من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٥

الواحد إلى طى الرسوبيات أثناء تجمعها بعمليات الترسيب. بيد أن القوى السائدة فى هذه المرحلة ربما كانت أساسا رأسية.

وقد تنشأ التصدعات الدسرية (thrust ـ faulting) على أطراف الحوض الأرضى بفعل الانخساف التفاضلى للمنطقة المحيطة ، ولكن بما أن نشاط الإجهاد الناشئ عن الضغوط الأفقية والمماسة يحدث عادة فى فترة متأخرة من تاريخ تكون الأحواض الأرضية (نتيجة لتصادم ألواح الغلاف الصخرى للأرض) فإنه قد يكون السبب الرئيسى فى زحف الطبقات فوق بعضها البعض بصدوع المجاوزة (overthrust faults or overthrusting) ومثل هذه الضغوط تؤدى فى النهاية إلى رفع الطبقات التى تعرضت لكل من الطي والتصدع على هيئة مرتفعات جبلية. ويعتقد أن من الأمثلة الحديثة على نمو مناطق الأحواض الأرضية تدريجيا ؛ لتصبح أطوافا جبلية ما يقع اليوم بين طرف قارة آسيا المطل على المحيط الهادى وأقواس الجزر البركانية المقابلة للساحل القاري. (شكل ١٢).

من المناقشة السابقة يتضح أن المنظومات الرئيسية للجبال قد تكونت نتيجة لحركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض ؛ فعند التقاء اثنين من هذه الألواح يمكن أن يندفع أحدهما دون مستوى الآخر ، فيتكون بذلك حوض أرضى ، وتنشأ أقواس من الجزر البركانية بتراكم المواد المندفعة من فوهات البراكين والمنطلقة بفعل عملية انزلاق أحد الألواح الصخرية تحت الآخر ، وفى فترة لاحقة ترتفع الرسوبيات (الرواسب) والصخور البركانية التى ملأت الحوض الأرضي ؛ لتكون سلسلة جبلية (شكل ١٢ ـ ٢٣) ومع ارتفاعها تتكون كل من الطيات (الثنيات) والتصدعات الأرضية ، إما من خلال الكبس والتضاغط الجانبي حسب فرضية الحركات الأرضية الأفقية ، أو من خلال انزلاق الصخور بفعل الجاذبية بعيدا عن الحاشية الآخذة فى الارتفاع (فرضية الحركات الأرضية الرأسية) أو بكليهما معا ، وقد تنشأ الأطواف الجبلية أيضا من تصادم قارتين تطفوان على نطاق الضعف الأرضى الذى يعمل عمل السير النقال يحركهما فى

٦١

اتجاه بعضهما البعض حتى يتم استهلاك قاع المحيط الفاصل بينهما (كجبال الألب والهيمالايا على سبيل المثال) (شكل ٢١ ، ٢٤ ، ٢٥) وفى الحالتين لم تتكون أطواف الجبال المطوية بفعل تشوه حوض أرضى واحد ، ولكن بتشوه أعداد من الأحواض الأرضية المتجاورة.

ومما لا شك فيه أن الأطواف الجبلية الحالية كانت أكثر ارتفاعا فى الماضى ، ولكنها تضاءلت فى الارتفاع مع مرور الزمن بفعل عوامل التعرية ، وتركت على هيئة بقايا تآكل الجبال الأصلية ، وقد كانت مرتفعات شديدة الطى والتصدع ؛ للمحافظة على الاتزان الأرضي تتدخل الارتدادات الناتجة عن عملية الاتزان التضاغطى للتعويض عن الكتل التى أزالتها عمليات التحات والتعرية من القمم الجبلية ، ويمكن أن تستمر عملية ارتفاع الجبال فوق سطح الأرض ، وذلك بانسحابها التدريجى من الانغماس فى نطاق الضعف الأرضى ، وتعريتها حتى يتم انكشاف جذورها على السطح ، وحينئذ يبلغ سمك بقايا الجبل سمك القشرة الأرضية المجاورة ، ويتم تسوية سطح السلسلة الجبلية بالكامل تقريبا (شكل ٢).

٣ ـ الجبال ذات الكتل المتصدعة (الجبال ذات التصدع الكتلي)

[fault block (or block ـ faulted) mountains]

تتكون هذه الجبال بارتفاع القشرة الأرضية عبر مستويات التصدع شديدة الانحدار أو الرأسية. ويمكن للميل التفاضلى للكتل المختلفة من الغلاف الصخرى للأرض بمحاذاة مناطق الفصل كمستويات صدوع الأغوار (أو الأودية الخسيفة) أن يؤدى إلى تكون جبال ذات كتل متصدعة (شكل ٢٩) ، ويحدث ذلك فى أجزاء كثيرة من الأرض منها :

١ ـ المناطق المجاورة للبحار الطولية المنفتحة من مثل (البحر الأحمر) والتي تشكل بداية طبيعية لتكون محيطات الأرض.

٢ ـ حول أحزمة الطيات ، وفى أعقاب عمليات الطى والتصدع الدسرى (بزاوية

٦٢

منخفضة) فى هذه الأحزمة ، حيث تحدث فترات من التصدعات الرأسية أو الحادة الانحدار ، فتؤدى إلى فصل الغلاف الصخرى للأرض على هيئة عدد من الكتل المتجاورة التى تأخذ هيئة جبال ذات تصدع كتلى على حواف أطواف الجبال المطوية.

والجبال ذات الكتل المتصدعة عبارة عن أجزاء مرتفعة من الغلاف الصخرى للأرض تحدها مستويات الصدوع المتدرجة مكونة أعدادا من النتوءات الأرضية البارزة (المستهضبات أو الظهور) المتبادلة مع أعداد من الأخاديد (الأحواض أو الأخفوضات أو الخسوف) الأرضية الموازية لها ، كما هو الحال فى سلاسل الجبال على جانبى البحر الأحمر ، وامتدادتها حول خسوف شرقى إفريقيا (شكل ١٠).

