تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

مقدمة المؤلف

كان الصديق الجليل الاستاذ السيد حسن الامين في إحدى زياراته في صيف سنة ١٣٨٨ هـ ( ١٩٦٨ م ) لطهران قد تكرم وعادني في داري بمصيف شمران. وفي أثناء مطالعاته في بعض مسودات إحدى مجموعاتي في مكتبتي المتواضعة عثر على قصاصات من وريقات دونت فيها نبذاً مما كنت قد نقلته من بطون مختلف الكتب والاسفار عن تاريخ العزاء الحسيني ، والتطورات التي طرأت على النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في مختلف العصور والقرون. فسألني هذا الزائر الكريم عن الهدف من تدوين هذه النبذ واستنساخها من مصادرها العديدة ، فأجبته أنها قد تكون نواة لرسالة يسعفني العمر بتدوينها وتبويبها وطبعها.

فوقعت هذه الفكرة من لدنه موقع الاستحسان والتشجيع ، وأخذ يحثني في اجتماعاتنا المتتالية ، وفي رسائله المتعاقبة لي من بيروت الى طهران على لزوم إتمام هذا المشروع وإخراجه الى حيز الطبع والنشر.

وهذه الالحاحات من السيد الأمين وحاجة المكتبات الاسلامية والعربية في مختلف أقطارها الى سفر يجمع بين دفتيه ما تناثر في بطون الكتب والمؤلفات عن تاريخ العزاء الحسيني والمناحات على الامام الشهيد عليه‌السلام ، دعتني بل واوجبت علي أن أبذل أقصى الجهد والتتبع والتحقيق في هذا الموضوع التاريخي الهام خلال السنوات الخمس الماضية ، وإتمامه وتدوينه في مجموعة مستقلة تسهل على القارئ

٢١

الكريم الرجوع اليه دون أن يضطر الى مراجعة العشرات والمئات من المؤلفات فيما لو أراد الاطلاع على بعض جوانب تاريخ العزاء الحسيني.

لقد كان التوفيق حليفي ولله الحمد في إنجاز ما اعتزمت على إتمامه وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام سنة ١٣٩٣ هـ ( شباط ١٩٧٣ م ). وعساني أن أكون قد أديت بذلك بعض الواجبات والخدمة لجدي الأعلى إمام الشهداء وعظيم المضحين في سبيل الحق والحققة ورفع راية القرآن الكريم.

وقد قسمت المواضيع على فصول حسب تسلسل التاريخ من صدر الاسلام حتى عصرنا هذا .. كما سيلاحظ القارئ ، ذلك. والله ولي القصد.

طهران ـ غرة ذي القعدة ١٣٩٣ هـ

٢٧ تشرين الثاني ١٩٧٣ م

السيد صالح الشهرستاني

* * *

٢٢

الفصل الأول

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه أول من بكوا الحسين عليه‌السلام

لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة على أن جبرئيل قد أوحى (١) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ مقتل الامام الشهيد الحسين عليه‌السلام ومكان استشهاده. وفيما يلي بعض هذه الروايات في ذلك :

١ ـ قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة « ٣٠ » من مصنفه : ( إقناع اللائم على إقامة المآتم ) ما نصه :

ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه ( اعلام النبوة ) صفحة ٨٣ طبع مصر فقال :

ومن إنذاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رواه عروة عن عائشة قالت : « دخل الحسين بن علي عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوحى اليه ، فبرك عل ظهره وهو منكب ولعب على ظهره ، فقال جبرئيل : يا محمد ، إن أمتك ستفتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه الأرض يقتل ابنك ـ اسمها الطف ـ. فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أصحابه والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني

__________________

(١) اما ان نقول : « أن جبرئيل قد اخبر النبي » او نقول : « ان الله اوحى للنبي ».

٢٣

بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه » (١) انتهى.

ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله :

أقول : ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل ، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده ، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة ، فكيف بهم معه؟! فهذا أول مأتم أقيم على الحسين عليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستمعون أصحابه.

