوسيلة من وسائل الكشف عن التفاوت فى كتلة الصخور تحت سطح الأرض بناء على ما تبديه من حيود فى قيم الجاذبية. وقد دلت عمليات المسح الأرضى باستخدام الجاذبية على أن الحيود فى قيم الجاذبية الأرضية يكون سلبيا جدا ، حيث تزداد القشرة الأرضية سمكا كما هو الحال مع المرتفعات الشاهقة كالجبال التي تؤمن جذورها لها دعما طافيا ، وإن ما يتسبب فى الحيود السلبى فى هذه الأماكن المرتفعة من التضاريس هو النقص فى الكتلة بسبب إزاحة مادة وشاح الأرض الأكثر كثافة بفعل جذور القشرة الأرضية (الأقل كثافة) المنغمسة فيها.

وبالمثل فإن القيم الإيجابية العالية للجاذبية الأرضية فوق أواسط أحواض المحيطات تدل على وجود كتلة زائدة ، نظرا إلى اندفاع صخور وشاح الأرض (عالية الكثافة) قريبا من السطح ، ويطلق على هذه السمة اسم «الجذر المعاكس» (antiroot) أو «الأوتاد المقلوبة» ، وذلك لاندفاع الصخور القاعدية وفوق القاعدية عالية الكثافة ، (مثل البازلت والجابرو) ، عبر صدوع قيعان المحيطات ؛ لتكون سلاسل جبلية طويلة تعرف باسم «حيود أواسط المحيطات» تقف شامخة بكثافتها العالية وسط الماء قليل الكثافة.

وتظهر جبال الأپالاشى حيودا سلبيّا متواضعا ، الأمر الذى يدل على أن لها جذورا ضحلة ، وهو شيء مناسب لمنظومة قديمة من الجبال ، إذ أن امتداداتها الداخلية ، (وبالتالى مقدار الحيود في جاذبيتها) يأخذان فى الاختفاء تدريجيّا مع تآكل تضاريس سطحها الخارجى واندفاعها بكتلتها إلى أعلى.

وقد اكتشف مفهوم «التعويض التثاقلي» الناتج عن توازن القشرة الأرضية وما يقترن به من دلالة على طفو القارات فوق قيعان البحار والمحيطات ، وطفو الجبال فوق القارات ، من هذا النوع من الملاحظات الخاصة بالجاذبية الأرضية ، والتى ساعدت على توضيح بعض المسائل الأرضية المهمة ، كتحديد أماكن قصور الجاذبية ، وما إذا كان هذا التعويض لتحقيق توازن القشرة الأرضية ناتجا عن

٤٦

وجود جذور لتلك القشرة ، أو أن التعويض ناتج عن وجود مادة منخفضة الكثافة فى وشاح الأرض ، ويبدو أن الانخفاض في كثافة وشاح الأرض يقترن بوضع بنيوي خاص يفسر الأنشطة البركانية الحديثة ، والتدفق العالى للحرارة الأرضية ، والسرعات المنخفضة للموجات الاهتزازية ، والذى قد يشير إلى احتمال وجود جزء منصهر أو شبه منصهر من وشاح الأرض يقع مباشرة تحت نطاق الموهو (moho).

والحقيقة أن الأدلة الزلزالية (أدلة الموجات الاهتزازية) تشير إلى أن الغلاف الصخرى للأرض يطفو فوق نطاق لزج أكثر كثافة (نطاق السرعة المنخفضة للموجات الاهتزازية) وأن سطح الأرض فى حالة اتزان تضاغطى مع هذا النطاق ، تماما كقطع الأخشاب الطافية على سطح الماء أو الأعمدة القائمة على أساس مائع ، وبعبارة أخرى فإن معالم سطح القشرة الأرضية متوازنة بفعل تفاوت كثافاتها ، وهذا يفسر وجود جذور عميقة ذات كثافة منخفضة أسفل الجبال الشاهقة ، كما يفسر وجود صخور أعلى كثافة من الصخور القارية أسفل أحواض المحيطات ، ويفسر كذلك أن جذور الجبال تزيد على ارتفاعاتها فوق سطح البحر أضعافا عديدة. (شكل رقم ١). وعلى الرغم من ذلك ، فإن معظم القشرة الأرضية موزع الآن بين مستويين أساسيين هما القارات وقيعان المحيطات ، وفضلا عن ذلك فإن الفرق بين أعلى قمة جبلية (قمة إفرست ٨٨٤٨ م فوق مستوى سطح البحر) وأعمق أغوار المحيط على الكرة الأرضية (غور ماريانا ١٠٨٦٧ م تحت مستوى سطح البحر) يقل عن ٢٠ كم بقليل (٧ و ١٩ كم) ، ومقارنة بنصف القطر الاستوائى للكرة الأرضية (٦٣٧٨ كم) فإن نسبة الاختلاف فى الارتفاع لا تتجاوز ٣ و ـ خ الأمر الذى يدل بوضوح على أن كل معالم التضاريس على سطح الأرض ضئيلة مقارنة بمقاييس كوكبنا ، ولكنها مع ذلك تعتبر شيئا أساسيا لاستقرار الأرض فى دورانها ، واستقرار سطحها وجعله مكانا مناسبا للحياة.

