تراثنا ـ العددان [ 45 و 46 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 45 و 46 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٤

حيدر آباد ، سنة ١٣١٢ ه.

٤١ ـ كنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق ، للمناوي ـ طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر ، سنة ١٣٥٦ ه.

٤٢ ـ المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري ـ طبعة حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.

٤٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ، طبعة الميمنية ، سنة ١٣١٣ ه.

٤٤ ـ مشكل الآثار ، لأبي جعفر الطحاوي ـ طبعة حيدر آباد ، سنة ١٣٣٣ ه.

٤٥ ـ مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج الأصبهاني ـ طبعة المطبعة الحيدرية بالنجف ـ الطبعة الثانية ، سنة ١٣٨٥ ه.

٤٦ ـ المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، للحافظ السخاوي ـ طبع دار الكتاب العربي ـ الطبعة الأولى ـ بيروت ، سنة ١٤٠٥ ه.

٤٧ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ، لمجد الدين ابن الأثير الجزري ـ طبعة سنة ١٣٨٥ ه.

٢٤١

مصطلحات نحويّة

(٥)

السيّد عليّ حسن مطر

تاسعاً ـ مصطلح الحال

* الحـال لغـةً :

يطلق الحال في اللغة على عدّة معانٍ، نذكر منها :

١ ـ ما عليه الاِنسان من خير أو شـرّ.

٢ ـ الوقت الذي أنت فيه.

٣ ـ صَرْف الدهر (١).

والحال يُذكّر ويؤنّث، والتذكير يشمل لفظه وضميره ووصفه وغيرها ، لكنّ الاَرجح في لفظه هو التذكير ، فيقال : (حال) بلا تاء ، والاَرجح في غير اللفظ هو التأنيث ، قال الشاعر :

إذا أعجبتكَ الدهرَ حالٌ أمرئٍ

فَدَعْهُ وواكل أمره واللياليا

وألف الحال منقبلة عن واو ؛ لقولهم في جمعها : أحوال ، وفي

__________________

(١) لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة (قول).

٢٤٢

تصغيرها : حويلة ، واشتقاقها من التحوّل وهو التنقّل (١).

«وقد يؤنّثُ لفظُها ، فيقال : حالةٌ ، قال الشاعر :

على حالةٍ لو أَنَّ في القومِ حاتِماً

على جودِه لضنَّ بالماءِ حاتِمُ» (٢)

* الحـال اصطلاحـاً :

قبل أن يستقرّ لفظ (الحال) عنواناً للمعنى الاصطلاحي النحوي ، عبّر النحاة عنه بعناوين متعدّدة ، ففي كتاب سيبويه (ت ١٨٠ هـ) نجد العناوين الاَربعة التالية :

١ ـ الحال ، قال : «ما ينتصب لاَنّه حال ... وذلك قولك : ما شأنك قائماً»(٣).

٢ ـ الخبر ، قال : «ما ينتصبُ فيه الخبر ... وذلك قولك : فيها عبـدالله قائماً»(٤).

٣ ـ الصفة ، قال : «واعلم أنّ الشيء يوصف بالشيء ... كقولك : هذا زيدٌ ذاهباً»(٥).

٤ ـ الموقوع فيه ، قال : «ما ينتصبُ لاَنّه وقع فيه الفعل»(٦) ، أو لاَنّه

__________________

(١) أ ـ حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

ب ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

ج ـ شرح التصريح على التوضيح ، خالد الاَزهري ١ / ٣٦٥.

(٢) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٢٤٥.

(٣) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبـد السلام هارون ٢ / ٦٠.

(٤) كتاب سيبويه ٢ / ٨٨.

(٥) كتاب سيبويه ٢ / ١٢١.

(٦) كتاب سيبويه ١ / ٤٤.

٢٤٣

«حال وقع فيه الاَمر ، فانتصب لاَنّه موقوع فيه الاَمر ، وذلك قولك : قتلته صبراً»(١).

وعبّر الفرّاء (ت ٢٠٧ هـ) عن الحال بعنوانين :

أوّلهما : الفعل ، قال في تفسير الآية الكريمة : (ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللهِ مصدّق) (٢) : «إن شئت رفعت (المصدّق) ونويت أن يكون نعتاً للكتاب ؛ لاَنّه نكرة ، ولو نصبته على أن تجعل المصدّق (فعلاً) للكتاب ، لكان صواباً ، وفي قراءة عبـدالله في آل عمران (ثمّ جاءكم رسول مصدّقاً) ، فجعله فعلاً»(٣).

والثاني : القطع ، قال في تفسير الآية الكريمة : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين)(٤) : إنّ من وجوه إعراب (هدىً) «أن تجعل (الكتاب) خبراً لـ (ذلك) ، فتنصب (هدىً) على القطع ... وإنْ شئت نصبت (هدىً) على القطع من الهاء التي في (فيه) ، كأنّك قلت : لا شكّ فيه هادياً»(٥).