٢ ـ جاء في الصفحة «٣١» من الكتاب نفسه :

وفي ( منتخب كنز العمال صفحة ١١٢ الجزء الخامس ) للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال :

أخرج الطبراني في الكبير (٢) : عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أم سلمة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي ، فاطلعت فاذا الحسين في حجره أو الى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت : والله ما علمت به حتى دخل. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال : أتحبه؟ فقلت : أما من حب الدنيا نعم ، فقال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول من ترابها فأراه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا :

__________________

(١) وذكر الخبر ايضاً بالفاظ مختلفة وبطرق متعددة في المصار التالية : مستدرك الصحيحين ٣ : ١٧٦ ، ٤ : ٣٩٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٤٢ ، ٢٦٥ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧ ، ١٤٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ : ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٧ : ١٠٦ ، والصواعق المحرقة : ١١٥ ، والهيثمي في معجمه ٩ : ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩١.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٢٣ : ٢٨٩ | ٦٣٧.

٢٤

ارض كربلاء ، قال : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرض كرب وبلاء .. ».

أقول : وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها ، كصاحب العقد الفريد (١) في الجزء الثاي ، وأحمد بن حنبل (٢) ، وأبي يعلى ، وابن سعد ، والطبراني ، وأنس بن مالك ، وابن عساكر ، وغيرهم كثيرون (٣). ورواها أيضاً من الشيعة كثيرون من علمائها ، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الامام الخامس محمد الباقر عليه‌السلام بهذه العبارة :

« كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل علي أحد ، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فاذا الحسين على صدره ، وإذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي ... » (٤). انتهى قول العلامة العاملي.

٣ ـ ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه :

روى الاوزاعي عن عبد الله بن شداد عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يارسول الله ، رأيت الليلة حلما منكراً. قال : وما هو؟ قالت : انه شديد. قال : ما هو؟ قلت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيت تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين عليهما‌السلام ، قالت : وكان في حجري كما قال رسول

__________________

(١) عقد الفريد ٤ : ٣٨٣ | ١٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٢٩٤.

(٣) كنز العمال ١٣ : ٦٥٦ | ٣٧٦٦٦ عن ابن ماجه والطبراني وأبي نعيم.

(٤) امالي الصدوق : ١٣٠ | ٣.

٢٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت به يوماً على النبي ـ وأنا أحمل الحسين ـ (١) فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك؟! قال : أتاني جبرئيل فأخبرني ان طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت : هذا؟ قال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء » (٢) الخ.

وروى سماك ، عن ابن مخارق ، عن ام سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك تبكي ، جعلت فداك؟! فقال : « جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله ، لاأنالهم الله شفاعتي » (٣).

وروى باسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت : خرج رسول الله وهو اشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت الى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي وبسطها الي فقال : خذيها واحتفظي بها ، فاخذتها فاذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها ، فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر اليها ثم أبكي لمصابه ، فلما كان اليوم العاشر من محرم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ثم عدت اليها آخر النهار ، فاذا هي دم عبيط فضججت في بيتي وبكيت ، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ارشاد الشيخ المفيد ٢ : ١٢٩ ، وينابيع المودة ٢ : ٣١٨ عن البيهقي.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٠.

٢٦

فحقق ما رأيت (١).

٤ ـ جاء في « مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٥ » : « بسنده عن عبد الله بن نجى عن ابيه انه سار مع علي عليه‌السلام وكان صاحب مطهرته ـ أي الاناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه ـ فلما حاذى نينوي ، وهو منطلق الى صفين ، فنادى علي عليه‌السلام : إصبر أبا عبد الله ، إصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت : وما ذاك؟ قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت ؛ يا نبي الله ، أغصبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبرئيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال : فقال : هل لك الى أن أشمك من تربته؟ قال : قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .. ».

ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب « الصواعق المحرقة » (٢) لابن حجر ، وكتاب « منتخب كنز العمال » (٣) ، وسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » (٤) ، والبغوي في معجمه ، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة.

٥ ـ وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة باضافة : « إن جبرئيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني ، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟ » (٥).

٦ ـ أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مسند ابن عباس ، قال : « رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ير النائم بنصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر ، بيده قاروروة فيها

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٠.

(٢) الصواعق المحرقة | ١١٥.

(٣) كنز العمال ٧ : ١٠٥ ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢ : ٣٤٧.

(٤) تذكرة الخواص : ٢٢٥.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر ١١٥ قال أخرجه ابن سعد مع اختلاف في اللفظ.