* * *

٤٧

الفصل الخامس

الشواهد الدالة على أن سطح الأرض

فى حالة توازن تضاغطى

هناك عدد كبير من الأدلة التى تراكمت على مدى القرنين الماضيين والتي تؤيد أن قشرة الأرض فى حالة توازن تضاغطى ، بمعنى أنه حيثما يبدأ هذا التوازن فى الاختلال ، يتم تعديله مباشرة ، وإن كان يعتقد أن معدل مثل هذا التعديل بطيء جدا (حوالى سنتيمترات قليلة فى السنة). ومن هذه الأدلة التي تدعم فكرة التوازن التضاغطى ما يلي :

أولا : لوحظ أنه عند إضافة ثقل ما إلى القشرة الأرضية فإنها تنخفض انخفاضا تضاغطيا ، وعند إزالة هذا الثقل عنها فإنها ترتفع وتظهر نتوءات الارتداد التضاغطى على هيئة عدد من الارتفاعات ، ويمكن توضيح الحالة الأولى بما ينتج عن تجمع الجليد بسمك كبير على اليابسة ، أو ما ينتج عن تجمع الماء أو بتراكم الترسبات أمام السدود من أثر على المنطقة المحيطة ، أو بتراكم المواد البركانية السميكة حول بعض البراكين الحديثة.

ويمكن توضيح الحالة الثانية بما نتج عن ذوبان تراكمات الجليد السميكة التى تجمعت على اليابسة منذ بداية عهد الپلايستوسين (pleistocene) (ومعناه اللغوي العهد الأقرب للعهد الحديث) على المناطق التى كانت تغطيها التراكمات الكثيفة من الجليد خلال العصر الجليدى الكبير الأخير (the last great ice age).

٤٨

وعند ما تم بناء سد هوفر على مجرى نهر كولورادو فى الثلاثينيات من القرن العشرين ، تسبب تجمع الماء أمام السد فى بحيرة «ميد» وتجمع ملايين الأطنان من الترسبات فوق قاع البحيرة ، فى حدوث انخفاض عام فى منسوب المنطقة ، وزيادة ملحوظة فى النشاط الزلزالى الذى تعرضت له.

وبالمثل عند ما غطت المجالد القارية مناطق شاسعة فى كلّ من أمريكا الشمالية وأوروپا خلال عهد الپلايستوسين (pleistocene epoch) تسبب الوزن الإضافى لتجمعات الجليد (التى بلغ سمكها ٢ ـ ٣ كم) فى انخفاضات واضحة لسطح الأرض (down ـ warpings) ، ولكن مع مقدم العهد الحديث (holocene epoch) منذ حوالى ١٠٠٠٠ سنة مضت ، أصبح الطقس أكثر دفئا ، وأخذت تجمعات الجليد فى الانصهار مما أدى إلى تناقص وزنها تدريجيا ، وأدى بالتالي إلى الارتفاع التدريجى فى منسوب قشرة الأرض حتى تم استعادة التوازن التضاغطى فيها. وفى خلال عملية الارتداد التضاغطى تلك ، حدث ارتفاع يقدر بحوالى ٣٣٠ م فى مناسيب سطح الأرض بمنطقة خليج هدسون خلال الفترة من عشرة آلاف سنة مضت إلى ثمانمائة سنة مضت. [cf.king ، in wright and frey) editors (، ٥٦٩١].

وخلال الفترة نفسها ، حدث ارتفاع مقداره حوالى ١٠٠ م فى منسوب أرض منطقة فنوسكانيا (فنلندا / اسكندنافيا) ، وقد قدر أن تلك المنطقة ستواصل الارتفاع لمائتى متر أخرى قبل تحقق التوازن التضاغطى (saurano ، ٥٦٩١) ، والدليل على عمليات الارتفاع في مناسيب سطح الأرض في تلك المناطق مسجل تسجيلا جيدا على هيئة عدد من الشواطئ المتتالية حول كلّ من خليج هدسون وبحر البلطيق.

