مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤
الغدير في ضل التهديدات الإلهية للمعارضة |
|
السيد جعفر مرتضى العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله.
بداية :
لقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم :
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل ، فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس ، إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (١).
نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع ، لتؤكد على لزوم تبليغ النبي صلى الله عليه وآله ما أمر به من أمر الإمامة ، وولاية علي عليه الصلاة والسلام على الناس. كما ذكرته المصادر الكثيرة. والروايات الموثوقة ... ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك ...
فقد يرى البعض أن هذه الآية قد تضمنت تهديدا للرسول نفسه ، بالعذاب والعقاب إن لم يبلع ما أنزل إليه من ربه ، وفي بعض الروايات : أنه صلىاللهعليهوآله قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير ، وستأتي بعض تلك الروايات إن شاء الله تعالى ...
__________________
(١) المائدة / ٦٧.
ولكننا نقول : إن التهديد الحقيقي موجه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول ، كما صرح هو نفسه صلىاللهعليهوآله بذلك ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله ممتنعا عن الابلاغ ، ولكنه كان ممنوعا منه ، فالتهديد له ـ إن كان ـ إنما هو من باب : «إياك أعني ، واسمعي يا جارة» ..
وهذا بالذات ، ما نريد توضيحه في هذا البحث ، بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال ، والوقت .. فنقول :
الغدير والإمامة :
إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار الثابتة ، والصحيحة ، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، ولسوف يجد أيضا : أن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأل جهدا ، ولم يدخر وسعا ، في تأكيد هذا الأمر ، وتثبيته ، وقطع دابر مختلف التعللات والمعاذير فيه ، في كل زمان ومكان ، كان ، وفي مختلف الظروف والأحوال ، على مر العصور والدهور ..
وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية وشتى المضامين : فعلا وقولا ، تصريحا ، وتلويحا ، إثباتا ونفيا ، وترغيبا ، وترهيبا ، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره ، في تنوعه ، وفي مناسباته.
وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية ، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه رسميا علي عليهالسلام في آخر حجة حجها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأخذت البيعة له فعلا من عشرات الألوف من المسلمين ، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة ...
وقد كان ذلك في منطقة يقال لها ، «غدير خم» واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان. وهي أشهر من أن تذكر.
ولسنا هنا في صدد البحث عن وقائع ما جرى ، واستعراض جزئياته ، ولا نريد
توثيقه بالمصادر والأسانيد ، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة ...
وإنما هدفنا هو الإلماح إلى حدث سبقه بفترة وجيزة ، وهو ما حصل ـ تحديدا ـ في نفس حجّة الوداع ، التي نصب فيها النبي صلىاللهعليهوآله عليا إماما للأمة ، وهو في طريق عودته منها إلى المدينة.
وذلك لأن التعرف على هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانبا من المغزى العميق الذي يكمن في قوله تعالى :
(والله يعصمك من الناس) (٢).
ولكننا قبل ذلك ، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول :
الحدث الخالد :
إن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل ، وابتعاده عن قضايا الماضي ، هو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة ، التي يمر بها ، وتمر به ، ويساهم في أفولها شيئا فشيئا ، حتى تصبح على حد الشبح البعيد البعيد ، ثم قد ينتهي بها الأمر إلى أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة ، حتى كأن شيئا لم يكن.
ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلى أكثر من بضعة عقود من الزمن ، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت ...
وحتى لو احتفظت بعض معالمها ـ لسبب أو لآخر ـ بشئ من الوضوح ، ونالت قسطا من الاهتمام ، فلا يرجع ذلك إلى أن لها دور يذكر في حياة الإنسان وفي حركته. وإنها لأنها أصبحت تاريخا مجيدا يبعث الزهو والخيلاء لدى بعض الناس ، الذين يرون في ذلك شيئا يشبه القيمة ، أو يعطيهم بعضا من الاعتبار والمجد بنظرهم.
ولكن قضية الغدير ، رغم مرور الدهور والأحقاب ، وبعد ألف وأربع مئة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة ، وبالقضايا الغريبة ، ومشحونة بالحروب والكوارث ،
__________________
(٢) المائدة / ٦٧.
وبالعجيب من القضايا والحوادث ..
ورغم المحاولات الجادة ، والمتتابعة للتعتيم عليها ، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة ، باردة كانت أو ساخنة ، بهدف حرفها عن خطها تقويم ، وعن الاتجاه الصحيح والسليم ..
وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد وغربة ، وتشريد ومحنة ، وما يصب على رؤوسهم من بلايا ومصائب ، وكوارث ونوائب ..
نعم ... رغم ذلك كله وسواه ، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبرى للإيمان وللإنسان ، قد بقيت ولسوف تبقى القضية الأكثر حساسية وأهمية : لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان ، ولأنها الأعمق تأثيرا في حياة هذا الكائن ، وفي بنية شخصيته من الداخل ، وعلى علاقاته بكل من وما يحيط به ، أو يمت إليه بأدنى صلة أو رابطة من الخارج ..
