تراثنا ـ العددان [ 45 و 46 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 45 و 46 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٤

مـن ذخائر التراث

٢٨١
٢٨٢

٢٨٣
٢٨٤

مقدّمـة التحقيق :

بسـم الله الرحمن الرحيم

الحمـد لله منتهى درجات الحمد وأقصى غاياته ، حمداً يتصاغر دون أدناه أقصى حمد ، ويكِلُّ عن اقتفاء آثاره أيّ حمد ، والصلاة والتسليم على النبيّ الاَميـن ، الرحمـة الكبرى المهـداة إلى العالميـن ، محمّـد بن عبـدالله عليهم السلام ، وعلى أهل بيته الاَُمناء المعصومين ، الهداة المهديّين ، سفن نجاة العالمين ، ورحمة الله وبركاته.

وبعـد :

فإنّ العمق الفكري الكبير الذي شكّلته المخاضات العقلية الواعية التي تضمّنتها المؤلَّفات المتعدّدة ، والاَسفار الضخمة لعلماء الشيعة ومفكّريها ، وعلى امتداد السنين المتلاحقة والدهور المتعاقبة ـ وبالتحديد بعد وقوع الغَيبة الكبرى للاِمام المهديّ عليه السلام ـ والذي يمكن تشخيصه من خلال التأمّل في التصاعد المتلاحق للخطّ البياني ـ الكمّي والنوعي ـ الموضِّح للتشخيص الواعي لحقيقة وخلاصة البنيان العقائدي للمكتبة الاِسلامية الكبرى ، وفي شتّى العلوم والمعارف المختلفة ، قد أمسى من الحقائق الكبرى ، والبديهيات الثابتة ذات الاَثر المنهجي المرتكز على الاَسس السليمة

٢٨٥

والقواعد الحقيقية للعقيدة الاِسلامية المباركة ، وبالشكل الذي لا يسع أحداً إلاّ الاِقرار به ، والتسليم بحقيقته رغم ما أحاط بالشيعة ومفكّريها ـ تبعاً لاَئمّتهم عليهم السلام ـ من التضييق والمصادرة والتقييد على طول العصور ، وبالاَخصّ منها عصور التناحر المذهبي الحادّ ، التي دأب على الترويج لها وتهويلها رموز السلطات الحاكمة ـ التي ابتليت بها الاَُمّة الاِسلامية على طول الدهور ـ والّذين كانوا يجدون في المراهنة على إشاعة التناحر والاختلاف الحادّ بين رجالات المذاهب الاِسلامية ودعاتها وسيلة ناجعة ومُجْدية في صرف أذهان عموم الاَُمّة عن تحسّـس حالات التردّي الفكري والعقائدي والاَخلاقي التي تتأطّر من خلالها حقيقة تلك الحكومات الفاسدة والمتعاقبة ، وهذا ما ليس بخاف على عموم الباحثين والمحقِّقين.

نعم ، إنّ واقع الحال المتكالب الذي أطبق بفكَّيْه الناتئين على عموم رجالات الشيعة ـ وبالاَخصّ مفكّريها ـ لم يقعد بهم عن حثّ الخُطى صوب مرافىَ الاَمان وسواحله الفارهة ، لينـأَوْا بالاَُمّة بعيداً عن عثرات التخبُّط والاضطراب ، بل وكان توجُّس أُولئك الاَعلام بحقيقة النيّات الباهتة والساقطة لاَركان الانحراف الكبرى ـ الهادفة إلى صرف الاَمّة عن تركيز قواعدها الفكرية ومتبـنّياتها العقائدية كما هو مطلوب منها ـ صائباً ودقيقاً إلى حدّ دفعهم للمزيد من الجهد المضاعف في رفد عملية البناء الفكرية هذه ، والتحليق بعيداً عن الشراك الخبيثة المبثوثة في خلل الطرق الممتدّة بامتداد التواصل الحياتي والمتداخل للعقيدة الاِسلامية المباركة.

ولا مغالاة في القول بأنّ الدهور المتعاقبة في حياة الطائفة قد خلَّفت الكثير من الجهود الكبيرة ، والبصمات الخالدة التي أمست ـ كواقع متسالم عليه ـ روافد خير وعطاء لا يسع المسترشدين بهدي هذه الشريعة إلاّ التزوّد

٢٨٦

منها ، والاغتراف من عطائها الثرّ والفيّاض الذي أبدع يراع العديد من أعلام الطائفة وعلمائها الكبار في تسطيرها وتنضيدها ، وبالشكل الذي أمست من خلاله تلك المؤلَّفات وأصحابها كالقمم الشاهقة التي لا يمتلك الكثير من المنصفين إلاّ الاِشارة إليها بإجلال وتقدير.