ويعود هذا الاتزان التضاغطى إلى الاعتقاد بأن الغلاف الصخرى للأرض (المكون من صخور قليلة الكثافة نسبيا والذى يبلغ سمكه فى المتوسط ١٠٠ كم تقريبا) يطفو فوق نطاق يتميز بأنه لدن ومرن ، عالى الكثافة واللزوجة ، قابل للتشوه بسهولة ، يعرف باسم «نطاق الضعف الأرضي» ، كذلك فإن القشرة القارية والتى

٤٩

يتراوح سمكها بين ٣٠ ، ٤٠ كم ويقدر متوسط كثافتها بحوالي (٧ و ٢ جم / سم ٣) تطفو فوق قشرة قاع المحيط التى لا يزيد سمكها على ٨ كم ، ويبلغ متوسط كثافتها ٩ و ٢ جم / سم ٣ ، وذلك يفسر ارتفاع القارات فوق قيعان أحواض المحيطات ، وعليه فإن كلّا من ثبات قوة الجاذبية وجلاء دورها فى تطبيقات قانون الطفو ، لا بدّ وأن يكون لهما دور مهم فى تحديد ارتفاع منطقة ما على سطح الأرض ، ويفسر ذلك انتصاب الجبال عاليا فوق سطح الأرض ، وامتداداتها العميقة في داخل نطاق الضعف الأرضى الكثيف اللزج (الواقع تحت الغلاف الصخرى للأرض) وهو استنتاج أكدته البيانات المستقاة من كلّ من الدراسات الاهتزازية (الزلزالية) ودراسات الجاذبية الأرضية ، وبذلك تم التوصل إلى الفهم الصحيح أن الجبال تنتصب مرتفعة ؛ لأن لها جذورا عميقة تطفو فى مادة أكثر لزوجة وكثافة ، وبنفس الطريقة تطفو القشرة الأرضية المكونة للقارات فوق قشرة قيعان المحيطات الأكثر كثافة والأقل سمكا ، وأن الغلاف الصخرى للأرض يطفو فوق نطاق الضعف الأرضى ، كل ذلك في اتزان دقيق يؤيد استمرار الحاجة إلى إعادة الاتزان التضاغطى كلما اختل في بقعة من بقاع الأرض.

ثانيا : تتميز مناطق القشرة الأرضية التى لا يتحقق فيها التوازن التضاغطى بوجود ظواهر الحيود فى الجاذبية الأرضية ، وهى مقدار الاختلاف بين القيمة المقاسة والقيمة المقدرة للجاذبية في تلك المناطق.

وتحدث التحركات الرأسية فى القشرة الأرضية ردا على تغير الأحمال الواقعة عليها ، ويقال إنها فى حالة توازن تضاغطى عند انعدام أى قوة مؤثرة فيها ، وقد تتكيف هذه التحركات مع التحركات الجانبية للصخور فى الوشاح العلوى للأرض ، أو مع التغير فى التركيب الكيمائى والمعدنى للصهارة الصخرية فيه.

ثالثا : يعتبر انكشاف جذور الجبال القديمة فى أواسط القارات من الشواهد المؤيدة لحدوث عملية إعادة التوازن التضاغطى فى الغلاف الصخرى للأرض ، فمع تعرية قمم الجبال ، ترتفع هذه الجبال إلى أعلى للمحافظة على توازنها التضاغطى ،

٥٠

ويعرف هذا النوع من الحركات الرأسية عادة باسم الحركات البانية للقارات (epeirogeny) بالمقابلة مع الحركات البانية للجبال (orogeny) التى تنطوى أساسا على عدد من القوى الأفقية التى تنزع إلى التمركز فى مناطق محددة نسبيا ، ويمكن أن تستمر عملية الحركات الرأسية البانية للقارات (epeirogeny) بمعدلات تتناسب مع معدلات التعرية إلى أن ينكشف جذر الجبل عند سطح الأرض ، وقد يفسر ذلك أن مجموعات الجبال القديمة ، كسلسلة جبال الأپالاشى أو الأورال ليست بارتفاع السلاسل حديثة العهد ، كجبال الأنديز والألب والهيمالايا ، وهذه الجبال الأصغر سنا لا تزال تقف مرتفعة بفعل كل من القوى الأصلية لبناء الجبال ، وقوى عملية إعادة التعديل التضاغطى (cf.cazeau and others ، ٦٧٩١p. ١١٤).