وقد تكون صخور هذه المستهضبات والأخفوضات (swells and basins) على هيئة معقدات من الصخور النارية والمتحولة المتبلورة بالكامل ، وقد تحمل غطاء رسوبيا رقيقا أو سميكا ، ويمكن للغطاء الرسوبى الذى تجمع فى الأصل فى أحد الأحواض الأرضية أن يكون قد تعرض لعمليات الطى خلال دورة تشوه سابقة على عملية تجزؤ المنطقة إلى كتل ، وارتفاع تلك الكتل بعدد من الحركات الأرضية المتتالية عبر مستويات التصدع المختلفة خلال ملايين السنين حتى تصل إلى منسوب المرتفعات الجبلية.

ويعتقد كثير من علماء الأرض أن الكتل المتصدعة يعود تكونها إما إلى التمدد أو الاسترخاء فى المراحل المتأخرة من الدورة البانية للأحواض الأرضية ، ولكن وفقا لمفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض فإن الأغوار السحيقة فى ذلك الغلاف تعود إلى التمزقات العميقة التى تحدث فى داخل كلّ منها ، والتي يتبعها تباعد كلّ من النصفين عن بعضهما ؛ ليكونا لوحين أرضيين منفصلين (كانقسام لوح الجزيرة العربية عن اللوح النوبى بواسطة صدوع البحر الأحمر وتباعد الجزيرة العربية عن إفريقيا بانتظام والذي يتضح فى اتساع باب المندب بمعدل ١ ـ ٣ سم سنويا).

٦٣

ويمكن لجبال الكتل المتصدعة أن تنتج كمرحلة لاحقة لمراحل تطور الجبال المطوية بعد بريها بفعل عوامل التحات والتعرية ، وتسوية أسطحها ، حيث يمكن أن تحقق عملية التصدع الارتفاعات اللازمة للأطواف الجبلية.

٤ ـ الجبال المتسنمة (الحتية) [upwarped) or erosional (mountains]

وهى عبارة عن البقايا الحتية (التحاتية) لأطواف جبلية وجدت من قبل ، ويعود ارتفاعها الحالى ومظهرها العام إلى عمليات تسنم واسعة (upwarpings) فى القشرة الأرضية بفعل تعديل الاتزان التضاغطى (توازن الضغوط) فى هذه القشرة ، ومن أمثال هذه الجبال المتسنمة جبال الأوزارك ، اديرونداكس ، الأپالاشى ، روكي ، بلاك هيلز ، أراضى لابرادور المرتفعة ، وغيرها. وعند ما بريت سلاسل الجبال القديمة بتعرضها لعوامل التعرية وانخفضت تضاريسها ، أخذت فى الارتفاع إلى مستوياتها الحالية بفعل استعادة توازن الضغط فى داخل الأرض (isostatic read ـ justment). وتمثل الجبال المتسنمة (الحتية) المرحلة النهائية فى تاريخ السلاسل الجبلية ، تتعرض بعدها إلى التسوية إلى ما يقارب سطح البحر بفعل عوامل التعرية المختلفة ، وحينئذ تضاف إلى راسخ من الرواسخ الأرضية (cratons) الموجودة من قبل كما يتضح في (شكل ٥ ، ٣٠).

* * *

٦٤

الفصل السابع

كيفية تكون الجبال

هناك فرضيتان رئيسيتان لتفسير عملية تكون الجبال :

الأولى : وتعرف باسم «فرضية الحركات الرأسية للغلاف الصخرى للأرض» (the vertical ـ tectonics hypothesis) تنص على غلبة الحركات الرأسية فى القشرة الأرضية ، وترد تكون الجبال إلى تلك العملية.

والثانية : وتعرف باسم «فرضية الحركات الأفقية للغلاف الصخرى للأرض» (the horizontal ـ tectonics hypothesis) وتنص على أن الحركات الأساسية المسئولة عن بناء الجبال هى أساسا حركات أفقية بطبيعتها ، وترتبط مباشرة بحركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض وما يصاحبها من تحرك القارات.

وكلتا الفرضيتين تقران بالتلازم الوثيق بين تكون الجبال وتكون الأحواض الأرضية (Geosynclines) التى هى عبارة عن أخاديد طولية (أغوار ، منخفضات ، قعيرات) فى قيعان المحيطات والبحار العميقة ، واسعة جدا ، وممتدة لمسافة بضعة آلاف من الكيلومترات فى الطول وبضع مئات من الكيلومترات فى العرض بمحاذاة حدود القارة التي يهبط تحتها قاع المحيط المشرفة عليه ، وقد امتلأت تلك الأحواض الأرضية بتراكمات كثيفة جدا من الرسوبيات والطفوح البركانية المنطبقة أو المتطابقة مع الرسوبيات (يزيد سمكها في المتوسط عن ١٥٠٠٠ م) نظرا لهبوطها المستمر الذى يؤدى إلى تعرض تلك الرسوبيات للتضاغط ، والطى ، والتحول ،

٦٥

والتكسر الذى يؤدى فى النهاية إلى رفعها على هيئة أطواف جبلية لها لب من الصخور النارية والمتحولة ، شديدة التبلور أو بدون هذا اللب.

وتنص فرضية التحركات الرأسية للغلاف الصخرى للأرض على أن التمدد الحرارى يمكن أن يتسبب بواسطة عدد من الصدوع التى تعرف باسم صدوع الجاذبية (Gravity faulting or sagging) فى حدوث هبوط (Sagging) فى هذا الغلاف مما يؤدى إلى تكون تلك الأحواض الأرضية على هيئة أنصاف أغوار (half Grabens) أو أغوار كاملة (full Grabens) ، فى حين أن مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض يفترض أن هذه الأخاديد تتكون بفعل تحرك أحد تلك الألواح تحت لوح آخر فيما يسمى باسم نطاق الاندساس (الانضواء) (subduction) كنتيجة لقوة دافعة فى وشاح الأرض أسفل تلك الألواح من مثل تيارات الحمل (convection currents) أو نقاط الحرارة الفائقة (thermal plumes) [شكل ١٢ ـ ٢٣ ، ٢٨].

