تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

محمد ، وعلي بن الحسين ـ الى أن يقول عليه‌السلام ـ : وأما علي بن الحسين عليهما‌السلام فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة. وما وضع طعام بين يديه إلا بكى حتى قال له مولى له : جعلت فداك ، يا ابن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ( يوسف : ٨٦ ) إني لم أذكر مصرع ابن فاطمة إلا خنقتني العبرة ».

٨ ـ وجاء في الجزء «١ : ١٥٦» من نفس الكتاب ما عبارته :

« روي انه كان إذا حضر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال : واكرباه (١) ، يكرر ذلك. ويقول : قتل ابن رسول الله خائفاً ، قتل ابن رسول الله عطشاناً ، حتى يبل بالدموع ثيابه.

وحدّث مولى له ، أنه مر (٢) يوماً الى الصحراء قال : فتعقبته (٣) فوجدته قد سجد على حجارة خشنة. وقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة وهو يقول : لا إله إلا الله حقاً حقاً. لا إله إلا الله تعبداً ورقاً. لا إله إلا الله إيماناً وتصديقا. ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينه (٤). فقلت : يا سيدي ، أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقل؟ فقال لي : ويحك .. » الى آخر القصة التي مر ذكرها.

٩ ـ جاء في الصفحة «٢٤٩» من موسوعة « أعيان الشيعة » المجلد «٤» القسم الأول ، عند ذكر شعر الامام زين العابدين هذه الابيات :

نحن بنو المصطفى ذوو غصص

يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا

أولنا مبتلى وآخرنا

__________________

(١) في المصدر ( واكربلاه ).

(٢) في المصدر ( برز ).

(٣) في المصدر ( فتبعته ).

(٤) في المصدر ( عينيه ).

١٢١

يفرح هذا الورى بعيدهم

ونحن أعيادنا مآتمنا

والناس في الامن والسرور وما

يأمن طول الزمان خائفنا

وما خصصنا به من الشرف الطا

ئل بين الانام آفتنا

يحكم فينا والحكم فيه لنا

جاحدنا حقنا وغاصبنا

١٠ ـ وفي الصفحة «١٠٧» من كتاب «أقناع اللائم» ماعبارته :

« روي عن علي بن ابراهيم في « تفسيره »(١) ، وابن قولويه في «الكامل»(٢) ، والصدوق في «ثواب الاعمال»(٣) باسانيدهم : ان الامام الخامس الناقر عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين يقول : «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما‌السلام دمعة حتى تسيل على خده (٤) لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بواه الله مبوا صدق في الجنة ».

١١ـ وروي في «الكامل» بسنده عن أبي جعفر الصادق عليه‌السلام قال : « كان علي بن الحسين يقول : من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له بدون الجنة »(٥).

١٢ـ جاء في الصفحة «٦٤٥» من «موسوعة آل النبي» عند ذكر اسم الامام زين العابدين في سلسلة أسماء البكائين ما نصه :

« ويضاف اسمه ـ أي اسم زين العابدين ـ الى أسماء البكائين فيقال : وبكى زين العابدين أباه الحسين ... ».

__________________

(١) تفسير علي بن ابراهيم ٢: ٢٩١.

(٢) كامل الزيارات لابن قولويه : ١٠٠.

(٣) ثواب الاعمال للصدوق : ٨٣.

(٤) في التفسير زيادة ( بواه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لأذى ... ).

(٥) كامل الزيارات : ١٠٠.

١٢٢

ب ـ بكاء الامام الخامس محمد الباقر عليه‌السلام.