وفى هذا الصراع بين عمليات البناء الداخلية وعمليات الهدم الخارجية على سلسلة الجبال ، تكون الغلبة فى نهاية الأمر لعمليات الهدم الخارجية (عمليات التعرية) حين لا يتبقى أى عمق كاف من تلك السلسلة الجبلية يعين على رفعها بفعل عملية التوازن التضاغطى (توازن القشرة الأرضية) ؛ وعند ما يبلغ سمك جذر الجبل نفس سمك الجزء القارى المجاور له (سمك التوازن التضاغطى تقريبا) ، تتوقف عملية الحركات الرأسية البانية للقارات ، وتصبح المنظومة الجبلية القديمة جزءا من الرواسخ القديمة الثابتة (stable cratons) مما يضيف إلى حجم القارة (شكل رقم ٢ ، ٥) ، وعند ما يتم تآكل منظومة جبلية أو سلسلة من الجبال حتى تتحول فى نهاية الأمر إلى منطقة تلال أو سهول منخفضة ، فإن الصخور فى هذه المنطقة تحتفظ بما يدل على سابق وجود تلك الجبال ، والصخور الرسوبية المطوية والمتكسرة في هذه المنظومة أو السلسلة الجبلية تكون قد تآكلت وأزيلت بفعل عوامل التعرية ، مخلفة وراءها الصخور المتحولة التى تتخللها الصخور النارية المتداخلة فيها مكونة الرواسخ القديمة الثابتة ، وهذه تظهر بوضوح ـ بواسطة كثرة الطيات والتكسر فيها ـ أنها كانت يوما ما جذور المجموعة جبلية. (cf.beiserkrauskopf ، ٥٧٩١ ، p. ١٨٦).

٥١

الفصل السادس

الجبال فى إطار علوم الأرض الحديثة

تعرف الجبال فى إطار علوم الأرض الحديثة بأنها أجزاء سمكية من القشرة الأرضية نتجت عن عمليات بناء (أو عمليات هدم) مختلفة.

وهذه الأشكال المميزة من أشكال سطح الأرض لا تنتصب شامخة على سطح الأرض فحسب ، ولكنها تمتد فى أعماق الغلاف الصخرى للأرض ، وتظل الجبال مرتفعة فوق ما يحيطها من الأرض ؛ لأنها تطفو فى نطاق الضعف الأرضى شبه المنصهر ، اللزج والأكثر كثافة ، وتكون لها جذور غائصة فى الأعماق قد تصل إلى أضعاف ارتفاعها عن سطح الأرض (من عشرة إلى خمسة عشر ضعفا) بناء على كثافة المادة التى تكون منها الجبال ، وكثافة المادة التى تطفو فيها.

وعملية الطفو هذه تساعد الجبال على أن تظل فى حالة توازن تضاغطى مع محيطها وتفسر عددا كبيرا من الظواهر والأشكال الأرضية التى تشاهد فى المنطقة ، والحقيقة أن كلّا من الدراسات الاهتزازية (الزلزالية) وبيانات الجاذبية الأرضية تدل على أن قشرة الأرض القارية تكون أسمك ما يمكن تحت أكثر الجبال ارتفاعا ، وأن قشرة الأرض تحت قيعان المحيطات تكون دائما أقل سمكا وأعلى كثافة منها فى القارات.

ويمكن أن تمتد بعض المرتفعات الجبلية فى أحزمة أو أطواف لعدة آلاف من الكيلومترات ، ويشكل تتابع عدد من تلك الأطواف منظومة جبلية يبلغ اتساعها عدة مئات

٥٢

من الكيلومترات ، وهذه المنظومات الجبلية تعكس القوى الهائلة التى بنت أجزاء كبيرة من قشرة الأرض بعمليات الطى ، والتصدع ، وعمليات الطى المتراكبة ، والمتداخلات النارية ، والطفوح البركانية وعمليات التحول ، ويطلق على هذه المجموعة من العمليات التى تشترك فى تكوين الجبال اسم الحركات البانية للجبال أو حركات نشأة الجبال (orogenesis) وهو مشتق من الكلمتين اليونانيتين (oros) وتعنى الجبل و (genesis) وتعنى الأصل أو التكوين.

وكما سبق وأشرنا آنفا إلى أن الطوف الجبلى يتكون من عدد من الحواف المتوازية تقريبا ، والتى تكونت عن صخور ترسبت فى حوض ترسيبى واحد بعمليات الطى والتصدع والمتداخلات النارية والطفوح البركانية ، بينما تتكون المنظومة الجبلية من عدد من الأطواف الجبلية المتوازية أو المتتابعة التى تكونت فى وقت واحد بعمليات الطى والتصدع لعدد من الأحواض الترسيبية المختلفة ، وتتكون السلسلة الجبلية من منظومتين جبليتين أو أكثر ، لهما اتجاه عام واحد ومنسوب واحد تقريبا ، بينما تمثل الأحزمة الجبلية (mountain belts or cordelliras) عددا من السلاسل الجبلية فى قارة واحدة.

