تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

السيد صالح الشهرستاني

تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

السيد صالح الشهرستاني


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
الجزء ١ الجزء ٢

الفصل الثالث عشر

مدينة الرسول تندب الحسين عليه‌السلام وآله

أما في مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيذكر التاريخ وتؤكد الروايات بأن عبيدالله بن زياد بعد أن كتب من الكوفةالى يزيد في الشام يخبره بمقتل الامام عليه‌السلام وتسلمه جواب يزيد بإيفاد الأسرى والسبايا ومعهم الرؤوس اليه في الشام ، بادر يزيد حالاً بارسال عبد الملك بن حارث السلمي الى عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق وكان والي المدينة ، وحاكمها ، وعامل يزيد فيها ، وأمره بأن يبشره بمقتل الامام الحسين عليه‌السلام وآله وصحبه. وفيما يلي بعض الروايات التي تحدثنا عن تفاصيل هذا الأمر :

١ ـ جاء في ( إرشاد ) المفيد ما نصه : « أنفذ يزيد عبد الملك بن أبي الحديث السلمي الى المدينة ليخبر عمرو بن سعيد بن العاص عامله على المدينة بقتل الحسين ، فيقول عبد الملك (١) :

لما دخلت على عمر بن سعيد قال : ما وراءك؟ فقلت : ما يسرّ الأمير ، قتل

__________________

(١) في المصد هكذا « ولما أنفذ ابن زياد برأس الحسين عليه‌السلام الى يزيد ، تقدم الى عبد الملك بن أبي الحديث السلمي فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين ، فقال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير تسمعه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قتل ـ والله ـ الحسين ».

٨١

الحسين بن علي. فقال : أخرج فناد بقتله ، فناديت ، فلم أسمع (١) واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله.

ثم يستطرد فيقول : وخرجت أم لقمان زينب بنت عقيل بن أبي طالب رحمه‌الله حين سمعت نعي الحسين حاسرة ، ومعها أخواتها أم هاني ، وأسماء ، ورملة ، وزينب بنات عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها في الطف ، وهي تقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي (٢)

٢ ـ تقول الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها « سكينة بنت الحسين » صفحة «٦٨» عند الاشارة الى وصول السبايا الى المدينة عام ٦١ هـ ما نصه : « وضجت المدينة بسكانها وهي تستقبل بقايا الركب الحسيني الذي ودعته منذ قليل. وبرزت النساء ـ كل النساء ـ صارخات باكيات ، وخرجت عقيلات بني هاشم من خدورهن حاسرات الوجوه ، يندبن في لوعة : واحسيناه ، واحسيناه. ولم تبق في المدينة دار إلا وبها مأتم ، ولبثت مناحة الشهداء هناك قائمة أياماً وليالي ، حتى جفت المآقي من طول ما سكبت من دمع ، وحتى ضحل الحلق من طول ما أجهدها النواح ... ».

وتستطرد الدكتورة بنت الشاطئ فتقول : « وفي المدينة أقامت الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين المأتم عليه ، وبكت النساء معها حتى جفت دموعها. ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق ، وقالت : إنها تريد أن تقوى على البكاء ، وقد خطبها بعد الحسين الأشراف ، فأبت وقالت ما كنت لأتخذ حماً ـ أي أقارب الزوج ـ وهكذا بقيت الرباب سنة بعد

__________________

(١) في المصدر زيادة ( والله ).

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٢٣.

٨٢

الحسين لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت ».

٣ ـ جاء في الصفحة «٥٠٨» من كتاب « أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام » المار ذكره بعد وصف مسيرة السبايا من الشام الى المدينة ما نصه : « فلما دخلوا المدينة خرجت امرأة من بني عبد المطلب ، ناشرة شعرها ، واضعة كمها على رأسها ، تلقاهم وهي تبكي وتنشد : « ماذا تقولون إن قال النبي لكم .. » الى آخر الاشعار المارة ذكره.

