تراثنا ـ العدد [ 21 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 21 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

الله تعالى ـ فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ـ

غيري؟ قالوا : اللهم لا» (٢٠).

ولا يبعد أن هذا الحديث كان قد انفرد في موضع ، وكان عمرو بن شمر قد صحف فيه بعمرو بن ميمون (وتصحيف «شمر» ب «ميمون» غير غريب) فرأى الشيخ هذه النسخة المصحفة فتخيل اتحاد عمرو بن ميمون مع عمرو بن أبي المقدام ، ووجه هذا الاعتقاد أن حديث مسائل اليهودي أيضا مشتمل على مسألة الشورى أيضا ، وقد رواه عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

فحيث لا تنافي بين التسمية بميمون والتكنية بأبي المقدام فالتشابه التام بين عمرو بن ميمون وعمرو بن أبي المقدام دعاه إلى القول باتحادهما.

فكتاب حديث الشورى عين هذه الرواية المبسوطة ، ويكفي هذا المقدار في إطلاق اسم الكتاب عليه كما هو غير خفي على العارف بمصطلح أرباب الرجال ، وإن أبيت فهذا الحديث جزء من ذاك الكتاب.

فتحصل من جميع ما مر أن كتاب حديث الشورى لعمرو بن شمر على الظاهر ، وكتاب مسائل اليهودي لعمرو بن أبي المقدام أيضا ، ولم يثبت كون لعمرو بن ميمون ذا كتاب ، ولا كون أبيه مكنى بأبي المقدام ، والحمد لله رب العالمين.

* * *

__________________

(٢٠) الاحتجاج : ١٣٤.

٣٦١

مصادر البحث

١ ـ الاحتجاج ، أبي منصور أحمد بن علي الطبرسي (القرن السادس) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ١٤٠٣ ه.

٢ ـ الاختصاص ، المنسوب إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (١) (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه) ، مكتبة الصدوق ، طهران ، ١٣٧٩ ه.

٣ ـ الإستيعاب ، يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي (٣٦٨ ـ ٤٦٣ ه) ، هامش الإصابة) دار صادر ، بيروت ، (من مطبعة السعادة ، مصر ، ١٣٢٨ ه).

٤ ـ أسد الغابة ، عز الدين علي بن محمد المعروف بابن الأثير (٥٥٥ ـ ٦٣٠ ه) ، انتشارات إسماعيليان ، طهران (من مطبعة جمعية المعارف المصرية ، ١٢٨٦ ه).

٥ ـ الأمالي (*)، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) ، مكتبة الداوري ، قم (من مكتبة الحيدري ، النجف الأشرف).

٦ ـ الإمامة والسياسة ، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه) ، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، ١٣٨٨ ه.

٧ ـ بحار الأنوار ، المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١٠ ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ١٣٨٠ ه.

٨ ـ بصائر الدرجات ، محمد بن الحسن الصفار (ـ ٢٩٠ ه) ، نشره الحاج محمود الريسمانجي الصادقي ، تبريز ١٣٨١ ه (٢).

٩ ـ تهذيب الأحكام ، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) ، دار الكتب الإسلامية ، النجف الأشرف ، ١٣٧٩ ه.

١٠ ـ تهذيب التهذيب ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه) ، دار صادر ، بيروت (من مجلس دائرة المعارف النظامية ، حيدر آباد ، دكن ، ١٣٢٦ ه).

١١ ـ حلية الأولياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (٣٣٦ ـ ٤٣٠ ه) ، دار الكتاب

__________________

* لاحظ ما كتبناه عند ذكر مصادر بحث الغدير في حديث العترة الطاهرة.

(١ و ٢) وهذه الطبعة مشحونة بالأغلاط فاعتمدنا علي النسخ المخطوطة منها فقط

٣٦٢

العربي ، بيروت ١٣٨٧ ه.