وقد وضعت نظريات عديدة لتفسير عملية تكون الجبال ، غير أن أيّا منها لم يكن كافيا لشرح ذلك بالكامل ، وفى أوائل السبعينيات من القرن العشرين ، أصبح من الواضح أن النطق الجبلية الحديثة على سطح الأرض ترتبط بالبنيات الأرضية الكبرى (global tectonics) أى بحركات ألواح الغلاف الصخرى للأرض فوق نطاق الضعف الأرضى ، وفى إطار مثل هذه العمليات البنيوية واسعة النطاق ، تنشأ الجبال (orogeny) أساسا على أطراف الألواح المتصادمة ، حيث تتغضن وتتجعد الترسبات المتجمعة على حافة قاع المحيط فى الأغوار الناتجة عن تحرك قاع المحيط تحت القارة ، وتنشط عمليات التداخل النارى والطفوح البركانية ، وما يصاحبهما من عمليات تحول للصخور.

وقبل تفصيل ذلك لا بدّ من استعراض موجز للأنواع الرئيسية المعروفة لنا من الجبال.

٥٣

أنواع الجبال

كما سبق وأن أشرنا يمكن أن ترتبط جبال معينة ضمن أحد الأطواف (mountain ranges) أو المنظومات (mountain systems) أو السلاسل (mountain chains) أو الأحزمة الجبلية (mountain belts or cordilleras) بعمليات جيولوچية محددة كعمليات الطى أو التصدع أو النشاط النارى ، أو بمجموعة من هذه الأحداث ، وعلى الرغم من ذلك ، فإن تفسير نشأة التجمعات الجبلية المعقدة (orogenesis) لا يمكن أن يتم إلا فى ضوء عمليات بنيوية أكبر بكثير من ذلك تعرف باسم الحركات البنيوية الكبرى (megatectonics) أو الحركات المؤثرة على الأرض ككل (Global tectonics) بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض (plate tectonics).

وبغض النظر عن طريقة تكونها ، فإن أشكال الجبال ترتبط كذلك بعدد كبير من العوامل الأخرى من مثل عمرها ، والمرحلة التى وصلتها فى دورة تكون الجبال ، والظروف المناخية التى وجدت فيها ، وصلادة صخورها المختلفة ، ومقاومة منكشفات تلك الصخور لعوامل التعرية ؛ لأن الجبال تولد وتنمو وتمر بمراحل من الشباب والنضج والشيخوخة حين يعتريها الضعف فتتآكل بالتدريج حتى تختفى تماما (شكل ٢). ويعتقد أن أقدم الصخور المعروفة على وجه الأرض اليوم (شكل ٥ ، ٦) هى جذور بعض الجبال القديمة والتى تشكل حاليا عددا من الرواسخ (cratons) أو ما يعرف باسم الدروع الصخرية القديمة (old rock shields) التى تكونت من حولها قارات الأرض.

ووفقا لهيئاتها وبنياتها وتراكيب صخورها وأعمارها تقسم الجبال إلى أربعة أنواع رئيسية على النحو التالي : الجبال البركانية (volcanic mountains) ، الجبال المطوية (أو أحزمة الطي) (folded mountains or fold belts) ، والجبال ذات الكتل المتصدعة (أو ذات التصدع الكتلي) (ـ fault ـ block or block ـ faulted mountains) ، والجبال الحتية (erosional mountains) (أو المتسنمة)

٥٤

(upwarped mountains) وتعتبر هذه مراحل متتالية فى تطور الجبال ، فضلا عن كونها أنواعا مميزة منها. وتمثل الجبال البركانية المرحلة الأولى فى تطور هذه الأشكال الهائلة من أشكال سطح الأرض ، ويمثل كلّ من الجبال المطوية والمتصدعة ذروة فترتى الشباب والنضج ، وتمثل الجبال الحتية مرحلة الشيوخة. ويمكن أن تتكون الجبال ذات الكتل المتصدعة فى أى من هذه المراحل ، ولكنها تعالج دائما كنوع خاص من الجبال ، ويمكن وصف هذه الأنواع الأربعة الرئيسية من الجبال على النحو التالي :

١ ـ الجبال البركانية (volcanicmoutains) :

ومن أمثلتها : جبل «كليمنجارو» (kilimanjaro) فى شرق إفريقيا ، وجبل «پاريكيوتين» (paricutin) فى المكسيك ، و «الماونالوا» فى هاواى (mauna loa of hawaii) و «فيزوف» (vesuvius) فى إيطاليا ، و «الفوچي ياما» (fujiyama) فى اليابان وغيرها. والجبال البركانية هى أبسط أنواع الجبال المعروفة لنا ، وتكون عادة على شكل قمم معزولة ، تكونت من تراكم الطفوح البركانية المتدفقة وفتات الصخور البركانية وغيرها من الصخور المقذوفة عبر فوهات البراكين ، والتى ربما تراكمت بسرعة (فى سنوات قليلة) أو ببطء (على مدى آلاف السنين).

