تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

« وفي تذكرة الخواص (١) : ذكر ابن سعد عن أم سلمة انها لما بلغها قتل الحسين قالت : أو فعلوها؟ ملأ الله قبورهم ناراً ، ثم بكت حتى غشي عليها .. ». ونقل هذا الخبر في « الصواعق المحرقة » لابن حجر.

ويستطرد « إقناع اللائم » فيقول :

« ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك ، ففي « الصواعق المحرقة » (٢) : ولما حمل رأسه ـ رأس الحسين ـ لابن زياد ، جعله في طست ، وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويدخله في انفه ، ويقول : ما رأيت مثل هذا حسناً ، إنه كان لحسن الثغر ، وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال : أشبههم برسول الله ». وروى هذا الحديث الترمذي وغيره.

٤ ـ وفي الصفحة «٧١» من « إقناع اللائم » ما نصه :

« ومن الاُلى الذين بكوا على الحسين الربيع بن خيثم. ففي « تذكرة الخواص» (٣) لسبط ابن الجوزي الحنفي ما نصه :

قال الزهري : لما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بكى وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحبهم وأطعمهم بيده ، وأجلسهم على فخذه.

٥ ـ وجاء في الصفحة «١٥٦» من الكتاب نفسه ما عبارته :

وقال جعفر بن عفان ، وهو من أصحاب الصادق جعفر بن محمد ، يرثي الحسين :

لبيك على الاسلام من كان باكيا

فقد ضعيت أحكامه واستحلت

غداة حسين للرماح دريئة

وقد نهلت منه السيوف وعلت

وغودر في الصحراء لحماً مبدداً

عليه عناق الطير باتت وظلت

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٠.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣٠٠.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٤٠.

١٤١

فما نصرته أمة السوء إذ دعا

لقد طاشت الأحلام منها وضلت

ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم

فلا سلمت تلك الأكف وشلت

وناداهم جهداً بحق محمد

فإن ابنه من نفسه حيث حلت

فلا حفظوا قربى الرسول ولا رعوا

وزلت بهم أقدامهم واستزلت

أذاقته حر القتل أمة جده

هفت نعلها في كربلاء وزلت

فلا قدس الرحمن أمة جده

وإن هي صامت للإله وصلت

كما فجعت بنت الرسول بنسلها

وكانوا حماة الحرب حيث استقلت (١)

٦ ـ وممن بكى الحسين ورثاه الامام الشافعي. ففي الصفحة «١٥٧» من الكتاب نفسه ما عبارته :

« وفي البحار (٢) : عن بعض كتب المناقب القديمة : أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي عن محيي السنة أبي الفتح احاد قال : أنشدني أبو الطيب البابلي ، أنشدني أبو النجم بدر بن إبرهيم بالدينور ، للشافعي محمد بن إدريس. وفي ينابيع المودة (٣) قال الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في كتاب « معراج الوصول في معرفة آل الرسول » : نقل أبو القاسم الفضل بن محمد المستحلي : إن القاضي أبا بكر سهل بن محمد حدثه قال : قال أبو القاسم بن الطيب : بلغني أن الشافعي أنشد هذه الأبيات.

أقول : وأوردها ابن شهر آشوب في المناقب (٤) للشافعي. وهي :

تأوب همي والفؤاد كئيب

وأرق عيني والرقاد غريب

ومما نفى جسمي وشيب لمتي

تصاديف أيام لهن خطوب

__________________

(١) بحار الانوار ٤٥ : ٢٨٦.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٢٧٣ ، وقد صححنا هذه الابيات كما وردت في البحار.

(٣) ينابيع المودة ٢ : ٣٣٢.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٢٤ مع اختلاف فيه وزيادة ابيات فراجع.

