تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

في فسطاطه ، وبد رحيل الحسين أتى منزله على شاطئ الفرات فنزله. ولما كان مقتل الحسين جاء الى كربلاء ووقف على أجداث الشهداء ، وبكى بكاء شديدا ، واستعبر ، ورثى الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بعد أن جرى ما جرى بينه وبين ابن زياد ، ووقف باكياً متأوهاً ، منشداً قصيدة طويلة في رثاء الامام وندمه لعدم اشتراكه في القتال. وهذه الابيات من تلك القصيدة :

يقول أمير غادر وابن غادر

ألا كنت قابلت الشهيد بن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدد نادمه

ويا ندمي أن لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تآزروا

على نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم ومجالهم

فكاد الحشى ينفض والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعاً الى الهيجا حماة خضارمه

تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آسا دغيل ضراغمه

فان تقتلوا فكل نفس تقية

على الارض قد اضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهراً قماقمه

أتقتلهم ظلماً وترجوا ودادنا

فدع خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا تقتلم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهم مراراً أن أسير بجحفل

الى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوا وإلا زرتكم في كتائب

أشد عليكم من رصوف الديالمه (١)

٣ ـ جاء في الصفحتين « ٢٣٧ ـ ٢٣٨ » من تاريخ « الكامل » لابن الأثير المجلد الرابع وكذا في تاريخ « الرسل والملوك » حول حادث الجعفي ما نصه :

__________________

(١) مقتل الحسين (ع) ، لابي مخنف : ٢٤٥.

١٠١

« لما مات معاوية ، وقتل الحسين بن علي ، لم يكن عبيد الله بن الحر الجعفي من حضر قتله ، وتغيب عن ذلك تعمداً. فلما قتل الحسين جعل ابن زياد يتفقد الاشراف من أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه ، فقال له : أين كنت يا ابن الحر؟ قال : كنت مريضاً ، قال : مريض القلب ، أم مريض البدن؟ فقال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد من الله عليّ بالعافية ، فقال ابن زياد: كذبت ، ولكنك كنت مع عدونا. فقال : لو كنت معه لرأى مكاني. وغفل عنه ابن زياد فخرج ، فركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا: ركب الساعة. فقال : عليّ به. فاحضر الشرطة خلفه. فقالوا : أجب الأمير. فقال : أبلغوه عني أني لاآتيه طائعاً أبداً.

ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي ، فاجتمع اليه اصحابه. ثم خرج حتى أتى كربلاء ، فنظر الى مصارع الحسين ومن قتل معه فاستغفر لهم ، ثم مضى الى المدائن. وكان عبيد الله قد قال في هؤلاء الصرعى قصيدة :

« يقول امر غادر وابن غادر ... » الى آخر القصيدة.

وأقام ابن الحر بمنزله على شاطئ الفرات الى أن مات يزيد ... ».

٤ ـ ذكر كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » وكذا العلامة العاملي في أعيانه ، وسبط ابن الجوزي عن السدي في تذكرته ، وكذا المفيد بسنده عن إبراهيم بن داحة ما نصه :

« إن عقبة بن عمر العبسي أو السهمي وهو من بني سهم بن عون بن غالبة كان أول من ناح الحسين وزار قبره ، ورثاه بقصيدة ندرج بعض أبياتها تالياً وذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة. والأبيات هي :

مررت على قبر الحسين بكربلاء

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وناديت من بعد الحسين عصائباً

أطافت به من جانبيه قتورها

إذا العين قرت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

١٠٢

سلام على أهل القبور بكربلاء

وقل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشاء وبالضحى

تؤديه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها (١)

٥ ـ جاء في المجلد «٢٥» من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «٣٦٥» ما نصه :

« وقيل : إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء فنظر الى مصارع الشهداء فبكى حتى كاد أن يموت ، ثم قال هذه الأبيات. وكان مروره بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاثة أيام ، فنظر الى مصارع الشهداء ، واتكأ على فرس له عربية وأنشد. وهو المتوفى سنة ١٢٦ في دمشق. والأبيات هي :

الى أن يقول :

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت

وقد أعولت تبكي السماء لفقده

وأنجمها ناحت عليه وصلت(٢)

وسليمان هذا هو مولى بني تيم بن مرة ، وانه كان منقطعاً الى بني هاشم :

وجاء في الصفحة نفسها من الأعيان لسليمان هذه الأبيات :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة كلهم لصلب علي

قد أصيبوا وسبعة لعقيل

وإندبي إن بكيت عوناً اخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسمي النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

__________________

(١) الامالي للشيخ المفيد ٣٢٤ مع تقديم وتأخير في الشعر ، تذكرة الخواص : ٢٤٢.