٤ ـ وقد نقل صاحب كتاب « إقناع اللائم » هذا الحادث بالنص التالي : « وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي الحنفي قال الواقدي : لما وصل الرأس ـ رأس الحسين ـ الى المدينة والسبايا ، لم يبق بالمدينة أحد إلا وخرجوا وهم يضجون بالبكاء وخرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب تصيح : واحسيناه ، وا أخوياه ، وا أهلاه ، وا محمداه ثم قالت :

ماذا تقولون إذا قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وأولادي أما لكم

عهد أما أنتم توفون بألذمم

ذريتي وبنو عمي بمضيعة

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

٥ ـ وفي الجزء «١ : ١١٣» من « المجالس السنية » ما لفظه : « وكانت أم البنين ـ وهي فاطمة بنت حزام الكلابية ـ أم العباس واخوته : عبد الله ، وجعفر ، وعثمان ، الذين قتلوا مع أخيهم الحسين يوم عاشوراء ـ أم هؤلاء الاخوة الاربعة ـ بعد قتلهم تخرج كل يوم الى البقيع في المدينة ، وتحمل معها عبيد الله ابن ولدها العباس فتندب أولادها الأربعة خصوصاً اشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس يستمعون بكاءها وندبتها ، وكان مروان بن الحكم على شدة عداوته لبني هاشم فيمن يجيء

__________________

(١) اقناع اللائم : ١٥٤ ، عن تذكرة الخواص.

٨٣

فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. فمما كانت ترثي به قولها في أولادها الأربعة :

لا تدعيني ويك أم البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

وكلهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بان عباساً قطيع اليمين

وفي الصفحة «١٠٩» من الكتاب نفسه ما عبارته : « وروي عن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه نظر يوماً الى عبيد الله بن العباس بن علي فاستعبر ... ».

٦ ـ جاء في الجزء «١ : ١٥٣» من كتاب « المجالس السنية » أيضاً ما نصه : « قال بشير بن حذلم ، وكان من جملة ركب الأسارى والسبايا ، ومعروفاً بقرض الشعر : بأنه حينما وصل ركب السبايا والأسرى ضواحي المدينة المنورة قال لي الامام زين العابدين عليه‌السلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام. قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشدت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

ثم قلت : يا أهل المدينة ، هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه. قال بشير : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن وهن يدين بالويل والثبور ، ولم يبق في المدينة أحد إلا وخرج وهم يضجون بالبكاء ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول :

نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا

وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

٨٤

فعينيي جودا بالدموع وأسكبا

وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على ابن نبي الله وابن وصيه

وإن كان عنا ساخطاً الدار أثسعا

ثم قالت : أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله ، وخدشت منا قروحاً لم تندمل ، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت : أنا بشر بن حذلم ، وجهني مولاي علي بن الحسين وهو نازل بوضع كذا مع عيال أبي عبد الله الحسين ونسائه. قال : فتركوني مكاني وغادروني. فضربت فرسي حتى رجعت ، فوجدت الناس قد أخذواالطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين داخلاً فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له ، وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة ، وارتفعت اصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فخطب فيهم خطبة مؤثرة ثم دخل زين العابدين الى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية ، تنعى أهلها ، وتندب سكانها ... » ، وهكذا أقامت مدينة الرسول أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب ، وتصغي الى النواح الفاجع.

٧ ـ في الصفحة «٢١٨» من كتاب « سكينة بنت الحسين » السالف ذكره ما عبارته : « المؤرخون يقررون : أن المدينة كلها كانت في مأتم عام لسيد الشهداء ، وأن أمها الرباب ـ أي أم سكينة ـ قد أمضت عاما بأكمله حادة حزينة حتى لحقت بزوجها الشهيد ، وأن أم البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوجة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، كانت تخرج الى البقيع كل يوم فتبكي أبناءها الأربعة .. ».