١٤٢

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

قتبلا بلا جرم كأن قميصه

صبيغ بماء الارجوان خضيب

وللسيف إعوال وللرمح رنة

وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لها صم الجبال تذوب

يصلى على المهدي من آل هاشم

ويغزي بنوه إن ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد

فذلك ذنب لست منه اتوب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لهم صم الجبال تذوب

فمن يبلغن عني الحسين رسالة

وان كرهتها أنفس وقلوب

قتيلا بلا جرم كأن قميصه

صبيغ بماء الأرجوان خضيب

نصلي على المختار من آل هاشم

ونعزي بنيه إن ذلك عجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

وحبهم للشافعي ذنوب (١)

٧ ـ وقال مؤلف « إقناع اللائم » في الصفحة «١٥٩» ما نصه :

قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص : ذكر جدي في كتاب التبصرة قال : إنما سار الحسين الى القوم ، لأنه رأى الشريعة قد دثرت فجد في رفع قواعد أصلها. فلما حصروه فقالوا له : انزل على حكم ابن زياد. فقال : لا أفعل ، واختار القتل على الذل. وهكذا النفوس الأبية ، ثم أنشد جدي رحمه‌الله :

ولما رأوا بعض الحياة مذلة

عليهم وعز الموت غير محرم

أبوا أن يذوقوا العيش والذل واقع

عليه وماتوا ميتة لم تذمم

ولا عجب للاسد إن ظفرت بها

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى

وحتف علي من حسام ابن ملجم (٢)

__________________

(١) ينابيع المودة ٢ : ٣٣٢.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٤٥.

١٤٣

٨ ـ جاء في الصفحة «٢٢» من تاريخ « الكامل » (١) لابن الأثير ، المجلد الثامن ، في حوادث سنة «٢٩٤ هـ» ، ما نصه :

« لما توفي القداح قام بعده ابنه أحمد ، وصحبه إنسان يقال له : رستم بن راذان النجار ، من أهل الكوفة ، وكانا يقصدان المشاهد. وكان باليمن رجل اسمه محمد بن الفضل ، كثير المال والعشيرة ، من أهل الجند ، يتشيع. فجاء الى مشهد الحسين بن علي يزوره ، فرآه أحمد ورستم يبكي كثيراً. فلما خرج اجتمع به أحمد وطمع فيه لما رأى من بكائه ، والقى اليه مذهبه فقبله ، وسير معه النجار الى اليمن ».

٩ ـ في الصفحة «٥٢٦» من كتاب « مقاتل الطالبيين » السالف الذكر ، في حوادث سنة «١٩٩ هـ» ، عند ذكر قصة لحاق أبي السرايا السري بن المنصور بمحمد بن إبراهيم بن اسماعيل طباطبا ، وقيامهما ضد السلطة العباسية ، قوله :

« وأقبل أبو السريا على طريق البر حتى ورد عين التمر ـ وهي شفاثا الحالية بالعراق ـ في فوارس معه لا راجل فيهم ، وأخذ على النهرين حتى ورد الى نينوى ، فجاء الى قبر الحسين عليه‌السلام. قال نصر بن مزاحم : فحدثني رجل من أهل المدائن قال : إني لعند قبر الحسين في تلك الليلة وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر ، إذ بفرسان قد أقبلوا فترجلوا ، ودخلوا الى القبر ، فسلموا ، وأطال رجل منهم الزيارة ، ثم جعل يتمثل أبيات منصور بن الزبرقان الثمري وهو يبكي :

نفسي فداء الحسين يوم عدا

الى المنايا عدو الأقافل

ثم أقبل عليّ وقال : ممن الرجل؟ قلت : رجل من الدهاقين من أهل المدائن (٢).

١٠ ـ في الصفحة «٢١» من كتاب « مدينة الحسين » المار ذكره ما عبارته :

« روى الطوسي في اماليه ، بسنده عن أبي علي القماري.

__________________

(١) تاريخ الكامل لابن الأثير ٨ : ٣٠ سطر أول.

(٢) الكامل لابن الأثير ٨ : ٢٩ مع اختلاف فيه.