أما الامام الخامس محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام الباقر فقد شحت الروايات عن ذكر اقامة المآتم والنياحات العلنية على عهده. وسبب ذلك هو شدة ضغط الأمويين عليه وعلى آله وصحبه ، الأمر الذي كان يدعو الامام عليه‌السلام وآله الى اتخاذ جانب الحيطة والحذر والتقية ، واقامة مثل هذه المآتم في بيوتهم الخاصة وراء الاستار الكثيفة ولم يحضرها سوى خاصتهم ، وفيما يلي بعض الروايات عن ذلك :

١ـ جاء في الصفحة «١٥٢» من كتاب «نهضة الحسين» ما نصه :

« يحدثنا التاريخ الاسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي انهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هل هلال المحرم ، وتفد عليهم وفود من الشعراء العرب لتجديد ذكرى الحسين لدى أبنائه الأماجد. وقد ألقوا روائع في فن الرثاء والتسلية والتذكير باسلوب ساحر أخاذ ، وظل شعرهم خالدا رغم كر العصور.

فقد كان الشاعر العربي الكميت بن زيد الأسدي من شعراء العصر الأموي ، والمتوفى في سنة «١٢٦هـ » قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم وذكر مصائب آل الرسول عليهم‌السلام حتى سميت قصائده بالهاشميات ، وكان ينشد معظمها في مجالس الامام الصادق ، وأبيه محمد الباقر ، وجده علي بن الحسين عليهم‌السلام ».

٢ـ جاء في « كامل الزيارات » لابن قولويه صفحة «١٧٥» عن مالك الجهني قال :

« ان الباقر قال في يوم عاشورا : وليندب الحسين ويبكه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء عليه ، بعضهم في البيوت. وليعّز بعضهم بعضا بمصاب الحسين. فانا ضامن على الله لهم اذا فعلوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي حجة وعمرة وغزوة مع رسول الله والائمة الراشدين ».

١٢٣

٣ـ جاء في الصفحة «١٢٦» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر شاعر آل البيت الكميت الأسدي صاحب « الهاشميات » قوله :

« فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين ، فلما بلغ من الميمية قوله :

وقتيل بالطف غودر منهم

بين غوغاء أمة وطغام

بكى الامام ، ثم قال : ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ماذببت عنا أهل البيت ... ».

٤ـ جاء في الصفحة «١٠٦» من كتاب « اقناع اللائم » ماعبارته :

« وروى الشيخ الطوسي في « مصباح المتهجد » بسنده عن أبن جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال وذكر ثواب زيارة الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيا وقال :

« ان البعيد يومئ اليه بالسلام (١) ، ويجتهد(٢) في الدعاء على قاتله ، ويصلي(٣) من بعده ركعتين. قال : وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين وليبكه ، ويأمر من في داره ممن لا يتعبه(٤) بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة باظهار الجزع عليه ... » (٥).

٥ـ وجاء في الصفحة «١٠٥» من الكتاب نفسه مانصه :

« روى ابن قولويه في كامله بسنده عن الباقر عليه‌السلام انه قال : ايما مؤمن دمعت

__________________

(١) في المصدر هكذا العبارة : وصعد سطحا مرتفعا في داره وأوما اليه بالسلام.

(٢) في المصدر (واجتهد).

(٣) في المصدر (وصلى من بعد).

(٤) في المصدر ( لا يتقيه ).

(٥) مصباح المتجهد : ٧١٤.

١٢٤

عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا »(١).

٦ـ في الصفحة «٣٣» من كتاب « ثورة الحسين» لمؤلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المطبوع في النجف سنة ١٣٩٠هـ قوله :

« لقد بدأت تظهر آثار ثورة الحسين في الوجدان الشعبي من شعر الرثاء لشهداء الثورة ، وفي شعر النوح والتوبة من أولئك الذين قعدوا عن مناصرة الثورة أو ساهموا في الحرب ضدها ... ».

ثم يستطرد المؤلف ويقول :

« ولكن نشوب الثورة في الحجاز ضد الحكم الأموي وامتدادها الى العراق وغيره ، وانطلاق الأعمال الانتقامية ضد الامويين وأعوانهم ، أطلق فيضا من الشعر الرثائي لثوار كربلاء.