وعبّر المبرّد (ت ٢٨٥ هـ) عن الحال بالمفعول فيه ، قال : «هذا باب من المفعول ، ولكنّا عزلناه ممّا قبله ؛ لاَنّه مفعول فيه ، وهو الذي يسمّيه النحويّون الحال» (٦).

والوجه في تسمية الحال مفعولاً فيه أنّ لها شبهاً خاصّـاً به

__________________

(١) كتاب سيبويه ١ / ٣٧٠.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٨٩.

(٣) معاني القرآن ، يحيى بن زياد الفرّاء ، تحقيق أحمد نجاتي ومحمّد النجّار ١ / ٥٥.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢.

(٥) معاني القرآن ، الفرّاء ١ / ١٢.

(٦) المقتضب ، محمّد بن يزيد المبرّد ، تحقيق محمّد عبـد الخالق عضيمة ٤ / ١٦٦.

٢٤٤

«وخصوصاً ظرف الزمان ؛ وذلك لاَنّها تقدّر بـ (في) كما يقدّر الظرف ، فإذا قلت : جاء زيد راكباً ، كان تقديره : في حال ركوب ، كما أنّك إذا قلت : جاء زيد اليوم ، كان تقديره : جاء زيد في اليوم» (١).

* * *

وأقدم من عرّف الحال اصطلاحاً هو ابن السرّاج (ت ٣١٦ هـ) قال : «الحال إنّما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه» (٢).

وعرّفها ابن الاَنباري (ت ٥٧٧ هـ) بما يماثل تعريف ابن السرّاج ، قال : الحال «هيئة الفاعل والمفعول» (٣) ، وهو وإنْ لم يقيّدها بزمن وقوع الفعل ، إلاّ أنّ مراده ذلك ، بدليل قوله في شرح التعريف : «ألا ترى أنّك إذا قلت : جاءني زيد راكباً ، كان الركوب هيئة زيد عند وقوعِ المجيء منه ، وإذا قلت : ضربته مشدوداً ، كان الشدّ هيئته عند وقوعِ الضرب له»(٤).

ولا يخفى ما في هذا التعريف من مسامحة في التعبير ؛ فإنّ الحال ليست هي الهيئة ، وإنّما هي اللفظ الدالّ عليها.

وقد خلا تعريف ابن جنّي (ت ٣٩٢ هـ) من هذه المسامحة ؛ إذ قال :

__________________

(١) شرح المفصّل ، ابن يعيش ٢ / ٥٥.

(٢) الاَُصول في النحو ، ابن السرّاج ، تحقيق عبـد الحسـين الفتلي ١ / ٢٥٨.

(٣) أسرار العربية ، ابن الاَنباري ، تحقيق محمّـد بهجة البيطار : ١٩٠.

(٤) أسرار العربية ، ابن الاَنباري ، تحقيق محمّـد بهجة البيطار : ١٩٠.

٢٤٥

الحال «وصف هيئة الفاعل أو المفعول به»(١) ، وتابعه عليه كلٌّ مِن ابن الخشّاب (ت ٥٦٧ هـ)(٢) ، وابن يعيش (ت ٦٤٣ هـ)(٣) ، وابن بابشاذ (ت ٤٦٩ هـ)(٤) چع ، والزمخشري (ت ٥٣٨ هـ)(٥) ، والمطرزي (ت ١٦٠ هـ)(٦) ، وابن معطي (ت ٦٢٨ هـ)(٧).

وقد أشكل ابن إيازٍ على هذا التعريف بأنّه «يبطل بالوصف في قولك : جاءني زيد الراكب»(٨) ، فإنّه وصف لهيئة الفاعل وليس حالاً.

وتجدر الاِشارة إلى أنّ ابن الحاجب كان قد سبق إلى طرح هذا الاِشكال بقوله : إنّ العاقل في «جاء زيد العاقل ، بيان لهيئة زيد ، وهو فاعل ، فهو بيان لهيئة الفاعل ، وليس بحال» ، ولكنّه دفعه قائلاً : «وجوابه أنّ ... قوله : بيان لهيئة الفاعل ، تنبيهاً على اعتبار الفاعلية في بيان الهيئة ، وفي قولك : جاء زيد العاقل ، لم تجئ بالعاقل بياناً لزيد باعتبار الفاعلية ، وإنّما جئت به بياناً باعتبار الذات ، لا باعتبار كونها فاعلة»(٩).

__________________

(١) اللمع في العربيّة ، ابن جنّي ، تحقيق فائز فارس : ٦٢.