١٤٤

ومما يجب الاشارة اليه في هذه الفترة من الزمن : أنه في حوادث أواسط المائة الثانية من الهجرة سأل أحد المسيحيين المدعو يوحنا بن سرافيون بن موسى بن سريع أحد زملائه من المسلمين : لمن هذا القبر الذي يحجه المسلمون على شاطئ الفرات؟ فقيل له : قبر الامام الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام قتيل الطف. فعند ذلك خرج يوحنا قاصداً كربلاء في صفوف الزائرين ، وشاهد ما يعمله المسلمون المحبون لأهل البيت من النياح والبكاء عند القبر المطهر ، ثم يتبركون بتربة القبر .. وعلى أثره استسلم يوحنا وأخذ يزور قبر الحسين كل مرة مع الزائرين والوافدين الذين يقصدون زيارة قبر الحسين عليه‌السلام ».

١١ ـ وفي الصفحة «١١٠» من الكتاب نفسه ما عبارته :

« كما روى ابن الأثير : إنه وفد الى كربلاء ، صبيحة يوم العرفة سنة «٢٩٦ هـ» ، أحد أقطاب الشعوبيين المدعو أحمد بن عبد الله القداح ابن ميمون الديصان وبرفقته أحد دعاتهم ، المدعو رستم بن الحسين النجار ابن جوشب بن دادان الكوفي ، وصادف عند وصولهم الحائر وجود محمد بن الفضل اليماني ، الذي كان قادماً من اليمن لزيارة قبر الحسين ، ومحمد هذا من رجال المال والثراء والعشيرة في اليمن ، يتبعه كثير من الجند والخيل ، فشاهده يكثر البكاء عند قبر الحسين ، فاستغل ابن القداح كثرة بكائه ، ولما انتها من الزيارة وهم بالخروج من الحائر تبعه حتى اجتمع اليه وأفشى له سره ، معلناً له مطالبته بدم الحسين ، الأمر الذي دعا بمحمد أن يطاوعه وراح يشد أزرهم بماله ورجاله ، فتعاقدوا على بث الدعاية للخليفة الفاطمي ، محمد بن عبيد الله بن أحمد بن حسين بن عبد الله بن محمد بن اسماعيل بن الامام جعفر الصادق القائم بالقيروان ».

١٢ ـ وجاء في الصفحة «١١٩» من الكتاب نفسه ما هو آت ، عند ذكر زيارة الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن فريد ، أبو الأغر الأسدي ، للمرقد الحسيني سنة « ٥١٣ هـ » قال :

١٤٥

« قال : ولما ورد كربلاء دخل الى الحائر الحسيني باكياً حافياً ، متضرعاً الى الله أن يمن عليه بالتوفيق ، وينصره على أعدائه ... ».

هذه نبذة موجزة جداً عن أسماء بعض الصحابة والتابعين والأمراء وغيرهم ممن زاروا قبر الحسين بكربلا وبكوه ورثوه ، جئت بها على سبيل الايجاز ، إذ لو أردت إيراد التفاصيل في هذا الفصل لطال بي الكلام.

* * *

١٤٦

الفصل العشرون

النياحة على الحسين عليه‌السلام في عهد الأمراء البويهيين

لقد اتسع نطاق إقامة المناحات ومجالس العزاء على الحسين عليه‌السلام على عهد آل بويه ، في أواسط الحكم العباسي ، وقد أحيا هؤلاء الأمراء ورجال السلطة البويهية ما كان قد سبق من ذكريات هذه المناحات وشعارات المآتم ، وأضافوا عليها كثيراً من الحالات ، رغم معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيين لهم. ولم يقتصر إحياء هذه الذكريات والشعائر المؤلمة من قبل البويهيين على العراق ، بل تعداه الى سائر البلدان الاسلامية ، كمصر ، وشمال إفريقية ، وبعض البلدان العربية الأخرى ، وإيران ، وغيرها.