وهي كذلك القضية الأكثر مساسا وارتباطا بمستقبل هذا الإنسان ، وبمصيره ، إن في الدنيا ، وإن في الآخرة ..
وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها ، وحساسيتها بالنسبة إليه ، على مر الدهور ، وتعاقب العصور ، ولسوف تبقى كذلك كما سيتضح فيما يأتي.
مفتاح الحل :
وإذا كان الأمر كذلك ، فلا يبقى مجال لما قد يثيره البعض ، من أنه : سواء أكان الحق في ذلك لعلي عليهالسلام ، وقد اغتصب منه ، وأقصي عن منصب هو له ، أم لم يكن الأمر كذلك ، فإن هذه القضية قد تجاوزتها الأحداث ، وأصبحت تاريخا يحكيه البعض ، وينساه آخرون ، كأي حدث تاريخي آخر ..
فلم يعد الوقوف عندها والاهتمام بها مجديا ، ولا مفيدا ، إن لم نقل : إن فيه ما يوجب الفرقة ، ويرسخ التباعد ، بما يثيره من كوامن ، وضغائن ..
لا .. ليس ثمة مجال لهذا القول : فإن قضية الغدير ، لا تزال ولسوف تبقى هي القضية الأساسية والرئيسية بالنسبة للمسلمين جميعا ، بل وحتى بالنسبة لغيرهم أيضا.
وهي المفتاح والباب الذي لا بد من الدخول منه لحل المشاكل المستعصية الكبرى ، وبعث وبناء الإسلام وقوته ، وحيويته. وبدون ذلك : فإن على الجميع أن يستعدوا للمزيد من المصائب ، وأن يقبلوا ـ شاؤوا أم أبوا ـ باستمرار حالة الضعف والتقهقر ، بل وانهيار بناء الإسلام الشامخ.
خلافة ، أم إمامة! :
وذلك لأن القضية لا تقتصر عل أن تكون مجرد قضية خلافة وحكم ، أي قضية : أن يحكم هذا ، أو يحكم ذاك ، لسنوات معدودة ، وينتهي الأمر ـ وربما يقال إن الذين تصدوا للحكم ، واستأثروا به لأنفسهم قد قصدوا ذلك ، ولكننا نجد شواهد كثيرة قد لا تساعد على هذا الفهم الساذج للأمور ـ.
لا .. لا يقتصر الأمر على ذلك ، وإنما هو يتجاوزه لما هو أهم وأخطر ، حيث قد عمل الحكام الأمويون على تكريس مفهوم الإمامة والخلافة الإلهية في كل شخصية تصدت للحكم. وذلك في نطاق تقديم العديد من الضوابط والمعايير ، المستندة إلى مبررات ذات طابع عقائدي في ظاهره يتم على أساسها اضطهاد الفكر والاعتقاد المخالف ، والتخلص من رجالاته بطريقة أو بأخرى.
وقد سرت تلك المفاهيم المخترعة في الناس ، وأصبحت أمرا واقعا ، لا مفر منه ولا مهرب. ولا ملجأ منه ولا منجى ، وتفرقت الفرق ، وتحزبت الأحزاب ، رغم أن من عدا الشيعة من أرباب الفرق والمذاهب الإسلامية يعتقدون بالخلفاء أكثر مما يعتقده الشيعة في أئمتهم ويمارسون ذلك عملا ، ولكنهم ينكرون ذلك ، ولا يعترفون به ، كما أنهم ينكرون على الشيعة اعتقادهم في أئمتهم ما هو أخف من ذلك وأيسر.
دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة :
وليس من الغريب القول بأن قضية الإمامة والموقف منها هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في هذه الحياة ، وعلى أساس هذا التحديد ، والمعرفة والاعتراف ، يتحدد مصيره ، ويرسم مستقبله ، وبذلك تقوم حياته ، فيكون سعيدا ، أو شقيا ، في خظ الإسلام وهداه ، أو في متاهات الجاهلية وظلماتها كما أشير إليه في الحديث الشريف :
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو ما بمعناه (٣).
فعلى أساس الاعتقاد بالإمامة يجسد الإنسان على صعيد الواقع ، والعمل ، مفهوم الأسوة والقدوة ، الذي هو حالة طبيعية ، يقوم عليها ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ بناء وجوده وتكوين شخصيته ، منذ طفولته ..
وعلى أساس هذا الاعتقاد ، وذلك الموقف ـ أيضا ـ يختار أهدافه ، ويختار السبل التي يرى أنها توصله إليها ...
كما لذلك تأثيره الكبير في تكوينه النفسي ، والروحي ، والتربوي ، وفي حصوله على خصائصه الإنسانية وفي حفاظه على ما لديه منها.
وهي التي تبين له الحق من الباطل ، والحسن من القبيح ، والضار من النافع.
وعلى أساس الالتزام بخطها يرتبط بهذا الإنسان أو بذاك ، ويتعاون معه ، ويتكامل ، أو لا يفعل ذلك ..
كما أنها هي التي تقدم للانسان المعايير والنظم ، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها ، وينطلق منها ، ويتعامل ويتخذ المواقف ـ إحجاما أو إقداما ـ على أساسها ...