ويبدو لي أنه في هذه المرحلة بالذات بدأت المآتم الحسينية بشكل بسيط. ولا بد أنها بدأت على شكل اجتماعات صغيرة ، يعقدها نفر من المسلمين الناقمين من أتباع أهل البيت وغيرهم في بيت أحدهم ، فيتحدثون عن الحسين وعما جرى عليه ، وينتقدون السلطة التي حاربته وامتدادها القانوني المتمثل في السلطة المعاصرة له ويتبرأون منها. وربما تناشدوا شيئا من شعر الرثاء الذي قيل في الثورة ، وفي بطلها وقتلاها ، وقد تطورت هذه المآتم عبر العصور فمرت في أدوار متميزة حتى انتهت الى أيامنا هذه الى الشكل الذي تقام به الآن ... ». ثم يواصل الكاتب كلامه ببيان العوامل التي أنشات هذه المآتم ويقول ماعبارته :

« الرابع : تشجيع أئمة أهل البيت على احياء هذه الذكرى ، وحثهم على نظم الشعر وانشاده في شأنها ، وعقدهم لمجالس الذكرى في بيوتهم ، واستقبالهم للشعراء

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٠.

١٢٥

وسماعهم لهم.

وقد تعاظم تركيز الأئمة على هذا منذ عهد الامام الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ومن الاسماء البارزة في هذه المجالس الكميت بن زيد الأسدي ، والسيد الحميري ، وجعفر بن عفان ، ودعبل الخزاعي ، وغيرهم ... ».

ج ـ بكاء الامام السادس جعفر الصادق عليه‌السلام

أما الامام السادس جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فإنه كان من أكثر الأئمة عليهم‌السلام حزناً وبكاء ونياحة على جده الامام الشهيد عليه‌السلام. والروايات في وصف بكائه ونحيبه كثيرة ومتواترة ، وقد ملأت بطون كتب التاريخ وأسفار الحديث والمرويات. وأنقل تالياً بعض هذه الرويات :

١ ـ روى كتاب « إقناع اللائم » صفحة «٩٧» عن ابن قولويه في « الكامل » بسنده عن ابن بصير. قال : « كنت عند أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام فدخل عليه ابنه ، فقال له : مرحباً وضمه وقبله ، وقال : حقر الله من حقركم ، وانتقم ممن وتركم ، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء السماء وبكاء الانبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير ، إذا نظرت الى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أوتى الى أبيهم واليهم. يا أبا بصير إن فاطمة لتبكي ... ».

ثم يستطرد الامام فيقول :

« أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة. فبكيت حين قالها فما قدرت على النطق من البكاء » (١).

٢ ـ وفي « إقناع اللائم » أيضاً ما نصه :

__________________

(١) كامل الزيارات : ٨٢.

١٢٦

« عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء الى دار مولاي جعفر الصادق عليه‌السلام فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ ، فأطال في سجوده ، وبكائه ، فسمعته وهو ساجد يناجي ربه ويدعو بالغفران لنفسه ولإخوته ولزوار أبي عبد الله الحسين ويكرر ذلك ... ».

ثم يستطرد معاوية فيقول :

« فلما رفع مولاي رأسه أتيت اليه وسلمت عليه وتأملت وجهه ، فإذا هو كاسف اللون ، متغير الحال ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب. فقلت : يا سيدي ممن بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟ وما الذي حل بك؟ فقال لي : أو في غفلة أنت عن هذا اليوم؟ فبكيت لبكائه ، وحزنت لحزنه. فقلت : يا سيدي فما الذي فعل في مثل هذا اليوم؟ فقال : يا ابن وهب ، زر الحسين عليه‌السلام من بعيد أقصى ، ومن قريب أدنى وجدد الحزن عليه ،وأكثر البكاء عليه والشجو له ... ».