٢٧

دم. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم فاحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك اليوم (١).

٧ ـ جاء في الصفحة «٣٩» من كتاب « إقناع اللائم » المار ذكره ما نصه : « روى ابن شهر آشوب في المناقب (٢) عن جامع الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني ، أن أم سلمة قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه التراب. فقلت : مالك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : شهدت قتل الحسين آنفاً .. ».

أقول : ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي (٣) بسنده عن سلمى (٤) قالت : « دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت : مالك يا رسول الله مغبراً؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً ».

وروى المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : « أصبحت يوماً أم سلمة تبكي ، فقيل لها : مم بكاؤك؟ فقالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ مضى إلا الليلة ، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت : مالي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ فقال : لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه » (٥).

هذا وقد رويت امثال هذه الأحاديث باسانيدها من مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصى.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٤٢ ، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ١ : ١٤٢ ، وابن الأثير في اسد الغابة ٢ : ٢٢ ، وابن حجر في اصابته ٢ : ١٧ مع اختلاف فيه ورواه غير هؤلاء ايضاً من ائمة الحديث.

(٢) مناقب آل ابي طالب ٤ : ٥٥.

(٣) امالي الصدق ١١٩ | ١ مع اختلاف فيه.

(٤) سلمى : هي زوجة أبي رافع مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٥) أمالي المفيد ٣١٩ / ٦ ، أمالي الطوسي ٩٠ / ١٤٠ ..

٢٨

٨ ـ وقد أشار ابن نباتة في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ على منابر الاسلام في الجمعات ، ولا يزال يقرأ على المنابر الى اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال :

« وكان عليه الصلاة والسلام ـ يعني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من حبه للحسين يقبل شفتيه ، ويحمله كثيراً على كتفه فكيف لو رآه ملقى على جنبيه ، شديد العطش والماء بين يديه ، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه؟ لصاح عليه الصلاة والسلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد الشهيد ، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا الله حق تقواه .. ».

٩ ـ أما أم سلمة فهي إحدى زوجات الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقدم بها العمر الى أواخر سنة ٦١ للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة «٣٢٠» من كتابها « موسوعة آل النبي » الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت ، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه :

« وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتى امتحنت كما امتحن الاسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت الرسول هناك. وتقول رواية : انها ماتت في آخر سنة ٦١ هجرية ، بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي عليه‌السلام ـ الى ان تقول بنت الشاطئ ـ : وأم سلمة آخر من مات من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلى عليها أبو هريرة الصحابي ، ودفنت بالبقيع .. ».

١٠ ـ أقول : لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي عليه‌السلام وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة ٦١ هـ الى المدينة المنورة ، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرة والمدينة لهذا الحادث الجلل والمصاب العظيم ، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية.

* * *

٢٩
٣٠

الفصل الثاني

بكاء علي وفاطمة على ابنهما عليهم‌السلام

وكان الامام أبو الشهداء ، علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد بكى ابنه سيد الشهداء الحسين عليه‌السلام أيضاً ، والروايات في ذلك متضافرة ، وأنقل هنا بعضها :

١ ـ جاء في الصفحة «٦٥» من كتاب « إقناع اللائم » للعلامة الأمين ما نصه :

روى الصدوق في الامالي بسنده عن ابن عباس قال : « كنت مع أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في خروجه الى صفين ، فلما نزل نينوى ، وهي بشط الفرات ، قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال عليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي ، قال : فبكى كثيراً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه وهو يقول : آه آه ، مالي ولآل أبي سفيان (١) ، صبراً يا أبا عبد الله ، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم » (٢).

٢ ـ وروى ذلك غيره كسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » حيث قال : روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل علي عليه‌السلام الى كربلاء وقف وبكى وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ها هنا ، هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل ، ثم ازداد بكاؤه (٣).

__________________

(١) في الاصل زيادة « مالي ولآل حرب ، حزب الشيطان واولياء الكفر ».

(٢) امالي الصدوق : ٤٧٨ | ٥.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٢٥.

٣١

وروي هذا الحديث أيضاً في مسند ابن حنبل (١) وصواعق ابن حجر (٢) ، وفي منتخب كنز العمال (٣) مع تفاوت في العبارة.