أضف إلى ذلك كله : أنها تتدخل في حياته الخاصة ، وفي ثقافته ، وفي أسلوبه وفي
__________________
(٣) راجع الغدير ج ١ / ٠ ٣٩ عن التفتازاني في شرح المقاصد ٢ / ٢٧٥ ، وكنز الكراجكي : ١٥١ ، والمناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٢١٧ ، ومجمع الزوائد ٢٤٤ و ٢٢٥ و ٢١٩ و ٢١٨ ، ومسند أحمد ٤ / ٩٦ ، والبحار ٢٣ / ٩٢ و ٨٨ و ٨٠ و ٨٩ وفي هوامشه عن الاختصاص : ٢٦٩ ، وعن إكمال الدين : ٢٣٠ و ٢٣١ ، وعن عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢١٩ ، ومنتخب الأثر : ١٥ عن الجمع بين الصحيحين والحاكم.
كيفية تفكيره ، ومن الإمام يأخذ معالم الدين وتفسير القرآن ، وخصائص العقائد ودقائق المعارف ..
وهذا بالذات هو السر في أننا نجد إنسانا يأخذ معالم دينه من شخص دون آخر ، بجعل هذا أسوته وقدوته دون ذاك.
إذن .. فموضوع الغدير ، ونصب الإمام للناس ، وتعريفهم به ، لا يمكن أن يكون على حد تنصيب خليفة ، أو حاكم ، أو ما إلى ذلك ، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك ... كما أنه ليس حدثا عابرا فرضته بعض الظروف ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى تبعا لتلاشي وانتهاء الظروف التي فرضته أو أوجدته ، وليصبح في جملة ما يحتضنه التاريخ من أحداث كبيرة ، وصغيرة ، لا يختلف عنها في شئ ، ولا أثر له في الحياة الحاضرة إلا بمقدار ما يبعثه من زهو ، واعتزاز ، أو يتركه من مرارة وألم على مستوى المشاعر والانفعالات لا أكثر ..
بل أمر الإمامة ، هو الذي يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان ، ومصيره ومستقبله ، ودنياه وآخرته ، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته ... ومعنى ذلك هو أنه لا بد من حسم الموقف في هذا الأمر ليكون الإنسان على بصيرة من أمره فلا يموت ميتة جاهلية. كما تقدم عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
واشتراط الحديث الشريف تحصيل معرفة الإمام في النجاة من الهلكة ، وذلك في صيغة عامة تشمل كل إنسان حتى ولو لم يكن يعتنق الإسلام ، حيث قال : «من مات ولم يعرف إمام زمانه ..» ولم يقل : إذا مات المسلم ولم ...
إن هذا الاشتراط يوضح لنا : أن تجاهل قضية الإمامة ، وعدم حسم الأمر في موضوع الأسوة والقدوة يساوق رفضها ، وإبعادها عن محيط الحياة والانسان في كونه يوجب الميتة الجاهلية ، ويترك آثار السلبية المهلكة والمبيدة ، على مجمل حياة هذا الكائن وعلى مستقبله ومصيره ، في الدنيا والآخرة.
ومما يدل على ذلك ، ويثبته ويؤكده : أنه تعالى قد اعتبر عدم إبلاغ أمر الإمامة إلى الناس ، يساوق عدم إبلاغ الرسالة نفسها من الأساس ، وذلك يعني. أنه لا يمكن
التسامح فيها والمحاباة ، ولا مجال لإبعادها وتعطيلها لأن ذلك يعني إبعاد الدين وتعطيله ، ومنعه من أن يكون هو سيد الموقف ، وصاحب القرار في حياة الإنسان ، وفي مجمل مواقفه.
فما بلغت رسالته! :
وبعد أن عرفنا : أن القضية ليست قضية شخص ، وإنما هي قضية الرسالة ، أن تكون ، أو لا تكون : حتى لقد قال تعالى ، مخاطبا نبيه صلىاللهعليهوآله ، في مجال الحث على حسم أمر الإمامة (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) بعد أن عرفنا ذلك .. فإن المنع من إبلاغ الرسالة والإمامة معناه حرمان الإنسان والإنسانية من الهداية الإلهية ، والرعاية الربانية ، وليس هناك جريمة أعظم وآخر من ذلك ...
المعارضون؟!
وقد أفصح القرآن لنا عن وجود فئات من الناس كانت تقف في وجه الرسول صلىاللهعليهوآله مباشرة ، وتمنعه من بيان أمر الإمامة وإقامة الحجة فيها ، حتى أحتاج إلى طلب العصمة من الله سبحانه ليتمكن من مواجهة هؤلاء ، وكبح جماحهم.
فمن هم هؤلاء الأشرار الأفاكون ، والعتاة المجرمون؟!.
الجواب :
إن كتب التاريخ والحديث ، والسيرة زاخرة بالشواهد والدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ، التي تكشف لنا القناع عن وجه هؤلاء ، وتظهر مدى تصميمهم على رفض هذا الأمر ، ومحاربته ، وطمسه ومنابذته ، بكل ما أوتوا من حول وقوة.