وإنه وإن لم يكن الأمراء البويهيون أول من أقام المناحة والعزاء والمآتم على الامام الحسين عليه‌السلام ولكنهم كانوا أول من وسعوها وأخروجوها من دائرة النواح الضيقة ، في البيوت والمجالس الخاصة والنوادي الهادئة ، وعلى قبر الامام الشهيد عليه‌السلام بكربلا ، الى دائرة الأسواق العلنية والشوارع المتحركة ، وتعويد الناس على اللطم على الصدور.

ولقد استمرت عادة النياحة على الامام الحسين عليه‌السلام واتسعت شعاراتها خلال مدة حكم آل بويه في العراق وإيران.

ذلك الحكم الذي ابتدأ سنة «٣٣٤ هـ» وانتهى في سنة «٤٦٧ هـ». وقد سقطت في فترة هذا الحكم السلطة من أيدي الخلفاء العباسيين ولم يبق لهم فيه غير الاسم

١٤٧

المجرد ، إذ كانت السلطة الحقيقية بيد البويهيين.

وفيما يلي بعض ما روته كتب التاريخ ومؤلفات السير عن النياحة على عهد البويهيين :

١ ـ ذكر كتاب « مدينة الحسين » في سلسلته الثانية ، عند البحث عن خدمات آل بويه في العراق والعتبات المقدسة ما عبارته :

« وهم ـ أي آل بويه ـ أول من بادروا بتخليد ذكر الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء إذ في محرم سنة ٣٥٢ هـ أمر السلطان معز الدولة الذي استولى على بغداد سنة ٣٣٤ هـ ، على عهد الخليفة المستكفي ، بتعطيل الأسواق ، وشل حركة البيع والشراء وأن يسقوا الماء بنصبهم القباب في الاسواق ، وخرجن النساء يلطمن وجوههن وينحن على الحسين عليه‌السلام. وبقيت هذه العادة مستمرة في كل عام من يوم عاشوراء حتى أواسط القرن السادس ، على عهد السلاجقة ... ».

٢ ـ جاء في الصفحة «٣٧٢» من المجلد الأول من « موسوعة العتبات المقدسة » المار ذكرها ، نقلاً عن كتاب « تاريخ الشيعة في الهند » لمؤلفه الدكتور هولبيستر ما نصه :

« وكان معز الدولة البويهيي في أيام تفوق البويهيين وحكمهم في بغداد هو الذي أدخل عادة إحياء الذكرى المؤلفه للحوادث التي وقعت في محرم ، وعين فترة الحداد ، فكانت بموجبه تغلق الأسواق ويعطل القصابون أعمالهم ويتوقف الطباخون عن الطبخ ، وتفرغ الأحواض والصهاريج بما فيها من الماء ، وتوضع الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرق ، وكانت النساء يمشين بشعور منشورة ، وأوجه مسودة ، وملابس ممزقة ، يلطمن الخدود ويولولن ، حزناً على الحسين الشهيد ، وكانت تقرأ في ذلك اليوم المراثي والمناحات كذلك.

وإن عادة إعلان الحداد العام خلال العشرة الاولى من محرم الحرام كانت أعظم ابتداع ابتدعه معز الدولة البويهي وكان هذا الأمر قد أصدره سنة ٩٦٣ م ،

١٤٨

فحتم على الناس إحياء الذكرى السنوية لمقتل الحسين. وقد استمرت هذه العادة منذ ذلك الوقت وأصبحت أشهر العادات وأبعدها صيتاً بين العادات والأعراف الشيعية المألوفة ... ».

