رحلة سبستياني

الأب جوزيبه دي سانتا ماريا الكرملي

رحلة سبستياني

المؤلف:

الأب جوزيبه دي سانتا ماريا الكرملي


المترجم: الأب د. بطرس حداد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٦

الفصل الواحد والثلاثون

السفر الى بغداد ـ اعتقالي في العمارة

بعد ان ذهب الصيف وولى وتخلصنا من حره اللاهب ، الذي لم يعطنا مجالا للاستراحة ولاسترجاع قوانا ، قررنا السفر ، فركبنا في العاشر من ايلول دانكا يدفع باربعة مجاذيف ، وكان السفر متعبا للجسم والنفس ، فقد كان رقادنا قليلا ، اذ نضطر إلى التناوب في الحراسة خوفا من هجوم الاعراب او الاسود ، فقد سمعنا زئيرها في احد الايام قريبا جدا منا.

في التاسع عشر من ذلك الشهر وصلنا الى الحي ، فمكثنا فيها يومين ، امضيناهما في غرف احد المساجد ، لكننا لم نذق طعم الراحة لكثرة الذباب ...

كان من المنتظر ان يرسل قادر باشا (١) احد خدامه الى هذه البلدة يرافقنا الى بغداد ، فيعد الخيول ويصرف علينا كل الضروريات ، وبالرغم من أن هذا الرجل كان مرموقا وشهما ، فقد نال الطمع من قلبه ، فعوضا عن الخادم المنتظر ، عهد بنا الى جندي انكشاري كان مسافرا الى بغداد ، فصعد معنا على القارب دون اي يدفع لنا فلسا واحدا ، كما ان الجندي قدم لنا خيلا من جنس رديء ، كان يسوسها مكاري صغير السن قليل الخبرة لكنه سليط اللسان ، وقد طلب مني ، دون مقدمات ، ان ادفع ثمن الحصان للحال ، مدعيا ان الاتفاق «مع قادر باشا» لم ينص على هذا العدد من الخيول ... فسرنا في طريق

__________________

(١) قادر باشا : ذكره المؤلف في الفصل السابق (الرحلة ص ٢١٨) فقال عنه (هو من الاشخاص المسلمين المرموقين (في البصرة) ، قدم لنا دانكا يحملنا الى الحي ، ومن هناك نسافر الى بغداد بطريق البر. فيكون السفر ابدع واكثر امنا ، وذلك لقاء ٣١٥ عباسية ، وبشرط ان لا ندفع اي ضريبة اخرى».

١٠١

بغداد ... اخيرا اخذنا قاربا وعبرنا فرعا من فروع دجلة ، وبعد ان دفعنا اجرة العبور ، دخلنا الى قرية صغيرة اسمها العمارة ، فنزلنا في اسطبل ، وهناك قدم رجال الكمرك ففحصوا امتعتنا بتدقيق كبير ، فلم يجدوا شيئا يجلب الانتباه ، ثم باشروا بتفتيش المسافرين الاخرين ، فوجدوا عند احد الخدام تمثالا صغيرا من العاج ، ولم اكن اعلم عنه شيئا ، لاني كنت قد منعت الخدم منعا باتا من حمل اشياء تثير الشكوك وتجذب الانظار فما ان وجدوا التمثال حتى بانت على وجوههم امارات الاستبشار والانتصار ... فاخذوا يهددون ... املين ان ندفع لهم فدية عالية من اجل استرجاع التمثال ... فذكرنا لهم باننا نسافر الى بغداد بحماية قادر باشا الذي يعرفونه حق المعرفة ويهابون جانبه ويخشون بطشه ، وقلنا لهم اذا ما تجاسرتم واخذتم رسوما منا ، فانه سيعوضنا الواحد باثنين ، لكن احتجاجاتنا كلها لم تفد شيئا ولم تزعزعهم عن عنادهم ... لقد اصروا على انتزاع شيء من المال ، وكان الجندي الانكشاري المرافق لنا مستعدا للكلام وتهدئة النقاش ، اما لدفع المال فهو غير مستعد البتة. فاضطررت اخيرا إلى ان ادفع قطعتي عباسي ثم ثلاثا لرجال الكمرك الذين يطلق عليهم اسم (؟) Sassi ففرحوا للوهلة الاولى ، ثم عادوا يلحون طالبين المزيد اي عشرين قرشا ، ولم يكتفوا بهذا المبلغ بل راحوا يطلبون مئة قرش! بالحقيقة لم يكن معي الا ٢٥ قرشا (فقد وضعت الباقي جانبا لتكملة سفري الى بغداد) فقدمت ما عندي وحاولت التملص من الورطة بمختلف الاعذار ، لكنهم لم يقبلوا ، وهكذا مضى الليل دون ان نرقد ، لقد ملأت الكآبة نفسي بسبب هذه الجزية الظالمة ، وكان الذباب يحوم حولي مثل ما حدث لنا في الحي ، كما ان الخيل بحركاتها وصهيلها الدائم لم تدعني اغمض عيني.

وعند الصباح دعوت مرافقنا الانكشاري واسمه محمد باشا ، وطلبت منه ان يحل المشكلة فيدفع اقل مبلغ ممكن ، وسأؤدي المبلغ الذي يتفقون عليه من عندي. فأجابني انهم لن يرضوا باقل من مئة قرش ، واعلن انه لن يدفع فلسا واحدا من عنده ، وبعد هذه المداولة قرر السفر حالا الى بغداد ، بينما نمكث نحن في البلدة ، وسيحاول ان يجد في بغداد ، حلا لمشكلتنا ويرسل

١٠٢

امرا عاجلا من هناك ، وطلب مني تحرير رسائل الى الاباء الكبوشيين في بغداد ليساعدوه على حل المعضلة.