وتتمثل الفكرة الأساسية لمفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض فى أن هذا الغلاف يقع فوق نطاق ضعيف ، منصهر انصهارا جزئيا ، وتتحرك فيه الموجات الاهتزازية ببطء شديد ، ولذلك يعرف باسم نطاق الضعف الأرضى (astheno sphere) أو نطاق السرعات المتدنية للموجات الاهتزازية (low velocity zone).

وتعتبر القارات مكتنفات طافية في نطاق الضعف الأرضي كالجبال المغروسة فى الغلاف الصخرى للأرض الذى يتراوح سمكه بين ١٠٠ ، ١٥٠ كم ، منها ٣٥ ـ ٤٠ كم تمثل القشرة القارية ، والباقي يمثل نطاق ما دون القشرة ، ويفصلهما سطح تتباطأ فيه سرعة الموجات الاهتزازية يعرف باسم «الموهو» (moho or mohorovicic dis ـ continuity surface) فى حين أن قشرة رقيقة لا يزيد سمكها على ٨ كم تكون الجزء العلوى من الغلاف الصخري المكون لقيعان المحيطات ، والذى لا يتعدى سمكه ٦٥ ـ ٧٠ كم (شكل ١٧ ـ ٢١ ، ٢٣) ؛ ويقدر أعلى سمك للقشرة القارية بحوالى ٧٠ كم تحت جبال الألب (press and siever ، ٢٨٩١).

وينقسم الغلاف الصخرى للأرض (والذى يبلغ متوسط سمكه حوالى ١٠٠

٦٦

كم) إلى اثنى عشر لوحا صخريا كبيرا بواسطة شبكة هائلة من الصدوع الخاسفة التى تحيط بالأرض إحاطة كاملة فى كل الاتجاهات ، وتكثر بشكل واضح فى قيعان المحيطات وقيعان عدد من البحار التى تتميز بالتصدع والحركة والانفتاح عبر مستويات تلك الصدوع بفعل تباعد نصفي ذلك القاع عن بعضهما البعض بفعل اندفاع الطهارة الصخرية بينهما ، في ظاهرة تعرف باسم ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات (شكل ١٧ ـ ٢٢). وكل واحد من ألواح الغلاف الصخرى للأرض يتحرك كوحدة مستقلة مبتعدا عن لوح مجاور من أحد أطوافه ومقتربا من اللوح المقابل إلى حد الصدام ، ومنزلقا عبر الألواح المجاورة لحديه الآخرين.

ويصاحب حدود التباعد بين ألواح الغلاف الصخرى للأرض بنشاط بركانى وزلزالى كبير ، ويمتلئ الفراغ الناجم عن ذلك التباعد بصهارة بازلتية متدفقة من تحت الغلاف الصخرى للأرض ، وتتصلب هذه الصهارة البازلتية فى المسافات الناتجة عن عملية الاتساع عبر مستويات التصدع والخسف ، مما يؤدى إلى تكون صخور جديدة لقاع البحر تضاف إلى حواف الألواح الصخرية المتباعدة ، ومن هنا يطلق تعبير اتساع قاع البحر (sea ـ floor spreading) على هذه العملية التى تتكرر بصورة مستمرة.

ويعتقد أن معظم الطهارات البازلتية تنجم عن الانصهار الجزئى للصخور فوق القاعدية المعروفة باسم صخور البريد وتايت (peridotite) وهى المكون الرئيسى للجزء العلوى من وشاح الأرض. ولما كانت صخور هذا الوشاح تقع تحت حرارة مرتفعة وضغط عال ، فإن انصهارها يحدث غالبا نتيجة لانخفاض الضغط المحيط ، وإن كنا لا نستبعد تأثير ازياد درجة الحرارة ، والذى قد ينتج عن الحرارة المنبعثة خلال تحلل العناصر المشعة التى يعتقد أنها تتركز فى كل من النطاق العلوى لوشاح الأرض وفى قشرتها. وعلى امتداد خطوط التقارب بين ألواح الغلاف الصخرى للأرض ، ترتطم تلك الألواح إحداها بالآخر ، وينجم عن ذلك تكون مجموعات من الجزر البركانية والأخاديد البحرية العميقة ، والزلازل

٦٧

السطحية والعميقة البؤر ، والثورات البركانية (شكل ١٢ ـ ١٨). وفى إطار مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض تتكون الجبال أساسا عند حواف تلك الألواح المتصادمة ، حيث تتغضن التراكمات الرسوبية ، وتنشط حركة كلّ من المتداخلات النارية والثورات البركانية ؛ بيد أن الأحزمة الجبلية المتكونة عند خطوط تصادم ألواح الغلاف الصخرى للأرض تختلف باختلاف معدلات عملية توسع قيعان البحار والمحيطات الدافعة للتصادم ، وباختلاف طبيعة الحواف المتقدمة للألواح المتصادمة (القارية منها أو المحيطة). فعند ما تكون الأطراف المتصادمة عبارة عن قاع البحر مع القارة (شكل ١٩ ، ٢٠) فإن لوح الغلاف الصخرى لقاع المحيط والذى يتميز بكثافته العالية نسبيّا ، ينزلق تحت لوح الغلاف الصخرى للقارة والذى يتميز بكثافة أقل نسبيا ، وباستمرار اندفاع قاع المحيط تحت القارة يصل إلى نطاق الضعف الأرضى فينصهر بالتدريج ، ويعمل ذلك على زيادة النشاط البركانى ، كما يعمل على إزاحة أجزاء من نطاق الضعف الأرضى مما ينشط عملية المتداخلات النارية على طول خط التصادم.

وتتسم عملية انزلاق قاع المحيط تحت القارة بظهور أخدود عميق فى المحيط بعيدا عن الشاطئ ، وتغضن الرسوبيات المكشوطة من فوقه وإضافتها إلى حافة لوح القارة الراكب فوق قاع المحيط وارتفاعه بتكوين سلسلة جبلية فى موازاة الأخدود البحرى ، وتحدث الزلازل العنيفة على طول خط الاتصال المائل بين اللوحين المتصادمين ، وتزداد بؤر تلك الزلازل عمقا بازدياد تحرك قاع المحيط هبوطا تحت القارة (شكل ٢٠) ، وباستمرار تحرك قاع المحيط تحت القارة يكشط المزيد من الرسوبيات البحرية بالتدريج عن اللوح الهابط ، وتضاف إلى سلسلة الجبال المتكونة فوق طرف القارة ، كما تنشط كلّ من الطفوح البركانية والمتداخلات النارية.