(٢) المجالس السنية ١ : ٤٢.

١٠٣

واندبي كلهم فليس إذا ما

عد في الخبر كهلهم كالكهول

فلعمري لقد أصيب ذوو القربى

فابكى على المصاب الجليل

فاذا ما بكيت عيني فجودي

بدموع تسيل كل مسيل

٦ ـ جاء في كتاب « مجالس المؤمنين » ما يلي :

« إن المختار بن عبيد الله الثقفي بعد رجوعه من الحج أتى وسلم على القبر ، وقبل موضعه ، وأخذ بالبكاء وقال : يا سيدي ، قسماً بجدك وأبيك وأمك الزهراء ، وبحق شيعتك وأهل بيتك. قسماً بهؤلاء جميعاً ، أن لا أذوق طعاماً طيباً أبداً حتى انتقم من قتلتك .. ».

٧ ـ في الصفحة «١٥٢» من كتاب « نهضة الحسين » نقلاً عن « المجالس السنية » (١) ما نصه :

« ومر ابن الهبارية الشاعر بعد سليمان بن قتة العدوي بكربلا ، فجلس على الحسين وأهله ، وقال بديهاً :

أحسين والمبعوث جدك بالهدى

قسماً يكون الحق عنه مسائلي

لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في

تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حد السيف من أعدائكم

عللاً وحد السمهري الذابل

لكنني أخرت عنك لشقوتي

فبلابلي بين الغري وبابل

هبني حرمت النصر من أعدائكم

فأقل من حزن ودمع سائل

ويقال : إنه نام فرأى النبي فقال له : جزاك الله عني خيراً ، أبشر فإن الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين ».

٨ ـ جاء في الصفحة «١٥٣» من « إقناع اللائم » ما عبارته :

« وعن المرزباني : أنه دخل أبو الرجح الخزاعي الى فاطمة بنت الحسين ،

__________________

(١) المجالس السنية ١ : ٤٢.

١٠٤

فأنشد مرثية في الحسين منها :

أجالت على عيني سحائب عبرة

فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلت

تبكي على آل النبي محمد

وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت

أولئك قوم لم يشجوا سيوفهم

وقد نكأت أعداؤهم حين سلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاباً من قريش فذلت

فقالت فاطمة : يا أبا الرجح هكذا تقول. قال : فكيف أقول ، جعلني الله فداك؟ قالت : قل : أذل رقاب المسلمين فذلت. فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا ... ».

* * *

١٠٥
١٠٦

الفصل السادس عشر

موقف الأمويين من النياحة على الحسين عليه‌السلام

لقد بذل الأمويون ولا سيما ملوكهم وأمراؤهم بعد يزيد ، جهدهم لعزل ذكر الحسين عن ذهنية المسلمين. وذلك بفصل الناس عن زيارة قبره الطاهره ومنعهم عن إقامة العزاء والنوح عليه ، بكل ما عرفوه من الوسائل السرية والعلنية. وكان الأمويون لا يتورعون عن اتخاذ أية وسيلة إرهابية في منع الناس عن مراودة القبر الشريف بكربلاء ، وإقامة المآتم والمناحات على الحسين عليه‌السلام وصحبه وآله سراً وعلناً ، في جميع الأقطار الاسلامية التي كانت سيطرتهم عليها نافذة ، فكانوا قد أحاطوا البقعة التي ضمن جثمان الشهيد في كربلاء بحراسة شديدة ومراقبة واعية ، منعاً من وفود الزوار عليها وإقامة المناحات حولها. حتى أن كثيراً من الوافدين لقوا حتفهم فور وقوعهم في شباك تلك الحراسة ، وكان قد اشتد هذا المنع في أوائل عصر الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام على عهد هشام بن عبد الملك. وذلك على أثر خروج زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام في الكوفة ومقتله فيها سنة «١٢١ هـ» فصار جلاوزة هشام يشددون المنع ، ويمثلون بمن يقع بأيدي المسالح من الزوار.