(٢) المرتجل في شرح الجمل ، ابن الخشّاب ، تحقيق علي جديد : ١٦٠.

(٣) شرح المفصّل ، ابن يعيش ٢ / ٥٥.

(٤) شرح المقدّمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، تحقيق خالد عبـد الكريم ٢ / ٣١٠.

(٥) أ ـ المفصّل في علم العربيّة ، جار الله الزمخشري : ٦١.

ب ـ شرح الاَنموذج في النحو ، جمال الدين الاَردبيلي ، تحقيق حسني عبـد الجليل يوسف : ٥٠.

(٦) المصباح في علم النحو ، أبو الفتح المطرزي ، تحقيق عبـد الحميد سيّد طلب : ٦٩.

(٧) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي : ١١٩.

(٨) المحصول في شرح الفصول ، الورقة ١٠١ ب ، نقلاً عن حاشية الفصول الخمسون : ١١٩.

(٩) الاَمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمّودي ٢ / ١١٤.

٢٤٦

وعرّفها ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) بقوله : «الحال ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظاً ومعنىً»(١).

فأضاف القيد الاَخير (معنىً) ليجعل التعريف شاملاً لاَفراد من الحال تخرج عنه لولا هذا القيد.

وقوله : «لفظاً ، أي سواءٌ كان الفاعل أو المفعول به الذي وقع الحال عنه لفظاً ، أي : لفظيّاً ، بأنْ تكون فاعلية الفاعل أو مفعوليّة المفعول باعتبار لفظ الكلام ومنطوقه ... أو معنىً ، أي : معنويّـاً ، بأنْ تكون فاعلية الفاعل أو مفعوليّة المفعول باعتبار معنىً يفهم من فحوى الكلام لا باعتبار لفظه ومنطوقه»(٢)

. وقد تقدّمت أمثلة «الفاعل والمفعول اللفظيّين ، أمّا المفعول المعنوي فنحو (شيخاً) في قوله تعالى : (وهذا بعلي شيخاً)(٣) ؛ فإنّ (بعلي) خبر المبتدأ ، وهو في المعنى مفعول لمدلولِ (هذا) ، أي : أُنبّهُ على بعلي وأشير إليه شيخاً ، وأمّا الفاعل المعنوي ، فكما في قوله :

كأنّه خارجاً من جنب صفحته

[سفودُ شَرْبٍ نَسَوْهُ عند مُفْتأَدِ]

إذ المعنى : يشبه خارجاً سفود شرب»(٤).

ولاحظ الرضي الاسترابادي على هذا التعريف أنّه ليس جامعاً ؛ إذ يخرج عنه «الحال التي هي جملة بعد عامل ليس معه ذو حال ، كقوله :

وقد أَغتدي والطير في وكناتها

بمـنـجـردٍ قيـدِ الاَوابـدِ هيـكلِ

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ٢ / ٧.

(٢) الفوائد الضيائية ، عبـد الرحمن الجامي ، تحقيق أُسامة طه الرفاعي ١ / ٣٨١.

(٣) سورة هود ١١ : ٣٢.

(٤) شرح الرضي على الكافية ٢ / ١٣.

٢٤٧

ويخرج أيضاً الحال عن المضاف إليه إذا لم يكن المضاف عاملاً في الحال ، وإنْ كان ذلك قليلاً ، كقوله تعالى : (بل نتّبع ملّةَ إبراهيم حنيفاً) ، وقوله تعالى : (إنّ دابر هؤلاءِ مقطوع مصبحين)(١).

لكنّه دفع الاِشكال بخروج الحال من المضاف إليه بقوله :

«إنّ الحال عمّا أُضيف إليه غير العاملِ في الحال ، لا يجيء إلاّ «أوّلاً» : إذا كان المضاف فاعلاً أو مفعولاً يصحّ حذفه وقيام المضاف إليه مقامه ، كما أنّك لو قلت : بل نتّبع إبراهيم ، مقام (بل نتّبعُ ملّةَ إبراهيم) جازَ ، فكأنّه حال من المفعول ، و «ثانياً» : إذا كان المضاف فاعلاً أو مفعولاً وهو جزء المضاف إليه ، كما في قوله تعالى : (إنّ دابر هؤلاءِ مقطوع مصبحين) ، لاَنّ دابر الشيء أصله ، فكأنّه قال : يقطع دابر هؤلاءِ مصبحين ، فكأنّه حال من مفعول ما لم يسمّ فاعله» (٢).

وقال ابن عصفور (ت ٦٦٩ هـ) في تعريف الحال : أنّها «اسم أو ما في تقديره ، منصوب لفظاً أو نيّة ، مفسّر لِما انبهم من الهيئات ، أو مؤكّد لِما انطوى عليه الكلام ، فالمفسّر قولك : جاء زيد ضاحكاً ، والمؤكّد : تبسّم زيد ضاحكاً» (٣).