نعم ، لقد أمست مؤلَّفات الكليني والصدوق والمفيد والطوسي رحمهم الله وغيرهم من علماء الطائفة الكبار ـ الّذين لا تخفى أسماؤهم ، ويصعب في هذه العجالة حصرهم ـ شواخص مضيئة يسترشد بهديها سالكو الفجاج ، وماخرو عباب البحر على امتداد الدهور.

وإذا كانت لمؤلَّفات أُولئك الاَعلام الواسعة والمتخصّصة الباع الطويل في حفظ الكثير من تراث العترة الطاهرة لاَهل البيت عليهم السلام ونشره ، فإنّ لجملة واسعة من مؤلَّفاتهم الصغيرة والمتمثّلة بالرسائل المختلفة ـ فقهية كانت أم أخلاقية أم غير ذلك ـ الاَثر الكبير أيضاً في هذا المنحى المبارك والمقـدَّس.

ولعلّ الرسالة الماثلة (١) بين يدي القارىَ الكريم ـ على محدودية صفحاتها ـ تُعدّ بحقّ من تلك الكنوز الثمينة ، والآثار المباركة التي جادت بجمعها وإعدادها تلك النفوس الواعية التي أفرغت جهدها في خدمة الدين ، ونشر علومه.

نعم ، إنّ هذه الرسالة الاَخلاقية التي سطَّرها يراع واحد من علماء الطائفة المعروفين ، وهو الشيخ الفقيه محمّـد بن سعيد بن هبة الله الراوندي ، قد تضمّنت جملة من الاَحاديث الشريفة التي بلغت الاَربعين

__________________

(١) ذكرها له الطهراني في الذريعة ١ / ٤٢٣ رقم ٢١٧٣.

٢٨٧

نصّـاً مباركاً منقولاً عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في شتّى المناهج العبادية المختلفة التي تستدعي بالمسلم الحرص على كيفية التعامل معها ، والتعاطي مع مفرداتها ، وصولاً إلى الرضا الاِلهي الذي يشكِّل غاية الغايات ، وخلاصة الاَُمنيّات.

ترجمـة المؤلّـف

هو : الشيخ الاِمام ظهير الدين أبو الفضل محمّـد ابن الشيخ الاِمام قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي.

ترجم له الكثير من علماء الطائفة ، وأثنوا عليه ، ووصفوه بالفقيه ، الثقة ، العدل ، وغير ذلك من الصفات الممدوحة (١).

تعود نسـبته إلى قرية راوند ، وهي ـ كما ذكر ذلك السمعاني في أنسابه (٢)‌ط ـ قرية شيعية من قرى قاشان بنواحي أصبهان.

وإلى هذه القرية ينسب الكثير من العلماء الكبار كما هو معروف ، فلا غرو أن تجد المؤلِّف رحمه الله منحدراً من أُسرة علمية معروفة ، أكثر أفرادها من العلماء والفضلاء.

فوالده : الشيخ الفقيه ، والمتكلِّم البارع ، صاحب المؤلَّفات المعروفة ، والتصانيف المشهورة ، الاِمام قطب الدين سعيد بن هبة الله الرواندي رحمه الله ،

__________________

(١) انظر : فهرست منتجب الدين : ١٧٢ ، رياض العلماء ٥ / ١٠٧ ، تنقيح المقال ٣ / ١٢١ ، أمل الآمل ٢ / ٢٧٤ ، الفوائد الرضوية : ٥٣٧ ، تراثنا / العددين ٣٨ ـ ٣٩ ص ٢٩٥ ، وغيرها.

(٢) أنساب السمعاني ٦ / ٥٦.

٢٨٨

المتوفّى عام ٥٧٣ هـ.

وأخواه : الشيخ الشهيد نصير الدين الحسين ، الذي ترجم له منتجب الدين في فهرسه (١) ؛ والشيخ عماد الدين عليّ ، الذي ترجم له منتجب الدين أيضاً في فهرسته (٢).