٨ ـ روى الشيخ الطوسي في أماليه المجلد الأول الصفحة ٣٢٢ بسنده عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه أبي المقدام ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس قال : « بينا أنا راقد في منزلي اذ سمعت صراخاً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرجت

٨٥

يتوجه بي قائدي الى منزلها ، وأقبل أهل المدينة اليها الرجال والنساء (١) فقلت : يا ام المؤمنين مالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني ، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت : يا بنات عبد الطلب أسعدنني وأبكين معي ، فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب أهل الجنة ، فقد قتل والله سبط رسول الله وريحانته الحسين. فقلت (٢) : يا أم المؤمنين ومن أين علمت ذلك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام الساعة شعثاً مذعوراً ، فسألته عن شأنه ، فقال : قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم ، فدفنتهم والساعة فرغت من دفنهم ، قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أعقل ، فنظرت وإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال إذا صارت هذه التربة دماً فقد قتل ابنك واعطانيها النبي فقال : اجعلي هذه التربة في زجاجة أو قال : في قارورة ولتكن عندك ، فاذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين. فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور.

قال : فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها ، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت ـ أحد رواة هذا الحديث ـ : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام فسألته عن هذا الحديث ، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد الله بن عباس فقال أبوجعفر : حدثنيه عمرو بن أبي سلمة ، عن أمه أم سلمة .. ».

٩ ـ قال سبط ابن الجوزي في كتابه « تذكرة الخواص » (٣) : « ذكر ابن سعد عن أم سلمة : أنها لما بلغها قتل الحسين عليه‌السلام قالت : أو قد فعلوها؟ ملأ الله قبورهم

__________________

(١) في المصدر زيادة ( فلما انتهيت اليها ).

(٢) في المصدر ( فقيل ).

(٣) تذكرة الخواص : ٢٤٠.

٨٦

ناراً. ثم بكت حتى غشي عليها ». وذكر هذا الحديث « الصواعق المحرقة » (١) أيضاً.

١٠ ـ ذكر ابن الاثير في تاريخه صفحة «٣٨» مجلد «٤» ونقلت ذلك « موسوعة آل النبي » صفحة «٧٤٨» ما يلي : « قال ابن عباس : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الليلة التي قتل فيها الحسين وبيده قارورة وهو يجمع فيها دماً. فقلت : يا رسول الله ما هذا؟ قال : هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها الى الله تعالى فأصبح ابن عباس فأعلم الناس بقتل الحسين وقص عليهم رؤياه ».

وعلقت الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة نفسها من موسوعتها تلك على ذلك بقولها : « عندما نادى المنادي بقدوم علي بن الحسين الى المدينة ، وانتشر صدى النعي حتى بلغ سفح أحد ، ارتد الى البقيع ، فقباء ، خافتاً ممزقاً وما لبث أن تلاشى في صراخ الباكين وعويل المناديات. وبلغ العويل سمع أمير المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فابتهج وقال :

عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الارنب

يوم بيوم عثمان ، وناعية بناعية عثمان. ولم تبق مخدرة في المدينة إلا برزت من خدرها نائحة معولة ... ».

أقول : لقد نقل أقوال عمرو بن سعيد كل من تاريخ الطبري ، وابن الأثير ، وغيرهما من كتب المقتل.

ثم تواصل الدكتورة بنت الشاطئ كلامها فتقول : « وأهل الركب الحزين على الجموع التي خرجت لاستقباله ، فما رأت مدينة الرسول افجع مشهداً ، ولا رأت مثل ذلك اليوم أكثر باكياً وباكية ... ».

وختمت الكاتبة قولها بما يلي :

« وأقامت مدينة الرسول أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب ، وتصغي الى

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٩٧ قطعه منه ، تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام : ٦٣ و ٦٥.

٨٧

النواح الفاجع ، وتتلقى في ثراها الطاهر دموع الباكين ».

١١ ذكر كتاب « الأغاني » لأبي الفرج الاصفهاني نقلاً عن هشام الكلبي عن الرباب زوجة الحسين مانصه : « وخطبت بعد استشهاد الحسين فأبت وقالت : ما كنت لأتخذ حمواً بعد ابن رسول الله (١). ثم قالت ترثي الحسين :

ان الذي كان نورا يستضاء به

بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالحة

عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صعبأ ألوذبه

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويؤوي اليه كل مسكين

والله لا ابتغي صهراً بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين (٢)

١٢ ـ قال ابن الأثير في المجلد الرابع صفحة «٤٥» من تاريخه ، عن الرباب زوجة الحسين ما عبارته : « وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً. وقيل : إنّها أقامت على قبره سنة وعادت الى المدينة فماتت أسفاً عليه ... ».