والجديد في هذا التعريف :

أوّلاً : تقسيمه الحال إلى صريح ومقدّر ، ليكون شاملاً للحال جملة وشبه جملة ، وهذا حسن ، ولكنّ الاَفضل جعل (الاسم) جنساً للتعريف ،

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية ٢ / ٨ ، والايتان اللتان في النصّ هما على التوالي ١٣٥ / البقرة ، ٦٦ / الحجر.

(٢) شرح الرضي على الكافية ٢ / ٩.

(٣) المقرّب ، ابن عصفور ، تحقيق أحمد الجواري وعبـدالله الجبوري ١ / ١٤٥.

٢٤٨

والاِشارة إلى أقسامه في شرحه.

ثانياً : تقسيمه الحال إلى مفسّرة (مبيّنة) للهيئة ومؤكّدة ؛ التفاتاً منه إلى أنّهما نوعان مختلفان.

ثالثاً : أنّه أطلق الحال المفسّرة للهيئة ، ولم يقصرها على ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول ، وبذلك جعل التعريف صالحاً لشمول الحال من المضاف إليه بلا حاجة إلى التأويل المتقدّم من الرضي ، وشاملاً للحالِ من الخبر في نحو قوله تعالى : (وهذا بعلي شيخاً) ، ومن المبتدأ في نحو : الاِنسان صادقاً ممدوح.

وأمّا إشارته إلى أنّ الحال (منصوب لفظاً أو نيّة) فسيأتي وجه الاعتراض عليها.

وعرّف ابن مالك (ت ٦٧٢ هـ) الحال بتعريفين :

أوّلهما : «ما دلّ على هيئة وصاحبها ، متضمّناً ما فيه معنى (في) غير تابع ولا عمدة»(١).

وممّا ذكر في شرحه : أنّ قيد (وصاحبها) مخرج لنحو (القهقرى) في جملة : رجعت القهقرى ؛ [لدلالتها على الهيئة دون صاحبها] ، وقوله (متضمّناً ما فيه معنى : في) مخرج لِما يكون معنى (في) لمجموعه ، نحو : دخلتُ الحمّامَ ؛ لاَنّ معناه : دخلتُ في الحمّام ، لكنّ ليس بعض الحمّام أَوْلى بمعنى (في) من بعضٍ ، بخلافِ جئت راكباً ، فإنّ معناه : جئت في حال ركوب ، فمعنى (في) مختصّ بجزء مفهومه وهو المصدر ، وقوله (غير تابع) مخرج لنحو (راكب) في قولنا : مررتُ برجل راكبٍ ، وقوله

__________________

(١) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمّد كامل بركات : ١٠٨.

٢٤٩

(ولا عمدة) مخرج للخبر في نحو : زيدٌ راكبٌ(١).

ويلاحَظ أنّ قوله : (ما دلّ على هيئةٍ) كافٍ لاِخراج نحو (الحمّام) في المثال ؛ إذ الحمّام لا يدلّ على هيئة.

وثانيهما : قوله في أُرجوزته :

الحال وصف فضلة منتصبُ

مفهم في حالٍ كفرداً أَذهبُ

أي : «أنّه الوصف الفضلة المنتصبُ للدلالة على الهيئة»(٢).

والمراد بالوصف : ما دلّ على معنىً وذات متّصفة به ، وهو : اسم الفاعلِ والمفعول والصفّة المشبّهة وأمثلة المبالغة وأفعل التفضيل(٣).

«والمراد الوصف ولو تأويلاً ؛ لتدخل الجملة وشبهها والحال الجامدة ؛ لتأويل كلّ بالوصف المشتقّ»(٤).

ويخرج بقيد الوصف نحو (القهقرى) في : رجعت القهقرى(٥) ؛ فإنّه

__________________

(١) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، محمّـد بن عيسى السلسيلي ، تحقيق عبـدالله البركاتي ٢ / ٥٢١.

(٢) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد ١ / ٦٢٥.

(٣) أ ـ شرح الاَشموني على الاَلفية ، ضمن حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

ب ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

(٤) أ ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٢٤.

ب ـ شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٦٦.

ج ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

(٥) أ ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، ابن هشام الاَنصاري ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد ٢ / ٧٨.

ب ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٢٤.

ج ـ شرح الاَشموني على الاَلفية ٢ / ١٦٩.

٢٥٠

اسم للرجوعِ إلى خلف(١) ، فهو مصدر لا وصف.

ويخرج بقوله (فضلة) الوصف الواقع عمدة ، وهو الخبر في نحو : زيد قائم(٢) ، «والمبتدأ في نحو : أقائم الزيدان»(٣).