٣ ـ ذكر السيد جواد الشهرستاني في الصفحة «١٦٠» من كتاب « نهضة الحسين » ختاماً لكتاب والده هذا ، ما نصه :

« وقد سجل التاريخ اهتمام معز الدولة البويهي ، وسائر الملوك البويهيين ، في الدولة العباسية ببغداد ، عام «٣٥٢ هـ» ، بشأن إقامة مآتم الحسين وإبرازها في هيئة مواكب خارج البيوت. فكانت النساء يخرجن ليلاً ، ويخرج الرجال نهاراً ، حاسري الروؤس ، حفاة الأقدام ، تحيتهم التعزية والمواساة بمأساة الحسين عليه‌السلام. ولا تزال هذه العادة الى الآن في مدن العتبات المقدسة ، في العراق وإيران ... ».

أقول : إنها لم تقتصر على العتبات المقدسة ، ولم تقتصر أيضاً على العراق وايران ، وإنما هي عادة متبعة في معظم بلدان العالم الاسلامي وقراها وقصباتها ..

٤ ـ ذكر الشيخ عبد العزيز جواهر الكلام ، في الصفحة «١١» من المجلد الأول من تأليفه « آثار الشيعة الامامية » ، عند ترجمة حياة معز الدولة أحمد بن بويه قوله :

« وكان متصلباً في التشيع ، أمر الناس بإقامة المأتم للحسين الشهيد عليه‌السلام في العشرة الأولى من محرم ، واستمرت عليها الشيعة من ذلك الحين ... ».

٥ ـ قال مؤلف « بغية النبلاء » السالف الذكر ، في الصفحة «٦٨» ما عبارته :

« وكان آل بويه يناصرون الشيعة ، وقد استكمل التشيع على عهدهم ، حتى أن معز الدولة أمر سنة «٣٥٢ هـ» بإقامة المآتم في عاشوراء. وكان ذلك أول مأتم أقيم في بغداد ... ».

أقول : لم يكن هذا أول مأتم في بغداد ، بل سبقته مآتم كثيرة فيها ، كما مر ذكر ذلك في الفصول المتعاقبة ، إلا إذا أريد بأنه كان أول مأتم عام في الاسواق

١٤٩

والشوارع ببغداد.

٦ ـ جاء في الصفحة «١٩٨» من المجلد الثالث ، من كتاب « قهرمانان إسلام » باللغة الفارسية ، أي : « أبطال الإسلام » لمؤلفه علي أكبر تشيد ، ما ترجمته :

« وكان معز الدولة الديلمي قد أصر بمزاولة عادة إقامة المأتم في يومي تاسوعاء وعاشوراء في بغداد وصارت الجماعات من القائمين بهذه المآتم تجوب أسواق بغداد ، بأعلامها الخاصة ، لاطمة صدورها ورؤوسها. كما أن السلطان معز الدولة البويهي كان يرتدي رداء الحداد والحزن ، ويتقدم عسكره المشترك في هذا المأتم. وهذه العادة التي لا زالت متداولة حتى الآن في الأقطار الاسلامية هي من آثار معز الدولة الممتازة وكان معز الدولة سلطاناً عادلاً ، وتوفي سنة ٣٥٦ هـ ... ».

٧ ـ جاء في الصفحة «٥٥» من كتاب « تاريخ الامامين الكاظمين » لمؤلفه الشيخ جعفر نقدي ، ما نصه :

« وكان معز الدولة البويهي مع وزرائه وأعيان دولته يزور الامامين عليهما‌السلام في كل خميس ، وكان يبيت مع هؤلاء ليلة الجمعة في بيت فخم أعده حول المشهد ، ثم يرتحل نهار الجمعة بعد تجديد الزيارة الى محل الحكم ».

وفي سنة «٣٥٢ هـ» أمر بإقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي عليهما‌السلام في شهر محرم ...

وأمر الناس ببغداد أن يغلقوا دكاكينهم في العاشر منه ويعطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا قباء عملوها بالمسوح ، وأن يخرج الرجال والنساء ، لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعّزونهما بالحسين عليه‌السلام.

وبقيت هذه السنة في العراق مدة الحكم البويهي. والعزاء الحسيني الذي يقام اليوم من آثار تلك السنة الكريمة ... ».