ويمكن أن يحدث مثل هذا التراكم للمواد التى تقذفها البراكين حول فوهاتها التى تنتج مخاريط من الرماد البركانى (كبركان جبل فيزوف بالقرب من نابولي) أو يحدث تراكم المواد البركانية فى أماكن أخرى ؛ ويمكن أن تتدفق الطفوح البركانية إلى سطح الأرض ، وتتصلب على شكل قبة بركانية عريضة ذات قمة مسطحة ، وانحدارات لطيفة تبلغ مساحتها أحيانا عشرات أو مئات الكيلومترات المربعة وتتكون أساسا من تدفقات الطفوح البازلتية المتراكبة والمتداخلة ؛ لتكون ما يعرف باسم الدروع البركانية (volcanic shields) وقد تنمو هذه الدروع البركانية لتكون جبلا بركانيا كجبل (ماونالوا) فى هاواى (الذى يرتفع من عمق ٤٢٧٠ م تحت سطح

٥٥

الماء إلى ما يزيد على ٣٩٦٠ م فوق سطح البحر) ، وجبل (كيلاوايا) فى الجزيرة نفسها ، ومن مثل التراكمات البازلتية الكبيرة فى أيسلندة.

ويرتبط أصل الجبال البركانية على ما يبدو بتصدعات عميقة تخترق الغلاف الصخرى للأرض بالكامل ، وتصل إلى نطاق الضعف الأرضى الذى يوفر المادة التى تتكون منها هذه الجبال ، وبعبارة أخرى فإن الجبال البركانية ترتبط مباشرة بعدد من الأغوار أو الخسوف العميقة (deep rifts) فى الغلاف الصخرى للأرض ؛ لذا فإنها تمثل المرحلة الأولى من مراحل تكون الجبال ؛ وإن كانت هي لا تعتبر جبالا حقيقية لتكونها من مواد أعلى كثافة من الصخور المحيطة بها ، بينما تتكون الجبال من صخور أخف من الصخور المحيطة بها.

وفى إطار البنيات الأرضية الكبرى (Global tectonics) يعتقد أن معظم أنواع الجبال البركانية يرتبط تكوينه بالأنشطة الملازمة لحواف ألواح الغلاف الصخرى للأرض (شكل ٧). وتتكون هذه الجبال نتيجة حدوث عدد من الاضطرابات فى نطاق الضعف الأرضى الموجود تحت الغلاف الصخرى للأرض ، كما هو الحال فى براكين منطقتي إليوتى في غربي ألاسكا وكاسكيد في غربي الولايات المتحدة الأمريكية (the aleutian and the cascade volcanoes) (شكل ٨ ، ٩) أو كنتيجة مباشرة لتمزق ألواح الغلاف الصخرى للأرض عند خسوف أواسط المحيطات (كسلاسل مرتفعات منتصف المحيط الأطلسى ـ وجبال آيسلند البركانية ، وجبل القديسة هيلين وجبل كليمانجارو وجبال كينيا المتصلين مباشرة بنظام الصدع الإفريقي الشرقي) (شكل ١٠).

وتكثر البراكين النشطة فى عدد من الأحزمة الضيقة ولا سيما فى مناطق أقواس الجزر المنتشرة على حافة المحيط الهادى (حيث يعتقد أن القشرة الأرضية تستهلك حاليا بنزولها إلى وشاح الأرض) وكذلك على امتداد سلاسل مرتفعات منتصف المحيطات (حيث يجرى تكون قشرة محيطية جديدة بصورة مطّردة منذ ١٥٠ إلى ٢٠٠ مليون سنة مضت على الأقل).

٥٦

إن الجزر الأليوتية (the aleutian islands) عبارة عن قمم جبال بركانية تمتد لمسافة ٣٢٠٠ كم على امتداد محيط دائرة تتمركز حول تقاطع خط العرض ٦٢٤٠ شمالا وخط الطول ١٧٨٢٠ غربا. وتنتشر أقواس الجزر تلك على الحدود الغربية للمحيط الهادى مع وجود أعماق محيطية عظيمة (أغوار أو أخاديد بحرية) على المنحنيات الخارجية لكثير منها.

ويعتقد كثير من علماء الأرض بأن حواف أواسط المحيطات هى فى حقيقتها أطواف من الجبال البركانية يصل ارتفاعها إلى ١٨٠٠ م فوق قاع المحيط ، ويغطيها الماء فى بعض المناطق بسمك يصل إلى ٢٧٠٠ م.