تبعد بغداد عن تلك البليدة نحو ثلاثة ايام ، ولا بد من يوم اخر من اجل المراجعات الرسمية ، اضافة الى ثلاثة ايام اخرى من اجل ارسال الامر الينا ، وهذا يعني ان نمكث هنا اسبوعا ، فبقينا مع الترجمان ، وهو رجل مسيحي مسكين ، كان صابئيا فتنصر ، كما بقيت الخيول والاحمال معنا ونحن في اسطبل قذر ، تحت رحمة اناس كانوا ينظرون الينا نظرة شذراء ، ويداهمنا من جهة اخرى خطر الهجوم علينا ، لان اعراب البادية يمرون بتلك القرية بصورة دائمية.

اردت ابقاء العسكري معي ، ودفع ما تبقى عندي من دراهم ، فرفضوا ، ثم طلبت السفر بنفسي الى بغداد لاسرع في التوسط والحصول على الحل الضروري لمشكلتنا ، لكن الرجال حجزوني مع الاباء الاخرين ووضعوا اليد على الاغراض ، لذلك كتبت رقعة الى الاباء الكبوشيين وسلمتها الى العسكري ، فامتطى حصانه وسار برفقة رجال مسلحين ، اما نحن فبقينا في ألم لا ضفاف له ، اذ نرى الحاضرين يضحكون علينا ويستهزئون بنا ، وزاد من حزننا أننا لم نحصل على طعام.

كان من جملة المسافرين على ظهر السفينة ، رجل يهودي من حلب ، كان قادما من الهند الى البصرة ، وكان الرجل عاقلا ومهذبا للغاية ، ويظهر انه من رجال حلب المرموقين ، وكنت قد سمعت ان الافرنج يلاقون صعوبات من قبل اليهود عند مرورهم بحلب ، لذا حاولت كسب عطفه والتودد اليه لعله يفيدني في سفري. وعلى اثر هذا التقارب اخذ يكلمني عن اعماله ، فاخبرني ان له اعمالا واسعة في البصرة ولذلك فانه سيمكث فيها فترة من الزمن ، وطلب مني ان احمل الى بعض ذوي قرابته رزمة فيها الماس ثمين ، وزودني برسائل الى جماعته في حلب فيها توصيات بحقي ، لقد كان حمل تلك الرزمة خطرا كبيرا ، فامتنعت من استلامها ، لكن الح علي ، خاصة بعد ان سبقني بالفضل وكتب رسائل التوصية ، ثم قيل لي انه لا خطر علي طالما اسافر في حماية قادر

١٠٣

باشا ، وهكذا قبلت باستلام الرزمة ووضعتها مع بقية الاغراض. وفي اليوم السابق لوصولنا الى العمارة ، ضممت الصرة في مكان اخر! لو عثر رجال الكمرك عليها لوضعوا اليد عليها من كل بد ... ان وجود هذه الرزمة معي كان يقلقني ، فلو عادوا الى التفتيش فقد يعثرون عليها. وهكذا اخذت افكر بالخطر المحدق بنا ، وبحالتنا التعيسة في ذلك الوسط الغريب ، ثم وجدت حلا قد يخلصني من ورطتي وذلك بتقديم خمس قطع من فئة العباسي الى رئيس البلدة «على سبيل الرشوة طبعا!» فامر رجال الكمرك بتخفيض الرسوم والاكتفاء بثلاثين قطعة عباسية (الى جانب ما دفعناه سابقا!) فقبلوا بالاقتراح فدفعت المبلغ اليهم للحال. ثم طلبوا سبع قطع عباسية اخرى للكاتب ، وقطعتين للمرافق ، فظهر لي ان طلباتهم لن تنتهي ، وفي هذه الاثناء امتطيت حصاني وركب رفاقي ايضا ، فاسرعنا في السير. وعند وصولنا الى النهر دفعنا من جديد ضريبة اخرى سبع قطع عباسية ... ثم رأينا شابا من رجال الكمرك يركض في اثرنا ، لقد كان يطلب بوقاحة ظاهرة شيئا من المال ، فتابعنا السير دون ان نعبأ به ، اما هو فحاول قطع الطريق علينا ، فاسرعنا في السير وبعد ان ابتعدنا قليلا التفتنا الى الوراء فرأيناه يلحق بنا ، ففتحنا النار واطلقنا بعض العيارات في الهواء ، فرجع على عقبيه ، واطلق ساقيه للريح ، وعندما رأينا انفسنا بامان نزلنا عن خيولنا لنستريح ، لاننا لم نذق طعم النوم منذ اربع ليال او خمس ، وتناوبنا فترات الحراسة اثناء النوم خوفا من الاعراب ...

وصلنا الى بقعة رملية بيضاء ، تحدها من جهة غابة صغيرة ومن الجهة الاخرى اعني وراءنا النهر ، فذهب المكاريون الى شاطىء النهر ليستريحوا ، اما نحن فقد انزلنا الاحمال عن الخيل ، وكان ظلام الليل دامسا ولا اثر لضوء القمر ، وبالرغم من ذلك فقد اكتشفنا وجود رجال يقدر عددهم بخمسة وعشرين شخصا ، مسلحين بالحراب والسيوف ويحمل بعضهم الدروع والمقاصل «الطبر؟». فاخذنا نصرخ دون انقطاع «رح ، رح» معتقدين ان صراخنا يؤثر فيهم او يخيفهم ، ثم فكرنا بان نطلق بعض العيارات النارية ، وكانوا هم ايضا يصرخون ، لكننا لم نفهم معنى صراخاتهم. ثم اخذ المكاريون الذين معنا

١٠٤

يصحيون «فرنجي ، فرنجي ، كبير دوسيت» (١) (اعني هنا افرنج ، ولهم مسدسات عديدة).