وعموماً ، فإنّ المؤلّف رحمه الله ـ وكما تشير إليه تراجمه في كتب الاَعلام المختلفة ـ كان من رجالات الطائفة ، وجهابذتها العظام ، إلاّ أنّ ما يكلم الفؤاد قصور تلك الكتب عن استقصاء ما يغني الباحث عن الجوانب المختصّة بحياته ، بل وحتّى بعض المفردات المتّصلة بها ، وهي ـ كما هو معروف لدى الباحثين والمحقّقين ـ حالة متكرّرة الوقوع ، مشخّصة العيب ، لا يملك أمامها المرء إلاّ الحزن والاَسـى ، لاَنّ ضياع تراجم الاَعلام من كتب السِيَـر ليـس بالاَمـر الـذي يمكن للمرء أن يتغاضى عنه ، ويـعرض عـن آثاره ، ولكن ما حيلة خالي الوفاض عند اضطرام اللهيب.

وأخيراً أقول : إنّ هؤلاء الاَعلام وإنْ ضـاع الكثير من تراجم حياتهم في عالمنا الفاني هذا ، إلاّ أنّهم عند الله تعالى في كتاب حصين ، وسجلّ أمين ، ولهم ـ بإذنه تعالى ـ الجزاء الاَوفى يوم الجزاء ، وهو خير من الدنيا وما فيها.

منهجيّة التحقيق :

لمّا كانت هذه الرسالة ـ حتّى يومنا هذا ـ قيد النسخ المخطوطة ،

__________________

(١) فهرست منتجب الدين : ٥٦ رقم ١١١.

(٢) فهرست منتجب الدين : ١٢٧ رقم ٢٧٥.

٢٨٩

إذ لم يتمّ طبعها ـ حجرياً أو حروفياً ـ من قبل ، فقد عمدنا إلى استحصال بعض النسخ المخطوطة التي تساعدنا في تحقيق هذه الرسالة ، ونشرها.

وبالفعل ، فقد حصلنا ـ بتوفيق من الله تعالى ـ على نسختين مخطوطتين اعتمدنا عليهما في عملنا هذا ، وهما :

١ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة العلاّمة المحقّق سماحة آية الله السـيّد عبـد العزيز الطباطبائي رحمه الله ، والمندرجة سابقاً في محفوظات جامعة طهران ، ضمن المجموعة المرقّمة ٢١٣٠ ، والتي يرجع تأريخ استنساخهأ ـ كما هو مثبت في آخرهأ ـ إلى يوم الاَربعاء السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك ، سنة ١٣٤٥ هـ ، وقد رمزنا لها بالحرف (ط).

ولا يسعني هنا وأنا أُشير إلى هذه النسخة المخطوطة إلاّ أن أدعو بالمغفرة والرضوان لروح السـيّد الطباطبائي الذي زوَّدنا بصفحات هذه المخطوطة ، وبكرمه المعهود كما هو عهده ومنهجه طيلة أيّام حياته مع جميع الباحثين والمحقِّقين.

٢ ـ النسخة المخطوطة المندرجة ضمن كتاب «المجموع الرائق» للسيِّد هبة الله بن أبي محمّـد الحسن الموسوي ، والتي يرجع تأريخ استنساخها إلى يوم الاثنين ، العشرين من شهر ربيع الاَوّل ، سنة ١٠٨٨ هـ ، وقد رمزنا لها بالحرف (ق).

وبعد حصولنا على هاتين النسختين المخطوطتين عمدنا إلى تثبيت موارد الاختلاف الواردة بينهما ، وتثبيت ما وجدناه صحيحاً في متن الرسالة ، مع الاِشارة إلى مواضع الاختلاف في الهامش.

كما أنّا اعتمدنا نسخة «مستدرك الوسائل» للشيخ النوري ـ الذي نقل الكثير من مفردات هذه الرسالة في مطاويه ـ كنسخةٍ مساعدةٍ لنا في عملنا.

٢٩٠

ثمّ بذلنا جهدنا في تخريج الروايات الواردة من مظانّها قدر الاِمكان ، مع إشارتنا إلى جملة من موارد الاختلاف بين النسختين.

وعموماً فقد حاولت أن أُخرج هذه الرسالة بالشكل الذي يتناسب وأهمّـيّتها من جانب ، وحاجة القارىَ والباحث إليها من جانب آخر ، وإنْ كنتُ لا أُنزّه نفسي من الخطأ والالتباس ، والله تعالى هو الموفّق للصواب.