ومناطق التقارب حتى التصادم تلك (zones of convergence) حيث يستهلك الغلاف الصخرى للأرض ، تسمى باسم نطق الاندساس أو الانضواء (subduction zones) ويتم فى هذه النطق استهلاك الغلاف الصخرى للأرض بكمية مساوية

٦٨

لإنتاج غلاف جديد على طول حدود التباعد (divergence boundaries) وتتعرض الصخور فى نطاق الاندساس (الانضواء) إلى التحول ، ولكن مع نزول قاع المحيط إلى نطاق الضعف الأرضي وهو الجزء الأعلى من وشاح الأرض الحار ، تبدأ بعض مكوناته الصخرية فى الانصهار ، وقد تطفو الصهارة الناجمة عن ذلك مرتفعة على هيئة عدد من المتداخلات النارية أو الثورات البركانية. وقد يكون إنتاج الصهارة فى نطاق الاندساس (الانضواء) عنصرا أساسيا فى تكوين الصخور الجرانيتية التى تعتبر العنصر الرئيسى الذى يدخل فى بناء صخور القارات.

ويعتقد أن الصهارات الجرانيتية تنتج عن الانصهار الجزئى للصخور السيليسية الغنية بالماء ، وذلك بتعرضها لضغط ودرجة حرارة متزايدين ؛ لذا يعتقد بأن دفن الصخور الرطبة الغنية بثانى أكسيد السيليكون (المرو أو الكوارتز) إلى أعماق ضحلة قريبة من سطح الأرض نسبيا ، يكفى لإحداث الانصهار وإنتاج صهارة جرانيتية فى بيئة تتسم بتزايد الضغوط ، غير أن معظم الصهارات الجرانيتية تفقد قدرتها على الانسياب قبل أن تصل إلى السطح ، وتنتج بذلك هيئات متداخلة كبيرة كالباثوليثات (batholiths) وهى كتل ضخمة من الصخور النارية المتداخلة فى قشرة الأرض (تشغل مساحة تزيد عن مائة كيلومتر مربع وعمق لا يمكن تقديره بسهولة).

وهناك الصهارات الأنديزيتية (andesitic magma) التي تتوسط فى كلّ من تركيبها الكيميائى والمعدنى وخواصها الفيزيائية بين الطهارات البازلتية والجرانيتية ، وعليه فإن تكون كلّ من المتداخلات النارية والطفوح البركانية الأنديزيتية ليس من الأمور النادرة بين الصخور المكونة للسلاسل الجبلية ، ولكن بما أن صهارة الأنديزايت أعلى لزوجة وأقل ميوعة من الصهارات البازلتية فإن صخورها أقل انتشارا في الكتل البانية للجبال من تلك الناجمة عن الصهارة البازلتية الأكثر ميوعة. وعليه فإن فوهة بركانية واحدة يمكن أن تقذف حمما ذات تركيب كيميائى واسع التنوع وخواص طبيعية متعددة تتراوح من البازلت إلى الأنديزايت إلى الريولايت.

وعند ما تتحرك إحدى القارات لتدفع أمامها قاع المحيط الذى يفصل بينها وبين قارة مقابلة ؛ ليهبط تحت تلك القارة حتى يستهلك قاع المحيط بالكامل ، فإن القارتين

٦٩

تصطدمان اصطداما عنيفا ؛ ليتكون فى اللوح الراكب (over ـ riding plate) عند خط اصطدامهما أعلى السلاسل الجبلية المكونة من الصخور شديدة الطى والتكسر من مختلف الأنواع الرسوبية والنارية والمتحولة. ومن أمثلة ذلك اصطدام الهند بالقارة الآسيوية باستهلاك المحيط الذى كان يفصل بينهما ، وتكون سلسلة جبال الهيمالايا وبها أعلى قمة معروفة على سطح الأرض ، وهى قمة إفرست (شكل رقم ٢٤ ، ٢٥).

وعند ارتطام القارتين تتوقف حركة لوحى الغلاف الصخرى اللذين يحملانهما وذلك لأن القشرة القارية تتكون فى غالبيتها من صخور خفيفة نسبيّا لا تسمح لها بالنزول إلى نطاق وشاح الأرض.

كذلك يمكن أن يتكسر اللوح الصخرى المكون لقاع المحيط بهبوطه إلى نطاق الضعف الأرضى ؛ لينصهر فيه بالتدريج محدثا بإزاحته للصهارة قدرا من المتداخلات والطفوح البركانية ، وهنا تتوقف حركة لوحى الغلاف الصخرى بالكامل عند خط التحام القارة بالقارة ، ولكن هذه العملية يمكن أن تبدأ ثانية فى مكان آخر على أىّ من اللوحين المرتطمين.

ويتسم خط درز التحام قارة بأخرى بوجود سلاسل من الجبال المرتفعة المكونة من صخور شديدة الطي والتصدع خاصة بصدوع المجاورة (thrust ـ faults) وتكون هذه الصخور متطابقة مع أو مجاورة لحزام الصخور النارية الصهارية (magmatic belt) ، وتؤدى عمليات الدفع الكبيرة للصخور بواسطة صدوع التجاوز العملاقة ، إلى تكون العديد من تجمعات الصخور المغتربة (nappes) التى ينتج عنها قدر من زيادة سمك القشرة القارية إلى حد كبير.

ومن الأمثلة الجيدة على ارتطام قارة بأخرى ارتطام الهند بالقارة الآسيوية ، ذلك الارتطام الذى نشأت عنه سلسلة جبال الهيمالايا التى بدأت فى التكون منذ حوالى ٤٥ مليون سنة مضت ، وقد تكونت هذه السلسلة العظيمة التى تضم حاليا أعلى القمم الجبلية على سطح الأرض عند ما اصطدم أحد ألواح الغلاف الصخرى للأرض الذى

٧٠

يحمل كتلة الهند باللوح الأرضى الذى يحمل قارتى أوروپا وآسيا (أوراسيا) فى عمر الإيوسين المتأخر (late eocene age). ويمكن أن يفسر ذلك السمك الكبير للقشرة الأرضية أسفل جبال الهيمالايا. (والذى يقدر بحوالي ٧٠ كيلومترا).