وبالحقيقة فقد عمت البلبلة صفنا ، وملأ الخوف انفسنا. واخذ اولئك الرجال يتقدمون نحونا ، فاصبحت المسافة بيننا كافية لتصويب الرماح ، فامتطينا الخيول بسرعة ، وصحت باحد رفاقي ان يطلق النار عليهم حتى يخافوا فيهربوا ، او على الاقل يبتعدوا عنا قليلا ، لكنه لم يفعل ، فاعدت الصراخ ثانية وثالثة ، وتناولات المسدس لاطلق النار بنفسي ، رباه! ما اتعس تلك اللحظات ، اني كلما تذكرت تلك الحالة المريرة التي كنت فيها يعود الهلع فيغمر نفسي! اي منظر رهيب : اعراب واتراك كثيرون ، والوقت منتصف الليل وفي منطقة مقفرة في بلاد بعيدة ، لا امل هناك ولا معين ...

كنت على وشك الضغط على الزناد ، وفي الوقت نفسه اتوقع ضربة رمح من الطرف المقابل ، واذا بي اسمع صوتا يقول : بادري (٢) ، محمود جلبي! في تلك اللحظة انفتحت علي ابواب السماء وبعثت حيا ، فألقيت السلاح جانبا ، واسرعت الى مصدر الصوت فلحقني رفاقي ، واذ تعرف علي محمود جلبي ، صرخ من فرحه ونزل عن حصانه فتعانقنا طويلا ...

اما محمود جلبي هذا ، فهو انكشاري ، تعرفت عليه في البصرة ، حالته المالية جيدة ، وله مكانة اجتماعية مرموقة ، وهو مهذب للغاية. وكنت قد اودعت عنده سلة كبيرة وضعت فيها اثمن ما عندي من اغراض ليحملها الى بغداد. وكان هناك رجل انكشاري آخر ، اصله من كانيا (٣) التقيت به في البصرة وربطتني واياه اواصر الصداقة وهو من ديار بكر ، وكان قد اتى الى البصرة لبيع بعض الشباب المملوكين الغريغوريين «الارمن». وكان من بين اولئك الشباب

__________________

(١) وردت هذه الالفاظ في الاصل.

(٢) كلمة ايطاليةPadre تعني الاب ، اعتاد المسيحيون في العراق اطلاقها على الكهنة والرهبان الاجانب ، ونرى ان الاصطلاح دخل الى الموصل بدخول الكبوشيين الايطاليين ، ويجمعها المسيحيون على بواتر وباتريه وباتريي!.

(٣) ميناء رئيسي في جزيرة كريت.

١٠٥

واحد ماهر على آلة تشبه البيانو القديم ، وعوضا عن الاصابع الخشبية الطارقة ، لها اوتار تنقر باظافر من الفضة ، وفي نهاية الاصابع حلقات لشد الاوتار (١) وسمعت الشاب ينشد ابياتا من الشعر التركي وهو يضرب على الالة ، فكان الصوت والنغم خير تعبير عن طبيعة ذلك الشعب وغطرسته ...

كان محمود جلبي قد ترك البصرة منذ شهر فسافر في الدانك الى بغداد ، وفي تلك الليلة بالذات كان قد مل من السفر بالدانك فنزل الى اليابسة مع بعض التجار ، وتبعه اعراب كثيرون ، فساروا في طريق بغداد ، نظرا الى ان الدانك يتأخر نحو ستة ايام ليصل الى بغداد ومن ثم لتعرجات دجلة الكثيرة .. هكذا سرنا برفقة محمود جلبي الى بغداد ، لانه الح علينا ان نكون معه لنتخلص من الاخطار ...

عندما اقتربنا من بغداد ، لمحنا رجلا راكبا حصانه ينهب الارض نهبا متجها نحونا ، فعرفنا انه القبوجي (٢) Capigi اعني مساعد رئيس الانكشاريين ، ويحكم البلد في غياب الوالي الذي توفي منذ مدة قريبة ، واذ تعرف علينا باننا افرنجة ، اقترب مني وسلمني رسالة من الاباء الكبوشيين القاطنين في بغداد ، فعرفت منها ، ان القبوجي يتوجه الى العمارة حاملا امرا الى رجال الكمارك ليتركونا وشأننا ، وعلينا ان ندفع للقبوجي عشرة قروش ، فطلبت منه ان يعود الى المدينة ويخبر الاباء المذكورين بقربنا من بغداد ، كما طلبت منه ان يترك باب المدينة مفتوحا حتى وصولنا ، لان الساعة متأخرة فاستدار الرجل وعاد ادراجه يسابق الريح ... وقد ساعدنا محمود جلبي عند باب المدينة وفي الكمرك ، وهكذا دخلنا المدينة ووصلنا الى دير الكبوشيين دون ان تصيبنا اذية ما.

__________________

(١) اعتقد ان المؤلف يتكلم عن آلة القانون المعروفة.