ونحن في مقام التعريف بهم ، والدلالة عليهم نبادر إلى القول : إنهم ـ للأسف ـ قوم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقريش بالذات. قريش ، التي حاربت الإسلام في بدء ظهوره ، وحاربته ، وهو غض طري العود ، ثم حاربته بعد أن ضرب بجرانه ، وعملت
على زعزعة أركانه ، حينما أرادت حرمانه من العنصر الضروري والأهم للحياة وللاستمرار والبقاء. وأعني به عنصر الإمامة والقيادة.
والنصوص التالية خير شاهد على سياسات قريش هذه .. فلنقرأها بتمعن ، وصبر ، وأناة.
النصوص الصريحة :
قال عثمان بن عفان لابن عباس :
«لقد علمت : أن الأمر لكم ، ولكن قومكم دفعوكم عنه» ثم تذكر الرواية له كاملا آخر ، وجواب ابن عباس له ، فكان مما قال :
«فأما صرف قومنا عنا الأمر ، فعن حسد ـ قد والله ـ عرفته ، وبغي ، والله ، علمته بيننا وبين قومنا» (٤).
وحين ظهرت نتائج الشورى التي عينها عمر بن الخطاب ، قال رجل من بني محزوم لعمار «ما أنت وتأمير قريش لأنفسها». ثم تستمر الرواية إلى أن تذكر : أن المقداد قال :
«تالله ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت. واعجبا لقريش ، لقد تركت رجلا ، ما أقول ، ولا أعلم أحدا أقضى بالعدل ...» (٥).
وخطب أبو الهيثم بن التيهان بين يدي أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، فقال :
«إن حسد قريش إياك على وجهين ، أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ ، وارتفاع الدرجة : وأما شرارهم فحسدوك حسدا انغل القلوب ، وأحبط الأعمال ، وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدمك إليها الحظ ، وأخرهم عنها الحرمان؟ فلم يرضوا أن يلحقوك حتى طلبوا يسبقوك ، فبعدت ـ والله ـ عليهم الغاية ، وأسقط
__________________
(٤) قاموس الرجال ٦ / ٣٧ ، وشرح النهج للمعتزلي ٩ / ٩ ، والموفقيات : ٦٠٦.
(٥) قاموس الرجال ٦ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ٢ ١ / ٢٦٦ و ٩ / ٥٧ ـ ٥٨. وفي كلمات المقداد رحمهالله عبارات أخرى صريحة في ذلك : فلتراجع.
المضمار : فلما تقدمتهم بالسبق ، وعجزوا عن اللحاق بك بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله أحق قريش بشكر قريش ...» (٦).
وعمرو بن عثمان بن عفان أيضا قال : «ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان ـ إلى أن قال : ـ فيا ذلاه ، أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب ـ قتلة عثمان ـ أحياء يمشون على مناكب الأرض ...» (٧). يقولون هذا مع أنهم يعلمون : أن الحسن كان يدافع عن عثمان وهو محاصر في داره ..
وعن علي بن الحسين عليهالسلام ، أنه قال : ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا (٨).
ودخل العناس على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث : فإذا رأونا سكتوا : فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ودر عرق بين عينيه (٩).
وسئل الإمام السجاد عليهالسلام ـ وابن عباس أيضا : لم أبغضت قريش عليا عليهالسلام؟!
قال : لأنه أورد أولهم النار ، وقلد آخرهم العار ... (١٠).
__________________
(٦) الأوائل ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧.
(٧) الاحتجاج ١ / ٤٠٣ ، وا لبحار ٤٤ / ٧١.
(٨) شرح النهج للمعتزلي ٤ / ١٠٤ ، والبحار ٤٦ / ١٤٣ ، ونقل عن الطبعة الحجرية ٨ / ٦٧٦ و ٧٣٠ ، وراجع : الغارات ٢ / ٥٧٣.
(٩) مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١ / ٢٠٧ ه ٢٠٨ ، وراجع ص ٢١٠ ، وسنن ابن ماجة ١ / ٥٠ ، وحياة الصحابة ٢ / ٤٨٧ و ٤٨٨ ، نزل الأبرار ٣٤ ـ ٣٥ ، وراجع : تاريخ المدينة ٢ / ٢٣٩ و ٦٤٠ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ٣٣٣ ، وتلخيصه للذهبي ، بهامش نفس الصفحة ، ومنحة المعبود ٢ / ١٤٧ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٢٦٩ ،. والجامع الصحيح للترمذي ٥ / ٦٥٢ وصححه ، وأسد الغابة ٣ / ١١٠ ، وكنز العمال ١٣ / ٩٠ و ٨٨ ـ ٨٩ و ٨٣ ، و ١٦ / ٢٥٤ و ١٣٥ و ١٢٨ عن عدد من المصادر ، ونقله بعض الأعلام عن الكامل لابن عدي ٦ / ١٨٨٥ ، وعن الكامل لابن أبي شيبة ١٢ / ١٠٨ ، وعن المعرفة والتاريخ ١ / ٤٩٧ و ٤٩٩.