١٢ ـ الخصال ، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ح ٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) ، مكتبة الصدوق ، طهرا ن ، ١٣٨٩ ه.

١٣ ـ رجال البرقي ، المنسوب إلى أحمد بن أبي عبد الله البرقي (٣) ، مطبعة جامعة طهران ، ١٣٨٣ هـ.

١٤ ـ رجال الشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ١٣٨١ ه.

١٥ ـ رجال النجاشي ، أبو العباس أبو الحسين أحمد بن علي النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه) ، تحقيق آية الله السيد موسى الشبيري الزنجاني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٠٧ ه.

١٦ ـ شرح نهج البلاغة ، عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني (٥٨٦ ـ ٦٥٦ ه) ، إسماعيليان ، طهران (من نشر دار إحياء الكتب العربي ، ١٣٧٨ ه).

١٧ ـ صحيح البخاري (= الجامع الصحيح) ، محمد بن إسماعيل البخاري (١٩٤ ـ ٢٥٨ ه).

١٨ ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٤٠٢ ، (من المطبعة البهية المصرية ، القاهرة ، ١٣٤٨ ه).

١٩ ـ الفهرست ، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) ، المكتبة المرتضوية ، النجف الأشرف ، ١٣٥٦ ه.

٢٠ ـ قاموس الرجال ، الشيخ المحقق محمد تقي بن التستري (ح ١٣٢٠ ـ) ، مركز نشر الكتاب ، طهران ١٣٨٦ ه.

٢١ ـ الكافي ، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ـ ٣٢٨ أو ٣٢٩ ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ١٣٧٥ ه.

٢٢ ـ المعارف ، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه) ، مطبعة دار الكتب ، ، ١٩٦٠ م.

٢٣ ـ معجم رجال الحديث ، آية الله العظمى السيد أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي الخوئي

__________________

(٣) والنسبة خاطئة كما نبه عليه المحقق التستري في مقدمة «قاموس الرجال» وأثبتناه في مقال حول الربط بين رجال الشيخ ورجال البرقي.

٣٦٣

(١٣١٧ ـ) ، منشورات مدينة العلم ، قم (الطبع في بيروت ، لبنان ، ١٤٠٣ ه).

٢٤ ـ منتقى الجمان ، الشيخ حسن بن زين الدين العاملي (٩٥٩ ـ ١٠١١ ه).

* * *

٣٦٤

من ذخائر التراث

٣٦٥
٣٦٦

غديرية

للحر العاملي

(١١٠٤ ه)

أسد مولوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد وآله والمعصومين.

وبعد فهذه غديرية للحر العاملي لم يسبق لها أن نشرت ، وقد أخذناها من ديوانه المخطوط المصحح بخط يده.

الشاعر :

هو المحدث الكبير شيخ الإسلام محمد بن الحسن الحر العاملي ، صاحب كتاب الوسائل الذي تدور عليه رحي الاستنباط من يوم تأليفه إلى الآن.

ينتهي نسبة إلى الحر الرياحي شهيد الطف مع سيد الشهداء الحسين ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولد في قرية مشغرة ـ من قرى جبل عامل ـ ليلة الجمعة ثامن شهر رجب الخير عام ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة الشريفة.

ونشأ في مهد العلم حيث كانت أسرته (آل الحر) من الأسر العربية الأصيلة ، والبيوتات العلمية ، فقد أنجبت هذه الأسرة الجليلة عدة علماء.

٣٦٧

أكمل الشيخ تحصيله في جبل عامل قرابة أربعين سنة حتى نال منه مراده ، ثم ألح عليه الشوق لزيارة الإمام الضامن الرضا عليه‌السلام ، فشد الرحال لأداء واجب الولاء لآل البيت ، وكحل عينيه برؤية الضريح المقدس وطابت له مجاورة الإمام ، فألقى عصا التسيار في طوس.

وتجمع حوله طلبة العلم ينهلون من معين علمه حتى تخرج به كثيرون.