ثم يواصل معاوية الكلام ويقول :

« فقلت : جعلت فداك ، لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعاءك لزواره. فقال لي : يا ابن وهب إن الذي يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الارض ، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد. فمن تركها لخوف أحد رأى الحسرة والندم. يا ابن وهب ، أما تحب أن يرى الله شخصك؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله عليه‌السلام يوم القيامة؟

قلت : يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت؟ فقال لي : لاتجعله صوم يوم كامل. وليكن إفطارك بعد العصر بساعة ، على شربة من ماء ، فإنه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم ، ومنهم في الارض ثلاثون قتيلاً ، يعزعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصرعهم ، ولو كان حياً لكان هو المعزى بهم.

ثم بكى الصادق عليه‌السلام حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ولم يزل حزيناً كئيباً

١٢٧

طول يومه ذلك : وأنا أبكي لبكائه وأحزن لحزنه ... » (١).

٣ ـ روى الصدوق في « الامالي » (٢) ، وابن قولويه في « الكامل » (٣) بسنديهما عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام قال لي : يا أبا عمارة ، أنشدني في الحسين بن علي. فانشدته فبكى ، ثم انشدته فبكى قال : فو الله ما زلت أنشده فيبكي حتى سمعت بكاء من في الدار. فقال : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة ... ».

٤ ـ وروى الكشي في كتاب « الرجال » (٤) عن زيد الشحام قال : كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق ، ونحن جماعة من الكوفيين. فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله ، فقربه وأدناه. ثم قال : يا جعفر. قال : لبيك ، جعلني الله فداك. قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين عليه‌السلام وتجيد فقال له : نعم ، جعلني الله فداك. قال : قل. فأنشده ، فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته. ثم قال : يا جعفر ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين هاهنا يسمعون قولك في الحسين ، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر. ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها ، وغفر الله لك فقال : يا جعفر ، أولا أزيدك! قال : نعم يا سيدي. قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له .. ».

__________________

(١) اقناع اللائم : ٩٦ مع اختلاف فيه.

(٢) أمالي الصدوق : ١٢١ | ٦.

(٣) كامل الزيارات : ١٠٥ مع اختلاف فيه.

(٤) الكشي في كتاب الرجال : ٢٨٩ | ٥٠٨.

١٢٨

٥ ـ وروى أبو الفرج الاصفهاني في أغانيه (١) ، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي ، عن أبيه قال : « كنت عند بي عبد الله جعفر بن محمد ، فاستأذن (٢) آذنه للسيد الحميري ، فأمر بإيصاله ، واقعد حرمه خلف ستر. ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده فأنشده قوله :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيه

آ أعظماً لا زلت من

وطفاء ساكبة رويه

واذا مررت بقبره

فأطل به وقف المطيه

وأبك المطهر للمطهر

والمطهرة النقيه

كبكاء معولة أتت

يوما لواحدها المنية

قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد عليه‌السلام تتحدر على خديه ، وارتفع الصراخ من داره حتى أمره بالإمساك فأمسك ... ».

وروى ابو الفرج في أغانيه (٣) ، عن التميمي ، عن أبيه ، عن فضيل الرسان. قال : أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد :

لأم عمرو باللوى مربع

دارسة أعلامه برقع

فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هي؟ فأخبرته انها للسيد. وسألني عنه فعرفته وفاته ، فقال : رحمه‌الله ... ».

٦ ـ وروى الصدوق في « ثواب الاعمال » بالاسناد الى أبي هارون المكفوف. قال : أدخلت على أبي عبد الله الصادق فقال لي : يا أبا هارون ، أنشدني في الحسين ، فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ فأنشدته.

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه.

__________________

(١) الاغاني ٧ : ٢٤٠.

(٢) في المصدر ( إذ استأذن ).

(٣) الاغاني ٧ : ٢٤١.

١٢٩

قال : فبكى .. ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى.

ما لذ عيش بعد رضك

بالجياد الأعوجيه

فبكى. وسمعت البكاء من خلف الستر (١).