وروى التاريخ حوادث كثيرة في ذلك ، منها :

١ ـ جاء في الصفحة «٩٥» من كتاب « إقناع اللائم » ما نصه :

« روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن مسمع كردين قال : قال لي أبو

١٠٧

عبد الله : يا مسمع ، أنت من أهل العراق ، أم تأتي قبر الحسين؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرقبوا حالي عند ولد سليمان فيميلوا عليّ. قال : أفما تذكر ما صنع به؟ قلت : بلى. قال : فتجزع؟ قلت : إي والله أستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ ، فأمتنع عن الطعام حتى يستبين ذلك في وجههي. قال : رحم الله دمعتك أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ، ويأمنون إذا أمنا ... ».

الى أن يقول مسمع : « ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة ، وخصنا أهل البيت بالرحمة يا مسمع ، إن الارض والسماء تبكي منذ قتل أمير المؤمنين ، رحمة لنا وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ، وما لقينا إلا رحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه ... » (١).

أقول : أما سليمان ، فهو سليمان بن عبد الله بن العباس الذي كان أمير البصرة.

٢ ـ جاء في مقال للشيخ باقر شريف القرشي نشر في العددين ٣ ـ ٤ من نشرة « أجوبة المسائل الدينية » المنشورة في كربلاء ما عبارته : « نشأ الامام زيد ، ولكنه لم يفتح عينه إلا على نفوس قد أذابها الحزن وأفناها الألم ، ولا يسمع إلا البكاء والعويل والنادبات من عماته ، يندبن سيد الشهداء ، ويعدون رزاياه وما حل به من فادح الخطب وفاجع الرزء ، ويشاهد أباه زين العابدين وقد نخر الحزن قبله ، وهو يواصل أوقاته بالبكاء والحزن على أبيه. قد انهكت العبادة جسمه حتى صار كأنه صورة جثمان ».

أقول : كانت هذه حالة شيعة آل علي عليه‌السلام على عهد بني أمية ، الذين لم يألوا

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠١.

١٠٨

جهداً في إيذاء أهل البيت وأصحابهم ومواليهم ، مقاومة من ينوح على الحسين عليه‌السلام ويزور قبره بأشد العقوبت.

٣ ـ وهذا البيت لأحد الشعراء على عهد الامويين ، من قصيدة له في رثاء الامام الشهيد ، يدل على ما كان يلاقيه الموالون لآل علي وأولاده عليهم سلام :

تجاوبت الدنيا عليك مأتماً

نواعيك فيها للقيامة تهتف

فكان عقاب هذا الشاعر التعذيب والموت على يد حكام آل أبي سفيان.

* * *

١٠٩
١١٠

الفصل السابع عشر

التوابون ينوحون الحسين عليه‌السلام ويثورون على الأمويين

وما دخلت سنة «٦٥» هـ حتى تفاقمت حركة التوابين في الكوفة ، فأخذوا يطالبون بدم الحسين عليه‌السلام ، وينادون بنداء « يا لثارات الحسين » ولم يكتموا أمرهم ولا عمدوا الى الخفاء وصاروا يشترون السلاح ، ويتجهزون من كل جانب ، طالبين التوبة مما بدر منهم بشأن عدم تلبية نداء الحسين عليه‌السلام لهم يوم عاشوراء ، وصار عمال بني أمية في الكوفة يشاهدونهم بسلاحهم منطلقين ، ساعين نحو قبر الحسين بكربلاء ، لإقامة المآتم والمناحات على قبر الحسين عليه‌السلام ولا يستطيعون اتخاذ أي إجراء ضدهم. وعندما بلغ هؤلاء التوابون في بعض انطلاقاتهم قبر الحسين عليه‌السلام صاحوا صيحة واحدة بالعويل والبكاء ، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرعون ، قائلين : « اللهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد. اللهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم. اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ».