ويطلق اسم «دورة المحيطات والقارات» أو «دورة ويلسون» على الدورة التى يتم فيها إغلاق حوض محيط بالكامل كان يفصل بين قارتين متقابلتين بفعل استمرار تحرك ألواح الغلاف الصخرى للأرض حتى يتم إنزال قاع هذا المحيط تحت إحدى القارتين مما يؤدى إلى ارتطامهما ، وإلى تكون نطاق من نطق الجبال القارية (الارتطامية) وذلك نسبة إلى جي. تي. ويلسون (j.t.wilson) الذى كان أول من اقترح فكرة انغلاق محيط قديم لتكوين نطاق جبال الأپالاشى ، ثم انفتاحه من جديد مكونا المحيط الأطلنطى الحالي.

التشابه الكبير بين التركيب الجيولوجي للجبال الحديثة ، وكلّ من أقواس الجزر البركانية فى المحيطات وأخاديد الترسيب المرافقة لها.

ذكر كلّ من ديوى (dewey) وبيرد (bird) (١٩٧٠ م) أنّ أية محاولة لتفسير كيفية تكون السلاسل الجبلية لا بدّ أن تعلل عددا كبيرا من المعالم المشتركة التالية بين معظم سلاسل الجبال الحديثة والتى اكتمل تطورها ومنها :

١ ـ تكونها فى خطوط طولية مستقيمة أو قليلة الانحناء.

٢ ـ وقوعها بالقرب من حواف القارات الحالية أو بقرب الحواف السابقة لقارات قديمة تقع الآن فى داخل القارات الحالية.

٣ ـ الطبيعة البحرية لمعظم صخورها والتشويه الشديد لتلك الصخور.

٤ ـ اقترانها فى كثير من الحالات بالنشاط البركانى ، على الرغم من وجود تتابعات رسوبية سميكة بين صخورها ، ترسبت فى فترات زمنية طويلة تميزت بالغياب التام للنشاط البركاني.

٧١

٥ ـ تعرض صخورها لفترات محددة من التشوهات والتحولات المكثفة ، مقارنة بالفترة الزمنية الطويلة التى ترسب خلالها الكثير من التتابعات الرسوبية للأحزمة الجبلية.

٦ ـ تكونها من تتابعات (أو نطق) مميزة من الصخور الرسوبية ، والصخور المهشمة والمشوهة بفعل الحركات الأرضية ، والصخور المتحولة بفعل الحرارة فى موازاة عامة لاتجاه الحزام الجبلى.

٧ ـ بنيتها الداخلية المعقدة ، ذات التصدعات التجاوزية الواسعة ، والكتل الكبيرة المنقولة ، فى مجاورة واضحة لتتابعات صخرية مختلفة عنها اختلافا كبيرا ، ضاعت العلاقات الأصلية بينها ، وتعرضت للطمس أو للتشوه.

٨ ـ اتسامها بالتقلص الشديد للطبقات المكونة لها ، وبصفات تقلص الأرض التى تكونت فيها تلك الطبقات تقلصا شديدا فى غالبية الأحوال.

٩ ـ أنماطها التشوهية والمتحولة غير المتماثلة.

١٠ ـ تركيبها الرسوبى الواضح ، والتغيرات الملحوظة فى السمك فى اتجاه عمودى على اتجاه الحزام الجبلى.

١١ ـ الطابع القارى (الجرانيتى) المهيمن على صخور القاعدة تحت الأحزمة الجبلية على الرغم من أن بعض النطق فى هذه الأحزمة الجبلية تحتوى على صخور قاعدية وفوق قاعدية (أو فيوليتية) كصخور القاعدة أو على هيئة شظايا مدفوعة بعمليات التصدع إلى أعلى ؛ لتتداخل فى القشرة الأرضية (upthrust slivers).

١٢ ـ وجود حزام مجاوزة (thrust belt) على امتداد جانب السلسلة الجبلية الأقرب للقارة. وعادة ما يقترن ذلك براقات من الصخور المتجاوزة (thrust sheets) والكتل الغريبة والمجلوبة من أماكن بعيدة (allochthons).

١٣ ـ وجود أحزمة من الصخور المختلطة التي تتكون من وحدات صخرية يمكن رسمها ، وهى عبارة عن صخور متغضنة ، مختلطة اختلاطا كبيرا ومتعرجة تعرجا شديدا ومشوهة ، عن أخلاط غير متجانسة من المواد الصخرية التى بها

٧٢

الكثير من بنيات الانهيار (slumping structures) والمعقدات الأوفيوليتية الاختراقية (ophiolitic complexes).

١٤ ـ وجود لب مشوه تشوها كاملا من المتداخلات النارية والصخور المتحولة تحولا شديدا إلى درجة الانصهار ثم التبلور.

١٥ ـ وجود أحزمة من الصخور النارية العميقة ومتوسطة العمق والبركانية المنشأ.

١٦ ـ وجود ثنيات متعددة الطى فى مراحل زمنية متتالية ذات اتجاهات موحدة أو مختلفة.

١٧ ـ وجود التصدعات الكتلية خاصة عند أطراف السلسلة الجبلية.

١٨ ـ وجود جذور عميقة للسلسلة الجبلية يتناسب عمقها مع كتلة وارتفاع تلك السلسلة ، وقد يبلغ عمقها أكثر من ضعف ارتفاع الجبل إلى خمسة عشر ضعفا.

وتوحى هذه المعالم بترسب الصخور المكونة للسلسلة الجبلية فى أحد الأحواض الأرضية ، وبخاصة فى أحزمة متحركة من تلك الأحواض الأرضية التي يشار إليها عادة باسم الأحواض الأرضية المستقيمة (orthogeos ynclines) وتنتج عادة عن عملية انزلاق أحد ألواح الغلاف الصخرى للأرض المكونة لقاع محيط من المحيطات تحت لوح آخر يحمل إحدى القارات (شكل ١٩ ، ٢٠). وتقسم الأحواض الأرضية المستقيمة عادة إلى أحواض بركانية ، تنشط فيها الثورات البركانية بشكل مكثف (eugeosynclines) ، وأحواض ترسيبية أخرى ، لا أثر للنشاط البركانى فيها ، تعرف باسم الأحواض المستقيمة المتوسطة أو الخالية من أى نشاط بركانى.