١٣ ـ جاء في الصفحة «٨٥» من كتاب « مقاتل الطالبيين » لأبي الفرج الأصفهاني ما نصه عن نياح أم البنين :

« وكانت أم البنين أم هؤلاء الاربعة الأخوة القتلى تخرج الى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها. فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي ».

١٤ ـ روى الطبري في تاريخه المجلد ٤ : الصفحة ٣٥٨ ضمن حوادث سنة ٦١ هـ عن هشام ، بسنده عن عمرو بن عكرمة : قال : « أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة ، فاذا مولى لنا يحدثنا : قال : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :

__________________

(١) الاغاني ١٦ : ١٤١.

(٢) الاغاني ١٦ : ١٤٢.

٨٨

أيها القاتلون جهلاً حسيناً

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء تدعو عليكم

من نبي ومليك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د موسى وحامل الانجيل

وقد روى ابن حجر (١) عن الملا هذا الحديث عن أم سلمة حيث أنها قالت : لما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول : « أيها القاتلون جهلاً حسيناً ». الى آخر الابيات.

ونقل الرواية والأبيات ابن الأثير (٢) ايضاً. وكذلك نقلها « إرشاد » (٣) المفيد ، و « بحار الانوار » (٤) للمجلسي.

١٥ ـ جاء في الصفحة «١٤٧» من كتاب « نهضة الحسين » السالف الذكر ما نصه : « بلغ السبي النبوي المدينة ، ولكن بأية خالة تعرف مبلغ التأثير في أهل البيت؟ خاطبت زينب المدينة قائلة :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والاحزان جينا

خرجنا منك بالاهلين جمعا

رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا

وكنا في أمان الله جهراً

رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحسين لنا أنيس

رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا

نشال على جمال المبغضينا (٥)

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٩٣.

(٢) الكامل لابن الاثير ٤ : ٩٠.

(٣) الارشاد للشيخ المفيد ٢ : ١٢٤.

(٤) بحار الانوار ٤٥ : ١٩٩.

(٥) بحار الانوار ٤٥ : ١٩٧ يروي هذه الابيات عن أم كلثوم.

٨٩

ثم أخذت بعضادتي باب مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت بلهفة : يا جداه إني ناعية اليك أخي الحسين. ولا زالت بعد ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب. وكلما نظرت الى علي بن الحسين عليه‌السلام تجددت احزانها وزاد وجدها ... ».

١٦ ـ وفي الصفحة «١٥١» من الكتاب نفسه عند وصف وفود المعزين في المدينة على آل النبي للمواساة والتسلية يقول : « وكانت العائلة النبوية تجدد ذكراها في المدينة صباح مساء في حزن عميق ، وشجن عظيم .. وتبكي على الحسين رجالاً ونساء ... ».

ثم يستطرد فيقول : « وكان وجوه المسلمين والموالون لآل البيت يفدون على بيوت آل النبي بالمدينة معزين ومواسين ، وكان الواحد منهم يعبر عن مشاعره وأحزانه بأبلغ ما أوتي من روعة وقوة البيان ، وحسن المواساة لهذه المصيبة ، حتى تركوا ثروة أدبية رائعة في أدب التسلية والمواساة ... وبقيت بيوت آل البيت مجللة بالحزن والسواد ، ولا توقد فيها النيران .. ».

ويختم الكاتب الجليل كلامه بقوله : « فصارت المآتم منهم وفيهم تقام في السنة مرة بعد ما كانت مستمرة .. ».

١٧ ـ جاء في الصفحة «١٦٢» من « إقناع اللائم » عند ذكر أم البنين ونياحتها في المدينة على استشهاد أولادها الأربعة في فاجعة كربلاء ما عبارته : « وكانت تقول في ندبتها ، كما عن الأخفش في شرح كامل المبرد :

يا من رأى العباس كر

على جماهير النقد (١)

ويلي على شبلي أما

ل برأسه صوب العمد

لو كان سيفك في يد

يك لما دنا منك أحد

__________________

(١) النقد : جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه ، وزاد البيت حسناً ان العباس من اسماء الاسد.