أقول : وهكذا كان معز الدولة البويهي قد أمر بالضرب على الصدر علناً

١٥٠

بهذه الكيفية التي نشاهدها اليوم ، وأيده العلماء والفقهاء في عصره الى يومنا هذا.

٨ ـ علق الشيخ محمد جواد مغنية في الصفحة «٢٨» من كتابه « دول الشيعة في التاريخ » على قول السيد مير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب : وهو أي معز الدولة البويهي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعه كربلاء. علق على ذلك بما نصه :

« أي جعله يوم حزن بصفة رسمية ، تعطل فيه الدوائر الحكومية وتقفل الأسواق ، وإلا فإن هذا اليوم هو يوم حزن عند الشيعة قبل المعز ، ومنذ اليوم الأول الذي استشهد فيه سيد الشهداء عليه‌السلام .. ».

٩ ـ قال ابن الاثير في حوادث سنة «٣٥٢ هـ» ما عبارته :

« في هذه السنة أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم في عاشر المحرم ، ويعطلوا الأسواق والبيع الشراء ، ويظهروا النياحة على الحسين ، ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنة قدرة على المنع ؛ لكثرة الشيعة ؛ ولأن السلطان منهم ... » (١).

واستطرد ابن الاثير في حوادث سنة «٣٨٩ هـ» وقال : « وكذلك عمل السنة في ١٨ محرم مثل ما عمل الشيعة يوم عاشوراء ، وقالوا : هو يوم قتل فيه مصعب بن الزبير ... » (٢).

١٠ ـ جاء في الصفحة «٤٠» من كتاب « دول الشيعة في التاريخ » المار الذكر ، ما لفظه :

« وما اقتصر آل بويه في خدمة التشيع على مظاهر الفرح يوم الغدير ، وشعائر الحزن يوم عاشوراء ، بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت بشتى الوسائل ».

١١ ـ وفي الصفحة «٣٨» من نفس الكتاب ، نقلاً عن كتاب مختصر تاريخ

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ٨ : ٥٤٩.

(٢) الكامل لابن الأثير ٩ : ١٥٥.

١٥١

العرب للسيد مير علي يقول :

« وكان معز الدولة محباً للفنون والعلم ، وهو الذي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء .. ».

وقد علق الشيخ مغنية على هذا القول : « بأنه جعله يوم حزن بصفة رسمية » كما مر ذلك.

١٢ ـ قال محمد كرد علي في كتابه « خطط الشام » صفحة «٢٥١» عن فرقة المتأولة ـ أي الشيعة ـ عند ذكر مأتم الحسين ما نصه :

« ويجتمع الشيعة في أيام عاشوراء ، فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاء عليه‌السلام وعهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة. وأول من رثاه أبو باهل الجمحي بقصيدة يقول فيها :

تبيت النشاوى من أمية نوماً

وبالطف قتلى ما ينام حميمها (١)

والظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب الأغاني (٢) : أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه ثم إن بني بويه أيام دولتهم عنوا بها مزيد العناية ، ولا تزال الى اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة وليست هي من المفروض كما يتوهم بل يستحبونها ، لأنها تصدر عن ولاء ومحبة .. ».

وعلى ذكر ديك الجن ، الشاعر الشهير ، وحضوره بعض اجتماعات المآتم الحسينية أنقل تالياً بعض الأبيات المنقولة عنه في البكاء على الامام الشهيد عليه‌السلام ورثائه ، وهي :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد

مترملاً بدمائه ترميلا

وكأنما بك يابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولما يرقبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

__________________

(١) الأغاني ٧ : ١٣٨ والصحيح أن الشاعر أبو دهبل كما ورد.

(٢) الأغاني ١٤ : ٥١.

١٥٢

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا (١)

وديك الجن ، هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، وقد توفي سنة ٢٣٦ ، أو ٢٣٥ هـ.