شـكر وتقدير :

وختاماً لا يسعني وأنا أُقدم هذه الرسالة الصغيرة بين يدي القارىَ الكريم إلاّ الاِشارة بالشكر والتقدير لمن مدّ لي يد العون في تحقيقها وطبعها ونشرها ، وأخّص بالذِكر أوّلاً الاَُستاذ المحقّق الفاضل علاء آل جعفر ، ومؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث بنشرتها الفصلية «تراثنا» التي قامت بنشر هذه الرسالة على متن صفحاتها ثانياً.

وفَّق الله تعالى الجميع لنشر علوم العترة الطاهرة ، وتقبَّل منهم صالح أعمالهم ، إنّه نِعم المولى ونِعم النصير.

هيثم السـمّاك

١٧ ربيع الاَوّل ١٤١٧ هـ

٢٩١

٢٩٢

٢٩٣

٢٩٤

٢٩٥

بسـم الله الرحمن الرحيم

الحـديث الاَوّل

عن الحسن بن يقطين ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : وليَ علينا بالاَهواز رجل من كُـتّاب يحيى بن خالد (١) ، وكان علَيَّ بقايا من خراج كان فيه زوال نعمتي ، وخروجي من ملكي ، فقيل لي : إنّه ينتحل هذا الاَمر ، فخشيت أن ألقاه مخافة ألاّ يكون على ما بلغني ، فأقع فيما لا يتهيّأ لي الخلاص منه.

وخرجت منه هارباً إلى مكّة ، فلمّا قضيت حجّي جعلت طريقي إلى المدينة ، فدخلت على الصادق عليه السلام فقلت له : يا سيّدي! إنّه وليَ بلدنا فلان ابن فلان ، وبلغني أنّه يومي إليكم ويتوالاكم أهل البيت ، وقد بلغني عنه أمر فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقّـاً ، ويكون فيه خروجي

__________________

(١) أبو علي الفارسي يحيى بن خالد البرمكي ، ضمّه المهديّ إلى ابنه الرشيد ليربّيه ، فلمّا استخلف الرشيد سلّمه مقاليد الوزارة.

وروى الكشّي عن الاِمام الرضا عليه السلام : إنّ يحيى بن خالد سمّ الاِمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما في ثلاثين رطبة.

مات يحيى بن خالد في سجن الرشيد بالرقّة في سنة تسعين ومائة وله سبعون سـنة.

انظر : رجال الكشّي ٢ / ٨١٦٤ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٨٩.

٢٩٦

عن ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى الله تعالى وإليكم.

فقال : «لا بأس عليك» وكتب رقعة صغيرة :

بسـم الله الرحمن الرحيم

«إنّ لله في ظلّ عرشه ظلاًّ لا يسكنه (١) إلاّ من نفَّس عن أخيه المؤمن كربة ، وأعانه بنفسه ، أو صنع إليه معروفاً ولو بشقّ تمرة ، وهذا أخوك والسـلام».

ثمّ ختمها ودفعها إليَّ وأمرني أن أُوصلها إليه.

فلمّا رجعت إلى بلدي صرت ليلاً إلى منزله ، فاستأذنت عليه وقلت : رسول الصادق عليه السلام ، فإذا أنا به قد خرج إليَّ حافياً ، فلمّا بصُر بي سلَّم علَيَّ وقبَّل ما بين عينَيّ ، ثمّ قال : يا سيّديّ! أنت رسول مولاي؟!

قلت : نعم.

قال : فداك عينيّ إن كنتَ صادقاً! فأخذ بيدي ، ثمّ قال لي : يا سيّدي! كيف خلَّفتَ مولاي عليه السلام؟

قلت : بخير.

قال : واللهِ؟

قلت : واللهِ ؛ حتّى أعادها علَيَّ ثلاثاً.

ثمّ ناولته الرقعة ، فقرأها وقبّلها ووضعها على عينيه ، ثمّ قال : يا أخي مُرْ بأمرك.

__________________

(١) في نسختي «ق» و «ط» : «ظلالاً لا يملكها» ، وما أثبتناه من المصدر ، وهو الاَنسـب.

٢٩٧

قلت : علَيَّ في جريدتك كذا وكذا ألف درهم ، وفيه عطبي وهلاكي.

فدعا بالجريدة فمحا عنّي كلّ ما كان فيها ، وأعطاني براءة منها ، ثمّ دعا بصناديق ماله فناصفني عليها ، ثمّ دعا بدوابّه فجعل يأخذ دابّةً ويعطيني دابّةً ، ودعا بثيابه فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني ثوباً ، حتّى شاطرني جميع ملكه ، وجعل يقول : يا أخي هل سُررت ، فأقول : إي والله وزدتَ على السرور.