٧ ـ وفي « إقناع اللائم » عن خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام قال : « لقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليه‌السلام. وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشق الجيوب ... ».

٨ ـ وفي بعض الروايات : « إن الصادق عليه‌السلام قال : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له ، ووجبت له الجنة » (٢).

٩ ـ في الصفحة ١٥٩ من المجلد الأول « المجالس السنية » ما نصه :

« روي عن الصادق أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ، ولا اختضبت ، ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد.

وعن فاطمة بنت علي بن أبي طالب انها قالت : ما تحنأت امرأة منا ، ولا أجالت في عينها مروداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد .. ».

١٠ ـ وفي صفحة «٨١» من كتاب « المجالس الحسينية » السالف الذكر ، من دعاء للامام الصادق عليه‌السلام :

« اللهم أرحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا. وأرحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا .. وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا ... ».

١١ ـ جاء في الصفحة «١٠٨» من « إقناع اللائم » ما يلي :

« روى ابن قولويه في الكامل بأسانيده عن أبي عماره المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله جعفر الصادق في يوم قط فرؤي مبتسماً ذلك

__________________

(١) ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : ٨٣.

(٢) ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : ٨٤.

١٣٠

اليوم الى الليل. وكان أبو عبد الله يقول : الحسين عبرة كل مؤمن » (١).

١٢ ـ وجاء في الصفحة «١٠٥» منه أيضاً ما يلي :

« روى الشيخ الطوسي في الأمالي ، عن المفيد ، بسنده عن أبي عبد الله الصادق أنه قال : « كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين ... » (٢).

وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق انه قال : « إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليه‌السلام فأنه فيه مأجور » (٣).

ومما يجدر الاشارة اليه هنا : ان النائحين على الحسين قد وجدوا متنفساً على أواخر عهد الامام الباقر وطوال عهد الامام الصادق لبيان حزنهم ، وإقامة مآتمهم ، وإحياء ذكرى عزاء الحسين وآله وأصحابه.

إذ إن الفترة الواقعة في زمن هذين الإمامين بين عهد مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين ، وأبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين ، كانت فرصة مؤآتية للامام محمد الباقر وابنه الامام جعفر الصادق لبث علوم أهل البيت ونشرها على الناس ، وإحياء ذكرى الامام الحسين وإذاعتها ، والنياحة عليه علناً بعد أن كانت سراً.

د ـ بكاء الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام

والمرويات عن نياح وبكاء الامام السابع موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ضئيلة. وأنقل تالياً ما عثرت عليه من ذلك في بطون الكتب.

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٢) امالي الطوسي ١ : ١٦٣.

(٣) كامل الزيارات : ١٠٠.

١٣١

١ ـ نقل عن الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام المدفون في مشهد طوس بخراسان في إيران أنه قال :

« كان أبي إذا دخل محرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي منه عشرة أيام. فإذا كان اليوم العاشر منه كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه. ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين » (١).

أقول : أما سبب عدم تحرك أهل البيت ونشاطهم ومواليهم في إحياء ذكرى مجزرة كربلاء ومقتل الامام الشهيد وأصحابه على عهد هذا الامام ، فهو الضغط الشديد عليهم من جراء السياسة الخشنة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون ولا سيما هارون الرشيد ضد آل البيت والعلويين ، وما كان يلاقيه الامام موسى الكاظم من عنت ومعارضة وتحديد لحريته ، وتقييد لحركاته وسكناته من قبل السلطات الممثلة للخلفاء العباسيين ، وكانت نكبة آل البيت وشيعتهم على هذا العهد رهيبة للغاية ، وأصبحت اجتماعاتهم ومجالسهم محدودة جداً ، ومراقبة مراقبة شديدة كما كانت تحصى عليهم حركاتهم وسكناتهم وحتى أنفاسهم. خاصة وأن إمامهم موسى بن جعفر علهيما السلام قضى أكثر أيامه مطارداً أو رهين سجن العباسيين ، ذلك السجن الذي قضى فيه نحبه مسموماً.