٩٠

الفصل الرابع عشر

أول نياحة على الحسين عليه‌السلام وآله في مصر

أما السيدة زينب أخت الحسين عليه‌السلام فكان وجودها في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياً لأن يلهب شعور الحزن والأسى على شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس على الطغاة وسفاكي الدماء ، حتى كاد الأمر من جزاء ذلك يفسد على بني أمية ، فكتب واليهم بالمدينة الى يزيد : « إن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وأنها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين ».

وفور تسلم يزيد ـ في الشام ـ هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار. فطلب الوالي الى السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء ، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة ، لكنها نزلت في النهاية على رأي نساء بني هاشم ، فخرجت من المدينة ، ورحلت الى مصر. وقد وصلتها في أول شعبان سنة «٦١» هـ ، أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر.

واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال ، وساروا بها الى قرية قرب « بليبس ». وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الانصاري أمير مصر. فلما أطلت على المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها ، حتى إذ بلغت عاصمة مصر مضى بها « مسلمة » الى داره فأقامت بها قرابة عام.

٩١

وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور الحركة المعادية لبني أمية ، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الامام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء ، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة على أرواح هؤلاء الشهداء الميامين.

وقد ماتت السيد زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب ، سنة «٦٢» هـ ولا زال قبرها منذ ذلك التاريخ حتى الآن في مصر مزاراً يفد اليه المسلمون للتبرك به.

وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقرى والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً على شهداء الطف بكربلاء رغم ماكانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الامويين ، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات على استشهاد الامام الحسين عليه‌السلام في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً ، وخاصة على زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء عليه‌السلام طوال السنة وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم من كل سنة ، وخاصة يوم عاشوراء منه.

وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسيني في القطر المصري منذ وطئت قدم السيدة زينب أرض مصر :

١ ـ جاء في « موسوعة آل النبي » قسم « بطلة كربلاء » صفحة «٧٥٥» ما نصه : « بزغ هلال شعبان عام ٦١ هـ في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل ، فاذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها. وساروا هكذا حتى بلغوا قرية بلبيس ، فقابلتهم هناك جموع اخرى آتية من عاصمة الوادي الطيب.

إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها ، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والامام علي وأخت الامام الشهيد.

فلما أطلعت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد اجهشوا بالبكاء ، وحفوا

٩٢

بركبها ، حتى إذا بلغت العاصمة مضى بها مسلمة الى داره ، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة.

ثم كانت نهاية المطاف ، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد ، لأربع عشرة مضين من رجب ، عام ٦٢ هـ ، على أرجح الأقوال. وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضنى أن يستريح.

فمهدت لها الارض الطيبة مرقداً لينا في مخدعها ، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة.

وبقي قبرها مزاراً مباركاً يفد اليه المسلمون حتى يومنا هذا من كل فج عميق .. ».

وقالت الدكتورة بنت الشاطئ ايضاً في الصفحة «٧٦٨» من موسوعتها ما يلي :

« أجل ، هي زينب التي دعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة ، وصيرت من يوم مقتله ماتماً سنوياً للاحزان والآلام ».

٢ ـ وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيد زينب. إذ إن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير ، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف ، وآخرون قالوا : إنه في دمشق. وأفاد غيرهم : إنه في المدينة. وأنقل فيما يلي رأى العلامتين ، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، والسيد محسن الأمين العاملي ، حسماً للخلاف. سيما وانهما الحجتان في مثل هذه المواضيع في هذا القرن ، واتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر ، منذ وطئت قدم السيدة زينب تلك البلاد.

٣ ـ جاء في الصفحة «٢٥٦» من الجزء «٦» من المجلد «٣» من مجلة « المرشد » البغدادية ، بقلم العلامة الشهرساتي الحسيني ، ما نصه : « واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب ، والمشهور انها دفنت في قناطر

٩٣

السباع بمصر ».

وجاء في كتاب «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» صفحة ٢٣٥ ما يلي : « وعلى اختلاف الروايات ان للسيدة زينب مقامين : أحدهما بدمشق ، وهو مقصود من كل الجهات ، خصوصا من أهل الشيعة. والثاني بمصر ، وهو أشهر من الاول ، ولها أوقاف وايراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية ، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله ».