والأحزمة الصخرية المترسبة فى الأحواض الأرضية المستقيمة ذات النشاط البركانى (بحممها الأساسية وصخورها الصوانية المكونة من بقايا هياكل الشعاعيات (radiolarian chert) ، والصخور الرملية الصلصالية المختلطة والمعروفة باسم «الجروق» (Graywackes) ، والحمم الوسطية ، والصخور البركانية الشقفية وغيرها من الصخور الرسوبية والبركانية والنارية المتداخلة والمتحولة بدرجات متفاوتة) عادة

٧٣

ما تميز القلب المركزى لمنظومات الجبال ، بيد أنها تكون ضيقة للغاية ، وقد تنعدم تماما فى بعض الجبال الرئيسية بسبب الحركات العنيفة لألواح الغلاف الصخرى للأرض فى المراحل المتواترة من عمليات بناء الجبال.

وكلّ من الطفوح البركانية والرصيص البركانى على حواف الأحواض الأرضية المميزة بالنشاطات البركانية (eugeosynclinal) تماثل نظائرها فى أقواس الجزر البركانية الحديثة.

ويقع أحيانا فى نطاق مواز أو مجاور لحزام رسوبيات الأحواض الأرضية المستقيمة المصاحبة بنشاط بركانى تتابعات سميكة من الصخور الرسوبية المتجمعة فى المياه الضحلة دون مصاحبة من أية مواد بركانية ، وتقع هذه عادة على جانب السلسلة الجبلية الأقرب إلى الرواسخ القديمة فى قلب القارة ، والمعروفة باسم الرواسخ القارية (continental cratons) والتي يعتقد أنها هى نفسها عبارة عن جذور جبال قديمة ظهرت على سطح الأرض بفعل عوامل التعرية.

وتؤيد معالم الجبال الحديثة الرأى القائل بأن النظم الحالية لأقواس الجزر البركانية والأخاديد المرافقة لها والمميزة بنشاطها الزلزالى والبركانى الكثيف قد تكون عبارة عن أحزمة جبلية فى طور التشكل.

كذلك لاحظ مياشيرو (miyashiro ، ٧٦٩١) أن جزر اليابان الجبلية الحالية هى جزء من منظومة قديمة لقوس من الجزر البركانية وللرسوبيات المتجمعة فى الأخدود البحرى الذى كان مرافقا لتلك الجزر ، وقد تعرضت تلك الصخور البركانية والرسوبية للتضاغط الشديد والتحول الذى أدى إلى رفعها على هيئة سلاسل جبلية فى الأزمنة المتأخرة من حقب الحياة المتوسطة (laterpart of the mesozoic era) ويظهر فى هذه الجبال حزامان متوازيان من الصخور المتحولة مختلفان فى تركيبهما الكيميائى والمعدنى ، يمتدان بطول الجزر اليابانية ، أحدهما على الجانب الشرقي من تلك الجزر ، ويتكون من الصخور المتحولة [أساسا من النضيد (schists) المحتوى على معادن تشير إلى تكونها فى درجات حرارة منخفضة نسبيا ولكن تحت ضغوط

٧٤

عالية مثل معادن الجلوكوفين (Glaucophane) ، والأراجونايت (aragonite) ، واللاوسونايت (lawsonite)] ولكن بدون وجود أثر للصخور الجرانيتية التى تشكل القاعدة المعقدة (Granitic basement complex). أما فى الجانب الغربى من الجزر فإن الحزام الآخر يتكون أساسا من الصخور الجرانيتية (Granitic rocks) والرسوبيات المتحولة (metasediments) المصاحبة بعدد من المعادن الدالة على تكونها فى درجات حرارة مرتفعة نسبيا وتحت ضغط منخفض من مثل معدن السيليمانيت (sillimanite).

وأمثال هذه الأحزمة المزدوجة من الصخور المتحولة التى تكونت أثناء عملية بناء الجبال فى الأزمنة المتأخرة من حقب الحياة المتوسطة توجد فى أماكن أخرى حول المحيط الهادئ (من مثل نيوزيلنده وكاليفورنيا) مع وجود أحزمة النضيد الأزرق (blue schist) الغنى بمعدن الجلوكوفين (Glaucophane) والمتكون فى درجات حرارة منخفضة نسبيا ، ولكن تحت ضغوط عالية على جانب المحيط ، ووجود الحزام المتحول فى درجات الحرارة المرتفعة ، والمعروف باسم حزام نضيد السيليمانيت (the sillimanite schist belt) على الجانب المواجه للقارات.

ويعتقد أن نطاق «النضيد الأزرق» قد تكون تحت ظروف الأخدود البحرى حيث تتوفر درجة الحرارة المنخفضة اللازمة والضغط المرتفع ، بالمثل يعتقد أن حزام التحول الحرارى يمثل أقواسا من الجزر البركانية التى توفرت فيها تدفقات الحرارة العالية ، وهذا صحيح على وجه الخصوص ، حيث يتم تسجيل نطاق درز التحام ارتطامى يتصف بوجود خليط النضيد الأزرق الأوفيوليتي (blue schist ophiolite melange) كما ذكر كل من ديوي وبيرد ؛ وديوي ، وهلام ؛ وديكنسون.

(dewey and bird ، ٠٧٩١ ؛ dewey ، ١٧٩١ ؛ hallam ، ٣٧٩١ ، dickin ـ son ، ٦٧٩١ ، ١٧٩١).