ولقد وصفت كتب التاريخ هذا الحادث على الوجه التالي :

١ ـ جاء في الصفحة «٧٠» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار ذكره ما نصه :

« وقد جمع سليمان ـ يعني سليمان بن صرد الخزاعي أصحابه وجماعة وساروا الى النخيلة وعسكروا بها ، وكان ذلك في غرة ربيع الثاني ، سنة «٦٥» هـ ثم رحلوا

١١١

عنها بعد أن أقاموا فيها ثلاثة ايام يستكملون قواهم حتى بلغت أربعة آلاف مقاتل ، ثم ساروا حتى أتوا أقساس بني مالك على شاطئ الفرات ، ثم أصبحوا عند قبر الحسين في كربلاء وذلك في العقد الأول من ربيع الثاني سنة «٦٥» هـ فلما وصلوا موضع القبر صاحوا صيحة واحدة ، وضجوا بالبكاء والعويل ، فلم ير يوماً أكثر بكاء حول قبر الحسين من ذلك اليوم. وقد خطب فيهم خطباء كثيرون ».

ثم يستطرد الكاتب فيقول : « وازدحموا على لثم القبر كازدحام الحجاج على لثم الحجر الاسود في الكعبة ، ثم ودعوا القبر ورحلوا عنه. وبقي سليمان بن صرد مع ثلاثين نفراً من أصحابه عند القبر ... ».

ويواصل الكاتب كلامه فيقول :

« ثم قام من بينهم وهب بن زمعة الجعفي وهو يبكي عند القبر الشريف ، أنشد أبياتاً من قصيدة عبيد الله بن الحر الجعفي :

تبيت النشاوى من أمية نوماً

وبألطف قتلى ما ينام حميمها

وما ضيع الاسلام إلا قبيلة

تآمر نوكاها ودام نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة

وعيني تبكي لا يخف سجومها

حياتي أوتلقى أمية خزية

يذل لها حتى الممات قرومها

ثم ساروا عن كربلاء بعد أن باتوا ليلتهم.

أقول : أما العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد ذكر جميع القصيدة ونسبها الى وهب بن زمعة في الصفحة «١٦٩» من المجلد «٤» القسم الرابع من « أعيان الشيعة » وهذه هي :

عجبت وأيام الزمان عجائب

ويظهر بين المعجبات عظيمها

تبيت النشاوى من أمية نوما

وبالطف قتلى ماينام حميمها

وتضحى كرام من ذوابة هاشم

يحكّم فيها كيف شاء لئيمها

١١٢

وربات صون ماتبدت لعينها

قبيل الصبا إلا لوقت نجومها

تزاولها أيدي الهوان كأنما

تقحم ما لا عفو فيه أثيمها

وما أفسد الاسلام إلا عصابة

تآمر نوكاها ودام نعيمها

وصارت قناة الدين في كف ظالم

أذا مال منها جانب لا يقيمها

وخاض بها طخياء لا يهتدى لها

سبيل ولا يرجو الهدى من يعومها

الى حيث القاها ببيداء مجهل

تضل لأهل الحلم فيها حلومها

رمتها لأهل الطف منها عصابة

حداها الى هدم المكارم لومها

فشفّت بها شعواء في خير قتية

تخلت لكسب المكرمات همومها

أولئك آل الله آل محمد

كرام تحدت ماحداها كريمها

يخوضون تيار المنايا ظوا ميا

كما خاض في عذب الموارد هيمها

يقوم بهم للمجد أبيض ماجد

أخو عزمات أقعدت من يرومها

فأقسمت لا تنفك نفسي جزوعة

وعيني سفوحاً لا يمل سجومها

حياتي أو تلقى أمية وقعة

يذل لها حتى الممات قرومها

ووهب بن زمعة هو أبو دعبل الجحمي ، المعاصر لمعاوية وابنه يزيد.