وقال صاحب دائرة المعارف البستاني ، مجلد «٩» صفحة «٣٥٥».

« وللسيدة زينب ، بنت علي بن أبي طالب ، أخت الحسن والحسين ، مزار في قناطر السباع بمصر ، يزار ويتبرك به ».

كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الاسماعيلية ، في الجزء «٣» من المجلد «١٦» من مجلة العرفان بأن « مزار القبر المنسوب الى السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم ، بنت الامام علي عليه‌السلام. ويقع بقرية راوية ، على بعد فرسخ من مدينة دمشق : » إنتها كلام العلامة الشهرستاني الحسيني.

٤ ـ أمّا العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد اشار الى هذا الموضوع في الجلد «٣٣» في الصفحة «٢١٨» من موسوعته « أعيان الشيعة » حيث قال :

« وهذا المشهد ـ أي مشهد زينب في مصر ـ مزار ، معظم ، مشيد البناء ، بناؤه غاية الاتقان ، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري الى الحجاز بطريق مصر ، عام «١٣٤٠ هـ » ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحدانا ، وتلقى فيه الدروس وهم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب ، حتى إني رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن ، ولا اسم مؤلفه وفيه : إن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب ... ».

وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب ، وأعود الى موضوع

٩٤

الرسالة في المناحة على الامام الحسين في مصر منذ صدر الاسلام.

٥ ـ جاء في كتاب « الدلائل والمسائل » لمؤلفه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه :

« وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر أقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً ، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً ، كما يخرج الرجال نهاراً ... ».

٦ ـ جاء في الصفحة «٦٦» في كتاب « دول الشيعة في التاريخ » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، ما نصه :

« وعن خطط المقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الاسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالازقة والاسواق ، ويأتون الى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون. وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب : وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين : الحسينية ، وهي بناء فسيح الارجاء ، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة كربلاء ، وأمعن الفاطمييون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتى أصبحت جزء من حياة الناس ... ».

٧ ـ ورد في الصفحة «١٥٩» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه :

« وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة (١) الخواص : إن أبا عبيد الله النحوي بمصر قال : كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء ، فعوتب على ذلك فقال :

وقائل : لم كحلت عيناً

يوم استباحوا دم الحسين

فقلت : كفوا ، أحق شيء

تلبس فيه السواد عيني

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٥.

٩٥

٨ ـ ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي على مصر إلا وأخذ بالضغط على الشيعة فيها ومطاردتهم ، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الحسين عليه‌السلام وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك ، واتفقت كلمتهم على ذلك وفيما يلي بعض مروياتهم :

٩ ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » صفحة «٣» نقلاً عن خطط المقريزي ، في جزئه الثاني ، صفحة «٣٨٥» ما عبارته :

« فإنه ـ أي المقريزي ـ بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن ، تعطل فيه الاسواق ، قال : فلما دالت الدولة ، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسعون فيه على عيالهم ، ويتبسطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جرياً على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغوا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه ... ».

ثم قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب ، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط ... ».

١٠ ـ جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «٦١» ما نصه :

« وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا ، وذلك من الظلم الفاحش. وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بني أمية والحجاج بالشام وغيرها ، وأحدث جعله عيداً بمصر ، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي ».

١١ ـ ورد في الصفحة «٩٢» من كتاب « الشيعة والحاكمون » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الايوبي للفاطميين والشيعة في

٩٦

مصر قوله : « وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا وأعاد يوم قتل الحسنين عيداً الذي قد سنه بني أمية والحجاج ... ».

١٢ ـ وبمناسبة ذكر المناحات على الامام الشهيد في مصر ، وتأييدها حيناً ومنعها أحياناً ، حسب رغبة الحكام فيها ، لا أجد ضيراً من الاشارة الى المكان الذي قبر فيه رأس الامام الشهيد عليه‌السلام بعد نقله من كربلاء الى الكوفة ، ثم الشام ، ثم عسقلان والقاهرة ، واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف ، ورأي الأكثرية منهم في انهم نقل على عهد الفاطميين من عسقلان الى القاهرة حيث وري التراب في محله الحالي في القاهرة.