٣ ـ قال ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث من الباب «١١» : روى الملا : ان علياً مر بقبر الحسين فقال : « ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض .. » (٤).

٤ ـ روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الامام جعفر الصادق عليه‌السلام قال : « نظر علي الى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن فقال : أنا يا أبتاه؟ فقال : نعم يا ابني .. » (٥).

٥ ـ جاء في الصفحة «١٢» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية ، لمؤلفه السيد محمد حسن آل الكيلدار ما لفظه :

« ويروي المفيد في إرشاده عن عثمان بن قيس العامري ، عن جابر بن الحر عن جويرية بن مسهر العبدي قال : كنت مع الامام علي عليه‌السلام عندما (٦) توجهنا الى صفين عام ٣٦ هـ فبلغنا طفوف كربلاء ، فوقفت في ناحية من المعسكر ، ثم رأيت الامام عليه عليه‌السلام ينظر يميناً وشمالاً واستعبر ، ثم قال : « هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فاجاب عليه‌السلام ؛ هذه كربلاء ، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب. ثم سار الامام دون أن يعرف الناس تأويل حديثه حتى كان

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٢.

(٢) الصواعق المحرقة : ١١٥.

(٣) منتخب كنز العمال ٥ : ١١٢ في هامش مسند أحمد بن حنبل.

(٤) الصواعق المحرقة : ١١٥.

(٥) كامل الزيارات : ١٠٨.

(٦) ليس في المصدر « كنت مع الامام عليه عليه‌السلام عندما » ، وانما بدلها ( لما توجهنا مع أمير المؤمنين عليه بن أبي طالب عليه‌السلام الى صفين ).

٣٢

أمر الحسين عليه‌السلام ومقتله في كربلاء عام ٦١ هـ » (١).

اقول : وقد رأيت هذا الحديث في الصفحة «١٥٦» من كتاب « الارشاد » للشيخ المفيد قدس‌سره ، المتوفى سنة ٤١٣ هـ

٦ ـ جاء في الصفحة «١٠٨» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه :

أورد ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام انه قال : « نظر أمير المؤمنين عليه‌السلام الى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن. فقال : أنا يا أبتاه؟ فقال : نعم يا بني » (٢).

٧ ـ أما السيدة فاطمة الزهراء أم الامام الشهيد عليه‌السلام فقد تواترت الروايات أيضاً عن بكائها عليه في مواقف مختلفة ، من ذلك ما جاء في الصفحة «٩٤» من أمالي الشيخ المفيد ، نقلاً عن النيسابوري : « ن درة النائحة رأت فاطمة الزهراء عليها‌السلام فيما يرى النائم انها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد :

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا

لا ولا كان مريضا

٨ ـ نقل كتاب « بغية النبلاء » لمؤلفه السيد عبد الحسين سادن الروضة الحسينية بكربلا في صفحة «١٥٤» عن كتاب « نشوار المحاضرة » لمؤلفه أبي علي القاضي التنوخي المتوفى سنة ٣٨٤ هـ ما عبارته :

« حدثني أبي قال : خرج الينا يوماً أبو الحسن الكاتب فقال : أتعرفون ببغداد رجلاً يقال له ابن أصدق؟ قال : فلم يعرفه من أهل المجلس غيري ، فقلت : نعم ، فلماذا سألت عنه؟ فقال : أي شيء يفعل؟ قلت : ينوح على الحسين عليه‌السلام. قال :

__________________

(١) ارشاد المفيد ١ : ٣٣٢ ، وقعه صفين لابن مزاحم ١٤٠ ـ ١٤١ ، والصدوق في اماليه ١١٧ | ٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤١ : ٢٨٦ | ٦.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٨.

٣٣

فبكى أبو الحسن وقال : إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان (١) الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً ، وهي من صالحات نساء المسلمين ، كثيرة الصيام والتهجد وانها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي ، فصاحت بي : يا أبا الحسن ، فقلت :مالك؟ فقالت : الحقني ، فجئتها فوجدتها ترتعد. فقلت : ما اصابك؟ فقالت : إني كنت قد صليت وردي فنمت ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ ، وإذا بحجرة نظيفة ، مليحة الساحة ، مفتوحة الباب ، ونساء وقوف ، فقلت لهن : من مات أو ما الخبر؟ فأومأن الى داخل الدار فدخلت ، فاذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل ، وعليها ثياب حسنة بيضاء مروي لينة وهي ملتحفة فوقها بأزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت : من أنت ، فقالت : لاعليك ، أنا فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا رأس ابني الحسين عليه‌السلام. قولي لابن اصدق ينوح :

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

فانتبهت فزعة. قال : وقالت العجوز : « لم امرطه » بالطاء لانها لا تتمكن من إقامة الضاد ، فسكنت روعها الى ان نامت.

ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الامانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت : سمعاً وطاعة لأمرسيدة نساء العالمين.

قال : وكان هذا في شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة اذا أرادوا الخروج الى الحاير. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحاير ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته ، فقلت له : إن فاطمة عليها‌السلام

__________________

(١) عفيطة اللسان : اي لكناء يصعب عليها الكلام.

٣٤

تأمرك بان تنوح بالقصدية.

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك. قال : فانزعج من ذلك ، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث ، فاجتمعوا بالبكاء وماناح تلك الليلة إلا بهذه القصيدة ، وأولها :

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

وهي لبعض الشعراء الكوفيين. وعدت الى أبي الحسن فاخبرته بما جرى.

٩ ـ جاء في الصفحة «٣٩» من المجلد «١٣» من موسوعة « أعيان الشيعة » لمؤلفه العلامة السيد الأمين العاملي ، نقلاً عن كتاب « اللهوف » للسيد ابن طاووس ما نصه :

« إن إحدى السبايا [ كانت ] سكينة بنت الحسين قالت : لما كان اليوم الرابع من مقامنا بدمشق رأيت في المنام امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها فقيل لي : هذه فاطمة بنت محمد صلوات الله عليها أم أبيك ، فقلت : والله لا نطلقن اليها ولا خبرنها ما صنع بنا ، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها ، فوقفت بين يديها ابكي وأقول : يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بددوا والله شملنا ، يا أماه استباحوا والله حريمنا ، يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت لي : كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به .. » (١).

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس : ٨٢.

٣٥
٣٦

الفصل الثالث

أهل الحجاز يبكون الحسين عليه‌السلام عند مفارقته لهم

ولما عزم الامام الحسين عليه‌السلام على مغادرة مدينة جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتوجه الى العراق تلبية لنداءات ورسائل ورسل أهل الكوفة عز على أهل المدينة أن يفارقهم سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في أمس الحاجة الى زعامته وإمامته وإرشاداته فتوسلوا اليه أن يعدل عن هذه الرحلة ذات المصير المجهول ، والاعداء ـ وخاصة الامويون منهم ـ مترصدون له وعازمون على قتله والفتك به وبأصحابه ، والقضاء على نهضته الاصلاحية التي بها احياء لدين جده محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما كلفهم الأمر. ولكن الامام الحسين عليه‌السلام كان قد قر قراره على الرحيل لأمور كان هو أعلم بها. وفيما يلي بعض المرويات عن بدء الامام بهذه الرحلة المشؤومة :

١ ـ جاء في الصفحة «٧٥» من المجلد الرابع من موسوعة « أعيان الشيعة » القسم الاول منها عند بيان تفاصيل كيفية خروج الحسين عليه‌السلام من المدينة يصحبه اخوته وأهله وشيعته يريد مكة ثم الكوفة قوله :

« وأقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين عليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين عليه‌السلام فقال : أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، فقالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار

٣٧

من أهل القبور .. ».

وكأن القدر كان أوحى لهؤلاء النسوة بأن الامام وأهل بيته ومن يرافقه في هذه الرحلة مستشهدون لا محالة.

٢ ـ وفي الصفحة «٤٢» من كتاب « المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية » لمؤلفه العلامة الامين العاملي عند ذكر اجتماع محمد ابن الحنفية ـ أخي الامام الحسين عليه‌السلام ـ في المدينة به قبيل مغادرة الامام لها ، ونصيحة محمد للحسين بأن يخرج الى مكة فان اطمأن الى أهلها وإلا فإلى اليمن ، وإلا اللحاق بالرمال وشعوب الجبال ، هرباً من تعقيب يزيد وزمرته الامويين له ، قال له الحسين : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسين عليه‌السلام معه ساعة ثم قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً ، فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج الى مكة.