(٢) القبوجي : كلمة تركية ، معناها الحرفي «البواب» وهي من وظائف ذلك الزمان واطلقت في الاصل على حاجب السلطان او رسوله في مهمة خاصة ، ثم انتشر استعمالها في الولايات الاخرى.

١٠٦

الفصل الثاني والثلاثون

السفر الى الموصل

عندما بلغ خبر دفعنا الرسوم [في العمارة] الى آغا الانكشاريين ، فانه امر الصوباشي (١) بان يتحقق في القضية ويتخذ حالا الاجراءات اللازمة لاظهار الحق ، ففتش في قائمة السيكورتا ، وهي قائمة باسماء الموظفين ومراتبهم ، ومحل عملهم (والاحتفاظ بنسخة من هذه القائمة في الديوان ، عادة جيدة عند العثمانيين لانها جزيلة الفائدة في حالات كهذه). وامر الاغا ان تعاد الينا المبالغ التي ابتزت منا في العمارة ، وان يلقى القبض على اولئك الموظفين ويقادوا الى بغداد ليتلقوا العقاب وهو عادة ضربات العصي. لكننا فكرنا مليا بالامر ، واردنا ان نكون ارحب صدرا واكثر عفوا لان المسامح كريم ، فقبلنا استرجاع المبالغ ورفضنا انزال العقاب بالموظفين ، وكانت المبالغ قد وصلت الى يد الصوباشي فنزل صاحبنا عند طلبنا ، واراد ان يظهر سخاءه الواسع وكرمه الحاتمي وذلك بتوزيع المبالغ المذكورة توزيعا عادلا كما ادعى ، على القبوجي والكاتب وبقية الموظفين الذين اهتموا بقضيتنا.

سمعت عند وصولي الى بغداد ، بان قافلة كبيرة تستعد للسفر الى حلب ، وكان من جملة المسافرين فيها اخوان اثنان للقس الياس ، الذي سبق ان ذكرته اكثر من مرة ، فرأيت الفرصة سانحة ، نظرا لوجود من يرافقني ، ولا سيما السرعة في السفر ، لاني كنت اخاف من حلول موسم البرد والامطار ، فقررت

__________________

(١) لفظة صوباشي او سوباشي تطلق على الموظف الذي يقوم بعمليتين هما اليوم مهمة الشرطة والبلدية ، فهو يوزع الماء ويجبي الواردات ، ثم اخذت هذه الوظيفة تعني ايضا ملازم الجند الذي يقوم باعمال الشرطة.

١٠٧

ان ارحل حالا ، فاعدت الترجمان ، واسمه يوسف ، الى البصرة ، وقد فرح بما اعطيته مجازاة له على مرافقتنا ، وسلمت صرة الالماس العائدة الى اليهودي الحلبي الى وكيله ، فشكرني واثنى علي ، واخذت رسائل عديدة الى حلب فيها توصيات بحقي ، ثم اكتريت اربعة خيول ، واتفقت مع جندي انكشاري يرافقني في سفري لقاء اجر قدره ٩٠ قرشا ، وتعهد الرجل بانه سيخلصني من دفع الضرائب.

اما الاب كوتبغريدو فقد استولى عليه الضعف فتدهورت حالته الصحية ، ولم يكن بمقدوره متابعة السفر ، لذلك تركته في بغداد برعاية الاباء المذكورين كي يتعالج ، حتى اذا ما تحسنت صحته يلحقني الى حلب ...

بعد ثلاثة ايام من وصولنا الى بغداد ، تركتها مع رفاقي الاخرين ، ولم ندفع رسوما عند باب المدينة ، وذلك بفضل الصوباشي ، لانه كان سخيا جدا في ما لا يخصه شخصيا ، وقد غضب حراس الباب من جراء ذلك.

توقفنا خلال الليل على بعد ثلاثة اميال من المدينة. وكنا نعتقد ان عبد الله احد اخوة القس الياس يعرف الايطاليا ، كما قيل لنا ، فخاب ظننا لانه عند الاختبار ظهر لي ان ما يحسنه منها لا يزيد عن كلمتين ، فحزنت في اول الامر ، لكننا اكملنا سيرنا ، وكان يتعلم بعض الكلمات بحيث اخذ يساعدنا عند الحاجة ...

التقينا في الطريق بعدد كبير من الجنود الانكشاريين وهم في طريقهم الى اسطنبول ليلتحقوا بالجيش الذي كان يحارب هنغاريا (المجر) (١) ...

في اليوم الثالث عشر نصبنا الخيام قرب سور الموصل. وكنا قد مررنا في طريقنا بتكريت والتقينا هناك باحد اقرباء سليمان البنا ـ الذي مر ذكره ـ فاكرم الرجل وفادتنا ... ومن تكريت اكملنا سيرنا الى هذه المدينة مع اميرها (اعني شيخ او امير تكريت) الذي كان في طريقه لاستقبال وإلى بغداد الجديد (٢).

__________________

(١) راجع بخصوص هذه الحروب : Von Hammer : op.cit.,vol.١١ ,p.٥٣١ ss.

(٢) هو اوزون ابراهيم باشا (ابراهيم باشا الطويل).

١٠٨

ذهبت انا والاب جيوفاني تاديبو الى دير الاباء الكبوشيين (١) الذين قدموا الى هذه المدينة منذ فترة وجيزة ، فمكثنا عندهم اربعة ايام ، وقد احسن السيد سليمان ضيافتنا خلال هذه الفترة ..