وهنا أكتفي برأي السيد حسن الامين ، المحقق المعاصر ، الذي أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة « العربي » الصادرة في الكويت ، بعددها «١٥٥» المؤرخ شعبان ١٣٩١ هـ حيث قال السيد الأمين ما نصه :

« لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين ، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشأ أن يكون هذا الشأن في دمشق ، فأبعده الى عسقلان وفي العام «٥٤٨ هـ» نقل الفاطميون الرأس من مدفنه في عسقلان الى مكانه الحالي في القاهرة ... ».

وقد كتب السيد الامين هذا البحث رداً على ما نشرته مجلة « العربي » بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين ، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها ، التي خزن فيها يزيد الرأس.

* * *

٩٧
٩٨

الفصل الخامس عشر

اول من رثى الحسين عليه‌السلام بعد دفنه

تقول الروايات : إنه لم يكن يجسر أحد من الشعراء وغيرهم على المجاهرة برثاء الحسين عليه‌السلام والبكاء عليه مدة ملك بني أمية وسلطانتهم ، عدا من شدّ مّمن كان يقول الأبيات المعدودة في الرثاء مجاهراً بها ، وبما يبديه من حزن وجزع وبكاء على الامام الشهيد عليه‌السلام ، وقد نقلت بعض الأبيات في رثائه التي قيلت على عهد بني أمية في أوائل ملك العباسيين.

ويستدل من هذه الابيات أن رثاء الامام عليه‌السلام والنياحة عليه في أوائل عهد العباسيين وفي أواخره تبارى شعراء الاسلام فيه. وكان في مقدمة هؤلاء الشعراء الشيعة الذين أكثروا في هذا الرثاء والنحيب ، نظراً لما لا قوه من الحرية نتيجة ضعف العباسيين. ولقد اختلفت الروايات وتباينت الأخبار في أول من قام بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام وقبور آله وأصحابه ، ورثائه ، والنوح عليه وعليهم ، بعد أن تم دفن الاجساد من قبل أفراد من قبيلة بني أسد.

وقد تواترت هذه الروايات بأن أول هؤلاء الراثين والنائحين على القبر هو عبيد الله بن الحر الجعفي ، لقرب موضعه من ساحة الشهداء. كما أن هناك رواية أخرى تقول : إن سليمان بن قتة كان أول من زار هذه القبور وناح عليها.

وفيما يلي نبذة من هذه الروايات التي إن دلت على شيء فانها تدل على شدة اهتمام شيعة علي عليه‌السلام بمصرع ابنه عليه‌السلام فور علمهم به :

٩٩

١ ـ جاء في الصفحات «١٢٠ ـ ١٢١» من كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » نقلاً عن « إرشاد » الشيخ المفيد ما نصه :

« ثم مضى الحسين عليه‌السلام حتى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به ، فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الخباء؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال : ادعوه إلي. فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك. فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ماخرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني فأتاه الرسول فأخبره. فقام الحسين فجاء حتى دخل عليه ، وسلم وجلس ، ثم دعاه الى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه اليه. فقال له الحسين : فان لم تكن (١) تنصرنا فاتق أن تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك. فقال : أما هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله ، ثم قام من عنده حتى دخل رحله ... » (٢).

٢ ـ وفي الصفحة «٦٥» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار الذكر ما نصه :

« إن أول من زار قبر الحسين عليه‌السلام بعد مصرع الحسين ودفن الأجساد ، كما روي عن أبي مخنف ، هو عبيد الله بن الحر الجعفي ، الذي كان من شجعان العرب ومن شعرائهم الأفذاذ وكان من المحبين للامام علي عليه‌السلام وحضر معه معظم حروبه. وعندما سمع بقدوم الحسين خرج من الكوفة وأتى قصر بني مقاتل حتى نزله الحسين في طريقه الى كربلاء ... ».

وبعد أن يذكر الكاتب اجتماع الحسين بعبيد الله ، وامتناع هذا عن نصرة الحسين يقول :

« فودع الحسين عبيد الله بن الحر ، ثم سار الحسين الى كربلاء وترك عبيد الله

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٨١.

١٠٠