وعلى الرغم من ذلك ، فإنه فى إطار مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض (plate tectonics) يعتقد بأن هذه المرتفعات ليست جبالا حقيقية ، حيث لا يوجد لها اندفاعات فى داخل الغلاف الصخرى للأرض كالجبال الحقيقية (أى ليست لها جذور غائرة فى داخل الغلاف الصخرى للأرض) لأنها فى الحقيقة صورة مغايرة للجبال الحقيقية التى تمتد بجذور عميقة من مادة الجبال الخفيفة نسبيا فى داخل صخور ذات كثافة أعلى نسبيا ، فالجبال البركانية المندفعة فى أواسط المحيطات تمثل جذورا معاكسة (anti ـ roots) حيث تندفع بصخورها البركانية ذات الكثافة العالية نسبيّا وسط ماء المحيطات. لذا فإن إدراجها ضمن الجبال هو مثار للجدل الشديد ، والجذور المعاكسة هى تراكمات لمادة ذات كثافة أعلى فى القشرة الأرضية المكونة من صخور أقل كثافة ، كما هو الحال في حواف أواسط المحيطات ؛ لتعوض انخفاض كثافة ماء المحيط. ويتم دفع هذه الجذور المعاكسة إلى الأعلى من النطاق العلوى لوشاح الأرض (نطاق الضعف الأرضي) وذلك بفعل تيارات الحمل فى هذا النطاق أو بواسطة مراكز حرارية محددة فيه.

لقد تم وضع خرائط چيولوچية لما يزيد على ٦٤٠٠٠ كم من مرتفعات أواسط المحيطات حتى الآن ، وذلك حول شبكة من أودية الخسف فى منتصف جميع المحيطات ، وتقوم هذه الأودية الخسيفة بقذف ملايين الأطنان من الطهارة

٥٧

البازلتية الجديدة على جانبى هذه التصدعات العميقة فى الغلاف الصخرى للأرض منذ الأيام الأولى ؛ لتكون تلك الأودية الخسيفة ، وتتجدد بذلك صخور قاع المحيط باستمرار ، وتقع القشرة المحيطية الأحداث عمرا دائما حول الوديان الخسيفة العميقة وتقوم بدفع القشرة القديمة باستمرار بعيدا عنها ، وبذلك توجد أقدم صخور للقشرة المحيطية عند أطراف المحيط ، وهذه يتم استهلاكها باستمرار فى منطقة التقاء قاع المحيط بالقارة المجاورة وتحركه تحتها بسرعة تعادل تقريبا سرعة إنتاج قشرة محيطية جديدة فى وسط المحيط (شكل ١١) ، وعلى ذلك فإن أقدم صخور قيعان المحيطات لا تتعدى أعمارها حقب الحياة المتوسطة (٢٠٠ إلى ٢٥٠ مليون سنة مضت).

وهناك عدد غير قليل من الجبال البركانية فى القارات (شكل ٨) كالقمم المعزولة لكل من جبل (آرارات ٥١٠٠ م) في تركيا ، و (إتنا ٣٣٠٠ م) في صقلية ، و (فيزوف ١٣٠٠ م) في إيطاليا ، و (كيليمانجارو ٥٩٠٠ م) في تنزانيا ، و (كينيا ٥١٠٠ م) في كينيا ، وتقترن هذه الجبال أيضا بنظم الخسوف (الأغوار) التصدعية العميقة الواقعة فى القارات ، والتى تخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل ؛ لتصل إلى نطاق الضعف الأرضي على عمق مائة وخمسين كيلومترا.

٢ ـ الجبال المطوية (أو أحزمة الطي) (folded mountains or fold belts)

تمثل هذه الجبال ذروة التطور فى تكون النطق الجبلية ؛ ولذا فهى تمثل فى المنظومات الجبلية الكبرى فى العالم (كجبال الأنذيز ، والجبال الكارپاتية ، والأورال والألب ، وچورا ، وهيمالايا وغيرها) (شكل ٣ ـ ٦) ، وتتكون هذه النظم الجبلية عادة من أنواع مختلفة من الصخور والأنماط البنيوية التى تتضمن عمليات الطى ، والتصدع ، والتصدع الراكب ، وأنشطة الصخور النارية.

وتكثر الصدوع بصفة خاصة على امتداد حواف هذه النطق المطوية وبعضها من النوع العادى ، ولكن معظمها تصدعات دسرية (تجاوزية) ، ذات زوايا منخفضة ،

٥٨

وتمتد لمئات الكيلومترات دافعة أمامها كتلا هائلة من الصخور واحدة فوق الأخرى لعدة كيلومترات فيما يسمى باسم صدوع التجاوز الراكب (overthrusting).