٢ ـ جاء في الصفحة «٧٦٤» من « موسوعة آل النبي » مختصراً عن الطبري (١) وابن الأثير عن نهضة التوابين وقيامهم ضد الأمويين ما عبارته :

« وما دخلت سنة «٦٥ هـ» حتى كانت صيحة التوابين : ( يا لثارت الحسين عليه‌السلام ) تزلزل الأرض تحت بني أمية ، وحتى كانت الكوفة تشهدهم في سلاحهم ينطلقون ساعين نحو قبر الحسين وهم يتلون الآية : ( فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ) [ البقرة : ٥٤ ] فلما بلغوا القبر صاحوا صيحة واحدة ، فما رئي أكثر باكياً من ذلك اليوم ، وأقاموا عنده يوماً وليلة

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥١ احداث سنة خمس وستين.

١١٣

يتضرعون ... ».

وتستطرد الكاتبة فتقول : « وغادروا القبر وقد ازادادوا ندماً وحماسة ، فاندفعوا كالموج مستبسلين يلقون الالوف المؤلفة من جند بني أمية وأقصى أمانيهم أن يقتلوا في ثار الحسين ».

وتواصل الدكتورة عائشة بنت عبد الرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ كلامها في الصفحة «٧٦٥» من مسوعتها عند ذكر مناحات التوابين ، وتعرج على إثارة السيدة زينب النفوس وإلهابها في الأخذ بثأرالحسين من بني أمية ، وتقول :

« وكانت السيد زينب هي التي جعلت من مصرع الحسين مأساة خالدة لاتعرف ما هو أبعد أثراً في تطور العقيدة عند الشيعة ، وصيرت من يوم مقتله مأتماً سنوياً للأحزان والآلام.

وكانت زينب هي التي صيرت من ليلة العاشر من المحرم مأتماً سنوياً للأحزان والآلام يحج فيه أحفاد التوابين الى المشهد المقدس في كربلاء ، حيث يعيدون تمثيل المأسات ، ويفرضون على أنفسهم أقسى أنواع العذاب الجسدي ، تكفيراً عن خطيئة آبائهم وأجدادهم الذين قتلوا الحسين وآله وصحبه ، وبقى شعار التوابين الى أن انقرضوا ».

وتستطرد هذه الدكتورة فتقول :

« وما أحسب أن التاريخ قد عرف حزناً كهذا طال مداه حتى استمر بضعة عشر قرناً دون أن يفتر ، فمراثي شهداء كربلاء هي الأناشيد التي يترنم بها الشيعة في عيد حزنهم يوم عاشوراء في كل عام ، ويتحدون الزمن أن يغيبها في متاهة النسيان .. ».

ثم تستأنف الكلام وتقول :

« وكذلك كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الاسلام وتاريخ الانسانية بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد ، وأن تسلط معاول الهدم على دولة بني

١١٤

أمية ، وأن تغير مجرى التاريخ ... ».

٣ ـ جاء في الصفحة «٩٩» من كتاب « المجالس الحسينية » السالف ذكره مانصه :

« وقد ندم التوابون بعد قتل الحسين على تركهم نصرته فنهضوا ، وثاروا ، وقتلوا. ولكن عملوا بعد قتل الحسين ، ولا عمل بعد قتله إلا الحسرة والتلهف. قال شاعرهم عبيد الله بن الحر :

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردد بين حلقي والتراقي

فلو علق التلهف قلب حيًّ

لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد جاء الأولى نصروا حسيناً

وخاب الآخرون الى النفاق

٤ ـ جاء في الصفحة «١٩٠» من المجلد الأول ، قسم كربلاء من « موسوعة العتبات المقدسة » نقلاً عن المستشرق « رينولد نطلس » في كتاب ( تاريخ العرب الأدبي ) عند ذكر فاجعة كربلاء ما نصه :

« وخلال بضع سنوات من مصرع الحسين عليه‌السلام أصبح ضريحه في كربلاء محجاً تشد اليه رحال الشيعة ، وعند ما ثار التوابون سنة ٦٧٤ م ـ ٦٥ هـ قصدوها ورفعوا عقائرهم منتحبين بصوت واحد ، وبكوا وتضرعوا الى الله ان يغفر لهم لتنكرهم لسبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ساعة شدته وضيقه ، وصاح زعيمهم : ربّ ارحم الحسين ، الشهيد ابن الشهيد ، المهدي ابن المهدي ، الصديق ابن الصديق : ربّ اشهد أننا اتباع دينهم وسبيلهم ، وأننا أعداء قاتليهم وأحباء محبيهم .. ».