وبناء على ذلك فقد اقترح كل من ديوى وبيرد (١٩٧٠) أن الأحزمة الجبلية هى نتاج لتطور حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض ، وأنها تتكون بتشوه وتحول

٧٥

تجمعات الصخور الرسوبية والبركانية التى تتجمع تحت ظروف مشابهة لظروف الحافة القارية للمحيط الأطلسى ، واقترحا نوعين رئيسيين من أنواع عمليات بناء الجبال :

الأول : هو «نوع أقواس الجزر البركانية المتحولة إلى مجموعات من السلاسل الجبلية» (island arc cordilleran type) وهو يخضع فى معظمه لعمليات التحول الحرارى ، ويتكون على الحواف المتقدمة للألواح الراكبة من ألواح الغلاف الصخرى للأرض فوق لوح هابط تحتها (أى فوق منطقة انزلاق تحتى على سبيل المثال) ويتسم بوجود أحزمة مزدوجة كذلك من أحزمة الصخور المتحولة ، وبوجود أحزمة مزدوجة من أحزمة الصخور الرسوبية المتجمعة على حواف القارات ، والأحزمة المتجمعة من حواف القارات والأخاديد البحرية العميقة (paired miogeosynclinal ـ eugeosynclinal belts) ؛ وبالتصدع المتجاوز المتباعد (divergent thrusting).

والثانى : هو «النوع الارتطامي» (collisional mountains) وهو ينشأ عن ارتطام لوح قارى بأحد أقواس الجزر البركانية أو ارتطام قارة بقارة. ويدفع فى معظمه دفعا ميكانيكيا ، ويفتقر إلى التمنطق التحولى المزدوج ، وتحوله غالبا من النوع منخفض الحرارة على هيئة «نضيد أزرق» ، ويكون تصدعه المتجاوز (thrusting) فى معظم الأحوال فى اتجاه اللوح الهابط وفوقه ، وينطوى ذلك فى كثير من الأحيان على إعادة تحرك صخور القاعدة المعقدة بالكامل بالقرب من موقع التصادم وزيادة الانزلاقات الجانبية على موقع الجرف القارى القديم.

وهناك اختلاف أساسى آخر بين هذين النوعين من الأحزمة الجبلية يتمثل فى أن نموذج مجموعات الأحزمة الجبلية المعقدة (cordilleran type) له جذر كثيف قاعدى (cf.thompson and talwani ، ٤٦٩١) قد يكون مرتبطا بوضع المتداخلات القاعدية تحت المحور البركانى التحولى المرتفع الحرارة ، فى حين أن جذور الأحزمة الجبلية الارتطامية تتكون أساسا من الصخور الغنية بالسيليكا والألومينا (sialic) وربما تنجم عن التصدع المتجاوز السفلى للكتل القارية (continental underthrust ـ

٧٦

ing and thickening) والذى يؤدى إلى مضاعفة سمكها (cf.dewey and bird ١٩٧٠).

وتدل النطق الأوفيوليتية عادة على وجود مناطق صدام بين لوحين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض ، أحدهما يمثل قاع المحيط بصخوره الكثيفة نسبيّا ، فيهبط تحت الآخر الممثل بالصخور القارية الأقل كثافة ، وتعتبر هذه الدروز من المنطق الأوفيوليتية سمة بارزة فى معظم الأحزمة الجبلية ، وهى تقترن عادة بالصخور الصوانية المكونة من الهياكل السيليسية للشعاعيات (nairaloidar cherts) التى يعتقد أنها تنشأ فى أعماق البحار.

وصخور الأوفيولايت (ophiolites) أو الصخور الاختراقية تتكون بشكل أوضح فى مجموعات الأحزمة الجبلية المعقدة (cordilleran mountains) حيث تكون نتوءات واسعة فى القشرة الأرضية مرفوعة بالصدوع المتجاوزة (upthrust faults) خلف أحزمة النضيد الأزرق المميزة للأخاديد البحرية ، وعلى هيئة شرائح ضخمة من صخور الپريدوتايت ، والجابرو ، والطفوح البازلتية الوسائدية المتكسرة بواسطة صدوع المجاورة. ويوحى تركيب وبنية الصخور الأوفيوليتية بأنها ترجع إلى القشرة المحيطية (oceanic crust) وما تحتها من صخور الوشاح الأعلى من أوشحة الأرض والتى دفعت على هيئة متداخلات فى الصخور الأعلى منها بالإزاحة التى أحدثتها حركات اللوح الهابط تحت القارة.

وتوجد صخور الأوفيولايت أيضا على شكل قطع طافية منفصلة أصغر حجما فى أخلاط (melanges) الأخاديد البحرية تمثل كتلا من قشرة قاع المحيط ، أو من المستويات العليا من وشاح الأرض (upper mantle) ، أو من كليهما أو من الجبال البحرية (seamounts) التى نزعت من اللوح النازل ، ومما يكون قد كشط أيضا عن هذا اللوح النازل تتابعات سميكة من الصخور الرسوبية البحرية التى تعرضت لعدد من العمليات التشويهية العنيفة ، وألصقت بالجدار الداخلى للأخدود البحرى أو انضمت إلى الجبال المجاورة.

٧٧

وتعمل الحركات الرافعة للأرض فيما بعد على كشف ما يسمى باسم أرض الأخلاط الممتزجة (melange terrain) وهى ذات طبيعة معقدة جدّا تحل فيها أسطح الانفصام (shear surfaces) محل التطبق كالسمة البارزة الرئيسية.

وفى أحزمة الجبال الاصطدامية تدفع الكتل الأفيوليتية من الأخدود البحرى إلى الخارج خلال عملية الاصطدام وتستقر فى دروز الالتحام المميز بهذا الخليط من الصخور (flysch ـ melange suture zones) التى تميز درز الاصطدام ، وقد يكون التركيب الكيميائى والمعدنى للبازلت الوسائدى الأوفيوليتى معيارا للتمييز بين صخور قشرة قيعان المحيطات الرئيسية (tholeite and spilite) وصخور القشرة القلوية لأحواض المحيطات الصغيرة إذا نجمت الأخيرة عن انفصال أقواس الجزر البركانية عن القارات (dewey and bird ، ٠٧٩١) واستنتج المؤلفان أنه وبالرغم من أن آليات بناء السلاسل الجبلية بواسطة تصادم أقواس الجزر البركانية والقارات قد تكون هى الوسائل الأساسية التى يتم بواسطتها تكون الجبال ، فإن أحزمة الجبال هى بصفة عامة نتيجة مجموعة معقدة من هذه الآليات. وأشارا إلى تطور جبال الأپالاشى (bird and dewey ، ٠٧٩١) الذى انطوى على تصادم أقواس الجزر البركانية والكوردليرية فى العصر الأردوقيسى (ordovician) ، أعقبها اصطدام قارى فى العصر الديفوني (devonian).