٣ ـ وفي الصفحة «٤٥» من الكتاب نفسه ، ينقل المؤلف الجليل كيفية خروج الحسين عليه‌السلام من مكة وشخوصه مع أهله وأصحابه الى العراق في ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ ، واجتماع أخيه محمد ابن الحنفية به مرة أخرى ومنعه من السفر الى العراق والرحيل الى اليمن ، وامتناع الامام عليه‌السلام عن ذلك ، ثم يقول :

« وسمع عبد الله بن عمر بخروج الامام من مكة فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعاً فأدركه في بعض المنازل ، فقال له : أين تريد يا بن رسول الله؟ قال : العراق. قال : مهلاً ارجع الى حرم جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبى الحسين عليه‌السلام فلما رأى ابن عمر إباءه فقال : يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله يقبله منك ، فكشف الحسين عليه‌السلام عن سرته ، فقبلها ابن عمر ثلاثاً وبكى ، وقال : استودعك الله يا أبا عبد الله فانك مقتول في وجهتك هذه ... ».

* * *

٣٨

الفصل الرابع

الحسين عليه‌السلام يتنبأ الكارثة

لم يكد الامام الشهيد يغادر مكة يوم ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ قاصداً العراق إلا وأخذت الأنباء المحزنة تتوارد عليه فيما يلاقيه رسله وموفدوه من نشوز وظلم وبغي وخيانة من أهل الكوفة بعد وصول الوالي الجديد اليها عبيد الله ابن زياد. وقد أصبح الامام متأكداً من أنه وآله وأصحابه ملاقون أسوأ المصير فيما هم عازمون عليه. ولكن لاراد لإرادة الله. وفيما يلي بعض ما يؤيد ذلك :

١ ـ جاء في كتاب « المجالس السنية » صفحة «٥٣» عند ذكر حادث مسلم ابن عقيل في الكوفة ، ومحاربته جلاوزة الوالي الغشوم عبيد الله بن زياد ، ثم مقتل مسلم ، ما عبارته :

« وفي رواية المفيد : أن مسلم أخذ بالأمان بعد أن عجز عن القتال ، فأتي ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله وانتزعوا منه سيفه ، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت عيناه ثم قال : هذا أول الغدر. قال له محمد بن الاشعث ارجو أن لا يكون عليك بأس فقال : وما هو إلا الرجاء ، أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى ، فقال له عبيد الله بن العباس السلمي : إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. فقال : إني والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني أبكي لأهلي المقبلين ، أبكي

٣٩

للحسين وآل الحسين .. » (١).

٢ ـ وجاء في الصفحة «٥٨» من نفس الكتاب بعد ذكر مجزرة مقتل مسلم ابن عقيل في الكوفة ما نصه :

« وفي أثناء لطريق منمكة الى العراق لقي الفرزدق الشاعر الامام الحسين عليه‌السلام فسلم عليه وقال له : يا ابن رسول الله ، كيف تركن الى أهل الكوفة ، وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسين عليه‌السلام ثم قال : رحم الله مسلماً .. ».

٣ ـ وفي الصفحة «٦٤» من ذاك الكتاب ورد ذكر قصة نزول الحسين عليه‌السلام في الثعلبية بطريقه من الحجاز الى العراق ، ووصول أحد الأسديين من الكوفة ورؤيته مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة ، وإخبار رجلين من الرحل الحسيني بهذا النباء المفجع ، ثم يستطرد الكتاب بعد ذلك ويقول : « فسكت الامام ، وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت الدموع عليه كل مسيل .. ».

٤ ـ وجاء في الصفحة «٧٣» من الكاتب المذكور بعد ذكر وصول ركب الامام الشهيد الى القرب من كربلاء يوم أول محرم سنة ٦١ هـ قوله : « فقال الحسين جواباً لمن اقترح عليه أن يبدأ بقتال الحر وجيشه : ما كنت لأبدأهم بالقتال. فقال له زهير : فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك ، فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم. قال : فدمعت عينا الحسين عليه‌السلام ثم قال : اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء .. ».

هذا ويستدل من الروايات المتواترة والأحاديث المتوفرة : ان الامام الحسين عليه‌السلام كان متأكداً من أنه قتيل آل أمية مهما حاول التملص من ذلك. وإن

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٥٩.

٤٠