وكان مع سعة علمه شاعرا مكثرا له ديوان شعر كبير ، قصر أكثره على آل الله مدحا ورثاءا.

وعاش حياته مثالا للعالم النزيه المصلح لنفسه وللرعية ، مقدرا عند ملوك الصفوية ، جارية أوامره في بلادهم ، إلى أن دعاه داعي الأجل فأجابه في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ١١٠٤ ه ودفن في إيوان من أواوين حضرة الرضا عليه‌السلام فجاور إمامه حيا وميتا.

رحمه‌الله برحمته الواسعة ، ولا أخلى بلادنا من أمثاله.

للتوسع في ترجمته أنظر مقدمة وسائل الشيعة تحقيق وطبع مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

القصيدة

تائية في مديح الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عرج فيها على مدح الأئمة من آل الرسول ، وتعرض لواقعة الغدير ، ولذلك اخترناها لتكون هدية إلى محبي آل البيت عليهم‌السلام بمناسبة عيد الغدير المبارك.

والله ولي التوفيق.

أسد مولوي

٣٦٨

(الغديرية)

سقاني جمال الغيد كأس محبة

فجرعنى منها مدامة محنة

بدور (١) بدور (٢) قد أنارت بنورها

تحلت ولما أن تحلت تجلت

فتخجل أغصان النقا إن تمايلت

وتبدي سنا شمس السما إن تبدت

وقفن فلا أدري وقوف مودع

لنا ، أم لقاء ، أم معادي ورجعتي

تناهي غرامي في هواها وصبوتي (٣)

فسيان حالي في اكتهالي وصبوتي (٤)

دوائي ودائي عطفها وصدودها

وهيهات منها العطف عن غير عطفة

فيا هذه رفقا على ذي حشاشة

عفت (٥) ووهت (٦) آثارها بعد جدة

__________________

(١) البدور جمع بدر ، وهو القمر ليلة اكتماله.

(٢) بدور : في دور.

(٣) الصبوة : الميل إلى اللهو.

(٤) الصبوة : سن الشباب.

(٥) عفت : درست آثارها.

(٦) وهت : ضعفت.

٣٦٩

حبيبة قلبي ، كل قلب لك الفدا

وكل محب بل وكل حبيبة

سلبت فؤادي يا فؤادي ومهجتي

وأعدمتني أثواب عز ، وبهجة

غدرت فأحييت القطيعة والجفا

وغادرتني في الحي حيا كميت

وأضرمت نار الشوق في قلب هائم

بحبك لما يسل عن غير سلوة

غمائم غم قد أظلت ، فظلت (٧) لا

أفيق ، ومن غمي بهجرك سكرتي

هواك وما أدراك ما الحب والهوى

هلاك يريني في الأماني منيتي

أما وهواها وهو أعظم حلفة

فلا تنتهي إلا إليه أليتي (٨)

لقد غادرت قلبي أسيرا لغدرها

كما أغرقت إنسان عيني بعبرتي

وصدت فصدت كل صب عن المنى

وكانت تصدت للقتال بمقلة

وقد أحرقت قلب الكئيب بهجرها

فكان كخال حل منها بوجنة

__________________

(٧) ظلت : مخفف ظللت أي بقيت.

(٨) الألية : اليمين أو القسم.

٣٧٠

فيا لك من خال تخال سواده

هجيرة هجر أو كحظي لشقوتي

فتاة حوت كل الملاحة والبها

فليس لها من مشبه في البرية

ولو سمحت لي بالوصال وبالمنى

إذا أدركتني عند ذلك عفتي

كأن محياها الغزالة (٩) أشرقت

فأشرقت الأقطار لما تجلت

كأن نسيم الريح من نحو أرضها

روائح مسك من ثرى الربع هبت

كأن حمي (١٠) حلت به في توجهي

إليه وإقبالي بوجهي قبلتي

كأن بمغناها (١١) مشاعر مكة

إليهن حجي طول عمري وعمرتي

كأن النوى والقرب نار وجنة

وسلوانها والحب ذنبي وقربتي

كأن الهوى بحر ظللت أخوضه

فيقذف بي في لجة بعد لجة

__________________

(٩) الغزالة : الشمس.