«والمراد بالفضلة ما يصحّ الاستغناء عنه ، وقد يعرض له ما يوجب ذِكره ، إمّا لوقوعه سادّاً مسدّ الخبر ، نحو : ضربي زيداً قائماً ، أو لتوقّف المعنى عليه ، كقوله :

إنّما الميتُ من يعيشُ كئيباً

كاسفاً باله قليلَ الرجاءِ»(٤).

وقوله : «منتصب ، أي : أصالة ، وقد يجرّ لفظه بالباء ومِن بعد النفي ، لكنّ ذلك ليس مقيساً على الاَصحّ ، نحو :

فما رجعت بخائبةٍ ركابٌ

حكيم بن المسيَّبِ منتهاها»(٥).

وقيد (النصب) «مخرج لنعتَي المرفوع والمخفوض ، كجاءني رجل راكبٌ ، ومررت برجل راكب»(٦) ، وقد حمل ابن الناظم «قوله : منتصب على جائز النصب ، واعترضه بوصف المنصوب ، وحمله المرادي على واجب النصب ، فيخرج النعت ؛ لاَنّه غير لازم النصب ، وهو أظهر ؛ لاَنّ

__________________

(١) حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

(٢) أ ـ شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

ب ـ شرح ابن عقيل على الاَلفية ١ / ٦٢٥.

ج ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٢٤.

(٣) شرح الاَشموني على الاَلفية ٢ / ١٦٩.

(٤) أ ـ شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

ب ـ شرح الاَشموني على الاَلفية ٢ / ١٦٩.

(٥) حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

(٦) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ٢ / ٧٩.

٢٥١

النصب من أحكام الحال اللازمة له» (١).

وممّا أُخذ عليه :

أوّلاً : أنّه لم يقيّد (منتصب) باللزوم ، وإنْ كان مرادَه ؛ ليخرج النعت المنصوب كرأيت رجلاً راكباً ، فإنّه يفهم في حال ركوبه ، وإنْ كان ذلك بطريق اللزوم لا بطريق القصد ؛ فإنّ القصد إنّما هو تقييد المنعوت»(٢).

وثانياً : أنّه يلزم من ذِكر النصب الدور المستحيل عقلاً ؛ لاَنّ النصب حكم ، والحكم فرع التصوّر ؛ إذ لا يحكم على شيء إلاّ بعد تصوّره ، والتصوّر متوقّف على جميع أجزاء الحدّ التي منها النصب ، فيحصل الدور»(٣)

وقد أُجيب عن إشكال الدور بأنّ الحكم لا يتوقّف على معرفة كنه حقيقة الشيء المتوقّفة على الحدّ ، بل يكفي فيه تصوّر الشيء بوجه ما(٤).

ومع هذا يبقى إثبات (النصب) في التعريف غير مستحسن ؛ لاَنّه من عوارض الحال ، لا من ذاتيّاتها التي يطلب إثباتها في الحدّ ، ولذا قال المكودي : «وتسامح الناظم في هذا التعريف ؛ لاِدخاله فيه النصب وهو من أحكام الحال لا جزءاً من ماهيّته»(٥).

__________________

(١) شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

(٢) شرح الاَشموني على الاَلفية ٢ / ١٧٠.

(٣) أ ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ٢ / ٧٩.

ب ـ شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٦٧.

(٤) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

ب ـ حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٧٠.

ج ـ شرح التصريح على التوضيح ٢ / ٣٦٧.

(٥) شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

٢٥٢

ولاَجلِ ذلك ذهب بعـضٌ إلى أنّ الاََوْلى حمل قوله (منتصب) على كونه خبراً لمبتدأ محذوف ، والجملة اعتراضية وليست قيداً في التعريف(١) ، وهذا ما يقتضيه صنيع ابن عقيل في شرحه للاَلفية ، فإنّه لم يخرج بالوصف شيئاً(٢).

وخرج بقوله : (مفهم في حال) ، أي : دالٌّ على الهيئة ، ثلاثة أشياء :

أوّلها : التمييز ، في نحو : للهِ درّه فارساً ، فإنّه لا يدلّ على الهيئة ؛ لاَنّه على معنى (من) لا (في)(٣) ، وإنّما هو لبيان جنس المتعجّب منه(٤).

وثانيها : النعت ، في نحو : رأيتُ رجلاً راكباً ، فإنّه لا يقصد به الدلالة على الهيئة ، وإنّما المقصود به تقييد المنعوت وتخصيصه ، وإنْ لزم منه بيان الهيئة ضمناً وعرضاً(٥).

أقـول :

كفاية قيد الدلالة على الهيئة لاِخراج النعت المنصوب تكون سبباً آخر

__________________

(١) أ ـ حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٧٠.