وجدت الموصل في هذه الزيارة مقفرة من السكان بنوع ملحوظ اكثر من الزيارة السابقة ، فقد رأيت طرقا عديدة من دون سكان ، وابواب الحوانيت مغلقة. وعلمت ان التجار واهل الصنائع تركوا اعمالهم وهربوا الى كردستان تخلصا من دفع الضرائب الباهظة.

وفي فترة وجودي في ام الربيعين ، حضرت الاحتفال الذي اقيم بمناسبة وصول والي بغداد الجديد الى الموصل قادما من اسطنبول ، فقد خرج والي الموصل (٢) ، لاستقباله على بعد ميل خارج المدينة وكان الاحتفال عظيما ، والجدير بالذكر ان مراسم الدخول الى المدينة هي اعظم مما يصنع لملوكنا في اوروبا (٣).

كان موكب الاستقبال مؤلفا ، في الواقع ، من عدد كبير من الجنود والموظفين الرسميين ، وكان الجنود على ظهر الخيول ، وفي الموكب رايات كثيرة ، وطبول وابواق وازياء غريبة لكنها مصنوعة من اقمشة عادية غير ثمينة ، وكان هناك وسادة واحدة «تخت الوالي» مغطاة بقماش من النوع العادي ، وكانت ثابتة تحت قضبان المحمل لا تتقدم مع الموكب ، ويتم الجلوس عليها حسب الطريقة الاسيوية اعني القرفصاء وقد اطلقت المدفعية من اعلى السور مرتين بالقبرات الحديدة ، لكن الطلقتين لم تكونا قويتين جدا ، مما جعلني اضحك على جهل المدفعيين وخوفهم من المدافع.

__________________

(١) راجع الملحق رقم (٢٠)

(٢) كان والي الموصل انذاك احمد باشا.

(٣) كان العثمانيون يهتمون كثيرا بالمظاهر الخارجية ، وفي اجراء المراسم والاحتفالات الكبيرة كي تعطي انطباعا جيدا في رعاياها فيؤمنون بعظمة المملكة. وقد قال ذلك احد الرهبان الاجانب الذين عاشوا فترة في حلب ، وحضروا تلك الاحتفالات».

١٠٩
١١٠

الفصل الثالث والثلاثون

السفر الى حلب

لبث في الموصل عبد المسيح الاخ الكبير للقس الياس ، بينما رافقنا اخوه الاصغر عبد الله ، وقد اشار علينا ان نأخذ زقا من الخمر ، فحملناه مخفيا في كيس وقد كان جزيل الفائدة لنا ، لاننا كنا نقاسي البرد الشديد اثناء الليل.

(...) رافقنا من بغداد اسقف ارمني ، وقد تحدثت معه طويلا اثناء السفر ، ودعوته احيانا الى تناول الطعام معنا ... وقد تجاذبنا اطراف الحديث خاصة في المواضيع الدينية ، ولاحظت فيه ميولا كاثوليكية ، وكان قد قرر ان يترك ابرشيته (١) ويلتجىء الى روما ... فطلب مني توصية بحقه عند القنصل الفرنسي في حلب ليسهل له الابحار ...

والتقيت ايضا بقسيس ارمني ... له ميول الاسقف نفسها ... وقبل ان نفترق اطلعهما عبد الله على حقيقة امري باني مطران فتملكهما العجب ، واظهرا نحوي مشاعر الاحترام والاكرام ...

في اليوم التالي وصلنا في قافلة صغيرة الى قوجحصار ... وقد طلبوا مني رسوما مضاعفة بحجة وجود رسائل معي ، وكانوا يريدون فتحها والاطلاع على فحواها ، وكانوا يشكون فيّ باني جاسوس ، او قنصل فرنسي لدى ايران ، لكن المكاري انقذني ...

في نهاية تشرين الاول وصلنا الى اورفا ، فحللنا فيها اربعة ايام ، منتظرين قافلة كبيرة كانت تتهيأ للسفر الى حلب ... اخذونا الى نبع ابراهيم وهو نبع

__________________

(١) ابرشية هي الولاية الكنسية ، يديرها الاسقف او المطران ، وهذه الالفاظ يونانية الاصل.

١١١

يعقوب ايضا ، واهل المدينة يحترمون هذا الموضع ويجلونه ، وتقوم فوق النبع قناديل كثيرة ، وقد فرشوا السجاد حول الينبوع ... ويقوم بخدمة المكان شيخان ، يدّعيان انهما من سلالة ابراهيم ، وهما غنيان جدا ولهما ضيع واطيان واسعة وهما فخوران جدا بشرف محتدهما ، بحيث عندما قدّم السلطان مراد الى المدينة في طريقة الى بغداد لينقذها «من الفرس» ، لم يذهبا لزيارته ، بل اصرا ان يأتي هو بنفسه إلى عندهما ، ففعل دون ادنى امتعاض.

ان الينبوع المذكور يخرج من تحت اسس المسجد ليصب في حوض كبير فيه سمك ، وماؤه صاف جدا ، يقوم عن يمين الحوض مسجد فخم له اروقة تطل على الفسقية ، والى اليسار حديقة غناء وفي الحوض اسماك جميلة ، امر السلطان المذكور ان يقدم لها كل يوم مئة رغيف من الخبز طعاما لها. كما ان المؤمنين الذين يؤمون المكان طلبا للسقاء ينثرون الخبز للاسماك ، ولا يسمح بصيد تلك الاسماك بتاتا ، وان تجاسر واحد فصاد سمكة فيقاصص بقطع يده (١).