وتدل الملاحظات الميدانية على أن تكون الجبال المطوية يسبقه عادة تكون الأحواض الأرضية الترسيبية العملاقة (Geosynclines) والحوض الترسيبى عبارة عن حوض كبير فى قشرة الأرض يبلغ اتساعه عادة عشرات الكيلومترات وطوله مئات الكيلومترات ، ويضم ترسبات بحرية من مصدر لا يتجاوز عمقه ٣٠٠ م في العادة ، ومن ترسبات وطبقات من التراكمات البركانية يزيد سمكها عادة على ١٥٠٠ م ، وعليه يعتقد أن هذه الأحواض الأرضية قد تصدعت بعدد من الصدوع العميقة على هيئة الأودية الخسيفة التي أخذت في الهبوط ببطء ؛ لتحتوى تلك التراكمات السميكة من الترسبات والصخور البركانية المتطابقة معها.

وعلى ذلك فإن تكون الحوض الأرضى لا بدّ وأن ينطوى على التجعد البطىء والهبوط المستمر للقشرة الأرضية (down ـ warping) ، مع التراكم المستمر للترسبات ، ووجود صلة بالصخور المنصهرة انصهارا جزئيّا ، فى نطاق الضعف الأرضى ، وهنا يمكن لتحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض أن يفسر تكوين الأحواض الأرضية.

والأدلة الزلزالية الناجمة عن الهزات الأرضية تؤكد حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض المكونة لقيعان المحيطات مبتعدة عن التصدعات في منتصف المحيط باتجاه ألواح أخرى من ألواح الغلاف الصخرى للأرض ؛ وعند اصطدام لوحين من ألواح قيعان المحيطات ، يتكون نظام من أقواس الجزر البركانية ، وتتكون أعمق أغوار المحيطات حين يهبط قاع المحيط تحت القارة المجاورة ويختفى تدريجيا تحتها ، فتصل ألواح الغلاف الصخري المكونة لقاع المحيط إلى نطاق الضعف الأرضي حيث تنصهر ، ويتحرك اللوح الهابط بسرعة تعادل نصف سرعة اتساع قاع المحيط ، ويعتبر اندفاع أحد ألواح الغلاف الصخرى المكونة لقاع المحيط تحت القارة المجاورة مسئولا عن تكون الأخاديد المحيطية العميقة عند التقاء قاع

٥٩

المحيط بالقارة ، والانصهار الجزئى للشريحة المنزلقة تحت كتلة القارة يمكن أن يفسر توفر صهارة الصخور البركانية ، ومن ثم تكون الأقواس البركانية ، وتعتبر هذه الأخاديد المحيطية أماكن مثالية لتراكم الترسبات فى الأحواض الأرضية ، ومن هنا يعتقد أن تلك الأحواض الأرضية قد تكونت فى مثل هذه النطق البنيوية النشطة حيث لا ينتج الهبوط تحت وزن الرسوبيات المتراكمة فقط ، ولكنه يتواصل بالانزلاق التدريجى لأحد ألواح الغلاف الصخرى للأرض تحت لوح آخر (شكل ١٢ ـ ٢٣).

وفى نهاية الأمر تنزل الترسبات المتراكمة فى أحد الأحواض الأرضية إلى مستويات تصبح عندها محاطة بصخور أكثر كثافة ولزوجة ، ويحدد الفارق بين الكثافتين قابليتها للطفو والعمق الذى يمكن أن تنزل إليه تحت ثقل وزنها ، وعند هذه النقطة تصبح المنظومة كلها متزنة تضاغطيا.

ومع تراكم الرسوبيات فإنها تتعرض لكل من الطى والتصدع بصفة مستمرة ؛ وتكون الصخور السطحية هشة ؛ لذا فهى تتكسر قبل أن تتدفق ، ولكنها إذا دفنت عميقا تصبح لدنة ، ويتغير شكلها وحجمها بالانثناء والطى والتدفق البطيء ، أو بأى منها ، وعند ما تدفن الترسبات إلى أعماق كافية فإنها تنصهر ، ويتسبب انصهارها فى زيادة حجمها ، وتؤدى هذه الزيادة فى الحجم إلى رفع الصخور فوقها ، وإلى اندفاع تلك الزيادة على هيئة أعداد من المتداخلات النارية التى تلعب دورا فى عمليات الطى (cf.billings ، ٠٦٩١).

وعند أطراف الحوض الأرضى تتضاغط الصخور إلى الأعلى وإلى الخارج عبر عدد من التصدعات الدسرية العظيمة (Great thrust faults) ، فى حين أنها تدفع فى المنطقة الوسطية إلى الأعلى ، لتكون هضبة بين الجبال ، وهناك أدلة عديدة على بدء عملية الطى قبل تيبس الرسوبيات (pre ـ consolidation folding) مما يشير إلى أن القوى البانية للجبال كانت نشطة خلال عملية الترسيب ، ومن الممكن أن يؤدى التجعد السفلى التفاضلى (differential downwarping) فى الحوض الأرضى

٦٠