هـ ـ بكاء الامام علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام

وقد امتلأت كتب التاريخ ومؤلفات الرواة بأخبار حزن ونياحة الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام على جده الحسين عليه‌السلام وأنقل تالياً نبذاً منها :

١ ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » انه :

« روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا عليه‌السلام قال : إن المحرم شهر كان

__________________

(١) أمالي الصدوق ٢ : ١١١.

١٣٢

أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النار في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام » (١).

٢ ـ وروى الصدوق في « الأمالي والعيون » بسنده عن الريان بن شبيب قال : « دخلت على الرضا عليه‌السلام في أول يوم محرم. قال : يا ابن شبيب ، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتل لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً. يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ، فانه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل الى الارض من الملائكة أربعة الآف لنصره فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم : ( يا لثارت الحسين ). يا ابن شبيب ، لقد حدثني أبي ، عن أبيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين عليه‌السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمراً. يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، قليلاً كان أو كثيراً ... » الى آخر الحديث (٢).

٣ ـ وحكي عن الشاعر الشهير دعبل الخزاعي أنه قال : « دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى عليهما‌السلام بمرو في أيام عشرة المحرم ، فرأيته جالساً

__________________

(١) امالي الصدوق : ١١١ | ٢.

(٢) امالي الصدوق : ١١٢ | ٥.

١٣٣

جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه جلوس حوله. فلما رآني مقبلاً قال لي : مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه ، وأجلسني الى جانبه ، ثم قال : يا دعبل أحب أن تنشدني شعراً فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أمية. ثم إنه نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين. ثم التفت اليّ وقال يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً. قال دعبل : فاستعبرت ، وسالت دموعي وأنشأت :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً

وقد مات عطشانا بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

الى آخر القصيدة التائية التي تناقلتها جميع كتب التاريخ وأسفار الحديث ، واعتبرتها من أبلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزناً (١).

٤ ـ وفي « إقناع اللائم » ما نصه :

روى الصدوق في « عيون أخبار الرضا » بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه‌الله على ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله ، إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك. فقال عليه‌السلام : هاتها فأنشده :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ البيت :

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى الامام الرضا عليه‌السلام وقال له : صدقت يا خزاعي (٢).

٥ ـ نقلت كتب الحديث عن الامام الرضا عليه‌السلام عن يوم عاشوراء ما يلي :

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٥ : ١٥٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦٧.

١٣٤

« من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك فيما ادخر » (١).

٦ ـ وجاء في الروايات : إن الشاعر إبراهيم بن عباس دخل على الامام الرضا عليه‌السلام وأنشد قصيدته التي يقول في أولها :

أزال عزاء القلب بعد التجلد

مصارع أولاد النبي محمد

فبكى الامام عليه‌السلام ، وبكى من في مجلسه عند إنشاد هذه القصيدة.

٧ ـ جاء في الصفحة «١٧٨» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر قصيدة دعبل التائية وإنشادها أمام الامام الرضا قوله :

« وبكى الامام الرضا حين أنشد دعبل القصيدة ، وبكت معه النسوة والأطفال. وما زال الشيعة يتلونها الى اليوم على المنابر ويبكون ... ».

أقول : إن قصيدة دعبل الخزاعي هذه بلغت «١٢٠» بيتاً ، وكل أبياتها شجية ، ومن أشجاها هذان البيتان :

سأبكيهم ما ذر في الأرض شارق

ونادى مناد الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات (٢)

وقد عاش دعبل «٩٨» سنة وكان مجيئه الى مرو لزيارة الامام الرضا عن طريق البصرة سنة «١٩٨ هـ» ، وبقى فيها عند الامام الى سنة ٢٠٠ هـ وتوفي سنة «٢٤٦ هـ» بالطيب ، وهي بلدة بالقرب من الاهواز.