ب ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

(٢) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

(٣) أ ـ شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

ب ـ حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

(٤) أ ـ شرح ابن عقيل على الاَلفية ١ / ٦٢٥.

ب ـ شرح ابن الناظم : ١٢٤.

ج ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ٢ / ٧٨.

د ـ حاشية الصبّان على شرح الاَشموني ٢ / ١٦٩.

(٥) أ ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٢٤.

ب ـ شرح ابن عقيل على الاَلفية ١ / ٦٢٥.

ج ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ٢ / ٧٨.

٢٥٣

لحذف قيد (النصب) من الحدّ ، مضافاً للسبب المتقدّم من كونه ليس من ذاتيّات المعرّف ، فقد كان مسوّغ ذِكره هو إخراج النعت به مطلقاً ، بعد الحمل على إرادة النصب اللازم.

وثالثها : الخبر ؛ فإنّ «مراده بقوله : (يبيّن الهيئة) أنّه ذكر لبيانها ، نصّ على هذه القاعدة ابن الحاجب في أماليه ، قال : إذا قيل : الفاعل ما أُسند إليه الفعل ، فمعناه : ما ذُكر ليُسند إليه الفعل ... والخبر إنّما ذُكر للاِسناد إلى المبتدأ لا لبيان الهيئة»(١).

وقد عقّب الخضري على قيد (الدلالة على الهيئة) بقوله : «أي هيئة صاحبه وصفته وقت وقوعِ الفعل»(٢) ، وفي كلامه نظر ؛ لاَنّه يجعل الحدّ غير شامل للحالِ من المبتدأ والخبر.

وقد اتّضح من عرض تعريفَي ابن مالك أنّ كليهما يختصّ بالحال المبيّنة للهيئة دون المؤكّدة.

وأمّا الرضي (ت ٦٨٦ هـ) فقد عمد أيضاً ـ قبل بيان حدّ الحال ـ لقسمتها إلى نوعيها ، فقال : «الحال على ضربين : منتقلة ومؤكّدة ، ولكلّ منهما حدّ ، لاختلاف ماهيّتهما»(٣).

ومراده بالمنتقلة الحال المبيّنة أو المؤسّـسة في تعبير غيره ، والمسوّغ للتعبير عنها بالمنتقلة هو ما ذكروه من أنّ الانتقال هو الاَصل فيها وأغلب حالاتها(٤)گك. لكنّه عرّفها بطريقة لا تخلو من التعقيد ، فلم يتابعه على الاَخذ

__________________

(١) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ٢ / ١٣٧.

(٢) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ٢١٢.

(٣) شرح الرضي على الكافية ٢ / ١٠.

(٤) أ ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٢٤.

ب ـ شرح ابن عقيل على الاَلفية ١ / ٦٢٦.

٢٥٤

بها أحدٌ ممّن تأخّر عنه ، قال : «فحدُّ المنتقلة جزء كلام يتقيّد بوقت حصول مضمونه ، تعلّقُ الحدثِ الذي في ذلك الكلام بالفاعلِ أو المفعول أو بما يجري مجراهما ...

ويخرج بقولنا : حصول مضمونه ، المصدر في نحو : رجع القهقرى ، لاَنّ الرجوع يتقيّد بنفسه لا بوقتِ حصول مضمونه ، ويخرج النعت بقولنا : يتقيّد تعلّق الحدث بالفاعل أو المفعول ؛ فإنّه [النعت] لا يتقيّد بوقت حصول مضمونه ذلك التعلّق ، وقولنا : أو بما يجري مجراهما ، يدخل حال الفاعل والمفعول المعنويَّين ... والحال عن المضاف إليه الذي لا يكون في المعنى فاعلاً أو مفعولاً للمضاف ... والحال في نحو قوله : ... وقد أغتدي والطير في وكناتها.

وحدّ المؤكّدةِ : اسم غير حدث يجيء مقرّراً لمضمون جملة ... فقولنا : غير حدث ، احتراز عن المنصوب في نحو : رجع رجوعاً»(١).

وقال ابن الناظم (ت ٦٨٦ هـ) في تعريف الحال المبيّنة : «الوصف المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له» ، وأشكل على والدِه بأنّ «قوله : (مفهم في حال) يشمل النعت ، ألا ترى أنّ قولك : مررت برجلٍ راكبٍ ، في معنى : مررت برجل في حال ركوبه ، فلاَجل ذلك عدلت عن هذه العبارة إلى قولي ... لبيان هيئة ما هو له»(٢) ، وقد تابعه على هذا الحدّ الشيخ خالد الاَزهري (ت ٩٠٥ هـ)(٣).

__________________

ج ـ شرح المكودي على الاَلفية : ٧٧.

(١) شرح الرضي على الكافية ٢ / ١٠ ـ ١١.