(١٠) الحمى : مكان خاص ، كان مالكه يحميه من دخول غيره فيه.

(١١) المغنى : المكان ما دام الناس حالين فيه.

٣٧١

كان الزلال العذب يروى به الصدى

صدئ مسمعي والقلب ذكر أحبتي

كأن النوى (١٢) كانت تساء بشملنا الـ

جميع فسرت بعده بالتشتت

كأن فراقا ظلت أفرق (١٣) قبل أن

يحل حمام حال من دون منيتي

كأن اشتياقي للغضا (١٤) ولمن غدا

مقيما به نيرانه حين شبت

كأن غصون البان حين تمايلت

قدود به دون لمنازل حلت

كأن اسمها الأعلى الذي لم يفه به

لساني سر في خفاه مسرتي

كأن الدجى عندي حبيب لأنه

يجود بوصل الطيف في كل خلوة

ألا حبذا طيف لما زار مضجعي

فأربت على الأيام في الحسن ليلتي

لقد أرسلت ليلى مع الليل طيفها

فأطفأ مني حر وجدي وحرقتي

__________________

(١٢) النوى : البعد.

(١٣) أفرق : أخاف.

(١٤) الغضا : شجر ، ناره شديدة التوقد طويلة البقاء.

٣٧٢

فقد جاملت (١٥) جمل ببذل جمالها

وقد سالمت سلمى بنفس سليمة

يكذب قول المانوية إنني

ترشفت من ظلم (١٦) الظلوم (١٧) بظلمة

ولكنها لما جفتني جفا الكرى

جفوني إلا بعض أجزاء لحظة

نصبت شراك النوم للطيف لحظة

فأسعدني طيف لسعدى بزورة

فلما انتبهت انبت (١٨) حبل وصاله

ففارقني ليت الفراق لفرقتي

ومذ سكنت قلبي سكينة لم أجد

سكونا به بل أعدمتني سكينتي

وكنت أرى أني على ما ينوبني

صبور فودعت اصطباري ومسكتي (١٩)

وكنت أظن الحب كالشهد (٢٠) طعمه

إذا هو مر الطعم أوهن مرتي (٢١)

__________________

(١٥) جاملت : أحسنت العشرة.

(١٦) الظلم : ماء الأسنان.

(١٧) الظلوم. اسم امرأة.

(١٨) انبت : انقطع.

(١٩) المسكة : العقل.

(٢٠) الشهد : العسل.

(٢١) المرة : القوة.

٣٧٣

ترى ذا الهوى مما يكابد مطرقا

كأن به للشوق خشية مخبت (٢٢)

ولما رأينا ذلك الربع خاليا

بكيت لشمل بالفراق مشتت

وذان المنايا الركب من حرقة النوى

وحنت بنا تلك الركاب وأنت

وفاح لنا من ذلك الروض غدوة

روائح يحيي طيبها كل ميت

وما الحب إلا محنة غير أنه

برغمي له مني كمال محبتي

فلا والهوى العذري لست بعاذر

عذولا لشاك من صدود وجفوة

وأعدمتني يا بين كل مصاحب

فدونك وجدي (٢٣) فهو من بعض صحبتي

وأكبر غمي بعد شيبي أنني

فقدت ـ وقد وافى ـ سرور شبيبتي

بياضي مشيبي مع سواد شبيبتي

يشابه كل ضده من صحيفتي

ويا هاجري حسبي لقد قطع الحشا

جفاك فجد لي بعد صد بعطفة

__________________

(٢٢) المخبت : الخاشع الخائف من ربه.