وعلى مسافة قريبة من الحوض ، توجد بركة اخرى يطلق عليها اسم بركة عبدة ابراهيم ، ويقولون ان هذه العبدة سقطت من القلعة العالية في الحوض. ويقوم على جانبي البركة عامودان جميلان للغاية ينسبونهما الى نمرود Nembrot ويروون عن هاتين البركتين الف حكاية ...

__________________

(١) ذكر هذين الحوضين تافرنيه (رحلته المعربة ص ٤٦) وغيره من الرحالين «... نهر ابراهيم الذي يؤلف هناك بحيرة صغيرة تسمى بركة ابراهيم مياهها عذبة يوجد فيها سمك كثير يزعمون انه يخص ابراهيم فلا يصطادونه غير ان المسيحيين لا يعبأون بذلك فيصطادونه كلما سنحت لهم الفرصة ..» الغزي : المرجع المذكور ج ص ٥٤٢.

١١٢

الفصل الرابع والثلاثون

في حلب

زارني في حلب بطريرك السريان اندراوس ، يرافقه اخوه المطران (١) ، وكلاهما والحق يقال مرآة تعكس جميع الفضائل ، خاصة البطريرك ...

واذ كنت في حلب بلغني ان بطريرك الارض قد قدم الى المدينة هاربا من القدس ... وكان في حلب بطريرك اخر للطائفة الارمنية ، وهو رجل طيب المعشر (٢) ... وعند ذهابنا الى الاسكندرونة لقرب اقلاع السفينة ... رافقنا ابن اخ البطريرك واسمه بالفارسية خودا فردى وبالعربية عبد الله ، وعمره نحو عشرين سنة ... وكان يريد السفر معي الى روما ...

__________________

(١) هو القس بهنام روجيجان الذي صار اسقفا لحلب باسم ديونسيون في ٢٠ اب ١٦٦٢ (عناية الرحمان ص ٥٣ ـ ٥٤ ، رباط ٢ / ٦ و ١٣).

(٢) نعتقد ان البطريرك الهارب من القدس هو اليعازر ، اما البطريرك الذي كان في حلب فهو كاشادور ، وكان يميل الى اعتناق الكثلكة ، وقيل انه انتمى الى الكنيسة الرومانية على يد الرهبان الكبوشيين (رباط : وثائق خطية ١ / ٤٦٤ و ٤٧١).

M. B. Poujeutat : Voyage dans I\'Asie Mineure vol. ١, p. ٩٠٤.

١١٣
١١٤

الفصل الخامس والثلاثون

لمحة عن الامبراطورية العثمانية وتحليل حالتها (١)

لقد تجولت في انحاء هذه الامبراطورية الواسعة اربع مرات ... ونظرا لما رأيت بأم عيني وما سمعت من اشخاص جديرين بالثقة اقاموا مدة طويلة في مختلف مدن هذه الامبراطورية ، او من مواطنيها على اختلاف مللهم ونحلهم ، اعتقد انه بامكاني ان اؤكد صحة ما اكتبه.

ان نصف سكان هذه الامبراطورية هم اتراك ، اما النصف الاخر فيتكون من مسيحيين : كاثوليك ويونانيين «يريد اروام» وسريان وارمن ونساطرة واقباط ، هذا الى جانب اليهود الكثيري العدد ، اذ يبلغ عددهم في اسطنبول وحدها نحو مئة وخمسين الفا ، كما يسكن في المملكة دروز وعرب وتركمان واكراد وبوذيون. وبالرغم من ان هؤلاء الاقوام يدينون بالاسلام ... لكنهم يرفضون الخضوع للسلطة العثمانية ، ولذا نراهم يشنون الهجمات الواحدة تلو الاخرى على السلطة في مختلف الولايات ولا تقتصر غاراتهم على القوافل والمسافرين بل على المدن المحصنة نفسها ، كما حدث اكثر من مرة بالنسبة الى : البيرة وارفا وقوجحصار ونصيبين ومدن اخرى عديدة ، اضف الى ذلك الاتاوات التي يأخذونها من المسافرين. فهم بعملهم هذا يعتبرون انفسهم خارج الامبراطورية اذ لا يعترفون بسلطتها ، وقد اقفرت المدن ، من جراء تلك الهجمات ، كما ان هؤلاء يرفضون الانخراط في الجيش التركي ، وكانوا يؤدون بعض الضرائب للحكومة فيما سبق ، ولكنهم امتنعوا عن تأديتها نظرا لثقلها

__________________

* اهملنا الفصول السابقة فموضوعها يدور عن السفر الى اوروبا ، وقد عربنا هذا الفصل لما فيه من فائدة عامة بخصوص الامبراطورية العثمانية المندثرة.

١١٥

عليهم ... ان التجار انفسهم اخذوا يهربون الى الجبال او الى ايران ... للسبب نفسه ، اعني كثرة الضرائب.

هناك عامل اخر ادى الى ابعاد السكان عن المدن ، اضافة الى ثقل الضرائب ، الا وهو الحروب المتتالية ... فالحروب تدمر وليس هناك من يعمر ... والمدن الخربة لا تعد ولا تحصر ، واثار الخراب بادية للعيان على طول الطريق بين بغداد والموصل ، لا بل حتى في اورفا وحلب واسطنبول وازمير ...

ليس بالامكان رؤية اكثر من خمس عشرة مدينة كبيرة وعلى جانب من الاهمية في تلك الامبراطورية ، اما الاماكن الاخرى فليست سوى قرى وبليدات لا غير ، والقسم الاكبر من هذه المدن يميل الى الخراب وقد تركه اهله ، اضف الى كل ذلك الصحراء العربية الشاسعة ، وبادية ما بين النهرين وكلدية ، والولايات الاخرى ، بحيث يسير المسافر اسابيع كاملة دون ان يمر بمكان مأهول يستحق الذكر.