أجل هاهنا تكمن نواة التعازي والمشاهد الدينية التي تمثل كل سنة في العاشر من محرم حيثما وجد الشيعة.

٥ ـ جاء في الصفحة «٣٧٥» من الجزء «٨» من المجلد الرابع من مجلة « المرشد » البغدادية ، عند البحث عن مدينتي الأنبار والمسيب في العراق ومنشئيهما ، ثم الكلام عن التوابين ، يقول الكاتب السيد علي نقي النقوي الكهنوري

١١٥

ما نصه :

« إن الذي نعهده من التاريخ أن أولئك الثائرين ـ أي التوابين ـ لم يزالوا في الكوفة من أول بيعتهم لسليمان حتى خرجوا منها في المحرم سنة «٦٥ هـ» ، فكان معسكرهم عندئذ النخيلة ، وهناك كانت تنظم الثوار ، ويهيئون العدة والعتاد. وارتحلوا منها ، فاتفقت كلمتهم على زيارة أبي عبد الله الحسين في الطف ، فحضروا هناك ، وباتوا ليلتهم ، باكين ، متضرعين ، صارخين بالاستغفار والإنابة الى الله تعالى. وفي صباح الغد ساروا منها متوجهين الى ارض الشام ... ».

* * *

١١٦

الفصل الثامن عشر

بكاء الائمة على الحسين عليه‌السلام

أما حزن الائمة عليهم‌السلام من أولاد الحسين عليه‌السلام وذريته وسائر العلويين ، ونياحتهم عليه في سرهم وعلنهم ، وفي محافلهم الرسمية ومجالسهم الخاصة ، وفي دورهم وأنديتهم ودواوينهم ، فحدث عنها ولا حرج ، حيث أنها لم تنقطع ، بل استمرت استمرار حياتهم.

ولقد تحدثت الروايات وتناقلت الاسفار والكتب ذلك بوفرة وكثرة. منها : ما ذكرته عن بكاء وحزن الامام الرابع علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين مدة أربعين سنة عاشها بعد استشهاد والده المظلوم ، وبكاء الامام الصادق عليه‌السلام لمصيبة جده الشهيد واستنشاده الشعر في رثائه ، وكذا الامام الكاظم عليه‌السلام الذي كان لا يرى ضاحكاً إذا أقبل شهر محرم الحرام ، وكان يرى كئيباً حزيناً في العشرة أيام الأولى من هذا الشهر ، وهكذا الامام الرضا عليه‌السلام وغيرهم من الأئمة.

وها إني أنقل تالياً ما روي عن حزن الأئمة ونياحهم وبكائهم على جدهم الحسين الشهيد عليه‌السلام ، وحثهم اسرهم وشيعتهم المفجوعين بإحياء هذه الذكرى الأليمة والمأساة العظمى باستشهاد الامام الحسين وصحبه الميامين يوم العاشر من محرم سنة «٦١ هـ» :

قال السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة «٩٣» من تأليفه « إقناع اللائم »

١١٧

عند بحثه عن نياحة الأئمة عليهم‌السلام على جدهم الشهيد ما نصه :

« اما انهم ـ اي الائمة ـ بكوا على الحسين ، وعدوا مصيبته أعظم المصائب وأمروا شيعتهم ومواليهم وأتباعهم بذلك ، وحثوا عليه ، واستنشدوا الشعر في رثائه ، وبكوا عند سماعه ، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء ، وذموا من اتخذه عيداً وأمروا بترك السعي في في الحوائج ، وعدم ادخار شيء فيه. فالاخبار فيه مستفيضة عنهم ، تكاد تبلغ حد التواتر ، رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدها المتصلة اليهم .. ».

أ ـ حزن الامام الرابع زين العابدين عليه‌السلام

وقد شهد الامام علي بن الحسين عليه‌السلام زين العابدين وسيد الساجدين مصرع أبيه وأخوته وبني عمه وأصحاب أبيه وغيرهم وتجرع الغصص والغم والألم من هذه المشاهد المفجعة. ثم قاسى مرارة الأسر ولم تنقطع عبرته على ذلك ما دام حياً.