وأجد مناسباً هنا بأن أنقل بعض ما نظمه دعبل في رثاء الامام الشهيد عليه‌السلام والنياحة عليه. فمن قصيدة له فيه :

__________________

(١) امالي الصدوق ١١٢ | ٤.

(٢) بحار الانوار ٤٥ : ٢٥٧.

١٣٥

زر خير قبر بالعراق يزار

واعص الحمار فمن نهاك حمار

لم لا أزورك يا حسين لك الفدا

قومي ومن عطفت عليه نزار

ولك المودة من قلوب ذوي النهى

وعلى عدوك مقتة ودمار

يابن الشهيد ويا شهيداً عمه

خير العمومة جعفر الطيار (١)

ولدعبل أيضاً من قصيدة :

و ـ بكاء بقية أئمة الهدى عليهم‌السلام على جدهم

أما شعائر النياحة والحزن ، وإقامة المآتم والعزاء على شهيد كربلاء وآله بعد الامام الثامن علي بن موسى الرضا وعلى عهد الأئمة الاربعة الآخرين ـ الامام التاسع : محمد بن علي التقي ، والامام العاشر : علي بن محمد النقي ، والامام الحادي عشر : الحسن بن علي العسكري ، والامام الثاني عشر : القائم ، محمد بن الحسن عليهم‌السلام ـ فقد أخذت تسير سيراً صعودياً أحياناً ، وهبوطياً أحياناً أخرى ، تبعاً للساسة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون وسلطاتهم تجاه شيعة آل محمد عليه‌السلام وهؤلاء الأئمة الأربعة الهداة. وكانت الحرية تطلق بعض الوقت لهؤلاء الأئمة ومواليهم وشيعتهم بإقامة شعائرهم ومناحاتهم على الامام الشهيد ، فيقيمونها سراً أو علناً كما كانت تحدد هذه الحرية زمناً ، ويمنع إقامة هذه الشعائر

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ : ١٠٠.

١٣٦

الحزينة علناً ، وحتى سراً أحياناً.

ففي عهد الامام التاسع محمد الجواد التقي ، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة هذه ، لأن الخليفة المأمون كان متساهلاً معهم خاصة وأن الامام محمد الجواد كان صهره على ابنته أم الفضل ، وكانت المآتم على الامام الحسين تقام في دور العلويين علناً ودون أي ضغط ، وليس من يعارضهم في ذلك. وقد استمرت هذه الحالة على عهد المعتصم ايضاً الذي كان يسعى لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت ، ويمنع إدخال الضغط عليهم الى حد ما ، ويسمح لهم بإقامة المناحات على الحسين الشهيد ، في دورهم وخارجها ، سراً وعلناً.

أما بعد المعتصم ـ أي على عهد الأئمة الثلاثة الآخرين ـ فقد أخذت السلطات الحاكمة بإيعاز من الخلفاء العباسيين الذين خلفوا المعتصم تشدد على هؤلاء الأئمة عليهم‌السلام وشيعتهم ومواليهم ، وتمنعهم من إقامة شعائر العزاء والحزن على الحسين عليه‌السلام ، وتحد من حرياتهم في ذلك. غير أن المقيمين لهذه المآتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم وإن لم يستطيعوا إقامتها علناً وجهاراً ، وكانوا يستعملون التقية ، ويسدلون الأستار على الأماكن التي كانوا يقيمون فيها هذه الشعائر الحزينة في دورهم ، وخاصة عند قبور الأئمة ، كقبر الامام الحسين بكربلاء ، وقبر الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في النجف ، وقبري الامامين الجوادين في الكاظمية ـ مقابر قريش ـ. ولذلك نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية على عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً.