(١٠) المناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٢٢٠.
وعن ابن عباس : قال عثمان لعي عليهالسلام : «ما ذنبي إذا لم يحبك قريش : وقد قتلت منهم سبعين رجلا ، كأن وجوههم سيوف الذهب» (١١).
وقريب منه ما روي أن ابن عمر ، قد قاله لعلي أمير المؤمنين عليهالسلام أيضا (١٢).
وروي : أن العباس قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن قريشا ، جلسوا : فتذاكروا حسابهم : فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ... وحسب نص آخر : أن ناسا من الأنصار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إنا لنسمع من قومك ، حتى يقول إلا قائل منهم : إنما مثل محمد مثل نخلة (١٣).
ويقولون أيضا : قد كان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان (١٤).
وقال المقداد : واعجبا لقريش ، ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم (١٥).
وقال الثقفي : كانت قريش كلها على خلافه مع بني أمية (١٦).
وبعد بيعة عثمان تكلم عمار فذكر : أن قريشا هي (التي صرفت هذا الأمر عن أهل البيت ، ثم قال المقداد لعبد الرحمن بن عوف. «يا عبد الرحمن ، أعجب من قريش ، وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ، قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعده من أيديهم. أما وأيم الله يا عبد الرحمن ، لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم
__________________
(١١) معرفة الصحابة لأبي نعيم ، الورق ٢ ٢ مخطوط في مكتبة طوب تبوسراي رقم ١ ٤٩٧ / أ ، وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ٩ / ٢٣.
(١٢) المناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٢٢٠.
(١٣) راجع : مسند أحمد ٤ / ١٦٦ ، ولسان العرب ١٥ / ٢١٣. والبحار ٣٦ / ٢٨٨ / ٢٩٤ ، والنهاية في اللغة ٤ / ١٤٦. والكبا : الكناسة ، والتراب الذي يكنس.
(١٤) شرح النهج للمعتزلي ٩ / ٥٢.
(١٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٣.
(١٦) الغارات ٢ / ٥٧٠ ، وراجع ص ٥٥٤.
بدر» (١٧).
كما البراء بن عازب قد ذكر : أنه حين توفي رسول صلىاللهعليهوآله وسلم تخوف أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم (١٨).
وروي : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قال لعلي عليهالسلام : إن الأمة ستغدر بك بعدي (١٩).
كما أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام بأن في صدور أقوام ضغائن ، لا يبدونها له إلا بعده ، وفي بعض المصادر : إن ذلك كان منه صلى الله عليه وآله وسلم حينما حضرته الوفاة (٢٠).
الخليفة الثاني يتحدث أيضا :
قال عمر لابن عباس وهو يتحدث عن سبب صرف الأمر عن علي عليه السلام : والله ما فعلنا الذي فعلنا معه عن عداوة ، ولكن استصغرناه وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب ، وقريش : لما قد وترها (٢١).
وقال لابن عباس أيضا : كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة ،
__________________
(١٧) مروج الذهب ٢ / ٣٤٣.
(١٨) شرح النهج لابن أبي الحديد. المعتزلي ، الحنفي ٢ / ٥١ /.
(١٩) نزل الأبرار : ٢٦١ ، وتاريخ بغداد ١١ / ٢١٦ ومستدرك الحاكم ٣ / ١٤٢ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة وعن كنز العمال ٦ / ٧٣ والبحار طبعة حجرية ـ ٨ / ٦٢٩.
(٢٠) راجع المصادر التالية : تذكرة الخواص : ٤٥ ـ ٤٦ وكفاية الطالب : ٢٧٢ وفرائد السمطين ١ / ١٥٢ والبحار ٢٨ / ٥٣ ـ ٥٤ وكتاب سليم بن قيس : ٢٢ ومجمع الزوائد ٩ / ١١٨ عن البرار والطبراني وأبي يعلى. والمناقب للخوارزمي : ٢٦ وتاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨ ومقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٣٦ وترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ـ من تاريخ دمشق. بتحقيق المحمودي ـ ٢ ـ ٣٢٢ ـ ٣٢٥ ونور الأبصار : ٧٩ وميزان الاعتدال والمستدرك والبزار وابن الجوزي والخطيب وأبي يعلى وكفاية الأثر : ١٢٤ و ١٥٨.
(٢١) الغدير ١ / ٣٨٩ عن محاضرات الراغب.
فتجفخوا الناس جفخا (٢٢) فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت ، فأصابت (٢٣).
وفي موقف آخر له أيضا معه ، قال الخليفة له : استصغر العرب سنه كما وصرح أيضا بأن قومه قد أبوه (٢٤).
وفي مناسبة أخرى قال : لا ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبدا (٢٥).
وقال أيضا لابن عباس : إن عليا لأحق الناس بها ، ولكن قريشا لا تحتمله ... (٢٦).