١٣ ـ جاء في الصفحة «٨٤» من كتاب « تاريخ كاظمين » باللغة الفارسية. لمؤلفه ميرزا عباس فيض ، ما ترجمته :

« وفي عاشوراء سنة ٤٢٣ هـ ١٠٣١ م وعلى عهد جلال الدولة البويهي ، اجتمع لفيف من شباب الشيعة الامامية من سكان الكرخ في مسجد براثا وارتقى الخطيب المنبر ، وشرع في بيان النهضة الحسينية وأسباب قيام الامام عليه‌السلام ضد الظلم والبغي والاستبداد ، ثم سرد فاجعة يوم عاشوراء سنة «٦١ هـ» وما جرى على الحسين الشهيد وآله وصحبه ، من فتك وقتل وسبي ، على يد جلاوزة بني أمية. مما أثار شعور المسلمين وألهب فيهم روح الحماس ، وبعد نزول الخطيب من المنبر تكتل المجتمعون الذين جاشت عواطفهم في هذا اليوم الفجيع والتحقق بهم عدد كبير من سكان تلك النواحي وساروا نحو المشهد الكاظمي ، لاطمين على صدورهم ورؤوسهم ، باكين نائحين ، ومرددين عبارات الحزن والأسى غير آبهين بأي شيء. ومهرولين تحت تأثيرحماء الحزن والكآبة لفاجعة كربلاء من ذلك المسجد حتى انتهوا الى مشهد الامامين الكاظمين ، وقد أقاموا فيه المناحة والنياحة طيلة ذلك اليوم ، مما لم يسبق له مثيل حتى ذلك التاريخ ... ».

١٤ ـ جاء في الصفحة «٢٨٦» من تاريخ الكامل لابن الأثير المجلد التاسع في حوادث سنة ٤٢٢ هـ ، ما نصه :

« زار الملك جلال الدولة ، أبو طاهر ، بن بهاء الدولة ، بن عضد الدولة ، بن بويه مرة مشهدي علي والحسين عليهما‌السلام. وكان يمشي حافياً قبل أن يصل الى كل

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ : ٢٤٤ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١١٧ ، وفي كلا المصدر بن عز خالد بن معدن.

١٥٣

مشهد منهما نحو فرسخ ، يفعل ذلك تديناً ... ».

١٥ ـ جاء في الصفحة «٨٧» من كتاب « التشيع والشيعة » لمؤلفه أحمد الكسروي ، عند ذكر آل بويه ما نصه :

« فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين والنواح عليه فوائد لهم. والظاهر من الكتب أنهم ابتدأوا بها من زمن آل بويه في بغداد ، حيث كان التنافس بين الفريقين شديداً ، والمشاحنات دائبة. كان السنيون يتخذون عاشوراء يوم سرور لهم لأنها عندهم من الأيام المتبركة ، والشيعة يتخذونها يوم غم ومأتم ، فيجتمعون في مجتمع ، أو ينشد لهم المنشد أشعاراً ، فيبكون وينوحون .. ».

١٦ ـ ذكر ابن كثير المتوفى سنة «٧٧٤ هـ» في تاريخه « البداية والنهاية » ما نصه :

« إنه في سنة ٣٥٢ هـ أمر معز الدولة أحمد بن بويه في العشر الأول من المحرم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد ويبطلون البيع والشراء ، وأن يلبس الناس السواد وأن يقيموا مراسم العزاء ويظهرون النياحة ، وأن يخرج الرجال والنساء لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعزونهما بالحسين عليه‌السلام. والعزاء الحسيني الذي يقام الآن في العالم الاسلامي هو من آثار تلك السنة. وقد توفي معز الدولة سنة ٣٥٦ هـ ودفن في داره ثم نقل الى مقابر قريش حيث بني له مشهد فيها ».