وهكذا كان شأن إقامة هذه النياحات والمآتم ، وحفلات الحزن وشعائر العزاء على الحسين الشهيد ، على عهد الأئمة الأطهار الاثني عشر عليهم‌السلام بين مد وجزر ولكنهم عليهم‌السلام كانوا لا يتركون أية فرصة في كل عصر وجيل إلا حثوا شيعتهم ومواليهم على البكاء على الحسين عليه‌السلام ، والحزن لقتله ، ورثائه بالأشعار والقصائد ، وإقامة العزاء والمآتم عليه ، واتخاذ يوم عاشوراء خاصة يوم حزن وبكاء ونياحة.

١٣٧
١٣٨

الفصل التاسع عشر

نياحة المشايخ والصحابة والعظماء على الحسين عليه‌السلام

أما حزن الصحابة ومن على شاكلتهم ، ونياحتهم على الامام الشهيد عليه‌السلام وفي مختلف العصور والأدوار ، فقد ملأت أخبارها بطون الكتب والأسفار ، وتحدث بها الركبان ، وتناقلتها الألسنة. وقد بدأ ذلك منذ وقوع الحادث المفجع وحتى الوقت الحاضر ، ولم تتقصر هذه النياحات على فئة خاصة ، من المشايخ ، والصحابة ، والأمراء والوزراء. والعلماء ، والعظماء ، والأماجد ، بل شملت جميعهم ..

وفيما يلي نأتي على ذكر طائفة قليلة من أسماء هؤلاء الذين ناحوا على الحسين وبكوه ورثوه وحزنوا عليه ، منذ اليوم الذي أحتز رأسه في ساحة كربلاء ، ثم نقل الى الكوفة ، ثم الى دمشق وغيرها من المدن والأمصار وخاصة منهم من كان قريب عهد بتلك المجزرة الرهيبة ..

١ ـ جاء في « الصواعق المحرقة » (١) لابن حجر ، و « تذكرة الخواص » (٢) لسبط ابن الجوزي وغيرهما من رواة الحديث السنة :

انه روى ابن أبي الدنيا عند ذكر وضع رأسه الحسين عليه‌السلام بين يدي ابن زياد في الكوفة وضربه ثنايا الامام عليه‌السلام بالقضيب ما نصه :

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١١٨.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٣١.

١٣٩

« إنه كان عند ابن زياد الصحابي زيد بن الأرقم ، فقال لابن زياد : إرفع قضيبك ، فو الله لطالما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل ما بين هاتين الشفتين. ثم جعل زيد يبكي. فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فنهض زيد وهو يقول : أيها الناس ، أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، والله ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم ، فبعداً لمن رضي بالذل والعار.

ثم قال : يا ابن زياد ، لاحدثنك بما هو اغلظ عليك من هذا : رأيت رسول الله أقعد حسناً على فخذه اليمنى وحسيناً على فخذه اليسرى ، ثم وضع يده على يافوخيهما ، ثم قال : اللهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندك يا ابن زياد؟ .. ».

ونقل هذا الحادث الطبري (١) أيضاً بسنده عن حميد بن مسلم ، وأورده ابن الأثير في تاريخه باختصار. وكذا أبو حنيفه الدينوري في « الاخبار الطوال » ، وكذا « منتخب كنز العمال » للشيخ علي الهندي ، ولكن بعبارات قليلة الاختلاف.

٢ ـ ومن التابعين الذين بكوا الحسين بغزارة الحسن البصري. ففي « تذكرة الخواص » لسبط ابن الجوزي : قال الزهري : « لما بلغ الحسن البصري قتل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه. ثم قال : واذل أمة قتلت ابن بنت نبيها ، والله ليردّنّ رأس الحسين الى جسده ثم لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة » (٢).

٣ ـ وممن بكى الحسين وكان قد رآه قبل استشهاده أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والربيع بن خيثم ، وأنس بن مالك وغيرهم.

فقد جاء في الصفحة «٦٧» من كتاب « إقناع اللائم » ما عبارته :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٣٤٩.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٤٠.

١٤٠