(٢) شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٣٤.

(٣) شرح الاَزهرية في علم العربيّة ، خالد الاَزهري : ١١٣.

٢٥٥

ويلاحظ على كلامه :

أوّلاً : أنّه أحسنَ بعدم ذِكر (النصب) في الحدّ ؛ للاَسباب المتقدّمة.

ثانياً : أنّ تمثيله ـ في الاعتراض على والده بدخول النعت ـ بجملة (مررت برجلٍ راكب) غير جيّد ، إذ يمكن ردّه بخروجه بقيد النصب الذي ذكره الناظم في الحدّ ، فكان عليه أن يمثّل بنحو : رأيتُ رجلاً راكباً(١).

ثالثاً : أنّه يمكن ردّ اعتراضه على والده بطريقين :

أوّلهما : أنّ الاعتراض متوقّف على كون مراد والده بجمله (مفهم في حال) معنىً آخر غير (بيان هيئة صاحبه) ، ولكنّ الاَقرب إرادته لهذا المعنى ؛ بدلالة تعبيره به في تعريفه المتقدّم للحال الذي سجّله في كتابه (التسهيل) ، ولذا صرّح ابن عقيل بأنّ «قول المصنّف (مفهم في حال) هو معنى قولنا : للدلالة على الهيئة»(٢).

وثانيهما : أنّ النعت خارج لاَنّه لا يفهم الحال بطريق القصد ، وإنّما يدلّ عليها عَرَضاً(٣).

وتقدّم أبو حيّان (ت ٧٤٥ هـ) بتعريفين للحال :

أوّلهما : «اسم يبيّن الهيئة»(٤).

وهو أوجز تعريف يواجهنا حتّى الآن ، وقوله (اسم) شامل للصريح والمؤوّل ، وللمشتقّ (الوصف) والجامد المؤوّل بالمشتقّ ، ولم يذكر قيد (الفضلة) التفاتاً منه لعدم الحاجة إليه ؛ لاَنّ مَن ذكره أراد به إخراج ما كان

__________________

(١) حاشية الشيخ ياسين العليمي على شرح التصريح ١ / ٣٦٦.

(٢) شرح ابن عقيل على الاَلفية ١ / ٦٢٥.

(٣) شرح التصريح على التوضيح / للاَزهري ١ / ٣٦٧.

(٤) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ٢ / ١٣٦.

٢٥٦

عمدة من الاَوصاف ، كالمبتدأ والخبر ، وهما خارجان بقيد (بيان الهيئة) ؛ فإنّهما لا يُذكران لبيانها ، بل يُذكر المبتدأ لكي يسند إليه الخبر ، ويُذكر الخبر لكي يُسند إلى المبتدأ.

إلاّ أنّ ابن هشام أشكل عليه بأنّه لا يشمل «الحال المؤكّدة ، نحو : (فتبسَّمَ ضاحكاً) و (ولّى مدبراً) ؛ فإنّها حال ولم تُذكر للتبيين ، بل للتأكيد ؛ إذ البيان مستفاد قبل مجيئها»(١).

وثانيهما : «اسم مبيّن هيئة أو مؤكّد»(٢) ، ولا يرد عليه الاِشكال المذكور.

وأمّا ابن هشام (ت ٧٦١ هـ) فقد ذكر للحال تعريفين أيضاً :

الاَوّل : «وصف فضلة يقع في جواب كيف ، كضربت اللِّصَّ مكتوفاً»(٣).

وردّ الاِشكال عليه بخروج نحو (مفسدين) في قوله تعالى : (ولا تعثوا في الاَرضِ مفسدين)(٤) ، فإنّه حال ، ومع ذلك لا يقع في جواب كيف ، وكان ردّه : أنّ الحدّ المذكور للحال المبيّنة لا للحالِ المؤكّدة»(٥).

أقـول :

كان بوسعه أن يعتذر عن ابن حيّان في تعريفه الاَوّل بهذا العذر

__________________

(١) شرح اللمحة البدرية ٢ / ١٣٧.

(٢) غاية الاِحسان في علم اللسان ، أبو حيّان الاَندلسي ، مخطوط ٦ / أ.

(٣) شرح قطر الندى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٣٢٧.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٦٠.

(٥) شرح قطر الندى : ٣٢٩.

٢٥٧

أيضاً ، بدلاً من تثبيت الاِشكال عليه.

والثاني : شامل لنوعَي الحال ، وهو : «وصف فضلة مسوق لبيان هيئة صاحبه ، أو تأكيده ، أو تأكيد عامله ، أو ‎[تأكيد] مضمون الجملة قبله»(١).