(٢٣) (لوجد : الحز ن.

٣٧٤

لقاء الغواني آلة لحصاد ما

بقلبي من غم ، وغرس مسرتي

جميع الأماني والمنايا تجمعت

لديك فهب لي منيتي أو منيتي

ولو أن ما بي من فراقك والجوى

غدا بالجبال الشامخات لدكت

ولو أن أصحاب السفينة جادهم

سحاب دموعي ما نجوا في السفينة

ولو أن إبراهيم ألقي في لظى

فؤادي غدا فيها حريقا كمهجتي

وأشغلت عن ديني ودنياي جملة

وأفنى سقامي من فراقك جملتي

خليلي هل لي من معين على الهوى

وأعبائه إذ أوهن الحب قوتي

وحرمة ود لم أخنه وللهوى

بقلبي لمن أصفاه أوكد حرمة

وحمرة خديها وخمرة لحظها

وقد أعقبتني سكرة أي سكرة

وأسهم ألحاظ لها ما تواترت

إلى ذي فؤاد قط إلا وأصمت (٢٤)

__________________

(٢٤) أصمى السهم : نفذ في الرمية.

٣٧٥

وبهجة ذياك الجبين الذي بدا

كصبح بدا من تحت ظلمة طرة (٢٥)

وجسم لها كالسماء رقة ملمس

وقلب به قاس كجلمود صخرة

وترب حبته ريح مسك وعنبر

وغالية (٢٦) لما عليه تخطت

ومغنى حوى منها المنية والمنى

ومعنى به عن كل حسناء جلت

وطيب أحاديث الحبيب ودعوة الر

سول بوعد منجز من حبيبة

ووصل لحب بعد فرط صدوده ،

وجمع لشمل بعد طول تشتت

لقد ذاب جسمي والفؤاد ، وقد جفت

بأنواع أسقام ونيران زفرة

وقد قطعت لما رأتني أكفها

وقطعت قلبي عند ذاك ومهجتي

وقد سكنت قلبي المعنى ببعدها

عن العين مذ بانت وحلت بفكرتي

عقرت فؤادي للعذارى ولم أكن

لأرضى لأحبابي بعقر مطيتي

__________________

(٢٥) الطرة : شعر مقدم الرأس.

(٢٦) الغالية : نوع من الطيب.

٣٧٦

وما زال سلطان الهوى متسلطا

على الخلق لا يدفع بعز ومنعة

فلو أن ذا القرنين وهو مدوخ (٢٧) الـ

ملوك رماه بالجنود لذلت

هو الظالم العاتي الذي ما لحكمه

مرد بعزم واحتيال وقوة

وإني لجسم وهي روح ومهجة

وكيف بقاء الجسم من دون مهجة

خليلي من واسى الخليل تفضلا

إذا اضطر في البلوى ولا كبليتي

ولو أن دمع المزن كاثر مدمعي

لأخجله دمعي الغزير بكثرة

وهب أن ودق (٢٨) الغيث ساوى مدامعي

فمن أين يحكي ماؤه دم عبرتي

صحبت بني دهري إلى أن خبرتهم

وأفنيت في استعلامهم شطر مدتي

فأعرضت عنهم جانبا وهجرتهم

ولم أحتفل منهم بود وخلة

كأن بني الدهر الهوى في صفاته

فباطن آلام بظاهر لذة

__________________

(٢٧) دوخ الملوك. غلبها واستولى على ما في أيديها.

(٢٨) الودق : المطر.