١ ـ جاء في الصفحة «٨٢» من كتاب « زين العابدين » تأليف عبد العزيز سيد الأهل ما عبارته عند ذكر ورع الامام :

« بل كان علي كلما جاء وقت الطعام وفتحت مصاريع الأبواب للناس ووضع طعامه بين يديه دمعت عيناه. فقال له أحد مواليه ذات مرة : ياابن رسول الله ، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له زين العابدين : ويحك إن يعقوب عليه‌السلام كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله واحداً منهم فابيضت عيناه من الحزن ، وكان ابنه يوسف حياً في الدنيا. وأنا نظرت الى أبي ، وأخي وعمي ، وسبعة عشر من أهل بيتي ، وقوماً من أنصار أبي مصرعين حولي ، فكيف ينقضي حزني؟ .. ».

أقول : وقد نقل هذا الحديث كل من العاملي في « أعيان الشيعة » وابن شهر

١١٨

آشوب في بعض مؤلفاته (١).

٢ ـ روى ابن قولويه في « الكامل » بسنده قال :

« أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له : يا علي بن الحسين ، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه اليه. فقال : ويلك ـ أو ثكلتك أمك ـ أما والله لقد شكا يعقوب الى ربه في أقل مما رأيت ، حتى قال : يا أسفى على يوسف. وانه فقد ابناً واحداً وأنا رأيت ابي وجماعة من أهل بيتي يذبحون حولي » (٢).

ولقد نقل هذه الروايات وأمثالها عن الامام زين العابدين كثير من كتب الحديث وغيرها مع تغيير طفيف في العبارة.

٣ ـ وروي ايضاً كما في « أعيان الشيعة » : إن الامام علي بن الحسين بكى حتى خيف على عينيه. وكان إذا أخذ ماء بكى حتى يملأه دمعاً. فقيل له في ذلك ، فقال : كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش؟ وقيل له : إنك لتبكي دهرك ، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا. فقال : نفسي قتلتها وعليها ابكي.

٤ ـ نقل كتاب « إقناع اللائم » (٣) رواية عن ابن قولويه في كامله بسند معتبر عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام انه قال : « ما اختضبت منا امرأة ، ولا ادهنت ، ولا اكتحلت ، ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد. وما زلنا في عبرة بعده. وكان جدي علي بن الحسين عليه‌السلام إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه ، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة ...

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٦٦.

(٢) كامل الزيارات : ١٠٧.

(٣) اقناع اللائم : ٩٨.

١١٩

الى ان قال عليه‌السلام : وما من عين أحب الى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدى حقنا. وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكي على جدي ، فانه يحشر وعينه قريرة ، والبشارة تلقاه والسرور بيّن على وجهه »(١).

٥ ـ وفي « إقناع اللائم » (٢) أيضاً برواية عن ابن شهر آشوب في مناقبه عن الامام الصادق عليه‌السلام إنه قال :

« عاش (٣) علي بن الحسين أربعين (٤) سنة وما وضع طعام بين يديه إلا وبكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك ، يا ابن رسول الله ، إني أخاف أن تكون من الهالكين ، قال عليه‌السلام : ( إنما أشكو بثي وحزني الى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة » (٥).

٦ ـ جاء في الجزء «١ : ١٥٥» من كتاب « المجالس السنية » ما عبارته :

« وعن الصادق عليه‌السلام إنه بكى على أبيه الحسين أربعين سنة ، صائماً نهاره ، قائماً ليله ، فاذا حضره الافطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ، فيقول : كل يا مولاي (٦) فيقول : قتل ابن رسول الله جائعاً ، قتل ابن رسول الله عطشاناً ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه. فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل ».

٧ ـ جاء في الجزء «١ ـ ١٥٥» من الكتاب نفسه ما لفظه :

« قال الصادق عليه‌السلام : البكاؤون خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت

__________________

(١) كامل الزيارات : ٨١.

(٢) اقناع اللائم : ٩٤.

(٣) في المصدر ( بكى ).

(٤) في المصدر ( عشرين ).

(٥) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٦٥.

(٦) ليس في المصدر « كل يا مولاي ».

١٢٠