* * *

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني

١٥٤

تقريظ الجزء الأول من الكتاب

نشرت مجلة « الإخاء » الغراء التي تصدر باللغة العربية في طهران بعددها «٣٢٦» المؤرخ في ٢٦ ربيع الأول «١٣٩٤ هـ» الكلمة التالية في التعريف بالجزء الأول من هذا الكتاب ومؤلفه :

تاريخ النياحة

للاستاذ السيد صالح الشهرستاني

عرف الأستاذ السيد صالح الشهرستاني بولعه واهتمامه الشديدين في البحث في بطون الكتب ـ المطبوعة والمخطوطة ـ واستخراج ما يصلح منها للدراسة والاستزادة في العلم والمعرفة ، ليتحف الراغبين بنتاج فكره وجهده في مقالات يكتبها وكتب يضعها.

ولقد أسهم السيد صالح الشهرستاني لفترة ليست بالقصيرة في الكتابة في مجلة « الإخاء » وكان له الفضل في تعريف قراءها بقضايا تاريخية ولغوية واجتماعية ، فله من أسرة « الإخاء » وافر الشكر وعظيم التقدير.

وقد أهدانا أخيراً الجزء الأول من كتابه القيم وهو بعنوان « تاريخ النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام » فتصفحناه ووجدنا فيه ما لم يتطرق اليه باحث من قبل في هذا الشأن ، مما يدل على الجهد الضخم الذي بذله الاستاذ السيد صالح الشهرستاني في استقصاء المعلومات من كتب عديدة اعتمدها مصادر لمؤلفه الجديد ، حتى خرج بهذا الشكل والمضمون.

ولا يسعنا إلا أن نقدم لسيادته شكرنا وتقديرنا ، راجين له الموفقية في أعماله وداعين له بالعمر المديد والصحة والسعادة.

١٥٥

فهرست الجزء الأول

تقديم..................................................................... ٧

مقدمة المحقق............................................................. ١٣

مقدمة المؤلف............................................................ ٢١

الفصل الأول : النبي وأصحابه أول من بكوا الحسين......................... ٢٣

الفصل الثاني : بكاء علي وفاطمة على ابنهما ( ع )......................... ٣١

الفصل الثالث : أهل الحجاز يبكون الحسين ( ع ) عند مفارقته لهم........... ٣٧

الفصل الرابع : الحسين عليه‌السلام يتنبأ الكارثة.................................. ٣٩

الفصل الخامس : الحسين ينعى نفسه ويبكي آله............................. ٤٥

الفصل السادس : النياحة على آل الحسين ( ع )............................ ٥١

الفصل السابع : أعداء الحسين عليه‌السلام يبكونه................................. ٥٥

الفصل الثامن : نساء الحسين يندبنه في ساحة المعركة........................ ٥٧

الفصل التاسع : بنو أسد تدفن أجساد الشهداء.............................. ٦٣

الفصل العاشر : أهل الكوفة ينوحون على الحسين ( ع ) وأهله............... ٦٥

الفصل الحادي عشر : الشام ومناحتها على الحسين ( ع ) وأهله.............. ٧١

الفصل الثاني عشر : نوح السبايا والصحابة يوم أربعين استشهاد الحسين ( ع ). ٧٧

الفصل الثالث عشر : مدينة الرسول تندب الحسين عليه‌السلام وآله................ ٨١

الفصل الرابع عشر : أول نياحة على الحسين عليه‌السلام وآله في مصر.............. ٩١

الفصل الخامس عشر : اول من رثى الحسين ( ع ) بعد دفنه.................. ٩٩

الفصل السادس عشر : موقف الأمويين من النياحة على الحسين ( ع )....... ١٠٧

الفصل السابع عشر : التوابون ينوحون الحسين ( ع ) ويثورون على الأمويين. ١١١

الفصل الثامن عشر : بكاء الائمة على الحسين ( ع )...................... ١١٧

الفصل التاسع عشر : نياحة المشايخ والصحابة والعظماء على الحسين ( ع ).. ١٣٩

الفصل العشرون : النياحة على الحسين عليه‌السلام في عهد الأمراء البويهيين....... ١٤٧

١٥٦