قريش في كلمات علي عليهالسلام :
وإذا رجعنا إلى كلمات أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام نفسه فإننا نجده يحمل قريشا مسؤولية كل المصائب والرزايا والبلايا التي واجهها هو وكل المخلصين بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا سيما فيما يرتبط بأمر الخلافة وما نشأ عن ذلك من تمرق ، في جسم الأمة ، وتوزع في أهوائها ثم ما كان من تقاتل وتناحر ، وانحراف عن خط الإسلام وعن مفاهيمه وأحكامه. وإلى يوم يبعثون ..
ونذكر من كلماته عليهالسلام هنا ، ما يلي :
__________________
(٢٢) الجفخ : التكبر.
(٢٣) قاموس الرجال ٦ / ٣٣ و ٤٠٣ وقال : رواه الطبري في أحوال عمر ، والمسترشد في إمامة علي عليهالسلام : ١٦٧ وشرح النهج للمعتزلي ١٢ / ٥٣ وراجع ص ٩ وعبر فيه ب (قومكم وفيه أنهم ينظرون إليه نظر الثور إلى جازره والايضاح : ١٩٩.
(٢٤) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي ١٢ / ٤٦ و ٨١ وفي هامشه عن الرياض النضرة : ٢ / ١٧٣ وراجع : يهج الصباغة ٤ / ٣٦١ وقاموس الرجال ٧ / ٢٠١ و ٦ / ٣٥ عن الموفقيات.
(٢٥) شرح النهج ١٢ / ٢٠ ـ ٢١ عن كتاب بغداد لأحمد بن أبي طاهر وراجع ١٢ / ٧٩ و ٨٥ و ٨٦ و ٨٤ و ٨٠ و ٨٢ ، وكشف الغمة ٢ / ٤٩ وقاموس الرجال ٦ / ٣٩٨ و ٧ / ١٨٨ ونهج الصباغة ٦ / ٢٤٤ و ٤ / ٣٨١ ونقل عن البحار طبع كمباني ٦ / ٢١٣ و ٢٦٦ و ٢٩٢ وعن ناسخ التواريخ (الجزء المتعلق بالخلفاء) : ٧٢ ـ ٨٠.
(٢٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٨ وقاموس الرجال ٦ / ٣٦ عنه.
قال عليهالسلام اللهم اخز قريشا : فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري (٢٧).
وعنه عليهالسلام : فجزى قريشا عني الجوازي فإنهم ظلموني حقي ، واغتصبوني سلطان ابن أمي (٢٨).
وفي نهج البلاغة وغيره ، قال عليهالسلام : اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم : فإنهم قطعوا رحمي وصفروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه زاد في نص آخر فاصبر كمدا ، أو فمت متأسفا حنقا وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي ـ كما قطعوا سنتي ـ لفعلوا ولكن لم يجدوا إلى ذلك سبيلا (٢٩).
وفي خطبة له عليهالسلام : يذكر فيها فتنة بني أمية ، ثم ما فعله المهدي عليه السلام بهم ، يقول :
فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ، ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه (٣٠).
وعنه عليهالسلام : حتى لقد قالت قريش : ابن أبي طالب رجل شجاع. ولكن لا علم له بالحرب (٣١).
وقال عليهالسلام : إني لا علم ما في أنفسهم ، إن الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شانها : فنقول : إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا ، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش (٣٢).
__________________
(٢٧) شرح النهج ، للمعتزلي ٩ / ٣٠٦.
(٢٨) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ٩ / ٣٠٦.
(٢٩) راجع : نهج البلاغة ٢ / ٢٢٧ والمسترشد ، في إمامة علي عليهالسلام : ٨٠ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ٤ / ١٠٤ و ٦ / ٩٦ والغارات ٢ / ٥٧٠.
(٣٠) نهج البلاغة ١ / ١٨٤.
(٣١) الأغاني ١٥ / ٤٥ ونهج البلاغة ١ / ٦٦.
(٣٢) راجع : قاموس الرجال ٦ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ وشرح النهج للمعتزلي إلى ١٢ / ٢٦٦ و ٩ / ٥٧ ـ ٥٨.
وقال عليهالسلام :
«إن العرب كرهت أمر محمد صلىاللهعليهوآله ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه ، حتى قذفت زوجته ، به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها. وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته. ولولا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلما إلى العز والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ، ولا ارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا (٣٣).
ثم فتح الله عليها الفتوح : فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا.
ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة ، قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ... (٣٤).
وفي نص آخر عنه عليهالسلام أنه قال : (فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا (٣٥).
وعنه عليهالسلام : يا بني عبد المطلب ، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي ، كعداوتهم النبي في حياته ، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا (٣٦).
وعنه صلوات الله وسلامه عليه : ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيرا وأنبتني كبيرا ، حتى قبض الله رسوله ، فكانت الطامة الكبرى (٣٧).
__________________
(٣٣) البازل من الإبل : الذي فطر نابه.
(٣٤) شرح النهج للمعتزلي الحنفي ٢٠ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
(٣٥) الأمالي للشيخ المفيد : ٣٢٤.
(٣٦) شرح النهج للمعتزلي ٩ / ٥٤ ونقل ذلك أيضا عن مروج الذهب ٣ / ١٢.