٣٧٧

بليت بحظ لو تطلبت للدجى

صباحا لما ألفيت غير دجنة (٢٩)

وعاد نهار الناس ليلا وأظلمت

على الخلق أقطار السما والبسيطة

ولو رمت ليلا من زماني في الدجى

لعاد نهارا لم يجد لي بليلة

ولو أنني لما تناهى بي الصدى

وردت البحار الزاخرات لجفت

ولو أني استسقيت أروى غمامة

لمرت وما جادت علي بقطرة

فويحك يا دهري أمثلي يزدرى

لديك بلا ذنب إليك وزلة

وهبك زويت الحظ عني جاهلا

فحسبي كمالي في العلا وفضيلتي

وهل لبنيك الأرذلين ذوي الغنى

وأهل الحظوظ المسعدات مزيتي

ومن منهم يغني غناي لدى الوغى

أو السلم في علم غزير ونجدة

عجبت لأحكام الزمان ولم يزل

يرينا من الأحوال كل عجيبة

__________________

(٢٩) الدجنة : الظلمة.

٣٧٨

فلا فاضل إلا بأوفر محنة

ولا جاهل إلا بأوفر نعمة

على أن لي حظا من الدين وافرا

بحب نبي ذي مفاخر جمه (٣٠)

شموس الهدى من أفق مجد محمد (ص)

بدت وظلام الكفر والشرك جلت

له المعجزات الباهرات التي علت

عن الوصف والتعداد حصرا وجلت

أتى منذرا والقوم من قبل بعثه

من الليل ـ ليل الجهل ـ في أي ظلمة

فأشرقت الأقطار نورا وبهجه

به وبدور المعجزات تبدت

أتى معشرا حازوا الفصاحة جملة

فأخرس منهم كل نطق ولهجة

وأفحم بالقرآن كل معارض

فعن مثله الآذان في الدهر صمت

فيا لك من ذكر حكيم علومه.

عن العد والاحصاء جلت وجمت

لو أن بحار الأرض كان مدادها

لما دونت منها اليسير وجفت

__________________

(٣٠) في هذا البيت تخلص الشاعر من الغزل وشكوى الزمان إلى غرضه ، وهو مدح النبي وآله صلوات الله عليه وعليهم.

٣٧٩

ولو نزلت آياته وهي جمة

على جبل يلقى السماء بذروة

لأصبح منها خاشعا متصدعا

لخوف به يوهي الصخور وخشية

نبي الهدى بحر الندى مورد العدى

حياض الردى من مورد المشرفية

له انشق بدر التم (٣١) ، والشمس بعد ما

تدانت بآفاق المغارب ردت (٣٢)

وأذهب صرف الدهر عين قتادة

فرد له بعد العمى أي مقلة (٣٣)

وحن إليه الجذع شوقا (٣٤) وسبح ال

حصى مفصحا في كفه بعد عجمة (٣٥)

وجاءت له الأشجار تسعى مطيعة (٣٦)

وراحته للجيش بالسماء روت (٣٧)

__________________

(٣١) الخصائص الكبرى ١ : ١٢٥ وقد عقد له بابا مستقلا ، وانظر تفاسير القرآن الكريم في تفسير قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) سوره القمر ، آية : ١.

وانظر : دلائل النبوة ، للحافظ أبي نعيم الإصبهاني ١ : ٣٦٧.

(٣٢) الخصائص الكبرى ١ : ٢٣٢ وعقد له بابا في ٢ : ٨٢.

(٣٣) الخصائص الكبرى ١ : ٢٠٤ ودلائل النبوة لأبي نعيم ٢ : ٦٢١ ح ٤١٦.

(٣٤) الخصائص الكبرى ٢ : ٧٥ وعقد له بابا مستقلا.

(٣٥) الخصائص الكبرى ٢ : ٧٤ وعقد له بابا مستقلا.

(٣٦) الخصائص الكبرى ١ : ١٢١ وعقد له بابا مستقلا.

(٣٧) دلائل النبوة ، لأبي نعيم ٢ : ٥٢٠ ، ٥٣١ وقد عقد لهذه المعجزة الفصل الحادي والعشرين من كتابة ح ٣١١ ـ ٣٢١ ، والخصائص الكبرى ٢ : ٤٠ ـ ٤٥ وقد عقد لذلك بابا مستقلا.

٣٨٠