ان المدن العامرة والمأهولة بالسكان (تقع في القسم الافريقي او الاوروبي (من الامبراطورية). واعتراف الولايات الافريقية بالسلطة التركية اسمي فقط ... فهذه مصر حاقدة على السلطان وترفض الخضوع له (١) ، ولهذا السبب تضطر الحكومة الى تجميد قسم كبير من القوات في مصر ، وهذا يؤدي الى إنفاق اموال طائلة.

اما اسطنبول والاماكن القريبة منها فيسكنها شعب غفير وسبب ذلك واضح ، لانها مركز الثقل وفيها البلاط. وقد يتهيب الاوروبيون من الامبراطورية العثمانية لان مصدر الاخبار التي تردهم هي على الغالب من اسطنبول ، وهناك تظهر الامبراطورية بمظهر اعظم بكثير مما هي في الحقيقة.

بامكاني ان اؤكد بكل حق ، اني في المرات الاربع التي طفت بها ارجاء الامبراطورية ، رأيتها تسير من سيىء الى اسوأ. ورأيت المدن تقفر من

__________________

(١) Von.Hammer : op.cit.,vol.١١ ,p.٩٦ ss.

١١٦

سكانها ... فالموصل على سبيل المثال ، كانت مكتظة بالسكان في زيارتي الاولى ، بينما رأيتها مؤخرا مقفرة وقد غادرتها اكثرية سكانها.

والحوانيت مغلقة ، لان اصحاب الصنائع والمهن والتجار كانوا قد هربوا الى جبال الاكراد ... اذ لم يبق لهم ما يقدمونه للضريبة العثمانية الجشعة.

ولقد اضعفت الامبراطورية وانهكت قواها حربها الطويلة مع البندقية ... لقد بدأ الاتراك يشعرون بسوء احوالهم ، وقلة الارزاق ، منذ ان بدأت هذه الحرب.

أما عن الطاعون فحدث عنه ولا حرج ، فقد كان منتشرا في ارجاء الامبراطورية ، وما ان تتخلص منه ولاية حتى تبتلى به ولاية اخرى ، لقد اضعف الطاعون قواها وشل حركتها.

ومن اسباب اضعاف الامبراطورية وانهاكها ، الحروب الاهلية والثورات التي كانت تنشب هنا وهناك. وعلى سبيل المثال الحرب التي شنها حسن باشا والي حلب ، لقد هزت هذه الثورة آسيا الصغرى كلها وبلاد ما بين النهرين ومختلف الولايات ثم استطاع مرتضى باشا خداعه فقطع رأسه ورؤوس اتباعه (١) وكانوا كلهم من القادة المحنكين ومن كبار موظفي الدولة. وبعد فترة انقلب ظهر المجن فحدث لمرتضى باشا ولاتباعه ما حدث لعدوه وقضي عليهم على يد احد امراء الاكراد بالقرب من الموصل ، وذلك بتحريض من الصدر الاعظم (٢) ، ان هذه المكائد حرمت الامبراطورية من رجال قديرين فاهمين (٣).

قد يعتقد البعض ان عدد الجنود الهائل الذي ارسله العثمانيون في الحرب الاخيرة ضد الامبراطور يكذب اقوالي ، لكني اعود فاقول بان عدد الانكشاريين كان قليلا دائما ، اما غالبية المحاربين المسلحين جمعت من الرعاع ، دون اعداد كامل لحمل السلاح كما ظهر بوضوح فيما بعد ...

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، الغزي : نهر الذهب في تاريخ حلب ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

(٢) كلشن خلفا ص ٢٦٠.

(٣) Von.Hammer : op.cit.,vol.١١ ,p.٠٦ ss.

١١٧

ملاحق الكتاب

الملحق رقم (١)

راجع الحاشية (٣) صفحة ١٦

فرانسوا پيكيه Francois Piquet ويكتبه البعض بيكيت وپيكيه ، ولد في مدينة ليون (فرنسا) في ١٢ نيسان ١٦٢٦ ، عينته حكومته قنصلا لها في حلب سنة ١٦٥٢ ، وكان يرعى في الوقت نفسه مصالح الهولنديين. عاش حياة فاضلة وكان غيورا على امور الدين والدولة. قدم خدمات كثيرة لنصارى الشرق ، ويعود اليه الفضل الاكبر باقامة المطران اندراوس بطريركا للسريان الكاثوليك. كان دمث الاخلاق وطيب المعشر فاحبه اهل حلب مسلموها ونصاراها.

عاد الى بلاده سنة ١٦٦٢ فاقام فيها نحو ثماني سنوات ، انخرط خلالها في سلك رجال الدين فرسم قسيسا سنة ١٦٦٣ ثم اسقفا على سرار وبوليس في مقدونيا. فنصبه البابا اقليمسس العاشر نائبا رسوليا عاما على بلاد ما بين النهرين طبقا لبراءة مؤرخه في ١٥ / ١ / ١٦٧٥ وفي ١٦ / ٩ / ١٦٧٧ ارتقى السيد پيكيه الى الكرامة الاسقفية. ابحر الى الشرق في ١١ / ٩ / ١٦٧٩ اذ اختاره الملك لويس الرابع عشر سفيرا له لدى بلاد الشام ، فعاد الى الشرق مارا بسوريا ومنها الى ايران. توفاه الله في همدان في ٢٦ / ٨ / ١٦٨٥ راجع عنه : بطرس سارة : ترجمة السيد فرانسوا پيكيه في مجلة المشرق ٢٣ (١٩٢٥) ص ٩٤ ـ ١٠٦ ، ١٧٨ ـ ١٩٣ ، ٢٥٢ ـ ٢٦٤ ، ٣٥٥ ـ ٣٧٢ كذلك «اخبار سفر المونسنيور فرنسيس بيكيت الى بلاد ارمينيا والعجم (١٦٨١ ـ ١٦٨٤) كتبها