فلمّا كان أيّام الموسم قلت : والله لا كافيت هذا الاَخ بشيء أحبّ إلى الله ورسوله من الخروج إلى الحجّ والدعاء له ، والمصير إلى مولاي وسيّدي وشكره عنده ، ومسألته الدعاء له.

فخرجت إلى مكّة وجعلت طريقي على مولاي ، فلمّا دخلت عليه رأيت السرور في وجهه ، وقال : «يا فلان! ، ما خبرك مع الرجل؟».

فجعلت أُورد عليه خبري معه ، وجعل يتهلّل وجهه ويبين السرور فيه ، فقلت له : يا سيّدي! سَـرَّك في ما آتاه إليّ .. سرّه اللهُ في جميع أُموره.

فقال : «إي والله لقد سَـرَّني والله ، لقد سَـرّ آبائي ، والله لقد سَرّ أميرَ المؤمنين ، والله لقد سَـرَّ رسولَ الله عليهم السلام ، والله لقد سَـرَّ اللهَ في عرشـه»(١)

الحـديث الثاني

عن صفوان بن مهران الجمّال ، قال : دخل زياد بن مروان العبدي على موسى بن جعفر عليهما السلام فقال له : «زياد! أتتقلّد لهم عملاً؟!».

__________________

(١) قضاء حقوق المؤمنين ـ للصوري ـ : ٢٢ ح ٢٤ ، أعلام الدين : ٢٨٩ ، عدّة الداعي : ١٧٩.

٢٩٨

فقال : بلى يا مولاي.

فقال : «ولِمَ ذاك؟!».

قال : فقلت : يا مولاي! إنّي رجل لي مروءة ، وعلَيَّ عيلة ، وليس لي مـال.

فقال عليه السلام : «يا زياد! والله إنّي لاَِنْ أقع من السماء إلى الاَرض فأتقطّع قطعاً ، وتفصّلني الطير بمناقيرها مفصلاً مفصلاً ، أحبّ إليّ من أن أتقلّد لهم عمـلاً [إلاّ](١) ..».

فقلت : إلاّ لماذا يا مولاي؟!

فقال : «إلاّ لاِعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره ، إنّ الله وعد مَنْ يتقلَّد لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق ، فامض وأعزز إخوانك واحداً واحداً ، واللهُ من وراء ذلك يفعل ما يشاء» (٢).

الحـديث الثالث

عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبـدالله عليه السلام : «إنّ للهِ عزّ وجلّ مع ولاة الجور أولياء يدفع بهم عن أوليائه ، أُولئك هم المؤمنون» (٣).

__________________

(١) أثبتناه ليستقيم سياق الكلام.

(٢) عنه في مستدرك الوسائل ١٣ / ١٣٥ ح ١٤٩٩٩ ، ونحوه في : الكافي ٥ / ١٠٩ ح ١ ، التهذيب ٦ / ٣٣٣ ح ٩٢٤.

(٣) الكافي ٣ / ٨ ح ٤٥١ ، الفقيه ٣ / ١٠٨ ح ٤٥١ ، ولم يرد فيهما «أُولئك هم المؤمنون» ، وعنه في مستدرك الوسائل ١٣ / ١٣٦ ح ١٥٠٠٠.

٢٩٩

الحـديث الرابع

عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبـدالله عليه السلام : «ما مِن سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللهُ به عن المؤمنين ، أُولئك أوفر حظّـاً في الآخرة»(١).

الحـديث الخامس

عن صفوان بن مهران ، قال : كنت عند أبي عبـدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الشيعة فشكا إليه الحاجة ، فقال له : «ما يمنعك عن التعرُّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله؟!».

فقال : إنّكم حرّمتموه علينا.

فقال : «خبّرني عن السلطان ، لنا أو لهم؟!».

قال : بل لكم.

قال : «أهُم الداخلون علينا أم نحن الداخلون عليهم؟!».

قال : بل هم الداخلون عليكم.

قال : «فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم في بعض حقّـكم».

فقال : إنّ لهم سيرة وأحكاماً!

قال : «أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك؟!».

فقال : بلى.

__________________

(١) نحوه في الكافي ٥ / ١١١ ح ٥ ، قضاء حقوق المؤمنين ـ للصوري ـ : ١٩ ح ١٤ ، وعنه في مستدرك الوسائل ١٣ / ١٣٦ ح ١٥٠٠١.

٣٠٠