وهو تعريف قابل للاختزال بحذف (الوصف) ، فإنّ المراد به الاحتراز عن دخول نحو (القهقرى) ، وهو خارج بقيد الدلالة على الهيئة ، وبالاِمكان الاجتزاء بذِكر (التأكيد) وترك بيان أقسامه إلى شرح التعريف.

ويلاحظ أنّه كرّر هذا التعريف في شرحه على الاَلفية ، إلاّ أنّه قسّم الحال أوّلاً إلى نوعيها ، ثمّ ذكر لكلٍّ منهما ما يخصّه من التعريف(٢).

وعرّفها السيوطي (ت ٩١١ هـ) بأنّها «فضلة دالٍّ على هيئة صاحبه». وقال في شرحه : إنّ قيد الدلالة على الهيئة مخرج لجميع المنصوبات عدا المصدر النوعي ، فإنّه يخرج بقيد صاحبه ، نحو (القهقرى) في جملة رجعت القهقرى ؛ فإنّه يدلّ على هيئة الرجوع لا هيئة الصاحب(٣).

ويلاحظ أنّه يمكن الاستغناء عن قيد (الفضلة) في هذا الحدّ ؛ إذ المراد بها الاحتراز عمّا دلّ على الهيئة ممّا هو عمدة في الكلام كالمبتدأ والخبر ، وقد علمنا أنّهما خارجان أيضاً بقيد الدلالة على الهيئة ؛ لاَنّهما ـ كما تقدّم ـ لم يُذكرا لبيان الهيئة ، وإنّما ذُكر أوّلهما لكي يُسند إليه والثاني لكي يُسند.

فالاَفضل في تعريف الحال المبيّنة أن يقال : هي اسم مبيّن لهيئة صاحبه.

__________________

(١) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٢٤٤.

(٢) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ٢ / ٧٧ ، و ٩٩ ـ ١٠١.

(٣) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، السيوطي ، تحقيق عبـد العال مكرم ٤ / ٨.

٢٥٨

الولاءُ الحسينيّ

في

أشعار ابن نما الحلّيّ

فارس حسّون كريم

بسـم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الاَنبياء والمرسلين محمّـد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعـد :

الوَلاء والتوالي أن يحصُلَ شيئان فصاعداً حُصُولاً ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ، ومن حيث النسبة ، ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد (١).

وتستعمل الولاية والولاء في اللغة لعدّة معانٍ ؛ فالطاعة ولاء ، والانضباط ولاء ، والتعاون ولاء ، والحاكمية والسيادة ولاء ، والتبعيّة في الاِسلام ولاء ـ لاَنّه يقرّب التابع من المتبوع ـ ، والنصرة ولاء ـ لاَنّه

__________________

(١) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٥٧٠.

٢٥٩

يسـتوجب التزام كلّ منهما الدفـاع عن الآخر ونصره ـ.

والولاء الحسـينيّ ما هو إلاّ مظهر ومثال لهذا الولاء في أكمل معانيه ، والاَدب الحسـينيّ الذي ما يزال صورته حيّة تنعكس عليها عقليّة الاَُمّة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها ؛ دليل على هذا الولاء الحقيقيّ للحسـين عليه السلام خاصّة ، ولاَهل البيت عليهم السلام عامّة.

 فالشعراء والاَُدباء الحسـينيّون يرمزون دوماً باسم الحسـين عليه السلام إلى الاِسلام والدين والحقّ والهداية والبطولة والجهاد ، كما يرمزون باسم يزيد وبني حرب وزياد وأُميّة وآل أبي سفيان إلى الفساد والشـرّ والطغيان والاسـتبداد.

ورغم أنّ الحياة قد تغيّرت ، وطوت الكثير من المراحل ، وقضت على تقاليد وعادات الناس إلاّ الشعائر الحسـينيّة فقد واكبت الحياة ، لاَنّ الحسـين عليه السلام يعني كلّ مظلوم ومحروم ، ويزيد يعني كلّ ظالم وفاسد ، ولا تخلو الحياة من ظالم ومظلوم حتّى ظهور مهديّ آل محمّـد عجَّل الله تعالى فرجه الشريف ، وحتّى تحقّق الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

ومن هنا كان أُدباءُ الحسـين عليه السلام ولاءً قائماً على مرّ العصور ، والآثار التي تركوها لا تعدّ ولا تحصى ، فكما قيل : إنّ الشيخ أحمد البلادي ـ وهو من شعراء القرن الثاني عشر الهجري ـ نظم ألف قصيدة في رثاء الاِمام الحسـين عليه السلام ودوّنها في مجلّدين ضخمين (١) ، وإنّ الشيخ جمال الدين بن عبـد العزيز الخليعي ـ وهو من شعراء القرن التاسع ـ له ديوان شعر في

__________________

(١) الغدير ١١ / ٣٤١.

٢٦٠