(٣٧) شرح النهج للمعتزلي ٥ / ١٠٨.
وقال له رجل يوم صفين : لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر ، وكنتم أعلم الناس بالكتاب والسنة؟
فقال عليهالسلام : كانت إمرة شحت عليه نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين (٣٨) كما أنه عليهالسلام قد كتب لأخيه عقيل في رسالة جوابية له :
«فإن قريشا قد اجتمعت على حرب أخيك ، اجتماعها على حرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قيل اليوم ، وجهلوا حقي ، وجحدوا فضلي ونصبوا لي الحرب. جدوا في إطفاء نور الله اللهم فاجز قريشا عني بفعالها فقد قطعت رحمي وظاهرت علي ..) وفي بعض المصادر ذكر (العرب) بدل قريش (٣٩).
وأما بالنسبة لمعاوية الخليفة الأموي ، فقد أخبر عليهالسلام : أنه لو استطاع لم يترك من بني هاشم نافخ ضرمة (٤٠).
وبعد ... فإن الإمام الحسن عليهالسلام قد ذكر في خطبة أن قريشا هي المسؤولة عن موضوع إبعاد أهل البيت عن الخلافة فراجع (٤١).
بعض ما قاله المعتزلي الحنفي هنا :
هذا ... وقد أكد المعتزلي الحنفي هنا : هذا ... وقد أكد المعتزلي الحنفي هذه الخليفة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة. ونحن نذكر هنا فقرات من كلامه ، ونحيل من أراد المزيد على ذلك الكتاب ، فنقول :
قال المعتزلي الحنفي : إن قريشا اجتمعت على حربه منذ بويع ، بغضا له وحسدا ، حقدا عليه : فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه وحربه ، كما كانت في
__________________
(٣٨) المناقب لابن شهرآشوب ٣ / ٢١٤.
(٣٩) راج : الإمامة والسياسة ١ / ٥٦ وراجع التالية الغارات ٢ / ٤٣١ وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ٢ / ١١٩ وانساب الأشراف ٢ / ٧٥ بتحقيق المحمودي والأغاني ١٥ / ٤٦ ونهج البلاغة ٣ / ٦٨ ، والدرجات الرفيعة ١٥٦ وعن البحار ـ طبعة حجرية ـ ٨ ٦٢١ و ٦٧٣ وارجع أيضا : نهج السعادة ٥ / ٣٠٢ وراجع ، جمهرة رسائل العرب ١ / ٥٩٥ والعبارات في المصادر متفاوتة فليلاحظ ذلك.
(٤٠) تفسير العياشي ٢ / ٨١. والبخار ٣٢ / ٥٩٢ وعيون الأخبار لابن قتيبة ـ ١ ـ ١٨١
(٤١) راجع : شرح النهج المعتزلي ١٦ / ٢٤ و ٣٣.
ابتداء الإسلام مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تخرم حاله من حاله أبدا (٤٢).
وقال : إنه رأى من بغض الناس له انحرافهم عنه ، وميلهم عليه ، وثوران الأحقاد ، التي كانت في أنفسهم واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم وتذكروا التراث التي وترهم فيما قبل بها والدماء التي سفكها منها وأراقها ـ إلى أن قال : وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله لشدة اختصاصه له وتعظيمه إياه ، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة على رفعة شأنه وعلو مكانه ، وما اختص به من مصاهرته وأخوته ، ونحو ذلك من أحواله.
وتنكر قوم آخرين له : لنسبتهم إليه العجب والتيه ـ كما زعموا ـ واحتقاره العرب ، واستصغاره الناس كما عددوه عليه ، وإن كانوا عندنا كاذبين ولكنه قول قيل ، وأمر ذكر ... (٤٣).
وقال : فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة ، بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله بخمس وعشرين سنة ، وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد وتموت التراث وتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوب الواجدة ويعدم قرن من الناس ، ويوجد قرن ، ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل.
فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه صلىاللهعليهوآله من إظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى أن الأخلاف من قريش والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله ، وتقاعست عن بلوغ شأوه (٤٤).
وقال اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره ، وستر فضائله ،
وتغطية خصائصه حتى محي فضله ومرتبته من صدور الإسلام (٤٥).
وقال : إن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض ـ إلى أن قال : ولست ألوم العرب ، ولا سيما قريشا في بغضها له ، وانحرافها عنه ، فإنه وترها وسفك دماءها. وكشف القناع في منابذتها ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم (٤٦).
هذا وقد أشار إلى بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخرى من كتابه فليراجعها من أراد (٤٧).
المتآمرون في كلمات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
ونحن إذا رجعنا إلى كلمات الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم المنقولة لنا بصور متعددة وفي موارد مختلفة فإننا نجد : أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يؤكد على معرفته بنوايا المتآمرين من قومه قريش ، تجاه أهل بيته عموماً ، وأميرالمؤمنين علي عليه السلام بصورة خاصة ، وقد تقدّم عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم بعض من ذلك ، وما تركناه أكثر من أن يحاط به بسهولة ، ويسر ، لكثرته وتنوّعه.