١١٨

السيد اثناسيوس سفر العطار السرياني اسقف ماردين مرافق المسافر وترجمانه نشرها الخوري اسحق ارملة السرياني : المشرق ٣٢ (١٩٣٤) ص ١٠٩ ـ ١٣٠ ، ٢٨٢ ـ ٢٩٥ ، ٤٤١ ـ ٤٥٩ ، ٥٩٢ ـ ٦٠٨ ، طالع رباط : وثائق خطية ١ / ٩٦ و ١٠٣ و ١٠٤».

افادنا الاستاذ كوركيس عواد مشكورا «ان اخبار سفر المونسنيور فرنسيس بيكيت طبعت على حدة وقد أخذت عن المشرق».

الملحق رقم (٢)

راجع الحاشية (١) صفحة ١٨

قيل ان الكلمة Zecchino هي تصحيف كلمة «سكة» العربية ، وهو نقد من الذهب يختلف باختلاف البلاد الغربية والبلاد الشرقية ، ففي البندقية كان (الزكينو) يساوي اثني عشر فرنكا فرنسيا من الفرنكات القديمة ، وفي البلاد الشرقية كان يساوي من سبعة فرنكات الى تسعة.

ريجاردكوك : بغداد مدينة السلام ترجمة فؤاد جميل والدكتور مصطفى جواد (بغداد ١٩٦٧) جزء ٢ ص ٤٠.

العزاوي : تاريخ النقود العراقية (بغداد ١٩٥٨) ص ١٣٢.

الملحق رقم (٣)

راجع الحاشية (٣) صفحة ١٨

قامت في منطقة الرها مملكة دعيت باسم «أورهاي» Osroene وعاصمتها مدينة الرها Edessa او اورفا ، وقد تسمى اكثر من ملك باسم ابجر ، اما القصة التي يدور الكلام عليها في رحلتنا فتخص الملك ابجر الخامس او كاما (أي الاسود) الذي عاصر السيد المسيح. وملخص القصة ان هذا الملك اصيب بالبرص. وقد بلغته اخبار المعجزات والاشفية التي كانت تجري على يد السيد المسيح ، فكتب اليه معترفا بألوهيته وبرسالته السامية وملتمسا الشفاء ، ودعاه للمجيء الى مملكته ليتخلص من عداء اليهود وشرهم ،

١١٩

فاجابه يسوع بان رسالته يجب ان تكمل في فلسطين ، ووعده بارسال احد تلاميذه الى مملكته بعد صعوده الى السماء.

وقد ذكر المؤرخ الكنسي اوسابيوس القيصري هذه القصة في كتابه «تاريخ الكنيسة» الكتاب الاول : الفصل ١٣ / ١ ـ ٢٠ الطبعة العربية ترجمة القس مرقس داؤد : القاهرة ١٩٦٠ ص ٥٧ ـ ٦٢». وادعى اوسابيوس انه حصل على صحة تلك المعلومات من ارشيف مملكة اورهاي. لكن المؤرخين المتأخرين ينكرون صحة تلك الحكايات وينسبونها الى زمن انتشار المسيحية في مملكة اورهاي على عهد ابجر التاسع (١٧٩ ـ ٢١٦) وهو اول من تنعم من الملوك الاباجرة. وقد نشرت القصة في بعض لغات اوروبا ، منها : G. Phillips : The Doctrine of Addai, the Apostle. (London ٦٧٨١) Duge, Paris ٢١٩١, tome ١, col. ٣١١

وقد جاء في كتاب صورة الارض لابي قاسم ابن حوقل النصيبي ، في كلامه عن الرها : «والغالب على اهلها النصارى وبها زيادة على ثلثمائة بيعة ودير ذي صوامع فيه رهبانهم وفيها البيعة التي ليس للنصرانية اعظم ولا ابدع صنعة منها ... وكان فيها منديل لعيسى بن مريم ...» (ليدن ١٩٣٨) ط ٢ ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

الملحق رقم (٤)

راجع الحاشية (١) صفحة ٢٢

يعقوب النصيبيني من اشهر رجال الكنيسة الكلدانية ـ المشرقية في المائة الرابعة للميلاد ، ولد في نصيبين ، وسقف عليها سنة ٣٠٩ وله مؤلفات ورسائل. توفي سنة ٣٣٨ شيد كنيسة فخمة (٣١٣ ـ ٣٢٠) ، وينسب اليه بناء دير في جبل قردو ، كما انه سعى الى تأسيس مدرسة عهد بادارتها الى تلميذه مار افرام ، وقد لعبت هذه المدرسة دورا ثقافيا وفقهيا مهما في حياة الكنيسة.

ان الضريح الذي شاهده سبستياني في الكنيسة هو تربة القديس يعقوب قال ادي شير عن هذه الكنيسة «ضبطها اليعاقبة من الكلدان في منتصف الجيل الماضي» تاريخ كلدواثور ج ٢ ص ٤٢.

١٢٠