وذكر ديوى وبيرد كذلك أن منظومة جبال الألب والهيمالايا لا تزال مستمرة فى التطور منذ الأزمنة الأولى لحقب الحياة المتوسطة بفعل اصطدامات متعددة نجمت عن انجراف عدد من القارات الصغيرة وأقواس الجزر البركانية عبر بحر التيثيس القديم والمحيط الهندي. كذلك فإن أحزمة جبلية داخلية مماثلة كجبال الأورال تعتبر معقدات مركبة من الأحزمة الكورديليرية والقارات الصغيرة وأقواس الجزر البركانية التى تعود إلى عصور زمنية متفاوتة تماما ، والتى أصبحت متجاورة بفعل انغلاق حوض رئيسى من أحواض المحيطات.

٧٨

ويتضح من المناقشة السابقة أن النوعين الرئيسيين للجبال اللذين اقترحهما ديوى وبيرد (١٩٧٠ م) وهما «أقواس الجزر البركانية الكورديليرية» و «النوع الاصطدامي» عبارة عن مرحلتين متتاليتين فى دورة بناء الجبال ، حيث إن كل عملية اصطدام بين قارتين لا بدّ وأن يسبقها إغلاق حوض المحيط الفاصل بينهما ، وبعبارة أخرى فإن الجبال الاصطدامية هى المرحلة النهائية فى تطور تلك التضاريس الأرضية الرائعة ، ولا بدّ أن تسبقها كل من مرحلة أقواس الجزر البركانية والمرحلة الكورديليرية ، ويتضح ذلك فى عملية نشوء جبال الهيمالايا التى تعتبر نتيجة مزيج من النوعين الكورديليرى والاصطدامى لتكون الجبال (cf.athavale ، in tarling and runcorn ، ١٩٧٣) وقد استنتج هذا الكاتب أن الحدود الحالية بين لوح الغلاف الصخرى الذى يحمل شبه القارة الهندية وذلك الذى يحمل القارتين الأوروپية والآسيوية (اليوراسية) يحددها نطاق الأوفيوليتات والصخور الخليطة الملونة (coloured rocks melange) التى تفصل جبال الهيمالايا عن منطقة هضبتي قراقورام والتبت فى آسيا الوسطى .. وأضاف أن حزام جبال الهيمالايا قد نجم عن مزيج من العمليتين الرئيسيتين لتكون الجبال.

تمت عملية بناء جبال الهيمالايا عند نقطة اصطدام الحد القارى للوح الغلاف الصخرى الحامل للهند مع اللوح الصخري المكون لقاع بحر تيثيس القديم ، وهو من أسلاف البحر الأبيض المتوسط الحالي (the tethyan oceanic crust) إبان الفترة من العصر الطباشيرى المتأخر إلى عهد الإيوسين (the late cretaceous ـ eocene period).

ونتيجة لذلك تكونت سلاسل من أقواس الجزر البركانية ، وظل اللوح الصخري الحامل للهند يدفع بقاع بحر (محيط) تيثيس تحت القارة الآسيوية / الأوروپية حتى تم استهلاكه بالكامل ، وأدى إلى التصادم بين الكتلتين القاريتين وإلى بروز جبال الهيمالايا ، وعلى ذلك فقد كانت المراحل الأولى في بناء تلك السلسلة الجبلية هي مراحل أقواس الجزر البركانية ، أما المراحل اللاحقة فى عملية بناء جبال الهيمالايا

٧٩

والتى يرجح أنها بدأت من عمر الإيوسين المتأخر كانت نتيجة الاصطدام بين لوحى الغلاف الصخرى الهندى واليوراسى.

وأكد أتافال أن كلّا من هاميلتون (١٩٧٠ م) وبيرد وديوى (١٩٧٠ م) قد طور نماذج مماثلة لكل من جبال الأورال وسلسلة جبال الأپالاشى على التوالي.

المراحل المتتابعة فى تطور بناء الأحزمة الجبلية.

مما سبق عرضه يمكن الاستنتاج بأن الأحزمة الجبلية تنشأ عادة على امتداد حدود الكتل المتصادمة من ألواح الغلاف الصخرى للأرض فى ثلاث مراحل متتالية على النحو التالي :

١ ـ مرحلة اقواس الجزر البركانية (the volcanic island arc stage).

تتكون هذه المرحلة فى الأطوار الأولى للاصطدام بين لوحين محيطيين من ألواح الغلاف الصخرى للأرض (شكل ١٨) أو بين لوح محيطى وآخر قارى (شكل ١٩ ، ٢٠) وعادة ما يتجسد مثل هذا الاصطدام فى تكوين أخدود محيطى عميق فوق منطقة هبوط قاع المحيط تحت القارة أو تحت إحدى الكتلتين البحريتين المتصادمتين وظهور سلسلة مستقيمة أو مقوسة من الجزر البركانية على لوح القارة الراكبة فوق قاع المحيط على امتداد خط التصادم بين اللوحين المتصادمين ، وتتكون مثل هذه السلسلة من الجزر البركانية من الحمم المنطلقة من الانصهار الجزئى للوح الهابط ومن نطاق الضعف الأرضى (asthenosphere) بالإزاحة الناتجة عن هبوط اللوح النازل فيه ، وتعمل الصهارات المتداخلة والطافحة إلى السطح ، وكذلك الرسوبيات المختلطة بها على إنتاج حزام من الصهارة فى اللوح القارى الراكب ، فى حين يتم فى الأخدود المحيطى ترسب خليط معقد من الصخور (a melange complex) بصورة تدريجية ، وعلى مدى فترة طويلة من نشاط الصهارة الصخرية تحدث زيادة تدريجية فى كلّ من حجم

٨٠