ويكفي أن نذكر هنا : أنّ تأخيره : بلاغ ما اُنزل إليه في شأن الامامة والولاية ، قد كان بسبب المعارضة الكبيرة التي يجدها لدى قريش ، التي كانت لا تتورّع عن اتّهام شخص الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والطعن في نزاهته ، وفي خلوص عمله ونيّته.
وقد صرّحت طائفة من النصوص المتقدّمة بأنّ قريشاً كانت رائدة هذا الاتجاه ، وهي التي تتصدّى ، وتتحدّى ، وإليك نموذجاً آخر من تصريحات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الدالّة على معرفته بهؤلاء المتآمرين ، ووقوفه على حقيقة نواياهم :
ا ـ قال الطبرسي : قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهما
__________________
(٤٥) شرح النهج ١٨ / ١٨.
(٤٦) شرح النهج ١٤ / ٢٩٩ ونقل أيضا عن نثر الدر ـ للآبي ـ ١ / ٣٤٠ ما هو بمعنى ما ذكر.
(٤٧) راجع : شرح النهج ٩ / ٢٨ و ٢٩ و ٥٢ وج ٤ / ٧٤ ـ ١٠٤.
السلام : أن الله أوحى إليه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن يستخلف عليا عليه السلام ، فكان يخاف : أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه : فأنزل الله : هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه .. (٤٨).
المراد ب (هذه) الآية) قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ...).
٢ ـ وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه لما أمر بالبلاغ لأمر الإمامة قال : إن قومي قريبو عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم.
وأني أخاف ، فأنزل الله : (يا أيها الرسول بلغ ...).
٣ ـ وعن الحسن : ضاق بها ذرعا وكان يهاب قريشا : فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة (٥٠).
٤ ـ عن ابن عباس أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في غدير خم إن الله أرسلني إليكم برسالة ، وأني ضفت بها ذرعا مخافة أن تتهموني وتكذبوني ، حتى عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد ... (٥١)
٥ ـ وعن الحسن أيضا : إن الله بعثني برسالة : فضقت بها ذرعا وعرفت : أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل الله : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ...) (٥٢).
٦ ـ وعن ابن عباس وجابر الأنصاري : قالا : أمر الله تعالى : محمدا صلى الله عليه وآله وسلم : أن ينصب عليا الناس فيخبرهم بولايته فتخوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك فأوحى الله : (يا أيها
__________________
(٤٨) مجمع البيان ٣ / ٢٢٣.
(٤٩) شواهد التنزيل ١ / ١٩١.
(٥٠) مجمع البيان ٣ / ٢٣٣.
(٥١) شواهد التنزيل ١ / ١٩٣.
(٥٢) الدر المنثور ٢ / ٢٩٨ عن أبي الشيخ.
الرسول بلغ ...) (٥٣).
٧ ـ عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نزل بخم ، فتنحى الناس عنه ، ونزول معه علي بن أبي طالب : فشق على النبي تأخر الناس ، فأمر عليا فجمعهم ، فلما اجتمعوا قام فيهم ، متوسد (يد) علي بن أبي طالب فحمد الله ، وأثني عليه ، ثم قال :
«أيها الناس إنه قد كرهت تخلفكم عني ، حتى خيل إلي : أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ...» (٥٤).
٨ ـ ويقول نص آخر : أنه لما أمر صلىاللهعليهوآلهوسلم بنصب علي عليه السلام : خشي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قومه ، وأهل النفاق والشقاق : أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية لما عرف من عدواتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي عليه السلام من العداوة والبغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس.
ثم تذكر الرواية : أنه انتظر ذلك حتى بلغ مسجد الخيف فجاء جبرئيل. فأمره بذلك مرة أخرى ولم يأته بالعصمة ثم جاء مرة أخرى في كراع الغميم ـ موضع بين مكة والمدينة ـ وأمره بذلك ، ولكنه لم يأته بالعصمة.
ثم لما بلغ غدير خم جاء بالعصمة فخطب صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس ، فأخبرهم : أن جبرئيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالى بنصب علي عليه السلام إماما ووليا للناس ـ إلى أن قال : وسألت جبرئيل : أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم ـ أيها الناس ـ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم : يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم وكثرة أذاهم لي في غير مرة ، حتى سموني
__________________
(٥٣) راجع : مجمع البيان ٣ / ٢٣٣ وتفسير العياشي ١ / ٣٣١ وتفسير البرهان ١ / ٤٩٨ وشواهد التنزيل ١ / ١٩٢ والغدير ١ / ٢١٩ و ٢٢٣ و ٣٧٧ وعن المجمع ، وعن روح المعاني ٢ / ٣٤٨.
(٥٤) راجع : مناقب علي بن أبي طالب ـ لابن المغازلي ـ ٢٥ والعمدة لابن البطريق ـ ١٠٧ ، والغدير ١ / ٢٢ عنه وعن الثعلبي في تفسيره ، كما في ضياء العاملين.